تأبى الأندية الجزائرية الاستفادة من دروس الماضي، والاقتداء بالفرق الناجحة سواء في أوروبا أو حتى بلدان الجوار، التي باتت تستغل مناهج علمية في طريقة التسيير، وخاصة فيما يتعلق بكيفية التعامل مع التعداد، واستقرار التشكيلة، وهو أحد عوامل نجاح وتقوية أي ناد، قبل الحديث عن التألق وحصد الألقاب.
وباتت حركية اللاعبين خلال فترة الانتقالات، الميزة الأبرز لأندية المحترف الأول، مثلما حدث الصائفة الماضية، أين وصل الأمر إلى حد إقدام بعض الفرق «المحترفة» على تغيير أكثر من نصف التعداد، ما يطرح أكثر من علامات استفهام حول المطالبة بحصد النتائج الإيجابية، في ظل غياب أبسط عوامل النجاح، والمتمثل في عدم وجود انسجام بين المجموعة، وهو ما يتطلب وقتا طويلا، من أجل حدوثه، مثلما يتفق عليه أهل الاختصاص.
وتضاربت الآراء، حول فحوى وجدوي إقدام بعض المسيرين على القيام بتعاقدات كثيرة في كل موسم، بين من يراه ضعفا في التسيير، ومن يحمل المسؤولية إلى غياب إستراتيجية واضحة، رغم أن الجميع يتحدث عن تشكيل لجنة مختصة للاستقدامات يترأسها في الغالب المدرب، لكن حقيقة أرضية الميدان تقول العكس، في ظل رغبة الرؤساء في إرضاء المحبين، من خلال الاستقدام من أجل الاستقدام وفقط، ومحاولة امتصاص غضبهم بالنزول عند رغبات جلب الأسماء، لكن دون مراعاة العواقب، سواء من الناحية الفنية أو من ناحية النزاعات، عندما تجد نفسها مجبرة على تسوية مستحقات أكبر.
وكانت في بداية الموسم خمسة أندية مهددة بعدم دخول سوق الاستقدامات، بسبب مشكلة الديون، ويتعلق الأمر بكل من اتحاد بلعباس وأولمبي المدية وأهلي البرج واتحاد بسكرة وسريع غليزان، قبل أن ينجح مسيروها في تسوية النزاع، ما مكنها من إبرام عدة تعاقدات على غرار المدية، التي ضمنت ستة لاعبين جدد وسريع غليزان دعم صفوفه ب 12 لاعبا، واتحاد بلعباس الذي غيّر نصف التعداد ودفع الثمن غاليا بعد تاخر سحب إجازات الجدد، وأخيرا أهلي البرج المتعاقد مع 15 عنصرا جديدا.
مقرة والنصرية والبرج والسنافر بأكبر تعاقدات
تتصدر أندية نجم مقرة ونصر حسين داي وأهلي البرج وشباب قسنطينة قائمة الفرق الأكثر تعاقدا مع لاعبين جدد خلال فترة الانتقالات الصيفية، على الرغم من كون الرباعي سالف الذكر غير معني بلعب أي منافسة خارجية في الوقت الحالي، ما لا يستوجب حيازة كل نادي على عدد كبير من اللاعبين، وتعويض ذلك بالتعاقد مع لاعبين شبان، في وقت لجأت إدارتا كل من وفاق سطيف وشباب بلوزداد لهذا الخيار، رغم أنهما معنيتان بتمثيل الكرة الجزائرية خارجيا، وهذا عندما فضل المدربان الكوكي ودوما على التوالي، منح الفرصة لعناصر شابة في صورة عمورة ودالي وبقرار وبلخير وميرازيق.
النتائج تعكس ضعف التسيير
تعكس النتائج المسجلة في البطولة من طرف الأندية الأكثر تعاقدا مع اللاعبين في فترة الإنتقالات الصيفية، خطأ المسؤولين، كما تعتبر أفضل مثال على ضعف التسيير، بدليل أن فرقا في صورة نجم مقرة وشباب قسنطينة وأهلي البرج ونصر حسين داي تتواجد مع فرق مؤخرة الترتيب، وتصارع من أجل ضمان البقاء، عكس ما كان يتمناه الأنصار، وتناقض حتى تصريحات المسيرين قبل انطلاق الموسم، عندما تغنى الكثيرون أن الموسم الجديد سيكون مغايرا من حيث الأهداف الرياضية.
وما يؤكد ضعف التسيير لدى الفرق، التي تقوم باستقدامات كثيرة وصفت حتى بالعشوائية، إقدام المسيرين على تغيير المدربين الذين أشرفوا على عملية التعاقدات، بداية بنجم مقرة الذي غادره محمد باشا وشباب قسنطينة الذي انسحب من تدريبه عبد القادر عمراني ونصر حسين داي، الذي فسخ عقد مدربه لكناوي، وصولا إلى أهلي البرج الذي غادره بلال دزيري.
المستقدمون صيفا يسرحون عند أول فرصة
يضطر رؤساء الأندية في غالبية الأحيان إلى تسريح العناصر التي يتم استقدامها في الميركاتو الصيفي في أول فرصة، مثلما يحدث حاليا مع فريق شباب قسنطينة، الذي أعلنت إدارته عن قرار تسريح الثلاثي جحنيط ورجيمي ومعمري، بعد أن تم انتدابهم الصائفة الماضية، وهو ما يؤكد وجود خلل كبير في المنظومة التسييرية وإستراتيجية تحديد الأولويات وضبط المشروع الرياضي، على اعتبار أن التدعيمات تتم بناء على احتياجات ونقائص الفريق وتطلعاته في المنافسة، لكن الملاحظ أن السواد الأعظم من المسؤولين يلجؤون لتدعيم تشكيلات نواديهم بطرق عشوائية غير مدروسة، تنتهي في النهاية بخسائر مالية فادحة..
ويبقى الإشكال الواقع لدى غالبية الفرق، هو عدم وجود رؤية مستقبلية، من خلال التفكير في كيفية الاستثمار في الفئات الشبانية، حيث يتجه دوما رؤساء الأندية إلى سياسة جلب لاعبي «الخبرة»، وهو ما لا يجد نفعا، خاصة وأن حقيقة الميدان تقول العكس، بدليل ما أقدمت عليه إدارة مولودية الجزائر مع جابو، الذي قرر المغادرة وقام بفسخ عقده.
نجم  مقرة غير 74  % من التعداد !
أقدمت إدارة نجم مقرة على القيام بخطوة غريبة نوعا ما، من خلال التعاقد مع عشرين لاعبا جديدا، وهو ما يعني تغيير حوالي 74  %من تعداد الموسم الفارط، على اعتبار أن كل تشكيلة تضم 27 لاعبا، حيث بررت أسرة النجم الخطوة، التي قامت بها الإدارة برغبة الرئيس في البصم على مشوار مميز، وعدم تكرار سيناريو الموسم الفارط، عندما وجد أبناء الحضنة أنفسهم يصارعون من أجل ضمان البقاء، قبل أن يستفيدوا من قرار إلغاء السقوط بالنسبة لأندية المحترف، بسبب انتشار فيروس كورونا، لكن الأمور بقيت على حالها وصورة طبق الأصل عن سابقه.
السنافر والنصرية استبدلا نصف التعداد
لم يحفظ النادي الرياضي القسنطيني الدرس جيدا، من خلال التعاقد مع 14 لاعبا، رغم أن الفريق أنهى الموسم الفارط مع الخمسة الأوائل، لكن السياسة الجديدة المنتهجة من طرف الملاك، ضيعت على الفريق أبرز لاعبيه في صورة بن عيادة وبلقاسمي، بسبب رفض رفع راتبهما، حيث قام السنافر بتغيير نصف التعداد، وهو ما كلفهم الكثير، ويدفعون ضريبته حاليا، من خلال التواجد مع فرق المؤخرة، والحال كذلك بالنسبة لنصر حسين داي، الذي بدوره استبدل نصف التعداد، رغم المشاكل الإدارية التي عانى منها النادي الصائفة الماضية، في ظل مطالبة الأنصار بتغيير رئيس الفريق.
البطل بانتدابات مدروسة وسطيف تصنع الاستثناء
قام بطل النسخة الماضية من البطولة شباب بلوزداد بتدعيمات تستحق وصف «المدروسة»، من خلال التعاقد مع سبعة لاعبين، بناء على مطالب المدرب دوما ورغبة المسيرين في الذهاب بعيدا في منافسة رابطة أبطال إفريقيا، وهو ما تجسد فعلا، على اعتبار أن أبناء العقيبة نجحوا في التأهل إلى دور المجموعات، كما أنهم يبصمون على بداية موسم موفقة في البطولة، بفضل نوعية الأسماء التي استهدفتها شركة مدار، في صورة المتألق كوكبو والدولي السابق بلخيثر، فضلا عن حارس أكاديمية بارادو السابق والمنتخب الوطني موساوي ومهاجم الصفاقسي باكير. وفي المقابل، صنع وفاق سطيف الاستثناء من بين أندية المحترف الأول، من خلال الاكتفاء بالتعاقد مع ثلاثة لاعبين فقط، ويتعلق الأمر بكل من العائد الحارس خيري والمدافع مدور ومتوسط الميدان ميصالة، هذا الأخير يعتبر أفضل انتداب بالنسبة لأبناء مدينة عين الفوارة، خاصة وأنه منح التوازن لوسط الميدان، وكل هذا راجع إلى سياسة المدرب الكوكي، الذي رفض التعاقد مع عدة أسماء من جهة، إلى جانب المشاكل المادية التي كان يتخبط فيها الوفاق من جهة ثانية.
وأمام الوضع الحاصل، اضطر المدرب الكوكي بالتشاور مع الرئيس السابق أعراب، إلى ترقية عدد معتبر من اللاعبين الشبان، وصل عددهم لأزيد من سبعة عناصر، يتقدمهم الهداف عمورة والجناح دالي والدولي لفئة أقل من 20 سنة بقرار.
أولمبي المدية علامة فارقة
شكل الصاعد الجديد أولمبي المدية علامة فارقة في بطولة المحترف الأول، بفضل النتائج المحققة إلى غاية الآن، والتي جعلته يتصدر البطولة مناصفة مع وفاق سطيف، بالرغم من المشاكل المادية الصعبة التي يتخبط فيها أبناء التيطري، حيث اكتفت إدارة النادي بالتعاقد مع ستة لاعبين فقط، يتقدمهم صاحب الخبرة محمد الطيب.
واضطر الأولمبي إلى بدء البطولة محروما من اللاعبين الجدد، بسبب عدم تسوية مشكلة الديون، لكن ذلك لم يؤثر على مشوار أبناء التيطري، الذين قدموا درسا لجل الفرق، من ناحية الأداء الجميل، تحت قيادة المدرب القدير الشريف حجار.
حمزة.س

الرجوع إلى الأعلى