يحتفل به اليوم لأول مرة بعد إقراره العام الماضي
اليــوم الوطنــي للذاكــرة محـطة أخــرى لاستـذكار التاريـخ الوطنـــي
يحيي الشعب الجزائري اليوم و لأول مرة، "اليوم الوطني للذاكرة" الذي أقره رئيس الجمهورية السيد عبد الجيد تبون، العام الماضي، والذي يصادف ذكرى مجازر الثامن ماي 1945 التي اقترفها الاستعمار الفرنسي ضد مدنيين عزل في العديد من المدن الجزائرية.
ويدخل إقرار هذا اليوم في سياق عام تبناه الرئيس تبون منذ انتخابه رئيسا للبلاد للتكفل بملف الذاكرة من  عدة جوانب، وهو الذي التزم بالحفاظ على الذاكرة الوطنية وعدم التفريط فيها أبدا في علاقات الجزائر الخارجية، وقال في الرسالة التي وجهها للأمة يوم 7 ماي 2020 عشية إحياء الذكرى الـ 75 الأليمة لمجازر الثامن ماي 1945" إن تاريخنا سيظل في طليعة اهتمام الجزائر الجديدة وانشغالات شبابها ولن نفرط فيه أبدا في علاقتنا الخارجية".
وتجلى اهتمام السلطات العليا بملف الذاكرة منذ قرابة العام في أوجه عديدة منها الجانب المادي والمعنوي، والجوانب المتعلقة بكتابة تاريخ الجزائر والحركة الوطنية وثورة التحرير على وجه الخصوص، وتسجيل كافة صور تضحيات الشعب الجزائري من أجل الحفاظ على هويته وحريته وأرضه عبر جميع الحقب التاريخية.
وانطلاقا من كون الذاكرة هي التي تجمع الأمة وهي صمام الأمان لوحدة الشعب فقد بادرت السلطات العليا بخطوات عملية في سبيل استجلاء كافة محطات تاريخ الجزائر لرد كل محاولات التزوير ومناورات التيارات العنصرية التي  تحقد على الجزائر في الضفة الأخرى، وإنصاف بالمقابل حق الأجيال الصاعدة في معرفة تاريخها الحقيقي بكل موضوعية.
وتمثلت محطات الاهتمام بملف الذاكرة منذ إقرار اليوم الوطني للذاكرة في السابع مايو من العام الماضي في استرجاع جماجم ورفات قادة وأبطال المقاومة الشعبية من متحف الإنسان بالعاصمة الفرنسية باريس في الرابع يوليو الماضي عشية الاحتفال بعيد الاستقلال، وهي الخطوة التي جاءت بعد مفاوضات  مع الطرف الفرنسي  وعمل دام لعدة سنوات، وشملت العملية في مرحلتها الأولى 24 جمجمة على أن تتواصل العملية كما أكد رئيس الجمهورية في ذلك الوقت.
محطة أخرى هامة كان رئيس الجمهورية قد أوصى بها وهي إطلاق قناة وطنية للذاكرة، والتي تجسدت ليلة الفاتح نوفمبر من العام الماضي وهي التي يراد لها أن تكون سندا للمنظومة التربوية في تدريس مادة التاريخ الحي لكل الأجيال.
على مستوى آخر يتواصل التفاوض مع الطرف الفرنسي حول ملفات أخرى متعلقة بالذكرى على غرار السعي لاستعادة الأرشيف الوطني، وهي العملية التي لم تسر- للأسف- كما يرغب الطرف الجزائري بسبب عدة تحفظات من الجانب الفرنسي بسبب حساسية هذا الملف و طبيعة القوانين التي تحكمه في فرنسا.
 إلا أن الرئيس ماكرون قرر في التاسع مارس الماضي رفع السرية عن وثائق مشمولة بسرية الدفاع حتى سنة 1970  وتسهيل الاطلاع على الأرشيف السري ومنه وثائق تتعلق بحرب التحرير الجزائرية، وهو ما سيسمح للباحثين والمؤرخين الجزائريين بالدخول بسهولة أكثر إلى الأرشيف الفرنسي الخاص بالجزائر، وخاصة الأرشيف المتعلق بأحداث ثورة التحرير وما قبلها، بهدف كشف مزيد من الحقائق للأجيال الجديدة.
إلا أنه وبغض النظر عن هذه الخطوة وتلك التي قام بها ماكرون قبل ذلك عندما اعترف لأول مرة في تاريخ فرنسا باغتيال المحامي والمناضل علي بومنجل من قبل القوات الاستعمارية، إلا أن الخبراء والمؤرخين و الرأي العام الوطني يحرص على أن يكون الاهتمام بملف الذاكرة جزائري بحت، من منطلق أن الذاكرة الوطنية لا يمكن أن تدون بغير أقلام الجزائريين وبشكل موضوعي، بغض النظر عن أوجه التعاون التي قد تكون مع الطرف الآخر في هذا الميدان.ويتزامن إحياء اليوم الوطني للذاكرة كل عام مع إحياء ذكرى مجازر الثامن ماي 1945 وهي محطة بارزة في نضال وتضحيات الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، و من شأن هذا التزامن أو التزاوج أن يرسخ  جيدا في ذاكرة الأجيال الجديدة من الشعب الجزائري معنى الذاكرة والتاريخ الوطني بشكل أكبر.
ويتوقف تثمين هذا اليوم وإعطائه البعد والمعنى الحقيقي على الأعمال التي ستنجزها كل الأطراف والجهات والمؤسسات والأفراد المعنيين بكتابة تاريخ البلاد وتدوين صفحاته، وإبرازها بالشكل الموضوعي دون زيادة ولا نقصان، خاصة  وأن السلطات المعنية تؤكد في كل مرة على وضع كافة الإمكانيات تحت تصرف المؤرخين والباحثين وطلبة الجامعات وغيرهم.
يضاف اليوم الوطني للذاكرة لسجل الأيام و الأعياد الوطنية الرسمية التي يحييها الشعب الجزائري كل سنة في سياق استذكار تاريخه الوطني بكل محطاته الناصعة والمظلمة، المفرحة والمؤلمة، وهو ما يجب القيام به في مجالات أخرى لأن تاريخ الجزائر عامر بالأحداث.
إلياس -ب

وزير الاتصال الناطق الرسمي للحكومة يؤكد
تمســـــك الجزائـــــر بمطــلب التسويــــة الشاملـــة لملــــــف الذاكـــرة "موقـف مبـدئي"
أكد وزير الاتصال، الناطق الرسمي للحكومة عمار بلحيمر، أمس الجمعة، أن تمسك الجزائر بمطلب التسوية الشاملة لملف الذاكرة، القائمة على اعتراف فرنسا النهائي والشامل بجرائمها في حق الشعب الجزائري وتقديم الاعتذار والتعويضات العادلة عنها، يعد «موقفا مبدئيا».
وفي رسالة له بمناسبة إحياء -ولأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة- «اليوم الوطني للذاكرة» المصادف هذه السنة للذكرى الـ 76 لمجازر 8 ماي 1945، شدد الناطق الرسمي للحكومة على أن الجزائر تظل متمسكة بالتسوية الشاملة لملف الذاكرة، مؤكدا أن نضال الجزائر في هذا الاتجاه «بدأ يؤتي ثماره». وذكر السيد بلحيمر بأن هذه التسوية ترتكز على «اعتراف فرنسا، الرسمي، النهائي والشامل بجرائمها التي وصفها ماكرون نفسه بالجرائم ضد الإنسانية وتقديم الاعتذار والتعويضات العادلة عن هذه الجرائم». كما تشمل أيضا «التكفل بمخلفات التفجيرات النووية بما فيها الكشف عن خرائط مواقع النفايات الناتجة عن هذه التفجيرات التي وصفها خبراء ومؤرخون جزائريون وفرنسيون، من بين أسوأ الجرائم التي ارتكبتها بالجزائر وفق سياسة الإبادة الجماعية التي انتهجها الاستعمار الفرنسي»، يقول الناطق الرسمي للحكومة.
وكتب في هذا الإطار: «إننا ندرك أن اللوبيات المعادية للجزائر داخل فرنسا وخارجها ستواصل الضغط بكل الوسائل من أجل عرقلة مسار ملف الذاكرة إلا أننا سنظل على موقفنا المبدئي من هذا الملف الذي تجتمع حوله الأمة الجزائرية بكاملها من مواطنين وجهات رسمية ومؤرخين وخبراء وتنظيمات المجتمع المدني وإعلام خاصة من خلال (قناة الذاكرة) التلفزيونية التي أطلقت العام الماضي بمناسبة الذكرى 66 لاندلاع حرب التحرير العظيمة».
كما أردف مؤكدا بأن الجهود التي تبذل في هذا المنحى إنما تعكس «الإرادة السياسية المتمحورة حول صيانة كيان الأمة»، مذكرا بتصريح رئيس الجمهورية الذي أكد فيه بأن «تاريخنا سيظل في طليعة انشغالات الجزائر الجديدة وانشغالات شبابها، ولن نفرط فيه أبدا في علاقاتنا الخارجية».وتوقف في هذا الصدد عند «المكاسب المتواضعة» التي حققتها الجزائر، غير أنها «ذات قيمة معنوية معتبرة»، على غرار استرجاع جماجم لأبطال المقاومة الوطنية ورفع السرية عن الأرشيف الذي يزيد تاريخه عن خمسين سنة واعتراف فرنسا بتعذيب واغتيال رموز من رجالات الثورة التحريرية.وفي سياق ذي صلة، لفت السيد بلحيمر إلى أن شعار «الذاكرة تأبى النسيان» الذي تم اختياره لإحياء المناسبة، «يلخص موقف الجزائر الثابت في مطالبة فرنسا بتحمل مسؤولياتها كاملة عن الجرائم التي خلفت ملايين الضحايا طيلة قرن و32 سنة من الاستعمار الاستيطاني الغاشم».
كما يحمل اختيار ولاية سطيف لاحتضان الفعاليات الرسمية «رمزية عميقة» لاقتران المكان بمجازر 8 ماي 1945 التي أباد جيش الاحتلال الفرنسي خلالها جزائريين خرجوا في مظاهرات سلمية للمطالبة بحقهم المشروع في الحرية والاستقلال»، يتابع السيد بلحيمر في رسالته.واسترسل في ذات السياق: «اليوم الوطني للذاكرة، بما يحمله من زخم نضالي عظيم يؤرخ لعهد المقاومة الشعبية والحركة الوطنية والثورة التحريرية، هو بمثابة جسر يربط الناشئة والشباب بماضي بلادهم المشرف وبتضحيات وبطولات آبائهم وأجدادهم التي أصبحت مضرب المثل ومنارة يهتدي بها أحرار العالم». ومن هذا المنطلق، يعد إقرار رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون سنة 2020 لليوم الوطني للذاكرة، عرفانا للتضحيات الجسام التي قدمها الشعب الجزائري في مجازر 8 ماي 1945 وخلال اندلاع الثورة التحريرية في الفاتح من نوفمبر 1954 «جزءا يسيرا من واجب الوفاء بعهد الشهداء الأبرار والمجاهدين الأمجاد»، يضيف السيد بلحيمر.ولكل هذه الاعتبارات، «على جيل اليوم الذي أظهر في مختلف المناسبات مستوى عاليا من الوعي والحس الوطني أن يصون العهد بالحفاظ على الذاكرة وبالالتفاف حول جزائر واحدة -موحدة، تتجه بثبات نحو التأسيس لعهد جديد من التطور والعدالة وعدم التفريط في حقوقها ومصالحها المادية والمعنوية لاسيما تلك المرتبطة بحقبة مجيدة من نضال الأمة». و اختتم الناطق الرسمي للحكومة رسالته بالتأكيد على أن «الأمة التي تحفظ تاريخها، إنما تحفظ ذاتها وتزيد في قدرتها على إنضاج الوعي الشعبي في التصدي لمناورات تيارات ولوبيات عنصرية على الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، توقف بها الزمن في عهد قبرته إرادة الشعب إلى غير رجعة».                              (واج)

احتضنت الاحتفالات الرسمية لليوم الوطني للذاكرة
سطيـــــــف تستعــــــــيد مذابــــــــــح 8 مـــــــــاي
قال الأمين العام لوزارة المجاهدين وذوي الحقوق، العيد ربيقة، إن اختيار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تاريخ الثامن ماي من كل سنة، لإحياء اليوم الوطني للذاكرة الوطنية، جاء للتأكيد مرة أخرى على بشاعة ما فعله الاستعمار الفرنسي في حق الشعب الجزائري الأعزل.
وأكد العيد ربيقة خلال إشرافه على انطلاق التظاهرات المخلدة للذكرى 76 من مجازر 8 ماي 1945، بدار الثقافة هواري بومدين بسطيف، أن اليوم الوطني للذاكرة لا يقتصر فقط على تلك المجازر البشعة، بل يخص طيلة الفترة الاستعمارية بداية من تاريخ 1830 لغاية نيل الاستقلال في الخامس جويلية من سنة 1962.
وأضاف الأمين العام لوزارة المجاهدين، بأن الكثير من المؤرخين أجزموا بأنه لولا مظاهرات الشعب الجزائري في عدد من ولايات الوطن بتاريخ الثامن ماي 1945، لتأخر اندلاع الثورة التحريرية المظفرة في الفاتح من شهر نوفمبر من سنة 1954، تحت قيادة جبهة التحرير الوطني.
وأشرف، أمس الأول، الأمين العام لوزارة المجاهدين، العيد ربيقة، بمعية والي سطيف كمال عبلة على انطلاق فعاليات إحياء الذكرى الأولى لليوم الوطني للذاكرة، والتي تخلد في نفس الوقت الذكرى 76 لمجازر 8 ماي 1945، تحت شعار:»الذاكرة تأبى النسيان».
واستهلت التظاهرات لهذه المناسبة التاريخية بزيارة معرض تاريخي لصور ووثائق تاريخية من تنظيم المتحف الولائي للمجاهد، بمشاركة المتحف الجهوي بخنشلة ومديرية الثقافة لولاية سطيف، حيث وقف الزائرون على حجم الممارسات الإجرامية التي ارتكبها الجيش الاستعماري الفرنسي في حق المواطنين الجزائريين العزل.وبعد زيارة المعرض قدم الدكتور بوعبدالله عبد الحفيظ، مداخلة تاريخية استعرض فيها السياق التاريخي لهذه الذكرى، وتداعياتها على المسار التحريري المكلل باندلاع الثورة المظفرة.
وتمت بهذه المناسبة أيضا إمضاء اتفاقيتين بين مديرية المجاهدين ومديريتي التربية والشباب والرياضة، والتي تهدف إلى الحفاظ على الذاكرة الوطنية وترسيخ الهوية الوطنية في نفوس النشء.
واختتمت فعاليات اليوم الأول من برنامج إحياء هذه الذكرى، بعرض شريط وثائقي بعنوان «الجرح الغائر» من إعداد الصحفي كمال بن يعيش، والذي وثق لمآسي الشعب الجزائري إبان هذه المحطة التاريخية الهامة.             أحمد خليل

الباحث والمؤرخ علاوة عمارة للنصر
يجب التعامل بحذر مع بعض الأرصدة الأرشيفية على أهميتها
يؤكد الباحث الدكتور علاوة عمارة على أهمية النظرة النقدية للباحث وضرورة وضع الأحداث في سياقها الزمني عند استغلال الأرشيف في كتابة التاريخ ، محذرا من بعض الأرصدة الأرشيفية على أهميتها، مسجلا عوائق في الوصول إلى بعض الوثائق في الأرشيف الفرنسي بسبب تعليمة «سري جدا.    و يحذر المؤرخ من الرواج الكبير الذي تعرفه «مرويات الحكواتيين و فبركات الايديولوجيين» التي يقول أنها تركت بصمات سلبية على المعرفة التاريخية بغزوها لشبكات التواصل الاجتماعي، مشددا على أهمية التجديد في كتابة تاريخ الحقبة الاستعمارية. وعن ضعف التعاطي مع ما يكتب بالعربية قال الدكتور عمارة إن المسألة تتعلق بتجاهل كل ما يكتب بالعربية مثلما حدث في تقرير ستورا الذي أهمل حسبه أبحاثا هامة وذكر كتابات هواة فقط لأنها جاءت باللغة الفرنسية.
حاورته : نرجس كرميش
تستحضر  الجزائر اليوم ذكرى مجازر 8 ماي والتي تعد محطة دامية في تاريخ فرنسا الاستعماري، و تأتي الذكرى هذه المرة ضمن سياق أعلنت فيه فرنسا عن رفع السرية عن جزء من الأرشيف الخاص بمرحلة الاستعمار، كمؤرخ ما الذي يمكن أن يقدمه هذا القرار لكتابة التاريخ عموما، و هل ستسمح فرنسا فعليا بالاشتغال على وثائق تكشف بشاعة الاستعمار؟
الباحثون يثمنون أي اجراء يتيح لهم الوصول إلى الأرصدة الأرشيفية بمختلف أنواعها، و لحد الساعة فالأمور ما زالت غامضة بالنسبة لي، خصوصا في ظل انقطاع الرحلات الخارجية  الذي حال دون التردد على مراكز الأرشيف كما جرت العادة في كل مرة،  ما يحول دون الوقوف على الخطوات العملية لهذا القرار، رغم أن مطلب المؤرخين لا يتعلق بتسهيل عملية رفع السرية عن هذه الوثائق فحسب، وإنما إلغاء القوانين التي فرضتها. و تأتي هذه الخطوة بعد القرارات التي اتخذت بمناسبة الذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر و التي سمحت بوضع عدة أرصدة أمنية في متناول الباحثين دون اللجوء إلى طلب الحصول على رخصة استثنائية، بعد اختصار المدة التي تسمح بالاطلاع عليها وفقا للمادتين 213-1 و213-2 من قانون التراث، و هي خطوة هامة سمحت للباحثين بالاستفادة من وثائق مهمة ومتنوعة في ظل ظروف عمل مواتية وفرتها مراكز الأرشيف الفرنسي للباحثين من مختلف البلدان. هذا لا يعني أن الأرصدة الأخرى المصنفة لا يمكن الوصول إليها، وإنما يقوم الباحث بطلب رخصة استثنائية تسمح له بالاطلاع عليها دون أخذ صور عنها. كما تجدر الإشارة إلى قيام إدارة المركز الوطني للأرشيف لما وراء البحار بتصنيف المزيد من الأرصدة الأرشيفية و وضعها في متناول الباحثين خصوصا المتعلقة بالدوائر والبلديات المختلطة و بالعديد من الأرصدة الأمنية. والأكثر من هذا رقمنة سجلات المكاتب العربية وسجلات محاضر مجلس الحكومة العامة للاحتلال بمدينة الجزائر و قريبا قسم من الأرصدة الخاصة بالملكية الأهلية و الاستيطان الأوروبي، وإتاحتها عبر موقع الأرشيف على الأنترنت، مما يسهل من مهمة الباحثين بكل تأكيد، وهذا يدخل في برنامج متواصل يهدف إلى رقمنة المزيد من الأرصدة الوثائقية التي تعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
تقرير ستورا  حول الذاكرة أهمل الدراسات التاريخية بالعربية
قوبل إعلان ماكرون بموجة من الانتقادات من جمعيات مهتمة بالتاريخ و باحثين في فرنسا اعتبروا بأنه لن يغير شيئا لتعقد الأمر و ارتباطه بعدة إدارات، كمشتغل على الأرشيف ماذا فهمت من القرار؟ و هل يمكن تطبيقه عمليا؟
حسب متابعتي للعريضة التي أمضاها عدد كبير من المؤرخين الفرنسيين وغير الفرنسيين ونشرتها يومية   (Le Monde) في نشرتها ليوم 14 فيفري 2020 و التي نددت بالتضييق على عمل الباحثين في الأرشيف، يوجد تناقض بين الوعود السياسية الداعية لتسهيل الوصول إلى الأرصدة الأرشيفية و بين الواقع الذي تفرضه مراكز الأرشيف من خلال عدم السماح بتصفح عدد من الأرصدة أو الملفات المصنفة في خانة «سري للغاية»، دون رفع ذلك عنها من الجهة التي أصدرتها طبقا لترسانة من التعليمات القانونية. و وصل الأمر إلى تقديم طعن لدى مجلس الدولة لإسقاط الاجراءات القانونية التي فرضتها السلطات السياسية في مجال الأرشيف، مثلما قامت  به جمعية المؤرخين المعاصرين برئاسة كليمون ثيبو (Clément Thibaud). بل إن معظم الباحثين يرفضون تقنين عملية الوصول إلى الوثائق، حيث يعتبرون ذلك بمثابة عراقيل تقف أمام الباحث، خصوصا و أن تطبيق التعليمة الوزارية المشتركة المؤرخة في 13 نوفمبر 2011 المتعلقة باستغلال الوثائق المصنفة في خانة «سري للغاية» قد حرم الباحثين من بعض الأرصدة الأمنية و العسكرية التي تحمل ملاحظة «سري» ،حيث كانت متاحة في السابق خصوصا بالنسبة للفترة الممتدة من عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية إلى عام 1970. و في هذه الحالة أي «سري للغاية» يجب على مركز الأرشيف دعوة ممثل الجهة التي قامت بإصدار الوثيقة بغرض رفع السرية عنها في حالة ما إذا ما قام باحث بطلبها. و هذا   إجراء أصبح معقدا بالنسبة للباحثين خصوصا وأن عددا منهم سبق لهم و أن تصفحوا هذه الأرصدة بمقتضى قانون الأرشيف الصادر في عام 2008 دون أي عائق.
 و قد شرعت المصلحة التاريخية للدفاع بتطبيق هذه الاجراءات على الأرشيف العسكري. فعلى سبيل المثال في مشروع كتاب يوسف زيغود الذي أشتغل عليه برفقة الباحث رياض شروانة، وحينما عاد هذا الأخير خلال الأسابيع الماضية لتصفح نفس العلب الأرشيفية التي سبق و أن اشتغلنا عليها في مشروعنا، تفاجأ بتطبيق هذا الاجراء، مع وضع بعض الملفات الموجودة داخل هذه العلب في أظرفة مغلقة مسجل عليها «ممنوع فتحها تحت التهديد بالمتابعة القضائية بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات وغرامة مالية تقدر بـــ 75000 أورو» و هذه الاجراءات ستعقد دون شك البحث في المواضيع المتعلقة بالتاريخ الاستعماري و بالثورة الجزائرية تحديدا.
مطلب المؤرخين لا يتعلق بتسهيل رفع السرية عن الوثائق إنما إلغاء القوانين التي فرضتها
قال الباحث الفرنسي المختص في التاريخ المعاصر «توماس فيسيه» أنه يجب التفرقة بين الأرشيف الوطني و مصلحة تاريخ الدفاع التي تحتفظ بأرشيف وزارة القوات المسلحة، هل نفهم من هذا عمليا بأن وثائق الاستنطاق والتقتيل والتجارب النووية مثلا تبقى محظورة ؟ سيما وأن هذا النوع من الأرصدة ترفع السرية عنه جزئيا في كل مرة؟
نعم.. في النظام الفرنسي، المصلحة التاريخية للدفاع (SHD) الكائنة بقصر فانسان (Château de Vincennes) في الضاحية الباريسية تتبع وزارة الدفاع الفرنسية و هي التي تحتفظ بالأرشيف العسكري في مختلف المقرات التابعة لها. بينما الأرشيف الوطني الفرنسي بمراكزه المختلفة في بيار فيث سير مار (Pierrefitte-Sur-Mer) وآكس أون بروفونس (Aix-en-Provence)،  وأرشيف المستعمرات السابقة وغيرهما فهي موضوعة تحت وصاية وزارة الثقافة، و أرصدتها يغلب عليها الطابع المدني و الأمني، و هناك مراكز أخرى تتبع وزارات أخرى على غرار أرشيف وزارة الخارجية بنانت (Nantes). و توجد أيضا مراكز أرشيف جهوية (Archives départementales)، و هي تتبع المجالس الجهوية.
مرويات الحكواتيين وفبركات الايديولوجيين تركت بصمات سلبية على المعرفة التاريخية
 هذا لا يعني أننا لا نعثر على وثائق تعود للجيش الفرنسي في الأرشيف الوطني، لأن أرصدة الحكومة العامة للاحتلال بالجزائر مثلا فيها الكثير من الوثائق العسكرية خصوصا بالنسبة للناحية العسكرية العاشرة التي كانت منتشرة بالجزائر خلال فترة الاحتلال، أغلبها مراسلات و تقارير و محاضر تنسيق منذ مرحلة الاحتلال و بناء المستوطنات و المكاتب العربية في ظل النظام العسكري إلى غاية الثورة التحريرية وصولا إلى وقف اطلاق النار. و توجد أرصدة وثائقية في مراكز أخرى على غرار، الغرفة التجارية بمرسيليا التي تحتفظ بوثائق فرنسية تعود إلى فترة ما قبل احتلال الجزائر، و هي مهمة لدراسة العلاقات بين المملكة الفرنسية و إيالة الجزائر.
تعليمة « سري جدا»  التي فرضتها فرنسا حجبت أرصدة أمنية وعسكرية
حتى وإن سلمنا بأن فرنسا قد فتحت الأرشيف فعليا، وهو المستبعد في نظر مؤرخين من نفس البلد، هل يمكن الوثوق في أرشيف قد يكون في جزء هام منه موجها أو مفصلا وفق رواية إدارة استعمارية؟
الأرشيف المحفوظ في فرنسا متنوع، حيث نجد فيه على سبيل المثال وثائق تعود لجيش التحرير الوطني صادرتها القوات الاستعمارية خلال عمليات عسكرية أو وثائق الحركة الوطنية و الاصلاحية استولت عليها شرطة الاستعلامات العامة و الشرطة القضائية خلال مداهمة المقرات أو منازل المناضلين في الفترة الواقعة ما بين 1938 و1954. نجد في هذا الأرشيف أيضا أرصدة الإدارة الاستعمارية التي سجلت مختلف معاملاتها مع الجزائريين و السياسة التي طبقتها عليهم و فيه معلومات هامة. كما في هذا الأرشيف أرصدة مختلفة  تخص سير عمليات احتلال الجزائر و حركة الاستيطان و مختلف الخرائط و المخططات و برقيات اخبارية و معلومات استخباراتية ومحاضر أمنية مختلفة ومحاضر استنطاق، وهنا يأتي دور المؤرخ المتمرس في الاستفادة منها دون اغفال روح النقد بإخضاعها لسياقها الزماني والمكاني.
التأريخ لمعظم الأحداث يعتمد بشكل أساسي على نظرة أحادية وتنقصه الدقة
وبالعودة إلى سؤالك، بكل تأكيد في الحالة الأخيرة وهو أن القسم الأكبر من هذه الأرصدة أنتجته القوة الغالبة، وبالتالي فالصوت الآخر و هو الجزائري لا يكاد يعبر عن نفسه إلا في إطار المنظومة المهيمنة، ولهذا يجب التعامل بحذر مع البعض من هذه الأرصدة على أهميتها على غرار رصيد الشؤون الأهلية مثلا، لكنها تبقى ضرورية في غياب مصادر بديلة أو مكملة.
كرست سنوات من أبحاثك في التنقيب داخل  الأرصدة الأرشيفية في فرنسا ، ما هي الثغرات التي وجدتها؟ و هل وجدث تناقضا بين شهادات حية و ما هو موثق مثلا؟
المشكل الأساسي الذي وقفت عليه هو التصنيف الذي بموجبه تم سحب الوثائق تطبيقا لبعض مواد قانون التراث من حيث المدة القانونية المسموح بالاطلاع عليها. فعندما نتصفح رصيدا معينا و بالتدقيق في الأرقام التسلسلية مثلا،  نلاحظ غيابا لوثائق في نفس الرصيد خصوصا بعد تبويبه في مواضيع شتى، و هو ما يصعب من مهمة الباحث الذي يدرس رصيدا أرشيفيا بعينه يخص مجالا محددا. إن المقارن بين الشهادات من الدرجة الأولى و المادة الوثائقية يجد في أغلب الأحيان تطابقا واضحا، وقفت عليه من خلال الدراسات التي قمت بها.
الأبحاث التاريخية باللغة العربية ليس لها نفس الرواج
ألا ترى أن فتح الأرشيف للباحثين و تركه في فرنسا غير كاف، ومن حق الجزائر استرجاعه؟
بالنسبة للباحث، اتاحة الوثائق في متناوله هو مبتغاه، و فيما يخص استرجاع هذه الأرصدة فهي من مهام السلطات الرسمية المخولة بالحديث عن ذلك. علما و أن الكثير من الوثائق التي نشتغل عليها توجد نسخ منها في الجزائر أيضا ضمن الأرشيف الذي لم ترحله فرنسا خلال عام 1962 على غرار أرصدة الشرطة والجندرمة والمديريات التنفيذية والبلديات ذات الصلاحيات التامة و المصالح الإدارية المختصة (SAS)، و هي الأرصدة التي صنفت في خانة أرشيف التسيير (Archives de gestion). نحن بحاجة إلى هذه الأرصدة الوثائقية، حيث نجد بعضها محفوظة والبعض الآخر منها لا أثر له وفق ما تأكدت منه خلال الأبحاث التي قمت بها عن حوض السمندو، و أغلبها غير مصنف، ما عدا المحفوظ في المركز الوطني  والمصالح الولائية للأرشيف.
المؤرخ المتمرس يستفيد من الوثائق دون اغفال روح النقد
هل يمكن كتابة التاريخ بالاعتماد فقط على  وثائق أرشيفية ؟ سيما وأن بعض الممارسات كانت لا توثق، كالاختطافات و الاغتيالات والنهب؟
كتابة التاريخ تعتمد بالدرجة الأولى على الوثائق التي منها ما نصطلح عليه بوثائق الأرشيف، و في غيابها نلجأ إلى الشهادة ثم الرواية، و هما أقل مصداقية من الوثيقة لتعرضهما لعامل التغيير الزمني و المكاني. لا نجد بكل تأكيد كل ما نبحث عنه في الأرشيف لأن الجهات العسكرية أو الأمنية لا توثق في الغالب المجازر المقترفة و تلجأ إلى التغطية عليها من خلال تقارير أو محاضر تحت عنوان «القضاء على مجموعة من الخارجين عن القانون» أو «مقتل فارين». و هنا في هذه الحالة تصبح الشهادة ضرورية لتصحيح المعلومات الواردة في هذه المحاضر أو التقارير المزورة. و أعطى على سبيل المثال التغطية على مجزرة مشتة جنان الباز بدوار أولاد براهم ، في بلدية بني حميدان حاليا،  و  التي ارتكبت تاريخ 2 ماي 1956، حيث أرجعت السلطات الاستعمارية تصفية 28 مدنيا إلى اشتباك وقع بين قوة فرنسية محمولة جوا و بين فرقة من المجاهدين بقيادة يوسف زيغود و محمد الصالح بلميهوب. و تجمع مختلف التقارير و المعلومات الواردة في التصريح بالوفاة في الحالة المدنية و الشهادات الحية،  ومن خلال القراءة النقدية لمحتوى التقارير  خصوصا من حيث غياب أسلحة لدى الضحايا، يدرك المؤرخ بأن هذه التقارير مزيفة للتغطية على جريمة مروعة اقترفها الجيش الفرنسي بحق مدنيين. الكثير من هذه الوقائع لا نجد لها أثرا أرشيفيا، وحتى أن الأوامر غالبا ما كانت شفوية، وبالتالي لا نجد كل شيء نبحث عنه مفصلا في الأرصدة الأرشيفية.
الجهات العسكرية أو الأمنية لا توثق في الغالب المجازر و تلجأ إلى تقارير مزيفة
فرنسا حددت فترة الوثائق التي ستفتح من 1830 إلى 1962 ، ولكن الإدارة الاستعمارية عند مغادرتها نقلت جزءا مهما من الأرشيف المتعلق بالتواجد التركي، ألا يعد ذلك بترا للتاريخ و تمويها متعمدا؟
ما أعرفه بخصوص هذه المسألة هو أن الوثائق العثمانية بالجزائر وتحديدا رصيد دار السلطان قد استرجعتها الجزائر على عدة مراحل خصوصا في عامي 1967 و1975، لكن رغم هذا بقيت سجلات غير مصنفة قابعة في مخازن الأرشيف الفرنسي بآكس أون بروفونس وفق ما أسر لي به أحد مؤسسي الأرشيف الوطني الجزائري وأكده مؤخرا التقرير الذي أعده بنيامين سطورا ، حيث تم العثور على 10 علب في عام 2018 خلال إعادة تنظيم أرصدة مركز آكس أون بروفونس. وأيضا هناك أزيد من ألف كتاب مخطوط لم يتم استرجاعها لحد الآن، حيث نقلتها السلطات الاستعمارية وأعوانها من الجزائر خلال القرن التاسع عشر وهي محفوظة الآن في المكتبة الوطنية الفرنسية ومكتبة معهد اللغات الشرقية على غرار رصيد مكتبة الشيخ الحداد.
سجلات غير مصنفة قابعة في مخازن الأرشيف الفرنسي
برأيك ما هي الحلقات المفقودة حاليا في التأريخ لحقبة الاستعمار الفرنسي للجزائر بكل فصولها الدامية والقاسية  ؟
أعتقد بأن كتابة التاريخ الوطني وخصوصا في ما يخص الحقبة الاستعمارية تحتاج إلى تجديد على ضوء المعطيات الوثائقية، حيث أنجزت دراسات كثيرة مفيدة، لكن تبقى الكثير من الجوانب تنقصها الدقة، خصوصا وأن التأريخ لمعظم الأحداث يعتمد بشكل أساسي على نظرة أحادية بنيت على أرشيف القوة الغالبة معطية روايات معادية عن المقاومات الشعبية على سبيل المثال أو على مقاومة بنى المجتمع بصفة عامة للسياسة الاستعمارية ضد تطبيق مجموعة من القوانين مست كل مقومات الإنسان الجزائري وصولا إلى هويته التلقيبية. والتعمق في فهم هذه الحقبة يحتاج إلى القيام بدراسات عميقة في التاريخ المحلي لإثراء التاريخ الوطني باستغلال كل الأرصدة الأرشيفية المتاحة.
أزيد من ألف كتاب مخطوط لم يتم استجراعها من فرنسا
أهم المؤرخين لفترة الاستعمار الفرنسي للجزائر فرنسيون أو يكتبون بالفرنسية، مقابل إنتاج جزائري محدود، لماذا لا نتحكم في كتابة تاريخنا؟ وهل هي مشكلة لغة؟
الدراسات الفرنسية للتاريخ الاستعماري بدأت خلال الحقبة الاستعمارية وتواصلت بعدها، وبالتالي فمن الناحية الزمنية فهي سباقة. أما من حيث الإمكانات المتاحة بمعنى المادة الوثائقية وأيضا طبيعة التكوين المنهجي، فهذه عوامل ساعدت على بروز عدد من المؤرخين الفرنسيين. بالإضافة إلى عامل اللغة، حيث أن الكتابات باللغة العربية ليس لها نفس الرواج، فعلى سبيل المثال لم يشر بنيامين سطورا لأي دراسة باللغة العربية في التقرير الذي أعده عن مسألة الذاكرة بين البلدين في حين ذكر الكثير من الكتابات الصادرة عن الجزائريين باللغة الفرنسية بمن فيهم الهواة. لكن بعيدا عن تسليط الضوء الإعلامي على كتابات دون أخرى، هناك دراسات جادة قام بها عدد من الدارسين الجزائريين دون أن تلقى نفس الصدى الإعلامي. المؤرخون الفرنسيون المختصون في التاريخ المعاصر لا يبدون اهتماما باللغة العربية وبالدراسات الصادرة بها، على عكس المؤرخين الأنجليز والأمريكان الذين يتعلمون اللغة العربية بجانب اللغة الفرنسية للقيام بأبحاثهم، و هو ما تفطن له الجيل الشاب من الباحثين الفرنسيين الذي تعلم اللغة العربية، خصوصا أولئك الذين يشتغلون على الحركة الاصلاحية والوطنية.
كتابة تاريخ الحقبة الاستعمارية تحتاج إلى تجديد على ضوء المعطيات الوثائقية
 هل لدينا نقص في المؤرخين سيما وأن نسبة ممن يكتبون في التاريخ غير متخصصين، ولماذا لا يحظى التخصص بالاهتمام في الجامعة ؟
المشكلة التي تعاني منها الكتابات التاريخية في الجزائر هي عدم مواكبتها للتطورات الحاصلة في الدراسات التاريخية، بمعنى عدم تجديد المقاربات المنهجية، والعامل الثاني هو عدم التحكم في لغة مصادر البحث لدى شريحة واسعة من الدارسين، والعامل الثالث هو الاقتصار في النشر بلغة واحدة وهي العربية وهذا لم يساعد على انتشار هذه الدراسات خارج الجزائر أو خارج البلدان العربية، ولهذا فإن هذه الدراسات على أهميتها بقيت بعيدة عن متناول الباحثين الغربيين خصوصا ممن يكتبون باللغات الأوروبية -الانجليزية والفرنسية خصوصا-. أما عن مسألة الهواية، فهناك أقلام أفادت الدراسات التاريخية رغم عدم تخصصها، في مقابل الرواج الكبير الذي عرفته مرويات الحكواتيين وفبركات الايديولوجيين التي تركت بصمات سلبية على المعرفة التاريخية بشكل عام من خلال غزوها لشبكات التواصل الاجتماعي. ن/ك

مشاركون في الندوة الوطنية حول الذاكرة بجامعة قالمة
مجازر 8 ماي الأسود جريمة دولة
دعا المشاركون في ندوة وطنية حول الذاكرة الوطنية و مجازر ماي الأسود 1945، نظمتها جامعة قالمة يوم الخميس، إلى مزيد من العمل لتحصين الذاكرة الوطنية و ترسيخها لدى الأجيال القادمة، حتى لا تتأثر بالمحاولات الرامية إلى إضعاف هذه الذاكرة التاريخية، و إعداد جيل جديد أقل اهتماما بما جرى من أحداث و مآسي و انتصارات على مر الزمن، و خاصة خلال فترة الاحتلال الفرنسي التي تعد الأكثر وحشية و استهدافا لمقومات الأمة الجزائرية و جذورها التاريخية العريقة.
و أضاف المتدخلون من أساتذة و طلبة بأنه يتعين على الجزائريين حماية تاريخهم بالاعتماد على أرشيفهم المادي و المعنوي المتوفر لديهم، و الأرشيف المتواجد بدول أخرى بينها اسبانيا و بريطانيا و روسيا و البرتغال، و عدم الاتكال فقط على الأرشيف الفرنسي و السعي المذل وراء مطلب الاعتراف بالذنب، مؤكدين بأن الجزائريين يعرفون من هو الاستعمار الفرنسي، و ماذا فعل بالجزائر على مدى 132 عاما، و لا ينتظرون الاعتراف من الجلاد الملطخ بالدماء.  
كما تناولت الندوة الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها الإدارة الاستعمارية الفرنسية في حق الجزائريين العزل عقب المظاهرات السلمية التي جرت بعدة مناطق من الوطن المحتل يوم 8 ماي 1945، تطالب بحق تقرير المصير و الاستقلال، و تحولت إلى مأساة إنسانية مازالت آثارها إلى اليوم، بعد أن خلفت عشرات الآلاف من القتلى و المفقودين، و دمار بالقرى و المشاتي و المزارع.
و أبدى المحاضرون أسفهم لبقاء ضحايا تلك المجازر مقيدين كأحياء في سجلات الحالة المدنية إلى اليوم، مطالبين أصحاب القرار الوطني بإصدار نص قانوني يعتبرهم شهداء للحركة الوطنية، و جبر عائلاتهم التي مازالت تعاني منذ 76 عاما، و تدفع ثمن الجريمة و النسيان الرسمي الذي طال هؤلاء الضحايا.    

* الدكتور محمد شرقي
التاريخ الاستعماري لفرنسا هو جزء من ذاكرتها المحمية بالقوانين
وصف الدكتور محمد شرقي من قسم التاريخ بجامعة 8 ماي 1945 بقالمة، الماضي الاستعماري لفرنسا بأنه جزء أساسي من ذاكرتها الوطنية المحمية بترسانة من القوانين و التشريعات، و قرارات مجلس الدولة، و التعليمات الوزارية، مضيفا بأن هذه المنظومة القانونية الجائرة بدأت من سنة 1808 و استمرت إلى غاية 2008 عندما احتفلت فرنسا بمئوية صيانة الذاكرة، و إلى اليوم تعتبر فرنسا كل ما قام به أسلافها و عملاؤها في شمال إفريقيا هو عمل حضاري إيجابي لتلك الشعوب بموجب قانون 23 فيفري 2005، فلا غزو و لا إبادة و لا استعمار أو نهب و استغلال.  
و أضاف المتحدث في الندوة التي حضرتها السلطات الولائية، و عميد جامعة فرحات عباس بسطيف، و عميد جامعة باجي مختار بعنابة، بأنه من غير الممكن في اعتقادي انتظار الاعتراف و الاعتذار من مستعمر يدافع عن ذاكرته الوطنية و يحميها.
و قال محمد شرقي بأن المدن الفرنسية و حتى القرى الصغيرة لا تخلو من نصب تذكارية، و تماثيل تمجد الأعمال التي قام بها الجيش الفرنسي و ضباطه في كل المستعمرات، فإذا كان العمل الذي قام به بيجو و سانت آرنو، و بيليسي بعد 1830، و العمل الذي قام به كل من ماسو و بيجار و شال بعد 1954 هو في نظرنا عمل إجرامي، و نعتبرهم مجرمون، فهم في نظر الفرنسيين أبطالا قوميين وهبوا حياتهم لرفاهية الشعب الفرنسي.
و تطرق المحاضر إلى شريحة هامة من المجتمع الفرنسي هم من الأقدام السوداء و العسكريين و الجزائريين الذين تعاونوا مع الاستعمار، هؤلاء يشكلون لوبي سياسي و اقتصادي و ثقافي له وزنه في فرنسا و العالم الفرانكفوني المدعوم من اللوبي اليهودي، كلهم يدافعون عن الماضي الاستعماري و يمجدونه.
و يرى أستاذ التاريخ بجامعة 8 ماي 1945 بقالمة بأن كل هذه العوامل و المعطيات التاريخية و السياسية و الثقافية و حتى الاقتصادية تحول دون حصول اعتر اف و اعتذار فرنسي عن الجرائم ضد الإنسانية في الجزائر، معتقدا بأن القرار اليوم أصبح بأيدي الجزائريين المطالبين بالعمل على تحرير الذاكرة الوطنية من رواسب الاحتلال، و التمسك بالنهج التحرري و الوحدة و الوفاء لتضحيات الشهداء، و تحصين كل ذلك بمنظومة من التشريعات و القوانين الملزمة بالمحافظة تاريخ الأمة و تضحياتها على مر الأجيال، حتى لا نقف متذللين امام أبواب القاتل و الجلاد، نترجى الاعتراف بالذنب و الجرم، فنرمم التاريخ و نخفف من وطأته على الأجيال الجديدة حتى تستكين و يصيبها الوهن.
و أوضح المحاضر بأن تجارب الشعوب الإفريقية مع قضايا الاعتراف و الاعتذار قد باءت كلها بالفشل، كما حدث مع الحكومة الناميبية التي رفعت دعوى قضائية ضد ألمانيا في 26 جانفي 2018 بسبب المجازر التي قام بها الجنرال فون تروتا عام 1904 عندما أباد 100 ألف من قبيلة الهريريو و قبيلة الناما، ليس لأنهم ملونين بل بسبب اكتشاف معدن الماس في أراضي القبيلتين، و قد رفضت الحكومة الألمانية الدعوى.   
و ذكر المتحدث عدة أرقام لضحايا مجازر 8 ماي 1945 بقالمة و سطيف و خراطة و مناطق أخرى من الوطن، مؤكدا بأن تعداد الضحايا يتراوح بين 45 ألف و  100 ألف قتيل أغلبهم من المواطنين الذين لم يشاركوا في المظاهرات، و ليسوا من الحركة الوطنية، مضيفا بأنه من غير المقبول بقاء هؤلاء الضحايا مقيدين كأحياء في سجلات الحالة المدنية، داعيا أصحاب القرار الوطني إلى الاعتراف بهم كشهداء للحركة الوطنية و ترسيخ نضالهم و تخليد أرواحهم  في ذاكرة الأمة.
و خلص محمد شرقي إلى القول بأن عمليات القتل و ملاحقة المواطنين الجزائريين بقيت مستمرة إلى شهر أوت 1945 حسب تقارير الإدارة الفرنسية التي تتحدث عن نشاط الطابور المغربي و وحدة السنغاليين و مليشيات الكولون بجبال ماونة و هوارة بقالمة حتى شهر أوت، و نظرا للضغط الكبير الذي عاشته مزارع المعمرين في تلك الأيام، حيث تأخرت عملية الحصاد، و هرب المزارعون الأوروبيون إلى المدن، اضطرت الإدارة الاستعمارية إلى تهدئة الوضع و وقف عمليات القتل الجماعي و الملاحقة.                    فريد.غ

* الباحث في تاريخ الجزائر عمر عبد الناصر
الجنرال ديغول أوقف التحقيق في مجازر 8 ماي  
قال الباحث في تاريخ الجزائر الدكتور عمر عبد الناصر، بأن الإدارة الاستعمارية الفرنسية ضالعة في مجازر 8 ماي 1945، و تتحمل مسؤولية الإبادة التي تعرض لها الجزائريون العزل، و مناضلي الحركة الوطنية عقب تلك المظاهرات السلمية المطالبة بالحرية و حق تقرير المصير، مضيفا بأنه و بعد الصدى الذي عرفته المجازر التي وقعت بالجزائر، من خلال كشف جريدة لومانتي (L’Humanité)، لسان حال الحزب الشيوعي الفرنسي، للتعسف والعنف الرهيب الذي عرفته مناطق سطيف وخراطة و قالمة، تشكلت لجنة التحري في الأحداث يوم 18 ماي ، ترأسها الجنرال توبير (Tubert)، و خرجت من مدينة الجزائر متوجهة إلى سطيف يوم 25 ماي، وكان من المقرر أن تزور قالمة في رحلتها تلك، لكن الحاكم العام الفرنسي وبأمر من الجنرال ديغول، طلب من أعضاء اللجنة بالدخول إلى العاصمة وإيقاف التحقيق.
من خلال ذلك الفعل، يقول عمر عبد الناصر أستاذ التاريخ بجامعة قالمة، ندرك مواصلة الإدارة الاستعمارية  خاصة، والفرنسية عامة، في سياسة التمييز العنصري في الجزائر، فهي لم تستمع ولم تحم يوما المسلمين الجزائريين، بل قامت بحل حركة أحباب البيان والحرية، التي ظهرت من أجل تحقيق مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وأمام وقوف فرحات عباس  في وجهة سياسة ديغول الجديدة اتجاه الجزائر، حلت الحركة يوم 14 ماي وصودرت أملاكها، ومنعت جريدة المساواة، لسان حال حركة أحباب البيان من الصدور.
و أضاف المحاضر بأن بداية الأحداث كانت مظاهرات سلمية، في كل المناطق التي عرفتها، من خلال المسيرات التي نظمت احتفاء بنهاية الحرب العالمية الثانية في أوروبا، التي شارك فيها حوالي 175 ألف جزائري، فالمظاهرة السلمية تعبير عن الفرحة بالسلم الذي يحمي أبناء الوطن المجندين في ساحة الحرب بأوروبا، وكذا المطالبة بالحقوق التي أزهقها نظام استعماري غاشم، لكن رفع الجزائريين للافتات تطالب «بالاستقلال»، و»الحرية للجزائر»، و»تحيا الجزائر الحرة»، ورفع العلم الجزائري، أمور أثارت ضغينة الاستعماريين العنصرين، وحاولوا انتزاعها وفرض منطق القوة والعنف، التصرفات التي حولت المسيرات السلمية إلى مظاهرات عارمة وثورات حقيقية، فالخبر انتشر من سطيف و قالمة إلى المناطق المجاورة كالبرق، و لهب الثورة كان كالنار في الهشيم، و أعلن الجهاد كما قال داعمران مسعود، ابن خراطة والذي قضى 17 سنة في السجون الاستعمارية بسبب مشاركته في الأحداث «...مسافرين على متن حافلة سطيف-خراطة، ذكروا لنا ما وقع في سطيف، فكلمتنا كانت «الجهاد».
و يرى عمر عبد الناصر بأن الثورة التحريرية بدأت في سطيف سنة 1945، و هي عبارة تذكرها الدراسات التاريخية، وهي صحيحة كما يقول، بحكم التأثير في الجماهير الجزائرية والحس الثوري الذي نشرته، فمناضلي حزب الشعب استعدوا لإعلان الثورة الاستقلالية بسبب القمع الذي عرفته الجزائر في يوم انتصار الحلفاء على النازية في أوروبا، وفي هذا الصدد يذكر حسين أيت أحمد في مذكراته، الاستعدادات التي قام بها حزب الشعب الجزائري في بلاد القبائل الكبرى، حيث نقرأ «قررت القيادة العامة الانتفاضة في يوم 23 ماي 1945 على الساعة الصفر» ثم أضاف، ونقلا لتصريحات أرزقي جمعة، الرجل الأمين الذي كان يقوم بمهمة رجل الاتصال مع المكتب السياسي للحزب بالعاصمة، « في سطيف وفي منطقة قسنطينة يجري قتال منذ 8 ماي»,
لكن هذا اليوم الموعود لإعلان الثورة، جاءه أمر ثاني ألغى الاستعدادات، وهي الأحداث التي أطلق عليها الأمر و الأمر المضاد الذي أصدرته قيادة الحزب عشية 22 ماي 1945.
رغم ذلك، ظل الحس الثوري مغروسا في نفوس مناضلي حزب الشعب الذين أسسوا المنظمة الخاصة، كجناح مسلح للاستعداد للحرب الاستقلالية، وتلك هي نواه جيش التحرير الوطني الذي فجر ثورة نوفمبر
 المجيدة                                                      فريد.غ

* أستاذ التاريخ بجامعة قالمة رمضان بورغدة   
عندما تتغير موازين القوة ستعترف فرنسا بجرائمها
وصف أستاذ التاريخ بجامعة قالمة رمضان بورغدة ما حدث بالمزرعة المزابية بعد مظاهرات 8 ماي 1945 بقالمة بأنه جريمة دولة يندرج ضمن المفهوم القانوني للإبادة الجماعية " Génocide " التي أطلقها رجل القانون رفائيل ليمكن عام 1944 على جرائم ألمانيا النازية، و نصت عليها المادة الثانية من اتفاقية الوقاية من جريمة الإبادة الجماعية و قمعها التي صدرت يوم 09 ديسمبر 1948، و أصبحت سارية المفعول ابتداء من 12 جانفي 1951.
 و تعرف الإبادة الجماعية بأنها الأفعال المؤدية إلى قتل أعضاء المجموعة، و المساس بشكل خطير بالسلامة الجسدية و العقلية لأعضاء المجموعة، و إخضاع المجموعة عمدا لظروف حياة تؤدي إلى تدميرها جسديا و بشكل جزئي أو كلي، و القيام بإجراءات تستهدف تعطيل عملية التناسل بالنسبة للمجموعة البشرية المستهدفة، و النقل القصري لأطفال المجموعة، و دمجهم بمجموعة أخرى.  
و أضاف المتحدث بأنه عقب مظاهرات 8 ماي 1945 السلمية بقالمة قامت الميليشيا الأوروبية بإحراق المزرعة الميزابية قرب مدينة قالمة، و أبادت عائلات الخماسين التي كانت تسكن المزرعة، حيث تم العثور على نحو 14 جثة لنساء و أطفال و شبان مكدسة فوق بعضها البعض في حفرة، و وجدت أمامها أظرفة أعيرة نارية تم استعمالها، و تتعلق بمسدسات و بنادق رشاشة، غير أن القتلة عمدوا ليلة 15 إلى 16 جوان 1945 إلى إخفاء معالم هذه الجريمة المروعة، لكن الناجي الوحيد قادري صالح مسير المزرعة خلال الأحداث، و فقد كل أفراد أسرته، كشف للجنة التحقيق هوية الضحايا و هم عائلات الخماس قادري علي و الخماس سعيد بن رابح، و الخماس سعايدية مجيد، و الخماس سعايدية علي بن رابح، و الخماس سعايدية مجيد بن عمار، و كشف أيضا هوية بعض الجناة من كبار الكولون بالمنطقة.
و تطرق رمضان بورغدة إلى شاحنات الموت التي كانت تنقل المعتقلين و المختطفين كل ليلة، و تتوجه بهم إلى ضواحي مدينة قالمة لإعدامهم هناك بكل برودة دم، بأمر من رئيس دائرة قالمة أندري آشياري و تنفيذ المليشيا الدموية.
و كان محافظ الاستعلامات "ديرو" المخطط الرئيسي لعملية شاحنات الموت التي أطلق عليها اسم "نظام التنزه على طريق الجنوب"، حيث قدم قوائم الضحايا من أعضاء جبهة أحباب البيان و الحرية، و أعضاء مجلس إدارة المدرسة، و قائمة بأسماء الأعضاء الأهالي في مختلف النقابات الموجودة بمدينة قالمة و ما جاورها.
في ساعة مبكرة من صباح 10 ماي 1945 كانت هناك شاحنة محملة بالأهالي مرت من أمام سجن المدينة
من أجل إتمام عملية الشحن بمن تقرر إعدامهم دون محاكمة، ثم توجهت نحو الريف، و هناك تم إعدام الضحايا رميا بالرصاص، ثم عادت الشاحنة لنقل مزيد من الأهالي المدرجين على قوائم التصفية، و قد تكررت هذه العملية الإجرامية على مدى 10 أيام، و قدر عدد ضحايا "نظام التنزه على طريق الجنوب" بنحو 300 شخص.
و قال المحاضر بأن المادة الثامنة من مشروع خاص بمسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دوليا، أصدرته لجنة القانون الدولي عام 2001 قد نصت على أن "سلوك شخص ما أو مجموعة من الأشخاص يعتبر عملا من أعمال الدولة بموجب القانون الدولي، إذا عمل هذا الشخص أو هذه المجموعة بناء على تعليمات تلك الدولة، أو تحت إشرافها عند تنفيذ هذا العمل".

و لهذا، يضيف المتحدث، فإن مسؤولية الدولة الفرنسية عن هذه الجريمة لا لبس فيها، فقد اقترفت بأيدي المليشيات التي شكلتها و سلحتها السلطات العسكرية و المدنية، و بمساهمة قوات الدرك الفرنسي، و كان ضحاياها مدنيين عزل لم يكونوا يشكلون أي خطر، لأنهم كانوا مجردين من السلاح، و تم اختطافهم ليلا من بيوتهم، و هو ما يؤكده تقرير فرنسي رسمي الذي سجل بأن الميليشيا لم تخسر أي عنصر منها، و لذا يمكن أن تكيف هذه الجريمة البشعة على أساس أنها جريمة حرب طبقا للفقرة ب من المادة السادسة لقانون محكمة نورنبرغ العسكرية التي عرفت جريمة الحرب بأنها " قتل أو معاملة سيئة أو نقل للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة، من أجل الأشغال الشاقة، أو من أجل أي هدف آخر، قتل و سوء معاملة الأسرى في البحر، و إعدام الرهائن،  نهب الممتلكات العمومية أو الخاصة، و تدمير المدن و القرى دون سبب، و التخريب الذي لا يمكن تبريره بدواع عسكرية".
و مما يؤكد مسؤولية السلطات الرسمية الفرنسية عن هذه الجرائم حسب المحاضر، أنه خلال زيارة والي قسنطينة ليستراد كاربونال إلى قالمة يوم 12 ماي 1945 خاطب أعضاء الميليشيا في ساحة ثكنة الدرك قائلا " إنني أهنئ الأشخاص الذين دافعوا عن هذه المنطقة، و أحي رئيس الدائرة، إنني لم آت إلى هنا من أجل وقف القمع، اعلموا أنني سأحميكم، حتى لو ارتكبتم حماقات".
لقد كان الجنرال "ديفال" أكثر وضوحا من "ليستراد كاربونال" عندما اتصل هاتفيا على الساعة السابعة من مساء يوم 12 ماي 1945 بالطيارين و أمرهم بقوله " اجعلوا من حمام أولاد علي برلين صغيرة".
و قد كشفت إحدى الوثائق السرية المسربة من الأرشيف الفرنسي عن المسؤولية المباشرة لرئيس دائرة قالمة أندري آشياري في عملية تنفيذ إعدامات جماعية لعناصر من الحركة الوطنية، المتهمين بالمشاركة في المظاهرات التي نظمت في الفترة بين 1 و 8 ماي 1945، امتثالا لأوامر و ردت من مدينة الجزائر.
و حسب أستاذ التاريخ بجامعة قالمة رمضان بورغدة فإن اعتراف فرنسا بجرائمها المقترفة بالجزائر قبل و بعد مجازر 8 ماي 1945 لن يتحقق إلا إذا تغيرت موازين القوى و تغيرت المعادلة، عندها ستقتضي مصلحة فرنسا أن تعترف و تعتذر، أما في الوضع الراهن فإن هذا الاعتراف و الاعتذار أمر مستبعد، و لن يفيد هذا الاعتذار و الاعتراف حتى لو وقع لأنه لن يعيد ملايين الضحايا الذين ذهبوا.  
فريد.غ

الأكاديمي والمؤرخ جمال يحياوي للنصر
تجزئـــة فرنســـا لملفــــات الذاكــــرة وشخصنتهـــا محـــاولــــة لإبعــــــاد مســـؤوليــــة الــدولـــــة
* كل المجازر التي حدثت خلال السنوات الأخيرة للثورة تمت بمباركة الجنرال ديغول
* بنيامين ستورا مكلف بمهمة من طرف دوائر فرنسية ولا يهتم سوى بالقضايا الخلافية التي تثير فتنة في الجزائر
* كل الملفات التي تدين الاستعمار الفرنسي في الأرشيف تمت تصفيتها
حذّر الدكتور جمال يحياوي المؤرخ والأكاديمي من لجوء الطرف الفرنسي لتجزئة ملفات الذاكرة وشخصنتها باعتبار أن «ذلك يندرج في إطار محاولات رامية لإبعاد تهمة ارتكاب الدولة الفرنسية لجرائم ضد الإنسانية أثناء الثورة التحريرية و إبعاد مسؤوليتها عن كل الجرائم والمجازر المرتكبة ضد الجزائريين.
حاوره عبد الحكيم أسابع
كما دعا الدكتور يحياوي في حديث خص به النصر إلى الحذر من المهمة الموكلة لبنيامين ستورا الذي قال إنه لم يكتب في حياته أي شيء يدين الاستعمار الفرنسي بقدر لجوئه إلى إثارة الفتنة في ما يكتبه سيما ما يتعلق بالقضايا الخلافية التي حدثت أثناء الثورة بين صانعي الثورة الجزائرية.
النصر: كيف يمكن معالجة ملف الذاكرة مع فرنسا بشكل مشترك، بما يطرحه من حساسيات بين الطرفين وهل هناك خطوات وتوجه حقيقي للطرف الفرنسي نحو تحقيق مصالحة كاملة للذاكرة وهل تشاطرون من يتحدث عن مناورات ونيات مبيتة أو تحركات من الطرف الآخر؟
د.يحياوي: ملف الذاكرة ملف شائك ولا يمكن أن ينظر إليه آنيا أي من المنطلق الحالي أو من خلال الجدل السياسي لأن هناك فرق بين الحقيقة التاريخية والجدل السياسي.
بالنسبة لنا في الجزائر ففي رأيي أن الذّاكرة يجب أن ينظر إليها من منظور المنتصر، فعندما نتكلم عن الذاكرة مع الطرف الآخر ومع الدولة المستعمرة بالأمس فنحن انتزعنا استقلالنا بالقوة وانتصرنا على الاحتلال وبالتالي يجب إعادة النظر في مفهومنا للذاكرة، لأن الذاكرة ليست هي التباكي على الجرائم التي ارتكبت من طرف الاستعمار أو ( استعطاف أو الرجاء على ما تم ارتكابه من جرائم)، بل يجب أن ينظر للذاكرة كمفهوم جماعي لكل الجزائريين وكوعي لأفراد المجتمع بأن الذاكرة هي الرّابطة التي تجمعنا كجزائريين بل هي رأسمال الجزائريين جميعا لأنها صمام الأمان والإسمنت بالنسبة للوحدة الوطنية.
ومن هذا المنطلق يجب أن نكون في موقع قوة لأننا عندما نعود إلى الوراء ونتكلم عن الذاكرة نقوم بإسقاطات فيما يتعلق بالمرحلة الأخيرة من تاريخ الجزائر ومرحلة الحركة الوطنية والثورة التحريرية، فلو نعود لأقوال هؤلاء الرجال الذين صنعوا هذا التاريخ فهم قد رسموا لنا مفهوم الذاكرة كجزائريين، فعندما نعود إلى أقوال قادة المقاومة الشعبية أو أثناء مرحلة الكفاح السياسي، فإن محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله يقول ‹› ما أُخذ اغتصابا لا يسترجع إلا غلابا ‹› وهذا ما نراه يرد عليه الشهيد احمد زبانا وهو يصعد إلى المقصلة عندما يقول ‹› نحن لا نطلب حريتنا وغنما ننتزعها انتزاعا›› وعندما نسمع للشهيد الرمز سي مصطفى بن بوالعيد وهو يقول ‹› سنولّد التاريخ ‹› وعندما نسمع للشهيد العربي بن مهيدي  وهو يقول ‹› سننتصر لأننا نمثل المستقبل ‹› وعندما نسمع للشهيد ديدوش مراد وهو يقول ‹› إذا استشهدنا فإننا ندافع على ذاكرتنا ‹›.
فالذاكرة عندنا هي ما صنعه الجزائريون من بطولات عبر التاريخ، هي ما حققه أسلافنا من انتصارات ضد قوى الطغيان وقوى الشّر وبالتالي عندما نقوم الآن بالإسقاط الحالي يمكن أن نقزّم الذاكرة في بضع ملفات مثلما يسعى  إليه الطرف الآخر، لأن الطرف الفرنسي الآن لديه عقدة، ونحن في غمرة إحياء الذكرى 76 لمجازر شهر ماي فهناك عقدة الهزيمة عند الطرف الآخر، لأن الطرف الفرنسي لم يستسغ إلى اليوم خروجه من الجزائر، فعندما تحصلنا على استقلالنا فقد كان الحدث فريدا إذ لأول مرة تُقتلع منظومة كولونيالية كاملة ويرمى بها وراء البحر، فلا يمكن أن نتصور أن الفرنسيين يقبلون بمثل هكذا هزيمة ولذلك يحاولون الآن اللعب على ورقة الذاكرة ومحاولة تجزئة هذه الذاكرة الجماعية للجزائريين في ملفات مستقلة عن بعضها البعض، فمرات يلوحون بقضية المفقودين ومرة قضية الأقدام السوداء ومرات الاعتراف ببعض الأحداث وليس الجرائم في 8 ماي 1945 ومرات الاعتراف بما يسمى التجارب وهي في الحقيقة تفجيرات ولذلك محاولة امتصاص هذه القوة عند الجزائريين قوة الذاكرة الجماعية إلى ملفات مجزأة غير متصلة ببعضها البعض ثم النتيجة التي يريدون الوصول إليها وأن ما حدث من جرائم ومجازر في حق الشعب الجزائري هي أعمال معزولة لبعض القادة العسكريين ميدانيا، فمثلا إذا تكلمنا على مجازر شهر ماي فإنهم يتكلمون عن القائد العسكري في الشرق الجزائري أو من قام بالتعذيب والاختطاف القائد المسؤول في الأمن العسكري، لكن الحقيقة أن ما وقع هو جريمة دولة، فكل مؤسسات الدولة الفرنسية كانت مسؤولة على ما وقع في هذه المرحلة بالذات، هذه المرحلة التي أفرزت الملفات الثقيلة اليوم وخاصة ما يتعلق منها بالأرشيف وبما يخص الوثائق المتعلقة بخرائط الألغام وخرائط التفجيرات النووية وخرائط النفايات النووية وقضايا المفقودين وقضايا التعذيب وقضايا ما هُرّب و ما نُهب من خزينة الدولة. كل هذه القضايا هي إرث متعلق بالعلاقة بين المنهزم والمنتصر.
النصر: عطفا على كلامكم حول تجزئة ملفات الذاكرة، كيف تقرؤون توجه فرنسا في الفترة الأخيرة نحو شخصنة ملفات الذاكرة كالاعتراف بقتل أو إعدام بعض رموز الثورة كالشهيد علي بومنجل وغيره؟
د.يحياوي: الفرنسيون بتوجههم لتجزئة ملفات الذاكرة وشخصنتها يحاولون التنصل من جريمة الدولة، ويسعون لإعطائها الطابع الشخصي عوض التعامل معها كمنظومة، كالحديث عن اختطاف وتعذيب مناضل أو مجاهد معين أو تصفية شهيد وكأن العمل قام به محافظ الشرطة أو ذلك القائد العسكري الميداني في منطقته فقط في محاولة لإفراغ مثل هذه الملفات من محتواها الحقيقي. وحتى عندما كتبوا عن تاريخ المقاومة فإنهم يحاولون إعطاء التسميات الجزئية كالحديث عن مقاومة فاطمة نسومر، فعندما تقرأ العنوان تجد هذه المقاومة قد جرت في سنتين من سنة 1851 إلى 1853 ، مقاومة الحاج عمر ولا يتكلمون عن المقاومة في منطقة القبائل ككل التي امتدت من 1830 إلى 1900 أي أنها دامت 70 سنة، وكذلك مقاومة أحمد باي نجدها محدودة في الزمن حيث دامت 7 سنوات لكن عندما نقول المقاومة في الشرق الجزائري ونأتي إلى المراحل نجد أنه دامت أكثر من قرن.
وأثناء الاستقلال لجأوا إلى تجزئة الملفات لإبعاد المسؤولية عن الدولة وعن المنظومة العسكرية الفرنسية، أعطيك مثالا عن المجازر التي اقترفها الاستعمار الفرنسي في الجزائر في  شهر ماي 1945 هي مسؤولية الدولة الفرنسية، لأن كل ما وقع تم التحضير له مسبقا، وإلا ما رأينا ذلك التواجد العسكري الكبير في منطقة الشرق الجزائري خلال شهر ماي.
نفس الشيء فإن ما حدث أثناء الثورة التحريرية فقد تم بمباركة الجنرال ديغول وخاصة خلال الأربع سنوات الأخيرة من الثورة، وعندما نقول الجنرال ديغول فإنه بالنسبة للفرنسيين هو الرمز الآن.
والعقدة الآن لدى الأجيال الفرنسية من أبنائهم الذين اكتشفوا حقيقة آبائهم وأجدادهم الذين كانوا مجرمي حرب والذين كانت المنظومة التعليمية الفرنسية تقدمهم على أساس أنهم شخصيات عالمية، وذات بعد عالمي إنساني وإذا بهم يكتشفون هذه الحقائق. لذلك فإن الطرف الفرنسي يحاول الآن شخصنة وتجزئة وفصل ملفات الذاكرة عن بعضها البعض لإبعاد عن هذه المسؤولية وإبقاء هؤلاء الرموز بالنسبة لهم كرموز عالمية ساهمت في البعد الإنساني لفرنسا.
النصر: كيف تقرؤون تقرير بنيامين ستورا الذي سلمه لماكرون ؟
د.يحياوي: أنا كأكاديمي ومطلع جيد على ملف الذاكرة وأعرف جيدا ستورا، واشتغلت على هذا الملف مع الكثير من المؤرخين الفرنسيين في الجزائر وفي فرنسا، فإن هذا الملف لا يعنينا فهو ملف فرنسي ثم أن هذا الملف لم يأت بالجديد بالنسبة لنا فنفس اللغة التي تلوكها الألسن المرتبطة بالدوائر الرسمية الفرنسية منذ سنة 1962  إلى اليوم في محاولة لتقزيم الجزائر ومحاولة سرقة الانتصار الذي حدث سنة 1962 من خلال إظهار الملفات المعزولة ومن خلال التركيز على بعض القضايا كالذاكرة المشتركة وأنا أرفض كلمة الذاكرة المشتركة لأن هناك ذاكرة المنتصر. فإذا تحدثنا عن الذاكرة المشتركة فمعناه أننا ساوينا بين مفقودينا ومفقوديهم، وعندما يتحدثون عن التعذيب يقولون أن جيش التحرير مارس هو الآخر التعذيب رغم أنه كان في موقع دفاع ولم يحدث أبدا أن قام جيش التحرير الوطني بتعذيب أي من عناصر جيش الاحتلال الفرنسي أو ضباطه عندما ألقى القبض عليهم، بل لقد عوملوا معاملة حسنة وتقارير الصليب الأحمر الدولي تشهد على ذلك وأغلبهم رحّلوا عن طريق تونس وأعيدوا إلى عائلاتهم.
وعندما نتحدث نحن عما تم نهبه خلال 132 سنة من الاحتلال يطرحون هم أيضا قضية الأقدام السوداء ويقولون إذا كنتم أنتم قد فقدتم أملاكا فنحن أيضا فقدنا أملاكا ولذلك فإن الطرف الفرنسي لديه نفس اللغة لأنه لا يجد الدليل الذي يقدمه لدحض مطالب الجزائريين ودحض الحقائق التاريخية، لأن ما وقع في الجزائر حقائق وما أصبح يؤرق الدوائر الفرنسية هو تلك الأصوات التي ظهرت من بين الفرنسيين أنفسهم، ففي صحوة ضمير فإن الكثير من الضباط ومن القادة العسكريين وحتى بعض الصحفيين نشروا مذكراتهم واعترفوا بالحقائق كما هي وهو ما أصبح يؤرق الدوائر الرسمية الفرنسية لذلك فإنهم يحاولون الآن توظيف  البعض من أمثال بنيامين ستورا، مع احتراماتي له، وبنيامين ستورا شخصيا لم يقدم شيئا لصالح الجزائر.
بنيامين ستورا مكلف بمهمة من طرف الدوائر الفرنسية وهو لم يكتب في حياته أي كتاب أو مقال أو فصل في كتاب حول جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر لكنه راح يركز على الخلافات الداخلية في أوساط الأفلان وحول بعض الخلافات بين المصاليين وبين جيش التحرير الوطني. إنه لا يتحدث سوى عن القضايا التي تثير الفتنة فقط لكنه كان بإمكانه على غرار مؤرخين فرنسيين آخرين من شباب الجيل الجديد على غرار أوليفيي لوكور غراند ميزون الذي فضح الممارسات الاستعمارية، من خلال تأليفه كتاب رائع ‹› الاستعمار إبادة وقد ترجمته إلى العربية،  أو ‹› جيل مانسرون» على الأقل، لكن ستورا لم يقدم شيئا يدين الاستعمار الفرنسي خلال مساره المهني فكيف لنا الآن أن ننتظر منه وهو في آخر العمر أن يقدم شيئا قد يدين أو يظهر الحقيقة الاستعمارية، فالرجل مكلف بمهمة منذ سنوات طويلة وهاهو الآن أظهر حقيقته المهمة التي كلف بها وهي لا تعنينا لأنها مهمة فرنسية لمؤرخ فرنسي من طرف الإدارة الفرنسية.
النصر: إذا حاولنا التطرق لملف الأرشيف هل تتوقعون من فرنسا خطوات أخرى بعد رفع السرية عن الأرشيف، كيف تقرؤون هذا المسعى وهل يمكن اعتبار ذلك خطوة إيجابية في سبيل تسوية ملفات الذّاكرة؟
د.يحياوي: أنا أنظر لهذا القرار بحذر شديد لأن فرنسا دولة مؤسسات ولديها قوانين سارية في هذا المجال فيما يتعلق بمسألة رفع السرية بعد 50 أو مائة سنة،  وهذا القرار، قرار سياسي، والحقيقة لا أتصور أن الفرنسيين والعاملين على هذا الملف والمسؤولين في دور الأرشيف وهم من قدامى القادة العسكريين أو من الأقدام السوداء، فخلال 50 سنة من استرجاع السيادة الوطنية لم يكونوا في عطلة أو في راحة بل قاموا بعمل مهم في الأرشيف حيث قاموا بعملية تصفية وتصنيف في الأرشيف، فكل الملفات التي تدينهم قد أبعدت، فعندما كنا نطلب ملف ملفات معينة للمرة الأولى والثانية ونلح الطلب للاطلاع عليها يتم سحبها مثل ملف مصالح الإدارة الخاصة ‹› لاصاص ‹› والجرائم التي ارتكبتها ...ما ترك في العلب الخاصة بها هي الأشياء الإيجابية فقط أي الإحصائيات المتعلقة بعدد الأطفال الذين تعلموا وتمدرسوا وعدد ماكينات الخياطة التي سلمت للنساء الجزائريات وعدد الحقن التي تلقاها الجزائريون في إطار العلاج ما يوحي لمن لا يعرف التاريخ أن ‹› لاصاص ‹› كانت جمعية خيرية اجتماعية لكن كل الملفات التي تتعلق بالتعذيب أبعدت.كما تم دس الكثير من الوثائق المزورة لأغراض مبيتة لهذا علينا أن نختار لمن يقرا الأرشيف وأن متخوف إذا فتح الأرشيف بهذه الطريقة وإذا لم يكن الطرف الجزائري على دراية واحترافية في قراءة هذه الملفات فقد ننتظر إثارة قضايا تفجر ملف الذاكرة.

الباحث في تاريخ الحركة الوطنية الصادق مزهود
مـيـلـيـشـيــــا يـهـوديــة شــــاركـــت في مـجــــاز 8 مـــــاي
كشف أول أمس، الباحث في تاريخ الحركة الوطنية وحرب التحرير،  الدكتور الصادق مزهود، بأن اليهود شاركوا في عمليات التقتيل والتنكيل التي طالت الجزائريين خلال أحداث 8 ماي 1945، مؤكدا خلال محاضرة بذات المناسبة، احتضنتها قاعة المحاضرات الكبرى محمد الصديق بن يحيى بجامعة منتوري، و جاءت بتنظيم من تنسيقية المؤسسات الجامعية لولاية قسنطينة بالتعاون مع متحف المجاهد، بأن جماعات من اليهود شكلوا ميليشيا مارست القمع المسلح ضد الجزائريين في قالمة.
 الباحث أوضح، بأن هناك مصادر تاريخية  تطرقت لهذه النقطة وأشارت إليها، منها وثائق تخص  الحركة الوطنية، و وثائق مستقاة من مجلات الجيش، بالإضافة إلى أرشيف مجلتي البصائر والشهاب،  كما أنها حادثة ذكرها الشيخ البشير الإبراهيمي في إحدى مقالاته،  مشيرا إلى أن الميليشيا تشكلت في ظرف 24 ساعة، وقد ضمت يهودا من قالمة و قسنطينة، جندوا تحت لواء محافظ شرطة قالمة " آشياري"، ضمن 43 ميليشا مسلحة من المعمرين شاركت في المجازر، ويعود سبب إشراك اليهود في هذه الأحداث لأسباب انتقامية حسب الباحث، إذ تهيكلوا خصيصا للانتقام ليهود قسنطينة الذين قتلوا إثر أحداث مسجد سيدي لخضر، فيهود الجزائر كما أضاف، كانوا قد عبروا عن انتمائهم الصريح لفرنسا عقب هذه الواقعة.
 وقدم الباحث في تاريخ الحركة الوطنية بالإضافة إلى ذلك، مجموعة من المعطيات التاريخية حول المجازر الدموية، قال بأنها عصارة شهادات حية، جمعها طيلة الفترة الممتدة بين سنوات 1958 إلى غاية 2012، وشارك فيها مجاهدون و أسماء وطنية على غرار المجاهدين بولكحول أحمد و عبد الله يلس، من قالمة ، و الأستاذ محمد الهادي الشريف من سطيف، ناهيك عن توفيق المدني المدير السابق للأرشيف الوطني و الوزير الأسبق في حكومة أحمد بن بلة، بشير  بومعزة، حيث ذكر الباحث، في مداخلته، بالأسباب السياسية التي أججت الوضع و كانت خلفية لأحداث 8 ماي، بما في ذلك تجنيد حوالي 80 ألف شاب جزائري للدفاع عن فرنسا ضد النازية في الحرب العالمية الأولى، ومن ثم تنصل المستعمر لوعوده بتحرير الجزائر، الأمر الذي أجج مشاعر الحركة الوطنية، خصوصا بعدما تحايلت حكومة فرنسا على شخصياتها عقب صدور بيان فرحات عباس، وتعود تفاصيل القضية كما قال، إلى تاريخ 8 نوفمبر 1942، عندما التقى الحلفاء في الجزائر بمعية الجنرال "جيرو"، للاتفاق على ضرب إيطاليا الفاشية، حينها اغتنم فرحات عباس، الفرصة  للمطالبة ببعض الحقوق وذلك بإيعاز من 56 شخصية وطنية، كانوا يمثلون المشهد السياسي الجزائري آنذاك، وقتها رد جيرو، بحضور كل من ممثلي رئيس الولايات المتحدة الأميركية و بريطانيا، بأنه مسؤول عن دفع الجنود إلى الجبهات ولا علاقة له بالسياسة، لكنه تراجع عن موقفه حينما لمس امتعاض الطرفين الأميركي والبريطاني، بفعل إدراكهما للدور الجيوستراتيجي للجزائر، في الحرب ضد إيطاليا، حينها تدخل "بيرتون"، وهو الحاكم العام للجزائر لاستدراك الوضع، واستقبل فرحات عباس في 31 ماي 1943، وطالبه بإعادة صياغة بيانه و تلخيصه في نقاط محددة، فيما سمي لاحقا "بمكمل البيان"، لكن الأمور توقفت بعد الخطاب الشهير لشارل ديغول بقسنطينة في 12 ديسمبر 1943، والذي وعد فيه برفع عدد المجنسين بالجنسية الفرنسية من 20 ألف جزائري إلى 50 ألفا، وتوجه بعده لإقالة الحاكم العام بيرتون، على خلفية لقائه بممثل الحركة الوطنية، ما اعتبرته هذه الأخيرة استخفافا بها و تمزيقا صريحا للبيان، رغم أن لجنة مكونة من 18 شخصا كانت قد عينت في 7 مارس 1944 لمناقشة مضمونه و البث في المطالب المدرجة، وهي تحديدا كما قال المؤرخ، الخطوة التي دفعت فرحات عباس إلى تأسيس حزبه لاحقا.
 يذكر المتحدث، كذلك، بأن الوضع الاقتصادي المتردي الذي كان يتخبط فيه الجزائريون كان سببا مباشرا في اندلاع المظاهرات فالفقر كان يجبرهم على عدم التصريح بالوافيات لأجل الحفاظ على تأشيرة الحصول على الغذاء، ولذلك انتفضوا بداية في العاصمة أين اندلعت أولى شرارات المظاهرات وقد استشهد حينها شخصان أولهما زيار عبد القادر و شخص ثان يلقب بالحفاف، كما عرفت مدينة وهران نفس الوضع و سقطت فيها ضحية واحدة، قبل أن ينفجر الوضع في 8 ماي 1945، بسطيف، حيث يذكر مجاهدون و شهود عيان، حسبه، بأن الأحدث اندلعت في حدود الساعة الثامنة صباحا، إذ انطلقت مظاهرات يتقدمها فوج من الكشافة اسمه " فوج الحياة"،  بالإضافة إلى مجموعة من القادة أبرزهم، محمود بن محمود وسي لخضر و محمد الهادي الشريف، و يؤكد الباحث، بأن جل الشهادات والوثائق المتوفرة، تبين بأنه كانت هنالك نية مبيتة لتقتيل الجزائريين، بدليل أن المسؤول عن ثكنة سطيف "العقيد بودلير"، قام في ذات اليوم، بتجريد المجندين الجزائريين " إجباريا" من أسلحتهم خوفا من تدخلهم، كما أمر بإطلاق النار على حامل الراية الوطنية، وهو شراق عيسى الذي سقط جريحا و رفض الأطباء الفرنسيون إسعافه، قبل أن يتلقفها بعده الشاب سعاف بوزيد وهو أول شهداء الأحداث، و الذي اغتيل بعدما أطلق الأوروبيون النار من شرفاتهم على المتظاهرين.
  أما في قالمة، فقد ذكر كل من بولكحول أحمد و عبد الله يلس، في شهادة وثقها الباحث، بأن المظاهرات  بدأت عند الساعة السادسة والربع وشارك فيها مجموعة من المواطنين يتقدمهم مناضلو حزب أحباب البيان والحريات و حزب الشعب " حركة انتصار الحريات الديمقراطية"، حينها أمر " آشياري "، محافظ الشرطة في قالمة آنذاك، بإطلاق النار  على المتظاهرين، بوصفه مسؤولا عن 43 ميليشيا، كونها معمرون فرنسيون، من بينها ميليشيا يهودية جندت للانتقام لليهود الذين ماتوا في أحداث مسجد سيدي لخضر بقسنطينة في 1934.
 و ذكر المتحدث، بأن تقريرا تلقاه "شانتينيو" وزير داخلية حكومة المستعمر، آنذاك، كان قد بين بأن هناك تقتيلا لنساء ورجال وأطفال في قالمة دون إخضاعهم للمحاكمة، وهي عمليات استمرت لأيام و عرفت بوحشيتها، إذ علقت الجثث في كهف " البومبة" و على جسر سيقوس، دون رحمة، في وقت قلل الإعلام الفرنسي من أهمية ما يحصل و كتبت الواشنطون بوست، عن وفاة 8 آلاف جزائري، في حين تحدثت وكالات أنباء عن هجوم نفذه جزائريون راح ضحيته 50 فرنسيا، وهي أكاذيب فندها فضيل الورتلاني في صحافة الشرق الأوسط، كما أضاف المؤرخ، مشيرا إلى أن عدد الفرنسيين الذين قتلوا في أحداث عقبت مجاز 8 ماي وجاءت ردا عنها، يقدر بـ 92 فرنسيا بينهم 81 في سطيف و 6 في منطقتي عين السطاح و تامانتوت، بالإضافة إلى 11 في قالمة، هذا وقد تلت المجازر عملية اعتقالات واسعة في صفوف الجزائريين، إذ يحصي الباحث 2665 شخصا اقتيدوا الى سجن القصبة بقسنطينة، بينهم 1656 فقط، مروا على المحاكمة بينما توفي 1009، آخرون في السجون دون محاكمة، هذا علاوة على من سقطوا في خراطة و قالمة وسطيف، و عين عباسة وعين كبيرة وصولا إلى بلديات قالمة أين جندت فرنسا 7 طائرات لقنبلة المداشر الثائرة.
هدى طابي

أستاذة التاريخ بجامعة الأمير عبد القادر فريدة قاسمي
 الكولون أوعـــزوا للحكومـــة العامـــة بتنفيـــذ المجـــــازر
أكدت الدكتورة فريدة قاسمي، أستاذة بقسم التاريخ بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، على الدور الأساسي الذي لعبه المعمرون أو الكولون، في تأجيج الوضع و الدفع إلى تقتيل الجزائريين خلال أحداث 8 ماي1945.
 وقالت المتحدثة في مداخلة قدمتها خلال ذات اللقاء، بأن بيان فرحات عباس، كان بمثابة إطار سياسي عزز الروح الوطنية و أحدث القطيعة مع الاندماج الذي تبنته النخب، خصوصا وأن ملحق البيان تضمن حق الجزائريين في الاستقلال السياسي، مع ضمان وقوف الجزائر إلى جانب فرنسا والحلفاء في حالة الحرب، لكن لهجة فرنسا تغيرت بعد الحرب مع رفض مطالب البيان وتوقيف فرحات عباس و زميله عبد القادر السايح، ومن ثم التوجه إلى إقرار بعض الإصلاحات ذات طابع التجنيس، ردا على موقف جبهة أحباب البيان و الحريات التي أسسها فرحات عباس لاحقا و التف حولها الآلاف من الوطنيين، إذ أصدر شارل ديغول مرسوما يضاعف عدد المجنسين الجزائريين بالجنسية الفرنسة إلى حوالي 50 آلفا، في 7 مارس1944، وهو مرسوم  قوبل بالرفض من قبل حزب الشعب، كما حرك ردة فعل قوية في أوساط المستوطنين، الذين كان لهم دور في الإيعاز للرئيس ديغول و للحكومة العامة بتنفيذ المجازر لأجل قمع الجزائريين وإنهاء أي تمرد  ضد السيادة الفرنسية، وقد ذكرت مصادر تاريخية بأن المستوطنين رأوا في مرسوم 7 مارس، تعديا على مصالحهم وامتيازاتهم، و تلخص ذلك في تصريح " لغابريال آجو"، رئيس فدراليات بلديات جزائرية، و من العناصر المتطرفة في صفوف الكولون، قال فيه " أفشلنا من قبل مشروع   كومبيولي 1936، فما الذي يبغيه الجنرال ديغول من جديد في تدخله في قضية العرب هذه الذين بقدر ما يمنح لهم تزداد طلباتهم، أعد بأنني سأعرف كيف أخضعهم"،  كما تشدد الأستاذة قاسمي على ثقل الدور الذي لعبته الميليشيات المسلحة المكونة من طرف الكولون في المجازر و عددها بالإجمال 43 ميليشيا.
هدى طابي

 

 

الرجوع إلى الأعلى