أي دور للمجتمع المدني في الحياة الوطنية؟
أفرد الدستور الجديد بعضا من مواده للمجتمع المدني تحسبا للدور المطلوب منه أن يلعبه في المستقبل في ظل متغيّرات سياسية ومجتمعية تعرفها البلاد في الظرف الحالي.ويرتبط الحديث عن أي دور للمجتمع المدني في العالم و في الجزائر، بجملة من المتغيّرات السياسية والإيديولوجية والاجتماعية والمادية، فكما هو معلوم فإن الكثير من منظمات وفعاليات المجتمع المدني ترتبط ارتباطات عضوية و غير واضحة في بعض الأحيان بأحزاب سياسية وتنظيمات، وبتيارات سياسية وإيديولوجية و اقتصادية، وتتلقى منها الدعم السياسي و المادي المباشر وغير المباشر، ما يؤدي إلى الطرح السؤال، كيف يمكن لهذه التنظيمات المدنية أن تؤدي دورها كسلطة مضادة، وتساهم في تعميق الديمقراطية و بسط الحريات، وهي مقيّدة بالارتباطات سالفة الذكر؟.
و الحديث عن المجتمع المدني عندنا يأخذ في الحقيقة مسارين مختلفين قد يصلان إلى حد التناقض في بعض الأحيان، الأول هو  ذلك الكلام النظري والسياسي عن دور كبير يقوم به المجتمع المدني، ، سواء أصدر عن رسميين أو على لسان بعض  من الذين يرون أنفسهم فاعلين في هذا المجال.
 أما المسار الثاني فهو الذي يهوي بنا مباشرة إلى الواقع المعاش، والذي يعطي فكرة أولية صادمة  عنوانها الأبرز غياب الفعالية في الحياة العامة إلى حد كبير، وخفوت صوت المجتمع المدني، والذي يفتح أبوابا واسعة على  بعض الاتجاهات- حتى لا نقول الانحرافات- التي سارت فيها تنظيمات عديدة تحسب على المجتمع المدني، وإن كانت الصورة ليست بهذه القتامة لأن هناك إرادات مدنية بدأت تشع نوعا من الضوء.
وإذا سلمنا بأن مصطلح المجتمع المدني يشير بالمعنى العام إلى كل أنواع الأنشطة التطوعية التي تنظمها  جماعة معينة من المواطنين حول قضية ما، سواء لدعمها أو للتأثير على السياسات الخاصة بها التي تضعها الحكومات، سواء بالدعم أو بالضغط- وإذا اتفقنا على أن المجتمع المدني يضم مجموعة من المنظمات غير الحكومية التي لا تعمل من أجل الربح المادي، والتي تنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم  الأشخاص الذين ينتمون إليها والذين يتقاسمون نفس الأفكار والمرجعيات بخصوص المسألة المقصودة.
غير أن الذي يجب أن يتفق عليه الجميع هنا هو أن الخاصية المشتركة التي تجمع كل هذه التنظيمات والأشخاص هو الاستقلالية مبدئيا عن الحكومات وعن تأثيرات القطاع الخاص، وهو  ما يسمح لها بأداء دورها كما ينبغي وتحقيق الأهداف.
 بمعنى آخر فإن منظمات المجتمع المدني هي سلطة  مضادة لا تتحكم فيها السلطات القائمة ولا تؤثر عليها وعلى اتجاهات ما تقوم به لخدمة المسائل التي أنشئت من أجلها، وهذا ما يؤدي في نهاية المطاف إلى  دعم وتعميق الديمقراطية في أي بلد يكون فيه المجتمع المدني نشطا و حيويا.
التعدّدية تفتح آفاقا جديدة للمجتمع المدني
 ومن هذا المنطلق نحاول إجراء إسقاط بسيط على تنظيمات المجتمع المدني عندنا لنقف على واقع هذه الأخيرة، وعلى ما تقوم به ومدى نشر الوعي حول مسألة من المسائل التي تؤدي في الأخير إلى التأثير على السياسات والخطط  الخاصة بمجال من المجالات.
لو نعود كثيرا إلى الوراء يمكننا القول بأن أشكال متعددة من المجتمع المدني والمنظمات الأهلية قد لعبت دروا مهما في تأطير وتوعية المجتمع الجزائري إبان الحقبة الاستعمارية، وساهمت في التعبئة وخلق الوعي السياسي والمدني المناهض للاستعمار، كما ساهمت في تربية الأجيال والقيام بأدوار تعليمية وتثقيفية إلى حد كبير، على غرار الزوايا وجمعية العلماء المسلمين والنوادي الثقافية و الرياضية فضلا بعض النقابات.
بعد الاستقلال أيضا لعب المجمع المدني أدوارا مهمة بما يتناسب ومتطلبات تلك الحقبة الصعبة من تاريخ البلاد، ولا يمكن القفز هنا على تلك المهام التي قامت بها منظمات مهنية على غرار الاتحاد العام للعمال الجزائريين و اتحاد الشبيبة والكشافة الإسلامية الجزائرية و تنظيمات الفلاحين وغيرها.
إلا أنه وبعد إقرار التعددية السياسية و إصدار قانون الجمعيات رقم 31/90  المؤرخ في 4 ديسمبر 1990،  ومع دخول البلاد في  مرحلة جديدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وما صاحب ذلك من تطورات درامية بعد ذلك، طرأ تحول واضح في مفهوم العمل الجمعوي ودور المجتمع المدني، وتغيرت النظرة إلى الدور المنوط بهذا الأخير.
وبطبيعة الحال فإن أهم فعاليات المجتمع المدني التي كانت  تنشط قبل التعددية ومنذ الاستقلال على غرار الاتحاد العام للعمال الجزائريين وغيره ظلت وفية لخطها في مساندة سياسات السلطة القائمة ودعم خياراتها وسياساتها والترويج لها، بالمقابل ظهرت فعاليات أخرى تطلبتها المرحلة لها نظرة أخرى ومفهوم جديد لدور المجتمع المدني.
الريع.. سلاح ذو حدين..
بعد إقرار التعددية السياسة في بلادنا نهاية ثمانينيات القرن الماضي وفتح المجال السياسي والإعلامي والجمعوي باعتماد القانون 31-90 الخاص بإنشاء الجمعيات، طرأ نوع من التحول في مفهوم المجتمع المدني، ولكن أكبر من ذلك في وظيفته ومهمته ودوره الأساسي في المجتمع، وفي جزائر ما بعد الحزب الواحد.
لقد ظلت التنظيمات الجمعوية القديمة التي كانت موجودة في عهد الحزب الواحد تنشط كما في السابق، وهي بصورة أو بأخرى قد اندمجت أو أدمجت في الخطاب السياسي  العام، وفي التوجه الشامل للسلطات العمومية، وعليه ظلت وفية لمواقفها السابقة.
وعلى هذا المنوال سايرت تنظيمات المجتمع المدني هذه سياسة وتوجهات السلطات العمومية في تلك المرحلة التي أعقبت إقرار التعددية السياسية وبقيت كذلك إلى اليوم،  تحت قناعة ثابتة لديها عنوانها الكبير «الوقوف دائما إلى جانب الوطن خاصة في المحطات المصيرية و المراحل الصعبة»، بل وأكثر من ذلك فهي على قناعة تامة بأنها ساهمت بفعالية في إنقاذ البلاد وبقاء الدولة.
وبمقابل هذه المواقف  تحصلت هذه الفعاليات المجتمعية على مزايا وامتيازات عديدة كالدعم المادي المباشر، والدعم السياسي، والمقرات، والوسائل الخاصة بالعمل، وترقية بعض إطاراتها سواء في سلم الوظائف العليا في الدولة أو في مناصب أخرى سياسية انتخابية وغيرها.
في الجهة المقابلة  منح القانون 31-90 فرصة من ذهب لإنشاء منظمات مهنية و وطنية و جمعيات عديدة في مختلف القطاعات ومناحي الحياة الاجتماعية لفئات جديدة من المجتمع وناشطين ربما لم يكونا مستوعبين ضمن أطر المجتمع المدني السابق  في عهد الحزب الواحد.
 فعاليات مجتمعية متحررة من رقابة الحزب الواحد ودوائر أخرى لها أهداف وطموحات مغايرة، هذه الفعاليات الجديدة لها مفهوم خاص للمجتمع المدني، ومفهوم خاص أيضا لدوره ومهامه خاصة في المراحل الجديدة التي أقبل عليها المجتمع.
 ودائما ما تتناقض هذه الرؤية و رؤية الفعاليات التقليدية للمجتمع المدني، فالفعاليات المدنية الجديدة «المستقلة» تتهم التنظيمات القديمة بالزبائنية السياسية، ونسج علاقات مبهمة بالسلطة السياسية القائمة مقابل الحصول على الريع والدعم المادي المباشر وغير المباشر، بل  وقد سبق للعديد من الفاعلين في هذا الصدد أن اتهموا السلطات العمومية بترويض المجتمع المدني أو محاولة فعل ذلك،  أو خلق مجتمع مدني مواز يكون أداة وسندا لها في مختلف المراحل.
نفس الشيء كذلك يقال على بعض التنظيمات الجديدة التي تلاحقها  تهم بنسج علاقات غير طبيعية مع بعض الأحزاب السياسية والولاء لها بناء على معايير واعتبارات أيديولوجية، وربط علاقات غير واضحة أيضا مع منظمات غير حكومية دولية، تتلقى منها التمويل والدعم ولو على  حساب مصالح الوطن وسمعته في بعض الأحيان.
 وإلى هذا يضاف العامل الإيديولوجي والسياسي والعلاقات الأسرية وعلاقات القرابة وعلاقات المصالح التي تبقى مهيمنة على طريقة تسيير الكثير من الجمعيات.
 والواقع أن الجمعيات و المنظمات الجماهيرية التي شكلت في وقت سابق بعد الاستقلال مدارس حقيقية للتكوين السياسي والمجتمعي و التأطير و قيادة الحملات التطوعية الكبرى التي عرفتها البلاد في عديد الميادين لم تعد كذلك منذ تسعينيات القرن الماضي حيث جنحت نحو السياسة على حساب دورها الطبيعي.
 وأضحى ترؤس نقابة مهنية أو منظمة وطنية، أو جمعية جسرا لبعض مسؤوليها نحو الوصول إلى الثورة والسلطة ونسج علاقات  نفوذ مع أصحاب القرار، و استغلال مواسم الانتخابات والمناسبات الوطنية الكبرى لتحقيق المزيد من المصالح الذاتية على حساب جوهر العمل المدني  كما  يقتضي الأمر.
 واللافت  في هذه النقطة أن بعض القائمين على تنظيمات مدنية ممن يحسبون أنفسهم معارضين أو مستقلين وقعوا هم أيضا في هذا الفخ، سواء بربط علاقات مع بعض النافذين في الداخل أو مع رؤساء أحزاب تحسب على المعارضة، وأرباب عمل أو مع  منظمات غير حكومية في الخارج  يستفيدون منها في الحصول على بعض التمويلات أو السفريات للمشاركة في ملتقيات دولية خارج الوطن، وهذا على الرغم من صعوبة الحصول على التمويل الخارجي الذي يشترط القانون أن يمر عبر القنوات الرسمية وتحت رقابة مصالح الدولة.
وعلى العموم ظلت علاقة الكثير من الجمعيات والتنظميات المهنية و النقابية أو الفعاليات التي تحسب على المجتمع المدني غير واضحة تماما مع مؤسسات الدولة والرسمية وغير الرسمية، وكذلك الشأن بالنسبة لمعايير الحصول على الدعم غير شفافة تماما أيضا.
ولكن الصورة ليست قاتمة، كلها فهناك نقاط ضوء كثيرة في  العمل المدني  في بلادنا،  حيث ظهرت العديد من الجمعيات ذات البعد التطوعي والعمل الخيري والمحافظة على البيئة وغيرها، أبطالها شباب ونساء وكبار  صادقين في عملهم، وقد أنجزوا العديد من الأعمال المشهود لها والمعترف بها في مساعدة المرضى  بمختلف أنواعهم والمعاقين، وقدمت الدعم والمساعدة لفئات هشة في المجتمع عند  حدوث الكوارث الطبيعية أو في أوقات الشدة، وهي مسجلة ولا يمكن لأحد نكرانها، وما جرى منذ بداية تفشي وباء كوفيد 19 في بلادنا لخير دليل على ذلك.
 واليوم والبلاد تعد أكثر من 120 ألف جمعية فإن الثابت بصورة عامة هو أن صوت المجتمع المدني يبقى خافتا إلى حد ما و لا يسمع إلى مسافات بعيدة.
 ويبقى السؤال الكبير هل سيحسن المجتمع المدني استغلال الفرصة الذهبية التي منحها الحراك الشعبي السلمي للثاني والعشرين فبراير 2019، والفرصة التي منحتها جائحة كوفيد 19، وقبل ذلك وبعده دسترة المجتمع المدني في القانون الأسمى الجديد لينطلق  من جديد نحو آفاق واعدة ويساهم بذلك في صناعة مستقبل
 البلاد ؟.               
إلياس- ب

الدكتور عبد السلام فيلالي للنصر
دور المجتمع المدني مرتبط بمساحة الانفتاح و درجة الوعي المواطناتي
يؤكد البروفيسور، عبد السلام فيلالي، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة عنابة بأن المجتمع المدني في الجزائر بدأ يلعب أدوارا منذ بروز الفضاء الحضري، و تجذّر أكثر مع توطين النشاط النقابي والحزبي خلال الحقبة الاستعمارية، وبعد الاستقلال أدت مجموعات العمال والطلبة و تنظيمات أخرى وظائف لا يمكن إغفالها، كما يشدد على أن دور المجتمع المدني مرتبط  أكثر بمساحة الانفتاح والحرية التي تتاح له.
حــــاوره : إلـياس بـوملطة
• هل يمكن الحديث عن مجتمع مدني في الجزائر؟
الدكتور عبد السلام فيلالي: مجازا يمكن الحديث عن المجتمع المدني في الجزائر منذ بروز الفضاء الحضري الجديد وميلاد الطبقة الوسطى في بداية القرن العشرين، واستدماج القيم الليبرالية.
لما استفاد الجزائريون من مظاهر التحديث التي وفرتها المدينة، أولا حين انتبهوا إلى بؤسهم وضرورة تغييره، مهدت لقيام حراك على صعيد المطالبة بالانتقال من وضع الرعية إلى المواطنة سواء عبر ما يتم تلقينه في المدرسة أو عبر ما يتسرب من نقاشات تنقلها الصحافة. عندما نقول الليبرالية فهذا يعني أيضا انتشار أفكار التنوير والعقلانية وتغلغل قيم التسامح والمساواة وفكرة الحقوق إجمالا، وسيعني أيضا الثقافة الجزائرية التقليدية أيضا لدى النخب المحافظة ممثلة حصرا في العلماء الحضريين أو شيوخ الزوايا.
 من هذا تبلورت مطالب المساواة والمواطنة لحركة الشبان الجزائريين، التي تعد في نظرنا التعبير الأول لمفهوم المجتمع المدني في الجزائر المعاصرة، لسوف يتجذر هذا المفهوم أكثر فأكثر مع توطين النشاط النقابي والحزبي في الجزائر، وقد كان قد تهيكل في فرنسا، وأيضا انضم إليه نشأة الصحافة والجمعيات التي كانت جد فاعلة في تاريخ تشكل المجتمع المدني بشكل خاص والحركة الوطنية بشكل عام.
بعد الاستقلال ورغم ما قد يقال، إلا أن تأثير المجتمع كان بارزا، نذكر على سبيل المثال دور الاتحاد العام للعمال الجزائريين في سن قوانين التسيير الذاتي، وكذلك نشاط الطلبة والعمل السياسي السري وبقية التنظيمات التي كانت تدور -نظريا في فلك الحزب الواحد- بيد أنها كانت تؤدي وظائف تتجاوز التقييد القائم.
يمكن إثبات ذلك حينما تبنى حزب جبهة التحرير الوطني المادة 120 ضمن النص الأساسي بمناسبة انعقاد الدورة الرابعة للجنة المركزية في 24 ديسمبر 1980، حين فُرض على إطارات المنظمات الجماهيرية وأعضاء المجالس المنتخبة الانتساب إليه، إلى أن كان التوجه البارز بمأسسة عمل الجمعيات خارج إطار سطوة الحزب سنة 1987، وفي نهاية المسار الذي نعرفه جميعا، بعد تبني خيار التعددية السياسية في دستور 1989، حيث شهدت الجزائر حركية كبيرة لنشاط المجتمع المدني بما استفاد منه من تسهيلات في الاعتماد والتمويل. تردي الأوضاع الأمنية وإفشال عملية الانتقال الديمقراطي أثرت على هذه الحركية، بحيث نستطيع القول إن المجتمع المدني قد أدخل غرفة الإنعاش، هذه الوضعية لا تزال مستمرة بسبب عدم إعادة الاعتبار للعمل السياسي كتدليل عام.
• كيف تقيّمون دور هذا المجتمع المدني بمختلف أشكاله وفعالياته؟
في الجزائر في الوقت الحالي، المجتمع المدني ينتظر بادرات انفتاح،  وفي نفس الوقت يوجد تطلع قوي من لدن السلطات العمومية في أن يلعب أدوارا أكثر فعالية، فقد لاحظنا منح عشرات قرارات الاعتماد لجمعيات وطنية ومحلية.
إن الأزمة الثنائية التي تسبب فيها إجراءات مكافحة انتشار فيروس كوفيد 19 والمرحلة الانتقالية غير المعلنة، قد أدتا إلى حالة انكفاء لفعاليات المجتمع المدني، ولو أنه يجب التأكيد على أهميتها خلال أزمة جائحة كورونا، التي تجلت في نشاط التصدي وجمع التبرعات، بيد أنها تظهر أقل مما هو مأمول.
• ما هي المعوّقات التي تقف حاجزا أمام المجتمع المدني كي يقوم بدوره كاملا على غرار ما هو موجود في دول أخرى؟
دور المجتمع المدني - نظريا- مرتبط بمساحة الانفتاح والحرية التي تتاح داخل المجال السياسي الوطني، وثم درجة الوعي المواطناتي الذي يكون قد نشأ وتطور فيه، إن مختلف القطائع الحاصلة منذ تبني نظام التعددية السياسي، تجعلنا نؤكد على استعادة الثقة المفقودة بالنظر إلى حجم الخيبات التي خلفتها عمليات تزوير الانتخابات ثم هيمنة رموز منظومة الفساد على الحياة العامة في السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع.
يشبه الأمر ما دعوت إليه إلى بناء عقد مواطناتي جزائري، بين من يمتلكون ناصية القرار ونخبة وطنية (من الأحزاب التي لم تتأثر بالتدجين والتلاعب، وشخصيات وطنية من جميع القطاعات)، يوصلنا إلى توافق عام على قواعد عملية سياسية ديمقراطية لا تقصي إلا من يقصون أنفسهم من الذين لا يقبلون متطلباتها ومقتضياتها.
• هل يمكن الحديث عن بيئة معينة- سياسية بالخصوص- كي ينمو ويتطوّر فيها المجتمع المدني ويقوم بأحسن أدواره، أم أن بروز المجتمع المدني هو بحد ذاته مسار من المقاومة والنضال؟
في مؤلفي الجديد الذي سيصدر قريبا وضعت مرتكزات عامة لهذا الاعتبار الذي تفضلتم به، من خلال وضع خطة قابلة للتنفيذ فيما يخص مشروع التغيير والنماء الاقتصادي ، تستدعي تفكيرا تجريديا واستراتيجيا، من خلال ضبط الأهداف ومرحلية نحددها كما يلي:
- أولا، بفهم أداء نسق قيم المجتمع الجزائري، وسيكولوجيته، فلا بد أن نقوم بعملية تحليل علمية ، عبرها نقوم بمواجهة وقراءة نقدية تسمح بتجاوز سلبياتنا وعثراتنا، وهي ممكنة الإدراك حتى من قبل عامة الناس. فيما يتعلق بقيمة العمل والانضباط، أي النجاح في هندسة أفعال مجتمعية تتقبل التغيير وتشارك فيه بشكل بنَّاء، يمكن ضرب مثال في هذا الشأن، امتثال المواطن السويدي لتعليمات الحكومة فيما يخص الوقاية من فيروس كورونا، إذ أنه لا يمكن تحقيق قيمة مضافة في أي نشاط (وفي مقدمتها الإنتاج) دون مشاركة المواطن بشكل طوعي وفعال.
-ثانيا، إننا لا نخترع العجلة حين نؤكد على ضرورة الالتزام بمتطلبات الحوكمة الرشيدة:
أ- لم يعد ممكنا الحديث عن سلامة النظام السياسي دون الالتزام بقواعد وأصول العملية الديمقراطية، بمعنى أن تكون النخبة الحاكمة نتاج اختيار الشعب تخضع للرقابة وتجديد الثقة.
ب- تحقيق النمو الاقتصادي ثم تحقيق التنمية، هو الطاقة المحركة للمجتمع والدولة، هذا لا يتحقق إلا عبر وجود قطاع خاص نشط ومدرك للحاجات الداخلية والتحديات الدولية، والتكنولوجية. بوضع إستراتيجية تنمية بمدى طويل، نقترح تاريخا رمزيا هو عام 2062 ، ذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية الجزائرية المستقلة، على أن نحدد معدل نمو سنوي لاقتصادنا لا تقل عن نسبة 07 بالمائة خلال العشرين سنة القادمة. هذه أهداف معقولة، فلقد خطط رئيس الوزراء الهندي الأسبق مانموهان سينغ لنسبة نمو لا تقل عن 09 بالمائة لمدة عشر سنوات عند بداية تطبيق برنامجه الإصلاحي.
ج- مجتمع مدني فاعل، بمنظومة تربوية عصرية، واستدماج أساليب التنظيم والعمل الحديثة بمؤسسات ذات كفاءة، من خلال تحسين معدلات التنمية البشرية، تتيح تخريج رأس مال بشري عالي التكوين، هذا العنصر مرتبط عضويا بالعنصر الأول. فمن عساه يكرس قيم هذه المنظومة، ويثمن الإبداع والابتكار ويحمي الملكية والحرية، إنه النظام السياسي الذي يعتبر حجر زاوية أي مشروع من حيث ضمان الأمن والاستقرار سياسيا، اقتصاديا، واجتماعيا. يستدعي هذا إعادة تعريف وظائف الدولة بحيث تستجيب لمعايير الحوكمة الرشيدة والتوازن بين السلطات.
• لماذا يبقى المجتمع المدني عندنا ضعيفا أمام الإغراءات ؟
هذا نتاج أوضاع الهيمنة التي تكفلها مراكز التأثير الموجودة حيث يوجد الصالح العام، وهي نتيجة رؤية إشرافية-أبوية للنظام السياسي الذي قام منذ الاستقلال من أجل التحكم في المجتمع. الحل يأتي عبر مسار انتقال ديمقراطي يدرك فيه الفاعلون هذه المواقع بشكل شفاف ومبني على الكفاءة ومن خلال تفعيل آليات الرقابة التي تتجلى أولا في المجالس المنتخبة على الصعيدين المركزي والمحلي.
• ما هي شروط قيام مجتمع مدني حقيقي يشكل فعلا سلطة مضادة في المجتمع، ويساهم في نشر الوعي و تقديم المساعدة، والتأثير على السياسات والتوجهات؟
الشرط الأولي ، مثلما أشرت، مرتبط بعملية الدمقرطة التي تعطي السلطة للشعب وممثليه، والتخلص من الممارسات التي تتم بعيدا عن الأضواء، ثم الشرط الثاني توفير ظروف مناسبة لعملية سياسية ، من حيث احترام أصولها قواعدها (التداول السلمي على الحكم، احترام الحريات وحقوق الإنسان...إلخ). ولنا في تجربة بداية التسعينات درس يجب أن تستوعبه الأجيال القادمة.  
• كثـر الحديث منذ أشهر عن دور محتمل للمجتمع المدني مستقبلا خاصة بمناسبة الدستور الجديد وما نتج عن الحراك الشعبي، هل ذلك ممكن؟
وجود المجتمع المدني هو فرصة بالنسبة لأي دولة، إن تكونه وعمله هو أساسي في كل مشروع مهما كانت صفته، فالأمر هنا لا يتعلق بتفضيلات بل بمحددات من أجل أفضل انجاز وتحقيق الأهداف المجتمعية، لأن معركتنا في الأخير هي في استعادة المجتمع لمؤسساته من أجل خدمة الصالح العام.
فإذا استمرت الممارسات التي على أساسها طرحت عبارة «احتضار السياسة» كتعريف لما عشناه في المرحلة السابقة للحراك، أكيد أننا سنظل نراوح مكاننا وسوف نظل محل تلاعب سواء من قوى خارجية أو من الشعبويين الذين يجيدون استغلال المشاعر والاستحواذ على مقدرات الأمة.
الفرصة لا تزال قائمة، والذين يدركون أهميتها موجودون حيث يجب أن يكونوا، ونحن ننتظر.
إ.ب

 

سمير بورزق رئيس جمعية «شباب نعم نستطيع»
نريد صلاحيات أوسع للجمعيات لجعلها خط الرقابة الأول ضد الفساد
* ننتظر تطبيق ما جاء في التعديل الدستوري  ولم نصادف أي عراقيل في عملنا
قدمت جمعية « شباب نعم نستطيع» الفتية عملا نوعيا ليس فقط في الجزائر العاصمة بل في ولايات أخرى، خاصة في مجال التضامن مع المرضى  والمهمشين، ولكن ظهر دورها أكبر خلال  جائحة  كوفيد 19 التي تفشت في البلاد، وقد أبان أعضاؤها عن تمسك حقيقي بقيم العمل التطوعي المدني، وخاطروا من أجل تقديم المساعدة للمرضى وللطواقم الطبية وعناصر الأمن وغيرهم، وهو ما يفصل فيه رئيسها سمير بورزق في هذا الحوار.
النصر: كم هو عمر جمعية «شباب نعم نستطيع»، وهل هي وطنية أم محلية وكيف جاءت فكرة إنشائها؟
سمير بورزق: جمعية «شباب نعم نستطيع» جمعية شبانية ولائية بالجزائر العاصمة، عقدت لقاءها التأسيسي يوم الخميس 30 أوت 2018 وفيها انتخبت رئيسا لها، وهي ذات أهداف متنوعة و متعددة درسناها بتمعن لجعل الشاب ينخرط بسهولة، و أيضا لتبسيط إدماجه، فبتنوع الأهداف سيجد الشباب ما يتناسب و قدراته، فضلا عن دعمهم بخبرات و تكوينات في عدة مجالات تنمي و تطور مهاراته.
فكرة إنشاء جمعية راودتني منذ مدة طويلة لأني ترعرت في وسط كشفي، كما كنت عضوا مؤسسا في عديد الجمعيات المحلية والوطنية مما أكسبني خبرة و حنكة في مجال تسيير جمعية ، وقبل تأسيسها ساهمت في عدة تظاهرات، كما كنت مع مجموعة من الفيسبوكيين داعمين لفكرة تطوعية كبيرة في سنة 2017 هدفها كان بناء مستشفى للأطفال مرضى السرطان، حيث كان هدفنا إيصال رسالة هؤلاء الأطفال و عائلاتهم للسلطات، و ركزنا على منصات التواصل الاجتماعي و خاصة «فايسبوك» لإبلاغ صوتهم.
 في أي مجال تنشط الجمعية وما هو رصيدها؟
مجالات نشاط الجمعية هي ذات صنف شباب و طفولة حسب الاعتماد، لكن أهدافها متنوعة تشمل الجانب الخيري التضامني التطوعي الذي نركز عليه بصفة كبيرة في جمعيتنا وكذا أهداف شبابية، رياضية، تكوينية وحتى سياحية، رصيدنا في هذا الوقت و الحيز الزمني الضيق مليء بالإنجازات لأننا نركز على النوعية في النشاط.
 من أكبر إنجازاتنا طلاء أطول سلالم بالعاصمة عبر لوحة فنية مازالت ليومنا مكانا لالتقاط الصور، المساهمة في اكبر حفل ختان جماعي بفندق الميريديان وهران .. حفل الختام الذي تميزنا فيه عن بقية الجمعيات و أصبح علامة مسجلة معروفة بحفلة الأحلام على مرتين في السنة، واحدة بمناسبة المولد و الأخرى في شهر رمضان الكريم، إطعام السبيل في فصل الشتاء كل أسبوع إلى أسبوعين إطعام 250 شخصا، حفلات متنوعة و متعددة لعديد الشرائح يتامى، عجزة، مرضى بالمستشفيات .. ونشاطات روتينية دورية أخرى.
لكن تبقى 2020 و هي السنة التي تحصلنا فيها على الاعتماد الرسمي في شهر جانفي هي سنة الانجازات و الميدان بالنسبة لجمعيتنا .. لتزامنها مع انتشار وباء كورونا و لكوننا أول جمعية دعمت ولاية البليدة في بداية الأزمة و خاصة المستشفيات بمساعدات متعددة و متنوعة كنا نتنقل بين ولاية المدية و البليدة حاملين الكمامات للمستشفيات التي كانت تعاني الندرة و الأزمة و في وضع صعب.
وبعدها بعلاقاتنا أشرفنا على وصول القوافل المتعددة، و كنا بالميدان في وقت اختبأت فيه الجمعيات خوفا من هذا الداء الذي كان غريبا في بدايته، هذا الحراك و النشاط أكسبنا شهرة و تضامنا و دعوات من مختلف المجالس و المحاضر و دعوات إعلامية، فلم نتوقف من يومها عن توزيع قفة الأزمة ، قفة رمضان ، قفة العيد ، لحم أضحية العيد و عدة مشاريع أخرى، في رمضان مثلا كنا نشرف على تحضير القفة وتوزيعها، ونوزع وجبات إفطار على حواجز الشرطة و نعاود اللقاء في السهرة لتوزيع مرطبات و وجبة السحور على مختلف حواجز الشرطة و الدرك بالعاصمة.
كما قمنا بتعقيم اكبر جامعة بالجزائر ، جامعة «هواري بومدين» بباب الزوار بالشراكة مع مؤسسة خاصة، وتعقيم اكبر منتزه بالجزائر «الصابلات» بالشراكة مع مؤسسة «نات كوم» .. كما قمنا بعدة حملات تحسيسية و إرشادية للتوعية بخطورة الوباء ، حملات نظافة كبرى على مستوى بلديات بالعاصمة، والإشراف على تعقيم مساجد بلدية براقي، تعقيم مدارس بلدية بوروبة و الإشراف على وضع البروتوكول الصحي بعدة مدارس، تعقيم الكثير من هياكل الدولة،  و مازلنا في الميدان وشاركنا في النشاط الكبير لغرس الأشجار بسد الدويرة في إطار الحملة الكبرى للتشجير التي أطلقتها الحكومة.
 لكن يبقى النشاط المميز في السنة الجارية هو الذي قمنا به بسفارة فلسطين بالجزائر  تعبيرا عن مساندتنا الدائمة للقضية و الذي كان اكبر نشاط تضامني جمعوي و نقلته مختلف المواقع الإخبارية لتزامنه و كلمة رئيس الجمهورية عن موقف الجزائر الثابت اتجاه القضية الفلسطينية.
هل تتلقون مساعدات من الدولة، ما طبيعتها؟
لحد الساعة بما أن اعتمادنا جديد لم نتلق أي دعم مادي من أي طرف كان سواء بلدية أو مديرية الشباب لأننا في الأصل لم نطلب دعما لكوننا جددا في الميدان و كذا لاشتغالنا على الاسم لوضع جمعيتنا في مكانة مرموقة و سط الجمعيات في عامها الأول، و قد وفقنا في ذلك لأبعد الحدود و كل الجهات الرسمية تنسق معنا في مختلف النشاطات و هذا أمر جد صعب في العام الأول.   في العام الجديد ننتظر دعما من مؤسسات الدولة بحجم نشاط و اسم الجمعية .. ولازلنا في انتظار مقر دائم للجمعية سواء من الولاية أو مديرية الشباب والرياضة، هذه الأخيرة تلقينا منها وعودا للمضي في هذا الأمر و السهر على تقديم مقر يساعد على استقرار الجمعية في أقرب الآجال، و قد قمنا بالإجراءات القانونية لتسهيل الأمر.
في فترة «كورونا» تلقينا تسهيلات من سلطات ولاية الجزائر و كذا الدائرة الإدارية لبراقي متمثلة في رخص التنقل الاستثنائية و التي ساعدت حركتنا ونشاطنا منذ البداية خلال أوقات الحجر الصحي.. ودعمتنا بلدية الجزائر الوسطى بقفات خاصة بشهر رمضان قمنا بتوزيعها على مستحقيها، بقية المصاريف و الوسائل كلها وفرناها بعلاقاتنا بمؤسسات خاصة أو بجهد أعضاء الجمعية.
هل صادفتم عراقيل بيروقراطية إدارية أو غيرها في طريق جمعيتكم؟
 لكوننا جددا في الميدان بحكم تاريخ الاعتماد لحد الساعة لم نصطدم بعراقيل بيروقراطية لأننا لم ندفع ملفا إداريا خاصا بالدعم المادي .. هذا التساؤل يمكنني الإجابة عليه في عام 2021 ، الحمد لله النشاط الميداني جعلنا نستقبل في كل المكاتب بالورود لأنهم يعلمون مسبقا أننا سنقدم نوعا من الإضافة و الخدمة لتلك الهيئة أو المؤسسة .. مشكل التراخيص الذي عانت منه العديد من الجمعيات لم يصادفنا لأن سبب التنقل في الغالب كان واضحا للعيان في الميدان .
 كيف ترون دور المجتمع المدني  في الحياة العامة
 دور المجتمع المدني كان و لا يزال فعالا في دعم الدولة في تحقيق أهدافها العامة،  والقادم أفضل بحكم سياسة الدولة الجديدة في ترسيخ دور الجمعيات وإعطائها دورا فعالا، ننتظر صلاحيات أكبر لنا و نطالب دائما بجعلنا الهيئة الرقابية الأولى لأصغر خلية في كيان الدولة و هي البلدية،  و هذا هو السبيل لمكافحة الفساد الحقيقي في اعتقادنا.
 التعديل الدستوري الأخير خص المجتمع المدني والجمعيات بدور مهم مستقبلا كيف يمكن أن يكون ذلك في رأيكم؟
التعديل الدستوري أعطى صلاحيات أوسع للمجتمع المدني الذي أنقذ البلد من كارثة عظمى في عز أزمة عالمية عجزت كبرى الدول عن السيطرة و التحكم فيها، بفضل الله و توفيقه بينت الجمعيات دورها الرائد و الفعال مما فتح لها المجال في التعديل الدستوري لتأخذ حيزا جد هام و هو ما أفرحنا في انتظار التطبيق الميداني للتدابير و التعليمات، ونحن مستعدون للعب دور الحلقة الأهم في التبليغ عن الفساد و مكافحته بكل الطرق و الوسائل المتاحة.                               
إلياس بوملطة

 

عبد الرحمان حمزاوي القائد العام للكشافة الإسلامية
لابد من آليات قانونية تضمن استقلالية الجمعيات عن التأثيرات الخارجية
يعتبر القائد العام للكشافة الإسلامية الجزائرية، عبد الرحمان حمزاوي، أن الحركة الجمعوية عرفت دينامية محسوسة في المدة الأخيرة من خلال إسهامها في دعم جهود الدولة في مختلف المجالات، ويحرص على ضرورة توفر الظروف والآليات القانونية التي تفسح له المجال ليؤدي أدواره كقوة اقتراح وكشريك أساسي للهيئات والمؤسسات العمومية و كآلية رقابية.
النصر: كثـر الحديث في المدة الأخيرة عن دور المجتمع المدني مستقبلا، كيف ترون هذا الدور في ظل السعي لبناء جزائر جديدة؟
 عبد الرحمان حمزاوي: إن الدور الأساسي المنوط بالمجتمع المدني هو المساهمة في تسيير الشأن العام من خلال تأطير النشطاء و المتطوعين والفاعلين في فضاءات جمعوية، وقد عرفت الحركة الجمعوية في الجزائر ديناميكية محسوسة في الآونة الأخيرة و هذا عبر إسهاماتها في دعم جهود الدولة في مختلف المجالات.
و نعتبر بأن من المهام الأساسية التي لابد أن تقوم بها الحركة الجمعوية لتحقيق الديمقراطية التشاركية هو تجميع الجهود و توحيد الرؤى لتحقيق التنمية الشاملة، وتوجيه النخب والكفاءات لتعزيز التماسك الاجتماعي والحفاظ على الوحدة والثوابت الوطنية ودعم الاستقرار.
المتعارف عليه أن المجتمع المدني هو سلطة مضادة، تبقي دائما على مسافة معينة من السلطة والخواص، لكن هناك منظمات مدنية كثيرة في الجزائر تمولها السلطة وتمنحها امتيازات متعددة، كيف يمكن لهذه الأخيرة أن تكون مستقلة في أدائها إذن؟
يعتبر الدور الرقابي من الأدوار الأساسية للمجتمع المدني، إذ تسهر الحركة الجمعوية من خلال مختلف فعالياته على الحفاظ على السير الأمثل للمؤسسات والهيئات، والحفاظ على المال العام من الفساد، وبالتالي فإن هذا الدور الأساسي لابد أن يتم القيام به بعيدا عن التأثيرات الخارجية حتى لا يصبح المجتمع المدني أداة في يد أطراف في السلطة أو يتم توظيفه لأغراض حزبية ، وبالتالي فلابد من توفير الآليات القانونية التي تتيح للجمعيات أن تؤدي هذا الدور مع تقديم الدعم اللازم لها دون أن يخل هذا بأداء أدوارها و تحقيق أهدافها باستقلالية كاملة.
بحكم تجربتكم الطويلة في مجال العمل الجمعوي، ما هي الشروط والبيئة التي يجب  توفيرها كي يؤدي المجتمع المدني دوره كاملا؟
 المجتمع المدني يحتاج بالدرجة الأولى لتوفير الظروف والآليات القانونية التي تفسح له المجال ليؤدي أدواره كقوة اقتراح وكشريك أساسي للهيئات والمؤسسات العمومية و كجهة رقابية، ومن جهة أخرى يحتاج إلى الدعم والمرافقة على جميع المستويات لانجاز المشاريع والبرامج التي يسطرها في إطار المساهمة في تحقيق التنمية الشاملة وتقديم خدمات مجتمعية متنوعة ، كما لابد من إزالة العراقيل البيروقراطية التي تواجه عمل الجمعيات وتعيقها في أداء أدوارها.
كيف يمكن للمجتمع المدني بمختلف مكوناته أن يتخلص من الارتباطات الإيديولوجية، والسياسية والمادية، التي تجعله رهينة في يد قوى معينة، كي يتمكن من القيام بمهمته كاملة؟
 المجتمع المدني يعتبر إطارا مجتمعيا مستقلا عن كل وصاية حزبية و عن أي توظيف لأغراض لا تمت بأي صلة بخصوصيته سواء مالية أو سياسية أو غيرها، كما أن الحركة الجمعوية لا يمكن أن تكون بديلا عن الأحزاب السياسية إذ لكل جهة دورها وأهدافها وبالتالي لابد من وضع نظام لتأطير نشاط الجمعيات يخضع للحكامة والشفافية لضمان عدم حياد الجمعيات عن دورها الأساسي، وتشجيع الجمعيات ذات التمثيل الواسع والحضور الدائم بالبرامج والمشاريع الهادفة ، كما لابد أن تخضع الجمعيات لنظام رقابي لضمان تحقيق الشفافية في التسيير الإداري والمالي.         إلياس بوملطة

 

 

الرجوع إلى الأعلى