الجزائر تُريد تسوية شاملة وليس خطوات رمزية
جودة العلاقات مع فرنسا مرهونة بمعالجة ملفات الذاكرة
أكدت الجزائر تمسكها بمطلب «اعتذار فرنسا عن جرائمها» إبان الحقبة الاستعمارية، كما ردت على محاولات فرنسية للالتفاف حول ملف الذاكرة، وجددت تمسكها بالملف في العلاقات بين البلدين، وأكدت أن جودة العلاقات مع فرنسا مرهونة بمعالجة ملفات الذاكرة وتسوية الملفات التي “مازالت مفتوحة” كمواصلة استرجاع جماجم شهدائنا الأبرار، وملف المفقودين واسترجاع الأرشيف وتعويض ضحايا التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية.

حاولت فرنسا طيلة العام الجاري الالتفاف حول مطلب تسوية ملفات الذاكرة مع الجزائر، من خلال مبادرات رمزية منها الاعتراف بتعذيب واغتيال علي منجلي، ورفع القيود التي كانت مفروضة على الأرشيف، وصولا إلى تقرير ستورا الذي وصفته السلطات الجزائرية بالملف الفرنسي الذي لا يعني بلادنا في شيء، وهي كلها محاولات سعت فرنسا من خلالها للتهرب من واجب الاعتراف والاعتذار عن الجرام الاستعمارية.  
تلك المحاولات الفرنسية قوبلت برفض قاطع وحاسم من السلطات العليا في البلاد، التي أكدت «تمسكها الشديد» بمطلب «اعتذار فرنسا عن جرائمها» إبان استعمارها للجزائر. مشددة على أن جودة العلاقات مع فرنسا مرتبطة بمعالجة ملف الذاكرة الذي يجب تنقيته من الرواسب الاستعمارية. وهو ما أكده رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون بمناسبة إحياء اليوم الوطني للذاكرة المخلد لذكرى مجازر 8 ماي 1945، حيث قال بأن «جودة العلاقات مع جمهورية فرنسا لن تأتي بدون مراعاة التاريخ ومعالجة ملفات الذاكرة، والتي لا يمكن بأي حال أن يتم التنازل عنها مهما كانت المسوغات».
ولفت تبون إلى أن ورشات ملفات الذاكرة مع فرنسا «ما زالت مفتوحة»، مشيرا إلى «مواصلة استرجاع جماجم شهدائنا الأبرار، وملف المفقودين، واسترجاع الأرشيف، وتعويض ضحايا التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية». وشدد الرئيس على ضرورة معالجة هذه الملفات بـ»جدية ورصانة» من أجل توطيد العلاقات بين الجزائر وفرنسا «على أسس صلبة».
وعاد ملف الذاكرة بقوة إلى الواجهة خلال الأشهر الماضية خاصة بعد تصريحات رئيسي البلدين التي تؤكد على العمل معا من أجل التقدم في ملف الذاكرة، لكن في المقابل خطوات صغيرة أنجزت على الأرض. وإلى حد الآن تعالج فرنسا ملف الذاكرة بانتقائية دون المس بالملفات الحساسة التي ترتبط بجرائمها في الجزائر، ولم تفتح باريس بعد مع الجانب الجزائري ملف التجارب النووية، بالرغم من المطالب الجزائرية، خاصة فيما يتعلق بالخرائط الخاصة بمواقع التجارب من أجل تنظيفها وأيضا تعويض ضحايا هذه التجارب التي يدفع ثمنها أبناء المنطقة إلى يومنا هذا.
ومع احتفال الجزائر بالذكرى الـ الـ59 لاستقلالها، يتحدث محللون عن تناقضات كبيرة في المواقف الفرنسية بشأن ملف الذاكرة، ففي الوقت الذي أقر الرئيس ماكرون بمسؤولية فرنسا في الجرائم التي وقعت في رواندا، ودخل في صراع مع الرئيس التركي بسبب ما اصطلح على تسميته «إبادة الأرمن» إلا انه يرفض الاعتراف بجرائم فرنسا الاستعمارية، ورغم تقدير الجزائر للضغوطات التي تقوم بها لوبيات معادية للجزائرترفض تسوية العلاقات الثنائية، وهي لوبيات مشكلة من قدماء المعمرين وبقايا اليد الحمراء والحركى، لا زالت تضغط على صنّاع القرار وتتمتع بنفوذ في الدوائر السياسية والإعلامية، إلا تقدير الضغوطات التي يتعرض لها الرئيس الفرنسي لا تعني السكوت عن حقّ مشروع للجزائر كما عبر عن ذلك رئيس الجمهورية صراحة في أكثر من مناسبة.
كما يشكك مؤرخون في جدية خطوة «رفع السرية عن الأرشيف السري»، ويقول الباحثون أن ما حدث هو تخفيف للقيود المفروضة على ذلك الأرشيف الذي مرت عليه بالفعل أكثر من 50 عاماً ومن المفترض أن يكون متاحاً بالكامل من الأساس، كما أن السلطات الجزائرية تطالب باسترجاع الأرشيف كاملا دون قيود أو شروط مسبقة من الجانب الفرنسي.
واتهم مؤرخ جزائري اليمين الفرنسي التقليدي واليمين المتطرف “بالمتاجرة السياسية” بملف الجرائم الفرنسية المرتكبة بالجزائر خلال الفترة الاستعمارية، وقال المؤرخ عمار محند عامر والذي يشغل منصب مدير قسم الأنثروبولوجيا الاجتماعية لتاريخ الذاكرة بالمركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، في تصريحات عشية احتفال الجزائر بالذكرى الـ59 لاستقلالها، لوكالة الأنباء الجزائرية، إن ملف جرائم فرنسا بالجزائر “مرتبط أساسا برهانات سياسية وذاكراتية وسياسيوية على وجه الخصوص”، وأضاف أن تاريخ الاستعمار “في صلب الخلافات والصراعات السياسية والحزبية” لا سيما من طرف اليمين التقليدي واليمين المتطرف اللذين لا يزالان يستعملان هذا الملف “للمتاجرة السياسية”.
وشكك الباحث في أن “تعترف فرنسا الرسمية يوما ما بوقوع جرائم إنسانية في الجزائر وتعتذر عنها”، وربط ذلك بوجود لوبيات و”مقاولي الذاكرة” أقوياء في فرنسا فيما .يرجع محللون التناقضات في مواقف ماكرون لرغبته في كسب الناخبين الفرنسيين ذوي الأصول الجزائرية، وبأنه في الوقت نفسه يغازل اليمين الفرنسي تمهيدا للانتخابات الرئاسية المقبلة.
وبالتالي فإن كثيراً من المراقبين يرون أن ملف الاستعمار الفرنسي للجزائر سيظل شوكة في خاصرة تطبيع العلاقات بين البلدين طالما لم تحدث عملية الاعتراف الكامل بجرائم الاستعمار والاعتذار عنها ومن ثم البدء في تفكيك الألغام الأخرى الكامنة في ملف الذاكرة.                ع سمير

وزارة المجاهدين و ذوي الحقوق تُؤكد
التذكير بماضي الجزائر «ليس دعوة  إلى البغضاء»
أكدت وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، أمس الأحد، عشية الاحتفال بالذكرى الـ 59 لعيد الاستقلال، أن التذكير بماضي الجزائر المجيد وما تكبده الجزائريون إبان الحقبة الاستعمارية «ليس دعوة إلى البغضاء والكراهية».
و قال مدير المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر، جمال الدين ميعادي، في كلمة باسم الوزارة ألقاها في احتفالية نظمت بالمتحف الوطني للمجاهد تحت شعار «صون للذاكرة واستكمال للمسيرة»، بأنه من خلال «استذكار ماضينا المجيد وما كابدناه من مآسي إنما نمارس حقنا في حفظ ذاكرتنا وفاء لأسلافنا ولشعبنا الذي ضحى بخيرة من أبنائه وبناته لكي يسترجع استقلاله»، مؤكدا بأن «ليس لهذا التذكير بالماضي أي دعوة إلى البغضاء والكراهية نحو الطرف الآخر حتى وإن ظل شعبنا مصر على مطالبته بالاعتراف بما اقترفه في حقه من شر ومن نكال».
وأضاف ذات المسؤول بأن حفظ الذاكرة الوطنية «سيتيح لأجيالنا الصاعدة على الدوام شحذ حسها الوطني و هي تواجه التحديات والصعاب ويكون بعثا لاعتزازها الدائم بوطنها وأمجاده».
وفي معرض إبرازه لمعاني الاحتفال بعيد الاستقلال، وصف المدير هذه المناسبة بـ «العظيمة»، مشيرا إلى أن الذكرى «موعد يتجدد لنترحم على أرواح الشهداء ولإقرار الاعتراف والعرفان لمجاهدينا ومجاهداتنا الأمجاد نظير كفاحهم وتضحياتهم».كما تعتبر المناسبة -وفق كلمة الوزارة- موعدا للتأليف بين قلوب كل أبناء الجزائر وحثهم على استذكار الماضي الحافل بالمآثر والأمجاد، لافتا إلى أنه «كلما حلت مثل هذه الذكريات إلا وزدنا إيمانا بوجودنا وتشبثا باعتزازنا بأمجادنا وتعلقنا بماضينا».وبخصوص برنامج الاحتفال بالذكرى الـ 59 لعيد الاستقلال الذي احتضن فعالياته المتحف الوطني للمجاهد فقد تضمن نشاطات تاريخية وفنية وأناشيد وطنية وكذا تقديم أوبيرات تاريخية وقراءات شعرية.
وقد حضر الحفل عدد من المجاهدين والمجاهدات وشخصيات تاريخية وأساتذة في التاريخ إلى جانب ممثلين عن جمعيات ومنظمات وطنية.
وأج

وزير المجاهدين الطيب زيتوني يؤكد
متابعة ملفات الذاكرة تتم في إطار «الجدية والرصانة»
أكد وزير المجاهدين وذوي الحقوق، الطيب زيتوني، أن العلاقات الجزائرية-الفرنسية شهدت «تطورا ملحوظا» في متابعة ملفات الذاكرة خلال الآونة الأخيرة في إطار من «الجدية والرصانة».
وأوضح السيد زيتوني في حديث خص به وأج بمناسبة احتفال الجزائر بعيد الاستقلال الـ 59، أن مسألة الذاكرة «كانت في صلب المحادثات بين الجزائر وفرنسا وهي تعالج بجدية ورصانة بعيدا عن الرواسب الاستعمارية»، مؤكدا أن العلاقات الجزائرية-الفرنسية شهدت «تطورا ملحوظا في متابعة ملفات الذاكرة خلال الآونة الأخيرة، وهو الأمر الذي لا يختلف عليه اثنان».
كما أكد أن هكذا ملفات «يجب أن تعالج في إطار حوار دولة مع دولة، بعيدا عن الأشخاص والجماعات والدوائر الأخرى المؤثرة» وهو ما يتطلب -حسبه- «قراءة موضوعية حقيقية للتاريخ من كل جوانبه».
وبالنسبة لوزير المجاهدين، فإن ملف الذاكرة «مازال كمسعى دائم لا يمكن تجزئته إلى مراحل أو محطات دون أخرى من  فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر و الذي يمتد من 1830 إلى 5 جويلية 1962 و ما عاناه الشعب الجزائري طيلة فترة الاحتلال من جرائم لا تسقط بالتقادم ومنها التي لا تزال آثارها قائمة، على غرار التفجيرات النووية في جنوبنا إلى جانب المفقودين وكذا مخلفات خطي شال وموريس المكهربين والألغام وضحايا النبالم، وغيرها من الجرائم».
يضاف إلى هذه الجرائم -كما ورد على لسان السيد زيتوني- قضية المهجرين لجزر كاليدونيا و غويانا و غيرها من المستعمرات الفرنسية و ما ترتب عنها، إلى جانب القوانين الجائرة التي سنها المستعمر الفرنسي لمصادرة أملاك الجزائريين من أراض وعقارات و تمليكها للمعمرين القادمين إلى الجزائر، ناهيك عن الأموال والأشياء و الوثائق التاريخية الثمينة التي سرقت من الجزائر.
غير أن الوزير لفت إلى أن العمل «يبقى مستمرا لإعطاء العلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا دفعا قويا على أسس دائمة تضمن مصلحتهما المشتركة والاحترام الكامل لخصوصية وسيادة كلا البلدين».
وأكد السيد زيتوني أن الملفات المرتبطة بالذاكرة «كانت دوما في صلب المباحثات المشتركة بين الجزائر وفرنسا و في إطار عمل اللجنة الحكومية المشتركة رفيعة المستوى الجزائرية الفرنسية وأيضا ضمن اللجان المختصة وفرق العمل التي تتكون من عديد القطاعات الوزارية وهي تعمل وفق رؤية شاملة بشكل مستمر على ملفات استرجاع الأرشيف ومواصلة استعادة ما تبقى من جماجم شهدائنا وتراثنا المخزن بفرنسا إضافة إلى ملف تعويضات ضحايا التفجيرات النووية بصحرائنا الكبرى و تنظيف آثارها وملف مفقودي ثورة التحرير الوطني».
وبخصوص هذه الملفات، أشار إلى أن دراستها عرفت «تقدما» خاصة ما تعلق باستعادة بقايا رفات وجماجم زعماء ورجالات المقاومة الشعبية». وذكر هنا بالالتزام الذي تعهد به رئيس الجمهورية خلال كلمته بمناسبة الذكرى الـ 58 لعيد الاستقلال، بـ «مواصلة» استرجاع جماجم شهداء المقاومة الشعبية ودفنها في أرض الوطن. وقال بخصوص هذا بأن هذا المسعى «سيتحقق بإذن الله عند استكمال جميع الإجراءات المتعلقة بهذا الشأن».
وفي إطار مسعى الرئيس تبون الرامي إلى إيلاء العناية الكاملة للملفات ذات الصلة بالذاكرة الوطنية، لاسيما ما تعلق منها بفترة المقاومة الشعبية والحركة الوطنية وثورة التحرير الوطني، فإن وزارة المجاهدين و ذوي الحقوق بالتنسيق والتشاور مع مختلف القطاعات الوزارية الأخرى ذات الصلة بالملفات كل في مجاله، «تعمل- حسب مسؤولها الأول- على دراسة مختلف الجوانب والآليات التي من شأنها إعطاء دفع للتقدم في دراسة هذه الملفات، سيما ما تعلق بملف رفات و جماجم شهداء المقاومة الشعبية».
ويتجسد هذا العمل من خلال «استعراض آخر مستجدات عمل اللجنة العلمية الجزائرية-الفرنسية المكلفة بتحديد هوية ما تبقى من الرفات البشرية الجزائرية المتواجدة بالمتحف الوطني للتاريخ الطبيعي بباريس، و كذا النتائج المحققة في هذا المجال»، حسب ما أكده المتحدث.
أما عن ملفي الأرشيف الوطني و المفقودين، قال السيد زيتوني بأنهما «لم يشهدا تطورا، مما يتوجب على الطرف الفرنسي الالتزام و الاستجابة لطلب الجزائر بتمكينها من استرجاع أرشيفها الوطني و كذا تقديم المعلومات الكافية المتعلقة بالمفقودين الجزائريين و أماكن تواجدهم».

كما ذكر بأن مصالح قطاعه بالتنسيق مع عديد القطاعات الوزارية المعنية بهذا الملف «باشرت بدراسة معمقة لكل ما توفر من معطيات في هذا الشأن»، علما بأنه تم إحصاء أكثر من 2000 شهيد مفقود لا يعرف مكان دفنهم.
وفي إطار عناية قطاع المجاهدين و ذوي الحقوق بملف الذاكرة، لا سيما ما تعلق منها بالجرائم النكراء التي ارتكبها المستعمر في حق  الجزائر أرضا و شعبا، أشار الوزير إلى أن قطاعه أولى عناية «خاصة» لملفات جماجم المقاومين الجزائريين والأرشيف الوطني و المفقودين خلال الحقبة الاستعمارية (1830 ـ 1962) إضافة إلى ملف ضحايا التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية.
فرنسا ترفض تسليم الخرائط التي قد تسمح بتحديد مناطق دفن النفايات بالجزائر
في رده عن سؤال حول مطالبة الرئيس تبون من فرنسا تنظيف مواقع التفجيرات وعلاج الضحايا بعيدا عن التعويضات، أكد وزير المجاهدين أن الطرف الفرنسي «يرفض تسليم الخرائط الطبوغرافية التي قد تسمح بتحديد مناطق دفن النفايات الملوثة، المشعة أو الكيماوية غير المكتشفة لحد اليوم. كما أنه لم يقم بأية مبادرة لتطهير المواقع الملوثة من الناحية التقنية ولم تقم فرنسا بأدنى عمل إنساني لتعويض المتضررين».
وتابع بأن التفجيرات النووية الاستعمارية بالصحراء الكبرى تعد من «الأدلة الدامغة على الجرائم المقترفة التي لا تزال إشعاعاتها تؤثر على الإنسان والبيئة و المحيط»، مبرزا أن الجزائر «تراعي في معالجة هذا الملف المرتبط المصلحة الوطنية العليا وفق ما تراه مناسبا ومفيدا للأجيال».
ويعد هذا الملف -وفق تأكيد الوزير- «الأكثر حساسية من بين ملفات الذاكرة التي هي محل مشاورات ضمن اللجان المختصة وهو ما يتطلب إجراءات عملية مستعجلة وتسويته ومناقشته بكل موضوعية».
وبصدور المرسوم التنفيذي المحدد لإنشاء الوكالة الوطنية لإعادة تأهيل المواقع القديمة للتجارب والتفجيرات النووية الفرنسية في الجنوب الجزائري -يضيف السيد زيتوني - تكون الجزائر قد «جددت التزامها الدائم بخصوص حضر الأسلحة النووية، كطرف فاعل في الساحة الدبلوماسية الدولية و مساعيها الرامية إلى حظر انتشار الأسلحة النووية في العالم».
أما فيما يتعلق بتعويض ضحايا التفجيرات النووية، فإن الشروط «التعجيزية» التي تضمنها قانون مورين الصادر في 5 جويلية 2010 و بالرغم من أن التجارب النووية الفرنسية في الجزائر هي الكارثة البيئية والإنسانية التي مازالت بعد مضي 55 سنة تسبب أمراضا سرطانية و تشوهات جسدية، فإنها لم تمكن الجزائريين المتضررين من أي تعويض لحد اليوم».
كما جدد التأكيد بأن السلطات الفرنسية «مازالت تصر على إبقاء ملف التجارب النووية في الصحراء الجزائرية في أدراج السرية التامة، بالرغم من المحاولات العديدة  للحقوقيين و جمعيات ضحايا التجارب النووية الفرنسية في الجزائر التي سعت إلى فتح الأرشيف باعتباره ملكا للبلدين، على الأقل لتحديد مواقع و مجال التجارب و طاقاتها التفجيرية الحقيقية».
وسيمكن هذا المسعى - كما قال الوزير- من أخذ التدابير الوقائية اللازمة لحماية البيئة و السكان، خوفا من التعرض إلى الإشعاع المتبقي في مناطق باتت تشهد تصاعد أعداد مرضى السرطان بكل أنواعه و تكرار الولادات الناقصة والتشوهات الخلقية المسجلة في تلك المناطق و غيرها من المظاهر المرضية المقلقة».                   وأج

من أجل بناء جزائر قوية وعادلة
حزب جبهة التحرير الوطني يدعو إلى تحصين الاستقلال
اعتبر حزب جبهة التحرير الوطني أن تحصين الاستقلال الوطني يستلزم «مزيدا من الوعي» بضرورة تعزيز الجبهة الداخلية وطي صفحة الخلافات والحسابات الضيقة من أجل بناء «جزائر قوية وعادلة.»
وفي بيان له عشية إحياء الذكرى ال59 لعيدي الاستقلال و الشباب، أكد الحزب أن هذه «الذكرى الغالية التي نترحم فيها بخشوع وإجلال على أرواح الشهداء الأبرار هي أيضا مناسبة لتجديد الاعتراف والعرفان للمجاهدين والمجاهدات الذين نتوجه بتحية حارة إلى من بقي منهم على قيد الحياة، داعين بالرحمة لمن رحلوا إلى جوار ربهم».
وعاد بيان الحزب إلى تشريعيات 12 جوان الماضي بالقول أن هذه السنة «تميزت بانتخاب مجلس شعبي وطني جديد سيتولى مع الحكومة الجديدة، مواصلة الإصلاحات العميقة والشاملة، الواردة في التعديل الدستوري الأخير، لإحداث القفزة النوعية التي يطالب بها الشعب».
ويقتضي الواجب الوطني --يضيف البيان-- «في مثل هذه الظروف، ليس فقط التنديد بقوة بكل المناورات والمؤامرات التي تستهدف الجزائر ومؤسساتها الدستورية ورموزها ومرجعياتها التاريخية، إنما يتطلب كذلك رص الصفوف لمواجهة التهديدات مهما كانت طبيعتها ومصدرها، خاصة التحديات الناجمة عن تطورات الوضع على الصعيد الإقليمي وانعكاساته على حدودنا الشاسعة.»
 وفي هذه الذكرى، توجه حزب جبهة التحرير الوطني بتحية «إكبار للجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني،على ما يبليه من بسالة واحترافية وروح التضحية، وتحية تقدير لجهود ونجاعة قواتنا المسلحة ومصالحنا الأمنية الرابضة على حدود بلادنا من أجل صون سلامتها الترابية».
 كما اعتبر أن الاحتفال بهذا العيد الوطني يعد «محطة مواتية، ليس فقط لإبراز التضحيات الجليلة التي قدمها الشعب الجزائري وكيف أن المستعمر، رغم ما سلطه من قمع وإبادة وتجهيل على أبناء الجزائر، قد أخفق في كسر تصميم الجزائريين على انتزاع حريتهم، إنما كذلك تعتبر محطة هامة نؤكد فيها على حق الشعب الجزائري في حفظ الذاكرة وإصراره على مطالبة فرنسا بالاعتراف والاعتذار على ما اقترفته من جرائم نكراء».
و اعتبر حزب جبهة التحرير الوطني هذه المناسبة فرصة للتذكير مجددا بضرورة» احترام رموز الثورة وصون ذاكرة الشهداء وكرامة المجاهدين وتجريم كل إساءة تطال مرجعياتنا ومقدساتنا ورموزنا الوطنية».
واج

المجاهد و المسؤول بالولاية التاريخية الثانية إبراهيم رأس العين للنصر
تاريخ الجزائر لم يكتب كما ينبغي ويجب تسليط الضوء على أرشيف الثورة
يتحدث المجاهد إبراهيم رأس العين، الذي تقلّد عدة مسؤوليات في الولاية التاريخية الثانية، عن ضرورة تدريس تاريخ الثورة للأجيال الجديدة، ويدعو إلى تسليط الضوء على أرشيف ثورة التحرير الموجود بالجزائر لأنه يؤرخ لمختلف نشاطات الثورة من خلال تقارير مفصلة دورية تم فيها تدوين كل صغيرة وكبيرة ، ويرى أن أهمية هذه الوثائق تفوق أهمية الوثائق الموجودة في فرنسا، كما يعود بنا البرلماني السابق، في لقاء خصّ به النصر، إلى بعض المعارك التي شارك فيها لينقل صوّرا عن بسالة الثوار في مواجهة عدو كان يحاصرهم برا و جوا.
المجاهد رأس العين من مواليد سنة 1935 بفرجيوة، حيث درس بمسقط رأسه في ميلة ثم انتقل إلى معهد الكتاني بقسنطينة الذي نال منه شهادة الأهلية، ليسافر في 1953 لجامعة الزيتونة بتونس والتي قضى بها سنتين ثم انقطع عن الدراسة للالتحاق بصفوف الثورة التحريرية، التي تقلد بها عدة مسؤوليات بالولاية التاريخية الثانية، إلى أن ألقي عليه القبض أواخر سنة 1960 في معركة صعبة مع الجنود الفرنسيين، حيث تم إطلاق سراحه بعد وقف القتال.
وعن كيفية التحاقه بالثورة وهو الذي كان طالبا بجامعة الزيتونة، ذكر السيد رأس العين في حديثه للنصر، أنه كان قد بلغه وزملاؤه بينما كانوا يدرسون بتونس، اندلاع الثورة، فقرروا المشاركة في تحرير الجزائر، لينضم إلى صفوف جيش التحرير الوطني سنة 1955 بعدما قرر الانقطاع عن الدراسة.
الطلبة التحقوا بالثورة قبل 19ماي
ويضيف المجاهد أن الكثير من الجزائريين يعتقدون خطأ، بأن الطلبة التحقوا بالثورة في 19 ماي 1956، وهو اعتقاد فيه «إجحاف كبير» لأن العديد منهم فعلوا ذلك منذ الفاتح نوفمبر 1954 و منذ 1955، مقدما كأمثلة على ذلك، هواري بومدين، علي كافي ورابح بلوصيف.
وقد بدأت رحلة الشاب المجاهد في محاربة المستعمر، من خلال جمع السلاح لفائدة الثوار ليلا، قبل أن يحمل هو السلاح في نوفمبر 1955، ففي منتصف هذا الشهر زار الثوار منزلهم العائلي بمشتة «معروفة» بميلة، و دار حديث حول ثورة التحرير و ضرورة تجند كل أبنائها لأجل تحقيق هذا الهدف، حيث أعجب المجاهدون به وكلفوه بجمع الاشتراكات للثورة وهي مهمة بدأها في جانفي 1956، ليتدرج في تقلد المسؤوليات إلى أن صار عضوا بالناحية.
ويعود بنا المجاهد إلى إحدى أهم المعارك التي كان شاهدا عليها، في أفريل 1957، حيث كان حينها مع مجموعة من المجاهدين بمنطقة الشيقارة، وبلغ مسامعهم إشاعة أطلقها المستعمر، بأن جنوده يستعدون لتنفيذ عملية تمشيط كبرى في مشاتي باينان والشيقارة، ليتقرر تقسيم المجاهدين إلى أفواج كل منها تضم جنديا أو اثنين، ويرابطوا في جبل مسيد عيشة بأعالي مدينة القرارم.
هكذا استشهد رفقائي داخل مغارة “كاف سما”
بالمقابل، كان العدو قد خطط لتمشيط هذا الجبل، ففوجئ الثوار بإنزال جوي فرنسي قوامه أكثر من 100 طائرة نزل من العديد منها جنود المستعمر، فوقعت اشتباكات وتم إطلاق قنابل في معركة شرسة تمكن المجاهدون من الصمود خلالها، وكانوا يلجأون إلى إعطاء تعليمات في ما بينهم بأصوات مرتفعة ليعتقد العدو أن عددهم كبير فأرهبوه واستطاعوا الانسحاب.
وفي خضم هذه المعركة القاسية، لجأت مجموعة من المجاهدين إلى الاحتماء بمغارة كبيرة تسمى «غار كاف السما»، لكن أحدهم خرج في اليوم الموالي معتقدا أن عساكر العدو انسحبت، فتم القبض عليه ويعترف تحت التعذيب بمكان رفقائه، ليأتي جنود الاستعمار مزودين بغازات قاموا بنفثها لدفع المجاهدين على الاستسلام، لكنهم رفضوا ذلك واستطاعوا المقاومة بسبب وجود ينابيع مائية داخل المغارة.
وتحت هذا الحصار كان المجاهدون يقتاتون على ما كان بحوزتهم من "طمينة وسكر وزيت"، لكن طول المدة جعلهم يموتون جوعا، باستثناء ثلاثة منهم صنعوا “معجزة” من خلال شق الجدار باستعمال حراب الأسلحة وتمكنوا من التسلل إلى خارج المغارة دون أن يكتشف العدو أمرهم.
قتلنا 100 جندي فرنسي في معركة جبال الحلفاء
كما يستذكر المجاهد رأس العين معركة أخرى شارك فيها، حيث وقعت في الفترة ذاتها يومي 27 و 28 أفريل من سنة 1957، وهي معركة جبال الحلفاء، التي دارت بمنطقة توجد في أعالي بلدية لعياضي برباس والتي تقع حاليا بين ولايتي ميلة وسطيف، فقد كانت معبرا لقوافل جيش التحرير الوطني الآتية بالسلاح من تونس، و من بينها كتيبة بوطالب التي كان العدو يتتبع أثرها، إذ وبمجرد دخولها منطقة تسدان حدادة أطلق المستعمر إشاعات بأنه سينفذ عمليات تمشيط بالمكان.
وعلى إثر ذلك تقرر صعود أفراد الكتيبة الذين يصل عددهم إلى 105، لجبال الحلفاء، والتحق بهم مجاهدون ومسبلون ليفوق عددهم مجتمعين 340 فردا، بعدما رتّبوا أمورهم بدقة، وهناك بدأت معركة طاحنة يتحدث عنها المجاهد بتأثر قائلا «كان يوما مشهودا ومعركة من أكبر المعارك، لقد استشهد فيها 39 مجاهدا وقتل 100 جندي فرنسي، كما تم إسقاط طائرتين محرك إحداهما موجود لليوم في البلدية”.
ويصف المجاهد رأس العين بسالة المجاهدين في مواجهة العدو الذي نزح من عدة نقاط مستعملا طائرات مقاتلة وعمودية ومروحيات وطائرات الدعم والاستطلاع ومدفعية الميدان، لكن الثوار استطاعوا الصمود وكانوا يعلمون أنهم بين اختيارين، إما النصر أو الاستشهاد.
ويضيف رأس العين أنه دخل في اشتباك مع عساكر العدو دام لساعتين ونصف تقريبا، وكان إطلاق الرصاص لا ينقطع وسط دوي الطائرات، لكن المجاهدين استماتوا في مواجهة جنود المستعمر وأسقطوا العشرات منهم.
ويستذكر محدثنا لقاءه بالمجاهدتين مريم بوعتورة ومسيكة زيزة، عند زيارتهما مركز جبال الحلفاء، أين ظلتا هناك لحوالي أسبوع وكانتا قد التحقتا للتو بصفوف الثورة، حيث جمع في إحدى الليالي الجنود ومسؤولي المركز وخطب فيهم حول شجاعة المرأة الجزائرية التي تركت منزلها لتتنقل بين الجبال للمشاركة في تحرير بلادها، وهي كلمة نالت إعجاب مسيكة زيزة التي أهدته قلما صنع جزء منه من الذهب.
«تم أسري بسبب وشاية واعتقدت أنني سأستشهد»
ويحدثنا المجاهد أيضا، أن أسره يوم 21 أكتوبر 1960، حيث قال إنه وقع بين أيدي العدو بعد وشاية من أحد الخونة، بينما كان رفقة الدركيّيْن السبتي حنوفة و الدراجي حريش داخل مخبأ "كازما" يقع بإحدى شعاب دشرة الربع بدوار راس فرجيوة، حيث اجتاحت شاحنات الاستعمار المكان فجأة وما هي إلا دقائق حتى كان العساكر فوق المخبأ، ليخرج منه حاملا رشاشا أطلق منه الرصاص دون توقف ثم رمى قنبلتين على يمين و يسار "الكازما"، ما ساعد ثلاثتهم على الهروب نحو المنحدر.
ولأن إبراهيم رأس العين كان يرتدي وقتها لباسا عسكريا على خلاف الدركيين، فقد ركز العساكر عليه وظلوا يلاحقونه وهو يسقط أرضا ثم ينهض، وهنا شعر المجاهد أنه لا مفر من الاستشهاد، وقرر ألا يُقبَض عليه حيا فظل يطلق النار واقفا في جميع الاتجاهات وهو محاصر، إلا أن أصيب بالرصاص في كتفه الأيمن وسقط أرضا، حيث استفاق وهو بمفرده بإحدى الزنزانات المظلمة بسجن فج مزالة.
فرنسا تحايلت على الصليب الأحمر حول وضع السجناء
وبقي المجاهد الجريح وسط هذه الظروف القاسية، إلى أن مر شهران، عندما تفاجأ بالحراس يخرجونه ويلبسونه ثيابا جديدة، حيث أخذوه إلى معتقل الملاحة بعنابة، وعلم بعدها أن السبب هو تظاهر فرنسا بأنها تعامل المساجين بإنسانية أمام لجنة من الصليب الأحمر الدولي التي  زارت السجن في ذلك الوقت.
و في منفى عنابة، لم يسلم المجاهد الشاب من استبداد سجانيه، فقد تم إدخاله زنزانة انفرادية مرة أخرى بعدما علمت إدارة المعتقل بأنه يُدرِّس الأسرى الجزائريين التاريخ، وهي خطوة دفعت بالمساجين إلى الإضراب والمطالبة بإخراجه، ليتم الامتثال لمطلبهم ويستقبل المجاهد بالأحضان.
ولم يستسلم الأسير لهذا الوضع، فقد قرر مع 4 رفقاء له الفرار للالتحاق بالثورة التحريرية، فبدأوا في حفر خندق انطلق من مكان وضع الموقد داخل المطبخ، وكانوا يقومون بالحفر ليلا حتى لا يتم التفطن إليهم، لكن أحدهم أصيب بحالة ارتباك وكاد يكشف أمرهم، فقرروا التوقف عن هذه المحاولة.ءس
وفي صائفة 1961، اختار العدو مجموعة من «العُصاة» ومن بينهم المجاهد رأس العين، حيث أخِذوا على متن شاحنة مغطاة بالكامل وقطعوا مسافة كبيرة، دون أن يعلموا إلى أين هم متجهون، ليتم إدخال كل واحد منهم إلى زنزانات مظلمة افترشوا فيها الأرض وسط ظروف جد قاسية، فانقطعوا عن العالم الخارجي ولم يعلموا بأنهم في معتقل قصر الطير بسطيف إلا بعد مدة، عندما تم إلحاقهم بباقي السجناء.
محاولة فرار فاشلة من معتقل قصر الطير
ويخبرنا المجاهد عن الدور الذي لعبته زوجته في دعمه وكيف تتبعها العدو وهي ما تزال عروسا، بحيث اقترن بها في فيفري 1960 أي قبل 8 أشهر فقط من أسره، حتى أن جيرانها اضطروا في إحدى المرات. لتمويهها عبر تلطيخ وجهها وإعارتها لباسا بالٍ، حتى لا تُعرَف هويتها.
و رغم أن اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين الجزائر وفرنسا في 19 مارس 1962، ينص على الإفراج عن أسرى الجانبين في ظرف لا يتعدى 20 يوما، إلا أن المجاهد ظل مسجونا، مثلما أخبرنا، وهو ما جعله يبعث برسالة طويلة للمسؤولين في الثورة، تمت قراءتها في إذاعة صوت الجزائر من تونس، ما ساعد على الإفراج عنه في 26 جوان، أي قبل أقل من 10 أيام من الإعلان عن استقلال الجزائر.
وعن يوم الاستقلال الذي عايشه المجاهد رفقة باقي الجزائريين آنذاك، يتابع قائلا وقد اغرورقت عيناه بالدموع "لقد عاشت الجزائر قبل هذا التاريخ ضغطا ومحنة كبيرة تركت شهداء ويتامى وحالة فقر. لقد حدث يومها انفجار لا مثيل له للأفراح، فقسنطينة شهدت فيضانا بشريا، حيث قدم إليها الجزائريون من كل جهة.. كان أمرا لا يمكن تصوره أو وصفه".
وبعدما تطرق إلى الأهمية التي اكتساها مؤتمر الصومام المنعقد في 20 أوت 1956، في تحديد المسؤوليات وتقسيم الولايات، أكد المجاهد أنه ينبغي إعطاء أهمية أكبر ليوم 19 مارس 1962 الذي أعلن فيه عن وقف إطلاق النار، وقال "إن أهميته قد تكون أكبر من تاريخ 5 جويلية الذي يتم المرور عليه وكأن الاستقلال قدم لنا كهدية".
هكذا يجب تدريس الثورة الجزائرية
وأضاف رأس العين للنصر، أن الجزائر بذلت جهدا كبيرا لاسترجاع الأرشيف الاستعماري من فرنسا، قبل أن يتساءل «لكن أين هو أرشيف الجزائر؟»، حيث خص بالذكر الفترة التي بدأت منذ مؤتمر الصومام الذي حدد التنظيم الجغرافي للبلاد وتقسيم جيش التحرير الوطني وعدد مسؤولي المخابرات و الاتصال وغيرهم.
وأكد محدثنا أن التقارير كانت ترسل بانتظام ونهاية كل شهر، من مسؤولي المشتة إلى مسؤول الدوار ثم القسم والناحية والمنطقة لتصل في الأخير إلى مسؤولي الولاية و تقدم للحكومة المؤقتة، حيث تتضمن كل ما حدث سواء تعلق الأمر بالعمليات العسكرية أو تحركات الجيش والتبليغ عن الخونة وتحديد قوائم المجاهدين وغير ذلك، يقول المجاهد ثم يستطرد "السؤال المطروح، من تسبب في إتلاف أو إخفاء هذا الأرشيف، يجب على الأقل فتح تحقيقات ليعتمد عليه المؤخرون، فأرشيف فرنسا لا يكفي".
كما يرى المتحدث أن "تاريخ الجزائر لم يكتب كما ينبغي"، ويترجم ذلك، حسبه، من خلال عدد شهداء الثورة التحريرية الذي هناك من يقول إنه مليون، بينما يقول آخرون بأنه مليون ونصف، في حين أن وجود الأرشيف كان ليجعل الأمور أكثر وضوحا، مشددا على أهمية الأمانة في كتابة التاريخ وتجنب المبالغة.
ويتأسف المجاهد لعدم تدريس الثورة الجزائرية للتلاميذ كما ينبغي، وفق وصفه، حيث يستغرب كيف لتلميذ يدرس في الطور الثانوي، ألا يعرف شيئا عن مؤتمر الصومام، مقترحا إقرار مادة أو حصة تدرس كل أسبوع حول الثورة.   ياسمين بوالجدري

النصر في ضيافة المجاهدة بمسكنها في تكوت بأعالي الأوراس
الزهرة الألمانية .. آمنت بالثورة التحريرية فقررت أن تكون جزائرية
* قضت 35 سنة في التمريض بتكوت في باتنة
يطلق عليها اسم الزهرة الألمانية لأصولها، لكنها في واقع الأمر جزائرية حد النخاع بعد أن آمنت بنضال شعب نهض ضد الظلم والقهر يوم الفاتح من نوفمبر 1954... إنها فاندنابل ليوتين جراردة الألمانية، ذات الأصول البلجيكية، هي امرأة عاشت قصة حب مع زوجها المجاهد محمد ضحوة في فرنسا، أين وقفت إلى جانبه لنصرة القضية الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، إيمانا منها بعدالة القضية... حبها لزوجها لم تنطفئ شعلته يوما خاصة بعد أن تم نفيه من فرنسا إلى الجزائر، حيث لحقت به والتحقت معه بالعمل المسلح بجبال الأوراس، وواصلت العيش بعد الاستقلال بالجزائر، متخذة من بلدة تكوت في أعالي الأوراس، مستقرا لها رفقة زوجها وأولادها، أين ألفت وأحبت سكان المنطقة وبادلوها المحبة.
عاشت قصة حب مع الجزائري ضحوة وعملت معه في نقل السلاح بفرنسا
نزلت «النصر» ضيفة على المجاهدة الزهرة الألمانية ببيتها ، في بلدة تكوت بأعالي جبال الأوراس جنوب ولاية باتنة، وقد فتحت لنا بيتها رفقة زوجها المجاهد محمد ضحوة للحديث معهما واسترجاع ذكريات النضال والجهاد والمحبة التي جمعتهما وكسرت كل القيود، بعد 59 سنة من نيل الجزائر لاستقلالها، وقبل أن نتوجه إلى بيت الزهرة الألمانية قمنا بجولة بمدينة تكوت، وكلما سألنا شخصا عنها إلا وابتسم وقال من لا يعرف الزهرة الألمانية، فالكل يحبها وهي الانطباعات التي سألنا الزهرة وزوجها في حديثنا معهما عن رأيهما، فقالت الزهرة «أجد ذلك طبيعيا كيف لا وأنا التي أعيش هنا منذ الثورة، فقد وجدت نفسي محبة لجَو تكوت ولأهلها الطيبين» وأضافت الزهرة بأنها بعد الاستقلال سخرت نفسها لخدمة سكان القرى والمداشر تقدم لهم خدمات صحية».
شاءت الأقدار يقول المجاهد محمد ضحوة، أن يتعرف على جيرارد قبل أن تتحول فيما بعد إلى الزهرة خلال مهمات عمله في نقل وتهريب السلاح عبر الحدود بين فرنسا وبلجيكا وألمانيا كونه كان مناضلا في صفوف جبهة التحرير، بالمهجر في شمال فرنسا، وتحديدا بضاحية «توركوا» وقد نشأت بينهما قصة حب ،وأصبحت الزهرة مرافقته في مهمات العمل تساعده على جلب ونقل السلاح كونها أوروبية لا تثير الانتباه، وهو ما ساعده في نقل السلاح، وقال إنه عند بلوغه للحدود يتم تفتيشه تفتيشا دقيقا في المركبة والملابس في حين كانت هي بصفتها أوروبية لا تخضع للتفتيش، وكان يقال لها من طرف أعوان حراس الحدود في كل مرة «إن كان لديك سيدتي شيء لتصرحي به « لتمر بعدها وهي محملة بالأسلحة، ليلتقيا فيما بعد حسب الوجهة التي يحددها ضحوة.
وفي سؤالنا للمجاهدة عن الدافع الذي جعلها تساعد زوجها، في مهمات نقل السلاح بالخارج قبل أن تلتحق فيما بعد بالثورة التحريرية في الداخل بجبال الأوراس، فأجابت بأنها عاشت إلى جانب الجزائريين، وأحست بمعاناتهم وبما يتعرضون له من ظلم وقهر، وأدركت عدالة قضيتهم، وفي الوقت نفسه أحست بقوة الإرادة لديهم لنيل الاستقلال، وأضافت بأنها كانت أيضا تؤمن بنيل الجزائر لاستقلالها يوما ما.
لحقت بزوجها بعد نفيه من فرنسا والتحقت معه بجبال كيمل
وكشف عمي ضحوة عن تسهيل زوجته الزهرة لمهامه كثيرا في نقل وتحويل السلاح، قبل أن يتم التفطن لأمره بعد العثور في إحدى المرات على قطع سلاح بصندوق سيارته، بعد تفتيشه، وهي الواقعة التي أحدثت منحى في اتجاه حياته رفقة زوجته الزهرة حيث تعرض عقبها لأشد أنواع التعذيب، للإقرار بمصدر ووجهة الأسلحة وقال بأنه ظل يحفظ السر نافيا علمه بتواجد أسلحة في مركبته ليتقرر بعده نفيه إلى الجزائر، وبإعادته إلى أرض الوطن في أواخر سنة 1959 فرَ من السجن والتحق بالثورة المسلحة بمنطقة كيمل بالأوراس.
وكانت المفاجأة كبيرة عند المجاهد ضحوة عندما بلغه خبر من أهله بعين الناقة بأن زوجته الألمانية، قد حلت عندهم قادمة من فرنسا تبحث عنه، عندها قرر التنقل من كيمل بعد أن طلب ترخيصا من سي عمر دبابي لإحضار زوجته من بيت أهله بعين الناقة، وقال عمي ضحوة محمد بأنه فعلا أخذ الضوء الأخضر وبصحبته ثلاثة مجاهدين كانوا كلهم مسلحين، وبوصوله إلى عين الناقة يقول إنه أراد أن يفاجأ زوجته فاختبأ وطرق الباب، وقال لها بأنني «ميلو» (كنيته بفرنسا)، وقال بأنها لم تصدق لأن ما تعرفه من أهله أنه متواجد في السجن ولم تعلم بفراره ليعانقا بعضهما بعد الفراق.
بعد التقاء الزهرة الألمانية بزوجها مجددا بعين الناقة، التحقت معه بمركز المجاهدين بكيمل وهناك ظلت معه أحد عشر شهرا بكازمة قصر الرومية تولت خلالها مهمة التمريض، كونها كانت ممرضة وقد قدمت الخدمات للمجاهدين رفقة ممرضة أخرى تدعى نادية القبايلية، التي قالت الزهرة بأن أخبارها انقطعت عنها بعد افتراقهما عشية الاستقلال.
وكان الحديث إلى الزهرة وزوجها شيقا وممتعا، فالزوجان يتمتعان بروح الدعابة حتى أننا عندما سألنا المجاهد عمي ضحوة ما إن كان ينتظر أن تلتحق به زوجته الزهرة إلى الجزائر، وتحديدا إلى مسكنه العائلي بعين الناقة ببسكرة بعد نفيه من فرنسا، فراح يثير غيرتها وعندما قلنا له ماذا تعني لك الزهرة فأجاب ببساطة «ماذا ستعني لي وهي التي عاشت معي في السراء والضراء وفي الخير والشر ولم تفارقني»، «ربي يسمحلها»، وهو ما أكدته أيضا الزهرة تجاه زوجها.
وأضاف عمي ضحوة وهو يتحدث عن زوجته الزهرة، محاولا إثارة غيرتها بأنها تمثل عينه اليمنى وهنا تدخلت الزهرة منزعجة، وقالت «كيف ذلك؟ وأنت تمتلك عينين» فراح يضحك وقال لها: "أنت عيني التي أصوب بها بالسلاح"، وبحديثنا إلى الزهرة الألمانية يبدو جليا أن لكنة الكلام عندها لاتزال ذات مخارج حروف ألمانية، لكنها تتكلم العامية وتفهم الشاوية وقالت بأن مخارج الحروف جعلها تجد صعوبة في قراءة القرآن عند الصلاة، وأضافت بأنها تحفظ الفاتحة جيدا وقد أهداها ابنها عبد السلام، وهي الأم لخمسة أولاد والجدة لـ22 حفيدا، كتابا مترجما لمعاني القرآن من العربية إلى الفرنسية.    
وعادت بنا الزهرة صاحبة 82 سنة، على الرغم من معاناتها من وعكة صحية، إلى محطات هامة عاشتها في حياتها وهي التي قررت أن تواصل العيش إلى جانب زوجها، بعد أن هجرت من فرنسا بحثا عنه في الجزائر، عقب نفيه حيث كانت قد نطقت بالشهادتين معلنة دخولها الإسلام سنة 1964 فكانت أول أجنبية تدخل الإسلام بقطاع دائرة أريس القديمة، وقالت بأنها اقتنعت بتعاليم الدين الإسلامي من محيطها عندما تشاهد النسوة يصلين، فأصبحت تصلي وتصوم.

وتقول الزهرة، بأنها فضلت العيش بتكوت لأنها تشعر براحة فيها ووسط أهلها الذين ظلت تخدمهم طيلة 35 سنة، حيث أشار زوجها إلى تنقلهما بعد الاستقلال بين المداشر من شناورة وتاغيت وغسيرة وغيرها، ويقول بأن حبها من طرف أهل تكوت نظير خدماتها طيلة 35 سنة في الصحة، جعل أحدهم يعبر له عن ذلك بالشاوية قائلا» الزهرة ولاش منهو أوذيسويش أغي نس» «الزهرة لا يوجد من لا يشرب من حليبها»، ويؤكد في هذا السياق مرافقنا رئيس جمعية كافل اليتيم، بأن الزهرة في طفولته أقنعته بأخذ التطعيم.
الطاهر زبيري ذرف الدموع عندما قالت له بأنها لم تهاجر بعد الاستقلال لأن الجزائر وطنها
يتذكر المجاهد عمي ضحوة زوج الزهرة الألمانية، ونحن نخوض معه في ذكريات الماضي أن زوجته وخلال مناسبة تاريخية بمنطقة نارة أين استشهد مصطفى بن بولعيد، التقت بالمجاهد سي طاهر الزبيري الذي تفاجأ برؤيتها وسألها كيف لم تعد إلى بلدها بعد الاستقلال، فكانت إجابتها بأنها لم ترحل لأن الجزائر وطنها، وهنا كان سي الزبيري يضيف ضحوة قد ذرف الدموع من شدة التأثر بمدى حب وتعلق الزهرة بالجزائر، بعد أن شاركت في تحريرها.
ويقول المجاهد ضحوة وهو متأسف لتصدر أشخاص وصفهم بالانتهازيين للمشهد في المناسبات التاريخية دون أن يستحقوا ذلك، بأن ما قدمه وزوجته كان خالص النية فداء للوطن وهنا تتدخل زوجته الزهرة، وتؤكد بأنها تلقت عروضا في عديد المرات لكنها تقول بأنها ترفض أن تأخذ شيء لا تستحقه شاكرة مبادرات الالتفات إليها من السلطات العليا في عدة مناسبات، وقد آثرت في إحدى المرات أن يتم الاهتمام بأرامل وأيتام ضحايا السليكوز.       
وبالنسبة للزهرة الألمانية فهي تطلب بعد مرور 59 سنة عن استقلال الجزائر، أن يديم الله أمنها واستقرارها ويحفظ جيشها الذي يسهر على حماية حدود الوطن، وترى بأن السنين باتت تمر بسرعة بعد أن عاشت أوقاتا عصيبة وظروفا صعبة قبل الاستقلال، وتعتبر أن ما قد نحسه بمرور السنين بسرعة راجع للأمن والاستقرار الذي تعيشه الجزائر.
 عمي ضحوة صاحب 86 سنة من العمر يعاني من المرض منذ أزيد من عشر سنوات، بعد أن أصبح غير قادر على التنقل، يؤكد بأن ما قدمه وزوجته للوطن كان بخالص الحب للجزائر، ويكفيه أنه عاش لحظات الاستقلال التي قال بأنها لا تنسى ولا تمحى من ذاكرته حيث يتذكر نزوله وزوجته التي كانت حبلى بابنتهما الأولى، وقد تم استقبالهما بالتهاني والعناق، ويتذكر أن الشعب أطلق عليهم بالشاوية تسمية «إفراخ نلجنث» أي «عصافير الجنة».
أجرى اللقاء: يـاسين عبوبو    

المجاهدة ذهبية بعيصيص لـ "النصر"
تعرضتُ للتعذيب وكنتُ شاهدة على حرق وتدمير دوار الرميلة بالأوراس
* هكذا لعبت المجاهدة ذهبية دورا لوجيستيكيا في تموين الثورة
تعد المجاهدة ذهبية بعيصيص من حرائر الأوراس، اللواتي ساندن ووقفن بجانب الرجل المجاهد خلال الثورة التحريرية، ولعبت المجاهدة دورا لوجيستيكيا مهما بدوار الرميلة في قلب الأوراس، من خلال تموين فيالق من المجاهدين بالمؤونة بين باتنة وخنشلة، وشاركت إلى جانب أفراد من أسرتها في ربط الاتصالات بين المجاهدين في سرية تامة، فكان مسكنها العائلي مركزا لجيش التحرير، قبل أن يتم التفطن للمركز، وقد أخضعت للتعذيب والتهجير، وفقدت زوجها وشقيقها اللذين سقطا شهيدين، وهي أرملة مجاهد زوجها الثاني.
العمل السري جعلنا نحول مسكننا بالرميلة إلى مركز لجيش التحرير
استقبلتنا الحاجة المجاهدة ذهبية بعيصيص في مسكنها بحي الزمالة بمدينة باتنة، بصدر رحب والفرحة تغمر محيا وجهها الجميل بالوشم الذي تتميز به المرأة الشاوية، وعلى الرغم من أنها كانت تعاني من وعكة صحية، إلا أنها استجمعت قواها واستحضرت ذاكرتها، وفي ردها على سؤالنا ما إن كانت لاتزال تتذكر الأحداث التي عاشتها خلال الثورة التحريرية بمنطقة الرميلة، فردت بكل بديهة، بأن ما عاشته في تلك الفترة لا يمحوه الزمن، وخلال الحديث الشيق الذي جمعنا بالمجاهدة البالغة من العمر 82 سنة، كانت تدعو أن يحفظ الله الجزائر وأبناءها، وكانت تتفاعل مع الأحداث التي تسردها تارة بتعابير فرح  في الأحداث الجميلة، وتارة بحزن عندما يتعلق الأمر بالأحداث الأليمة، وتتساءل أحيانا الحاجة ذهبية وقلبها يعتصر ألما، كيف يمكن أن يتعرض هذا الوطن للخيانة، وهو الذي ضحى من أجله شهداء.
وكانت المجاهدة الحاجة ذهبية بعيصيص، قد عايشت أحداثا مؤلمة بمسقط رأسها بدوار الرميلة أحد قلاع الثورة التحريرية بجبال الأوراس، فكانت المجاهدة وأهل القرية ضحايا سياسة فرنسا الاستعمارية من تجويع وتعذيب وحرمان من التعليم، وعلى الرغم من كل ذلك إلا أن إخلاصها إلى جانب مجاهدات ومجاهدين للثورة، لم يثن من عزيمتهم في مواجهة القوة الاستعمارية الفرنسية.
وتقول المجاهدة ذهبية، بأنها والعديد من نساء قريتها كن خلال الثورة التحريرية يقمن بتطبيق تعليمات في سرية تامة بتحضير الأكل وغسل ملابس المجاهدين، وكذا تحضير السلاح، وأكدت بأنهن وفور تلقي التعليمات يجب أن تكن على أتم الاستعداد للتحضير وفي سرية تامة، فكانت هي وفدائيات ومجاهدات تلعبن دور القواعد الخلفية للثورة التحريرية بالأوراس، وتتذكر أولى التعليمات التي كان يقدمها صهرها المدعو أحمد بن حمادة، دون أن يخبرهن بأن الأمر يتعلق بالثورة أو المجاهدين.
وقالت، بأن شرارة اندلاع الثورة كان لها صدى في قريتها بالرميلة، أين سمعوا ببطولات مجاهدين بينهم قرين، وكان الحذر ينتابهم دائما خشية انتقال المعلومات إلى الفرنسيين عن طريق العملاء، عمَا كانت تقوم به من توفير ونقل للمؤونة، وتضيف بأنها ذات يوم من فصل الصيف راحت رفقة قريبتها عند بزوغ الفجر لجلب الماء كالعادة، وقد راح يقترب منهم شخص يرتدي القشابية والشاش تظهر عليه محاولة التخفي، وقد طلب منهن لقاء صهرها دون أن تعلم سبب ذلك، لكنها أيقنت أن الأمر مهم وسري، وفعلا سارعت هي وقريبتها لإخبار صهرها.
ومباشرة عقب لقاء صهرها بالشخص صاحب القشابية، الذي تبين بأنه مجاهد أتى من الجبل اتضحت المهمة وهي تحضير الأكل لـ 45 مجاهدا سيمرون بمسكنهم، الذي تحول إلى مركز سري لعبور المجاهدين، وفعلا باشرت هي ونساء من العائلة في تحضير «الكسكس» والقهوة بينما تولى صهرها ذبح الأضاحي كونه فلاحا، وتولت النساء بعد وصول المجاهدين أيضا غسل الملابس، وأكدت الحاجة ذهبية بأن العملية تكررت عدة مرات دون أن تتفطن لهم القوات الاستعمارية.
أخي الشهيد طلب من أمي ألَا تبكي عند التحاقه بجيش التحرير
وأوضحت المجاهدة ذهبية بعيصيص، بأن السرية التامة كانت وراء نجاح عمليات تموين المجاهدين، وقالت بأن مركز صهرها لم يكن يقتصر على إطعام وتوفير الأكل للمجاهدين فحسب وإنما كذلك نقل الرسائل وربط الاتصالات، وأكدت بأنها كانت تتم بنجاح بين أفراد من عائلتها والمجاهدين مشيرة لالتحاق شقيقها بصفوف جيش التحرير واستشهاده في معركة بجبل بوعريف، وفي حديثها وهي تسرد ما عاشته من أبرز أحداث لاتزال تحفظها ذاكرتها، قالت بأنها لن تنسى يوم طلب شقيقها من والدتها ألا تبكي عند التحاقه بصفوف المجاهدين، وطلب منها أن تزغرد إن كتب له الله السقوط شهيدا.
وتقول الحاجة ذهبية بأن استمرار الثورة التحريرية، دفع أفرادا من عائلتها للالتحاق مباشرة بالمجاهدين على غرار شقيقها الصالح، وأخا لها من الرضاعة وابن خالتها، وأكدت استمرارها هي في عمليات تموين المجاهدين بالمؤونة، سواء عن طريق تحضير الأكل وغسل ملابس المجاهدين بالمركز، أو عن طريق جمع المؤونة بالتنسيق مع مناضلين يأتون بها إلى المركز.
وأضافت المجاهدة ذهبية، بأنها كانت شديدة الحرص على التحركات التي تقع بالدوار خلال نزول شقيقها المجاهد لرؤية والدتها وزوجته، وفي وصفها للمعاناة التي عاشوها بسبب ويلات الاستعمار أكدت استعدادها للتضحية حتى لا ينكشف أمرها وأهلها، وتقول بأنه عند وصول المجاهدين على حين غرة يحضرون كل شيء حتى غطاؤها الوحيد قدمته وتذهب لتتدفأ عند الكانون، مؤكدة بأنه بفضل السرية في العمل كان المجاهدون يتحركون بسلاسة بين المركز والجبال قبل أن ينكشف أمر المركز فيما بعد بسبب وشاية.

الاستعمار أذاقنا التعذيب وحرق الدوار بعد اكتشاف تموين المجاهدين
عقب اكتشاف القوات الاستعمارية لأمر المركز بدوار الرميلة جن جنونها، وهي من الأحداث التي أكدت المجاهدة ذهبية، بأن صورها لاتزال محفورة في ذاكرتها، وقالت كيف لا تحفظها بعد أن ذاقت أشد أنواع التعذيب إلى جانب أفراد من أسرتها، وتتذكر حينها المجاهدة كيف حاصرت قوات الاستعمار مستعينة بفرق أجنبية الدوار، وكيف راحت تخرج العائلات من ديارها، وقامت بحشد النساء في مجموعة، بينما ألقت القبض على الرجال الذين سلسلتهم وحملتهم على شاحنات إلى وجهة مجهولة، ومن بينهم صهرها صاحب البيت.
وتتذكر المجاهدة أن قوات الاستعمار الفرنسية، راحت تداهم الديار وتحرق القرية عن بكرة أبيها، انتقاما من أهلها الذين كانوا يدعمون المجاهدين، وقالت بأنه في خضم تلك الأحداث أخذ عساكر فرنسيون النساء اللواتي كانت بينهن وأمروهن بإخراج المؤونة من مخازنها والنبش وسط المطامر المخصصة لجمع الأغذية، وذلك تحت طائلة الضرب والتعذيب وقالت بأن العساكر كانوا يضعهن في المقدمة خشية أن تكون هناك قنابل في الحفر ومخازن المواد الغذائية، وقد تم رميها في حفر عميقة وأمروها بالبحث وإخراج ما بداخلها، ولم تكتف فرنسا الاستعمارية بممارسات التعذيب والتهجير، بل عمدت تضيف المجاهدة ذهبية إلى منعهم من جمع وتخزين مؤونة حملة الحصاد، لقطع الطريق أمام تموين جيش التحرير وتحويل الحصاد إلى مخازنها.
وبعد أن مارست القوات الاستعمارية كل أشكال التعذيب، ضد أهل قرية الرميلة، وحرق ديارهم، اضطرت ذهبية بعيصيص وأفراد من عائلتها إلى التنقل إلى باتنة، دون أن تعلم مصير زوجها وكذا شقيقها اللذين بلغها فيما بعد سقوطهما شهيدين في ساحة الوغى، وعبرت عن فخرها واعتزازها بذلك، وقالت بأن شقيقها الشهيد صالح أطلقت تسميته على مدرسة ابتدائية بمسقط رأسه بالرميلة، وبقدر ما صبرت على تلك الأحداث، وحزنت على الفراق إلا أنها تدرك وتؤمن جيدا بوعد الله في قوله « لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون». وكما تحفظ ذاكرة المجاهدة ذهبية، ما عاشته من أحداث مأساوية وقهر فرضته القوات الاستعمارية، فهي تحفظ أيضا لحظات إعلان الاستقلال وخروجها في المظاهرات بباتنة للتعبير عن الفرحة وسط الأهازيج والزغاريد والبحث عن المجاهدين للقائهم، مؤكدة بأنها فرحة لا يمكن وصفها، وهي التي جاءت بعد معاناة وويلات سنوات، وقالت بأن الله كتب لها أن تعيش الاستقلال، بعد أن اقترب منها الموت خلال مهاجمة قوات الاستعمار قريتها وحرقها وتدميرها وتقتيل أهلها، وقبل أن نغادر مسكن المجاهدة قالت بأن في جعبتها الكثير من المآسي والالام التي عاشتها بفعل ويلات الاستعمار لا يمكن أن تختصرها، وقد رفعت أيديها إلى السماء ليحفظ الله الجزائر ودعت الأجيال للحفاظ على الوطن المفدى بدماء الشهداء.
يـاسين عبوبو      

نشطاء جمعويون حول ملف حماية الذاكرة
حمـلات التشكيــك والتخويـن ليست بريئــة
يدعو نشطاء  ومشتغلون في حقل الذاكرة، إلى صيانة تاريخ الجزائر عبر توثيقه وحمايته من الجدل العقيم ومن حملات التشويه والتخوين التي يعتبرونها حلقة في مسلسل العدوان على الجزائر من خلال استهداف الرموز،  ويعتبرون ما يثار حاليا امتدادا لنشاط مؤدلج قام به مؤرخون مقربون من الدوائر الاستعمارية، عمدوا إلى إثارة معلومات مغلوطة هدفها بث الكراهية والخلافات والصراعات بين أبناء الوطن الواحد، وإحداث شرخ لتوسيع الهوة بين الأجيال، للتغطية عن الجرائم البشعة للاستعمار . وأكد رؤساء منظمات وجمعيات مهتمة بحماية الذاكرة وقضايا التاريخ وثورة التحرير الوطنية ورموزها، في ردهم على استفسارات النصر، أن الرد على هذه الحملات يجب أن يكون علميا من خلال توثيق تاريخ الثورة وتدريس التاريخ للأجيال الجديدة من الجزائريين، لحمايتهم من استهلاك روايات مغلوطة عن تضحيات أجدادهم.
ملف من إعداد: عثمان بوعبدالله

* أمينة فار رئيس جمعية حسيبة بن بوعلي
حملات تهدف إلى إحداث شرخ بين جيل الاستقلال وجيل الشباب
قالت، أمينة فار، رئيسة جمعية حسيبة بن بوعلي، إن تبليغ رسالة الشهداء، أصبح أكثر من ضرورة، و ينبغي أن يحاط باهتمام بالغ، خاصة بين الشباب و الجيل الجديد، لصونهم من حملات التشويه والتخوين لرموز الثورة والمقاومة الشعبية، في نية مبيتة وغير بريئة المقصد للتقليل من مكسب ميل الاستقلال والحرية التي تنعم به الجزائر اليوم.
و لم تخف، رئيسة جمعية حسيبة بن بوعلي، في ردها عن سؤال يتعلق بموقف جمعيتها مما يثار من تشكيك ونقاشات حول رموز الثورة، التي أسالت الكثير من الحبر و خلفت ردود أفعال غاضبة من قبل الأسرة الثورية،  أن مثل هذه النقاشات خرجت عن حدود اللباقة و ما تقتضيه مثل هذه القضايا الوطنية والتاريخية من دراسة وتمحيص، و أضحت لا تختلف عما يروج له مؤرخو العدو، بما يعني أنها ليست بريئة، و أضحت تثير المخاوف على الجيل الحالي من المغالطات المسمومة التي يتم التسويق لها عبر المنابر الاعلامية من قبل أبناء الوطن و بعض المندسين في الوسط الاعلامي العالمي الذين يعملون على الترويج لأجندات تخطط لها أياد خارجية وأعداء الجزائر التقليديين في محاولة لإحداث شرخ بين الأجيال، و بالأخص جيل الاستقلال و جيل الشباب ومن ذلك الأجيال القادمة، للتستر و تغطية جرائم المستعمر و هو ما لم تتمكن منه هذه الجهات بحسبها ما دام أن هناك وعيا و قوى تتصدى لكل هذه المناورات بما فيها مؤسسات الدولة و فعاليات المجتمع المدني .
 و أضافت، أن المرأة الجزائرية كافحت إلى جانب الثوار، ولا تزال تناضل و تكافح لأجل القضايا الوطنية، ومن ذلك تجندهن في الجمعية للحفاظ على الذاكرة الوطنية، و تطهيرها من الشوائب و محاولات التغليط التي يروج لها حول رموز الثورة والمقاومة وكفاح الشعب المسلح ضد قوات العدو، من خلال تنظيم ندوات وملتقيات فكرية علمية تاريخية تهدف من خلالها إلى ابراز دور المرأة ومشاركتها الفعالة في الثورة التحريرية، والعمل على إقامة معارض و زيارات ميدانية لشخصيات نسوية من مجاهدات وعرض كفاح الشهداء والشهيدات ومآثرهم، خاصة على مستوى ولاية برح بوعريريج مكان تواجد المقر الرئيسي للجمعية.
و أشارت، إلى أنه من بين البرامج التاريخية التي تقوم بها الجمعية، تنظيم قوافل شبانية بالتنسيق مع الأسرة الثورية ومديرية التربية برفقة الطلبة من مختلف الأطوار، إلى المجاهدين و الأماكن والمعالم التاريخية عبر مناطق الوطن،لتعريفهم بتاريخ بلادهم والتعرف على أمجاد وبطولات رموز الثورة المقدسة، مضيفة أن من أهم مهام الجمعية و أهدافها هوالحفاظ على الذاكرة والتراث، وترسيخها للشباب والجيل الصاعد، مضيفة أنه من الواجب قبل أن نطلب من الشباب المحافظة على الوطن والذاكرة، يجب على المؤسسات الوصية و فعاليات المجتمع المدني، تكوين وتأطير هؤلاء الشباب و تنشئتهم على حب الوطن و روح الانتماء إليه.
ع/ بوعبدالله

* جمال ستيتي رئيس أكاديمية الذاكرة الجزائرية
إعداد بحوث ودراسات أكاديمية والتوثيق لمختلف المعارك مع المجاهدين
عبر، جمال ستيتي رئيس أكاديمية الذاكرة الجزائرية عن رفص الأكاديمية، لكل ما يثار من حملات التشوية والتشكيك في بطولات رموز الثورة والمقاومة الشعبية، مضيفا أن الأكاديمية ترفض المساس بالرموز الوطنية تحت أي غطاء كان، سواء رجال المقاومة السياسية أو المسلحة أو أبطال الحركة الوطنية على مختلف توجهاتهم ومشاربهم السياسية ووصولا إلى أسود الثورة التحريرية المباركة، وذلك ليس بدافع التقديس أو وضع من صنعوا تلك الأحداث خارج دائرة تسليط الضوء، بل للحفاظ على قدسية الثورة الجزائرية و تضحيات هؤلاء الأبطال والشعب الجزائري لنيل استقلاله من العدو الفرنسي.
 وقال، جمال ستيتي، إن أبطال المقاومة والثورة التحريرية، هم أيضا بشر قد يخطئون ويصيبون، ويكفيهم فخرا واعتزازا أنهم قدموا النفس والنفيس من أجل أن تحيا الجزائر حرة مستقله، مضيفا أن هناكمن العلماء من انتقد بكل آدب واحترام  بعض المواقف السياسية لكبار الصحابة، على اعتبار أنهم بشر يصيبون ويخطئون، عكس ما يحدث من قبل البعض في الجزائر من خطاب التخوين وزرع بذور التمييز والكراهية بين أفراد الشعب الجزائري دون الرجوع إلى أصحاب الاختصاص من مؤرخيين وأكاديميين.
دعوة السلطة القضائية إلى تحريك الدعوة العمومية لكل من يتطاول على رموز الثورة
و أضاف، في رده على مختلف الأسئلة في هذا الملف، أن موقف أكاديمية الذاكرة الجزائرية واضح وصريح ويتجلى من خلال السعي إلى إبراز ونشر مآثر هؤلاء الرجال الأبطال الذين صنعوا مجد الأمة الجزائرية عبر التاريخ، داعيا إلى وضع مخطط للتصدي لحملات التشوية، من خلال الدعوة إلى تفعيل آليات الوقاية من التمييز وخطاب الكراهية، و وضعاستراتيجية وطنية للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية قصد أخلقة الحياة العامة ونشر ثقافة التسامح والحوار ونبذ العنف من المجتمع، بالإضافة إلى المشاركة في الحملات الإعلامية والتحسيسية حول مخاطر التمييز وخطاب الكراهية، وإشراك المجتمع المدني في هذه الاستراتيجية، منبها في هذا السياق إلى أن وزارة التربية  الوطنية مدعوة لإعادة صياغة وتكييف المناهج التربوية للحد من هذه الظاهرة،ودعوة رئيس الجمهورية إلى تفعيل المرصد الوطني للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية، فضلا عن دعوة السلطة القضائية إلى تحريك الدعوة العمومية عند ارتكاب مثل هذه الجرائم.
و في ما يتعلق بأهم المقترحات التي تقدمها الأكاديمية لتعريف الجيل الحالي والأجيال القادمة بتضحيات الأجداد وقيمها التاريخية للحفاظ على هوية وثوابت الأمة، أكد جمال ستيتي التركيز على الإسهام في التعريف بالبعد الحضاري والتراث والأرشيف للأمة، والحفاظ على الذاكرة من خلال إعداد البحوث والدراسات الأكاديمية حول حركية المجتمع الجزائري، وابراز مخلفات وآثار الاحتلال في مختلف الجوانب،منبها في ذات الوقت إلى ضرورة الابتعاد عن ظاهرة وثقافة النسيان، لما لها من أثر سلبي على الذاكرة والقيم الوطنية والتنمية.
و أشار في هذا الصدد إلى أن الهدف من إنشاء الأكاديمية، هو إحداث القطيعة مع ظاهرة النسيان، كما أنه يرمي إلى إبراز ونشر مبادئ وقيم ومآثر الأمة الجزائرية عبر التاريخ وتثمين أثرها في الفكر الإنساني، ومن ذلك الحفاظ على الذاكرة من خلال إعداد البحوث والدراسات الأكاديمية حول حركية المجتمع الجزائري وابراز مخلفات وآثار الاحتلال في مختلف الجوانب ومعالجة ظاهرة ثقافة النسيان وأثرها السلبي على الذاكرة والقيم الوطنية والتنمية.
التصدي لحملات التشكيك والتضليل والتنديد بجرائم وادعاءات المستعمر
و أوضح أن الظروف التي صاحبت عملية تأسيسها بدءا بالحراك الشعبي، وبعدها تفشي فيروس كورونا، وما صاحب ذلك من الاحتياطات والتدابير الوقائية الصارمة التي اتخذتها السلطات العمومية للحد من انتشاره، من خلال وقف جميع الفعاليات الثقافية من مهرجانات وملتقيات وندوات، أعاق عمل المكاتب الولائية من برمجة نشاطات في إطار تحقيق الأهداف المسطرة، ومع ذلك سجلت الأكاديميةحضورها ضمن المستجدات والأحداث التاريخية التي عرفتها الجزائر، لا سيما  بعد استعادة الجزائر رفاة 24 مقاوما من المتحف الطبيعي بفرنسا، أين طالبت باستعادة ما تبقى من الجماجم، فضلا عن المشاركة في مداخلات اعلاميةللتنديد والتحذيرمما تضمنه تقرير بن جامين ستورا الذي  يكرس النظرة الاستعلائية في تعاطي فرنسا مع تاريخها الاحتلالي في الجزائر، والذي لا يأخذ في الحسبان المطلب التاريخي للشعب الجزائري، وهو اعتراف فرنسا بجرائمها  في حق الشعب الجزائري، كما قامت بعض المكاتب الولائية بتوثيق وتسجيل شهادات المجاهدين، على غرار المكتب الولائي للشلف، وإنشاء مكتبات ولائية للحفاظ على الذاكرة المحلية، مثلما ما قام به المكتب الولائي لولاية المسيلة.
و زيادة على النشاطات اليومية، يتم تنظيم مسابقات تربوية، تهدف إلى إبراز ونشر مبادئ وقيم ومآثر الأمة الجزائرية عبر التاريخ بين تلاميذ المؤسسات التعليمية للأطوار الثلاث في سياق إحياء المناسبات الوطنية الخالدة،وتكليف إطارات  بالأكاديمية بمهمة البحث في الذاكرة الجزائرية بالتنسيق والتعاون مع المعاهد والجامعات الوطنية والأجنبية،ومتابعة المناهج التربوية الوطنية وإعداد دراسة ترفع إلى السلطات العمومية، وتشكيل لجنة وطنية من الخبراء والمختصين لإعداد دراسة ميدانية حول موضوع التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية وأثارها،ومراسلة السلطات العمومية بشأن رد الاعتبار لضحايا مجازر 8 ماس 1945، واعتبارهم شهداء الحركة الوطنية بصفة رسمية من طرف وزارة المجاهدين والعمل على قيدهم بسجلات الوفيات للحالة المدنية،فضلا عن المشاركة في الندوات والملتقيات الوطنية.
ع/ بوعبدالله

* عبد الكريم خضري / المنظمة الوطنية للحفاظ على الذاكرة
البلاد تتعرض لمؤامرة بضرب رموز الثورة والمقاومة
يحذر، عبد الكريم خضري، الأمين الوطني للمنظمة الوطنية للحفاظ على الذاكرة وحماية رسالة الشهداء، في هذا الحوار، من محاولات التطاول وتشويه رموز الثورة، وإثارة النعرات في وقت تتزايد فيه تحرشات الأعداء ضد الجزائر، في محاولات للتقليل من الانجازات المحققة خلال الثورة التحريرية وتمييع المقاومة وتضحيات الجزائريين بضرب رموزها، بهدف قتل روح الانتماء لهذا الوطن في نفوس الشباب، مشيرا إلى تسطير المنظمة لعديد البرامج بهدف تعزيز روح الانتماء وحب الوطن و الحفاظ على الذاكرة الوطنية.
يرتبط اسم منظمتكم بالحفاظ على الذاكرة، فما هي أهم نشاطاتكم لتحقيق هذا المطلب ؟
المنظمة لها لجنة علمية، تقوم بالتحضير لنشاطات مختلفة ومتنوعة وفقا للبرنامج الذي تسطره اللجنة العلمية المتكونة من حوالي 80 أستاذا باحثا في التاريخ، وهي موزعة على 48 ولاية، العمل يمس في الأساس شريحة الشباب و الطلبة و التلاميذ، منخلال ربط علاقات مع المؤسسات التربوية والتعليم و الهيئات النظامية التي لها مدارس مثل الشرطة والجمارك والحماية المدنية و محافظة الغابات التي لها مؤسسات تكوينية لنا معها عمل دائم و مباشر.
الهدف من عملنا الحفاظ على الذاكرة و تعزيز الهوية لأنهاأصبحتمهددة، و الشباب يبتعد عن الذاكرة و رموز من صنعوا الثورة،فنحن نعيش مرحلة مؤلمة من التشكيك في رموز الدولة و التاريخ و من صنعوا الثورة وأصبحت فئة من الشاب لا تعي أهمية و رمزية الثورة ولا تعي حتى تاريخ الوطن وأهمية الذاكرة، لذا نحاول عبر مكاتبناالولائية، أن نكون على تواصل دائم مع الشباب ونشتغل على القضايا الهامة والهادفة، لا سيما تحقيق مطلب استقرار الوطن لأنه أمانة الشهداء وتربية الناشئة على حبه.
 تركزون على الشباب والأجيال الصاعدة بالأخص، فهل تسجلون فتورا في علاقتهم مع تاريخ الثورة، و ما السبب في قلة الوعي الذي تحدثتم عنه ؟
لا بد أن نكون صرحاء وعقلانيين، في المرحلة التي مرت بها الجزائر بعد الاستقلال، لم يكن هناك اهتمام كبير بالذاكرة والتاريخ، فحتى البرامج التربوية لا تعطي أهمية للتاريخ كقوة في منهج التدريس، كما أن الاهتمام بالتاريخ من المؤسسات الثقافية يبقى بعيدا عن المطلوب، وهذا ما تسبب في تعطيل نقل الرسالة الحقيقية من المجاهدين الذين هم على قيد الحياة إلى الشباب، و استغلال شهاداتهم كمادة علمية نستدل بها كباحثين و ننقلها إلى جيل الاستقلال.
تحدثت عن وجود 80 أستاذا باحثا في منظمتكم، فما هي أهم الدراسات التي تقومون بها ؟
مهامهم ترتكز على تحضير النشاطات والبرامج، فهي متنوعة و تمس قطاعات متنوعة، نشتغل ونركز على القنوات السهلة و البسيطة التي نصل بها إلى المواطن ليتقبلها ويقتنع بها بطريقة سهلة، لذلك فتقريبا جل النشاطات التي يتم إعدادها تتعلق بالشباب، لذا أصبحنا نركز على شبكات التواصل الاجتماعي من خلال تنظيم ندوات عن طريقة تقنيات التواصل عن بعد و تطبيق زووم بمشاركة مختلف جامعات الوطن، و جدنا اقبالاكبيرا و متابعة لندواتنا التاريخية، حيث وصلنا إلى أكثر من 60 ألف مشاهد لبعض الندوات، في حين لو يتم تنظيمها في القاعات لن يتعدى عدد الحضور 200 شخص أكثر هم من المهتمين و ليس الشباب، كذلك نعكف على تنظيم الندوات في الفضاءات المفتوحة، فقد قمنا بتنظيم ندوة وطنية بميناء سيدي فرج و كان عنوانها الاحتلال الفرنسي في الفترة الممتدة من 1830 إلى 1962، أين اخترنا رمزية المكانمن ميناء سيدي فرج الذي بدأ منه توافد قوافل المحتل، و أبرزنا في هذه الندوة النموذجية التطبيقية عبر زوارق بالتنسيق مع المديرية العامة للحماية المدنية في عرض البحر، الأهمية التاريخية والاستراتيجية للميناء، أين تم إلقاء محاضرات الأساتذة من على الزوارق في عرض البحر، و من الأماكنالتي غزت منها قوات العدو الأراضي الجزائرية، و كيف تم الاحتلال من مكانه وسط حضور كان أغلبهم من الشباب .
زيادة على هذه النشاطات، هل تولون أهمية لجانب التوثيق  بتدوين شهادات المجاهدين و من صنعوا الثورة ؟
أكيد نهتم بالجانب الاعلامي، لمن صنعوا الثورة و من لا يزالون على قيد الحياة يوميا تسقط ورقة من أوراق الثورة، ومن بجعبتهم معلومات و أحداث هامة عن تاريخ الثورة والكفاح المسلح، لذا نهتم بتسجيل شهادات المجاهدين، و لكن أردت اتمام الشطر الثاني المتعلقة بالهوة التي يعيشها الشعب الجزائري في الآونة الأخيرة، لذا نثمن  الارادة السياسية التي جاءت بها السلطة الجديدة، أين اعطت أهمية لحماية الذاكرة من خلال تنصيب مستشار مكلف بالذاكرة و الأرشيف و استحداث يوم وطني للذاكرة 08 ماي، و استرجاع الجماجم، لذلك اليوم المطلوب من جميع المهتمين والباحثين وجمعيات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية والاسلامية ودور الشباب والرياضة اعطاء أهمية أكثر للذاكرة و صونها لأنه شيء مهم، لا سيما في ظل الوضع الحالي الذي يتسم ببوادر حرب غير معلنة، من خلال التطاول و المؤامرات التي تتعرض لها البلاد بضرب رموز الثورة والمقاومة سواء بأياد داخلية  أو بإيعاز من أياد خارجية، و ما يتجلى للعيان في المناورات التي يقوم بها أعداء  الجزائر في محاولة، لزعزعة الاستقرار بدول الساحل ومن الناحية الغربية للبلاد،فضلا عن التطاول على المؤسسة العسكرية، هذه المؤسسة السيادية التيتحافظ على أمن و استقرار الجزائر في كل الظروف والمحن، والتي رافقت الشعب في كل المحطات، لذلك يجب علينا أن نعمل أكثر و أن نقف وقفة رجل واحد للتصدي لهذه المؤمرات، و نرسخ الذاكرة فهي عماد الأجيال، ولما تصون ذاكرتك ستعزز هوية الأجيال التي ستقف بالجزائر وتحفظ أمانة الشهداء مستقبلا في كل المجالات .
بناء على تجربتكم في هذا المجال برأيك ما الذي ينقصنا، وما هي مقترحاتكم للإبقاء على حلقة الوصل بين جيل الثورة و من ضحوا بالأمس من أجل استقلال الوطن، والجيل الحالي والأجيال القادمة لكي تبقى هذه التضحيات راسخة في الذاكرة الجماعية، وخالدة بين الجزائريين؟
مادام أن السلطة الحالية أعطت أهمية بالغة للذاكرة، فإن مؤسسات الدولة بأكملها مدعوة لتحتضن فعاليات المجتمع المدني من أجل العمل بوتيرة أقوى، ربما المهتمون من المجتمع المدني و بالأخص الجمعيات ذات الطابع التاريخي تعاني، لعدم وجود تفهم من قبل بعض المؤسسات، في وقت يبقى هدفها تحقيق  الإرادة التي تقوم على مسعى الحفاظ على الذاكرة وتشديد وثاقالحبلالمربوط وتمديد الجسور بين جيل الاستقلال و جيل الثورة، والحفاظ عليه وشد وصاله للحيلولة دون قطعه، أجدادنا قدموا تضحيات كبيرة و بإمكانيات بسيطة لذلك على المسؤولين المحليين من ولاة على وجه التحديد، و مدراء المؤسسات التكوينية و التربوية الالتزام وتوفير المساعدة اللازمة لإنجاح برامج الحفاظ على الذاكرة، في اطار الاتفاقيات الموقعة، لتسهيل العمل و اعطاء نفس قوي لأبنائنا للاهتمام بالذاكرة داخل هذه المؤسسات لأن التنسيق بين المجتمع المدني و مؤسسات الدولة سيساعد على رفع روح الانتماء للوطن و يزيد الشباب من روح الانتماء، و نحن نعمل على استعادته و تعزيز الهوية لنصون ذاكرتنا في المستقبل .
حاوره : عثمان بوعبدالله

الدكتور جمال مسرحي أستاذ بقسم التاريخ بجامعة باتنة 01 لـ"النصر"
تقريـــر ستـــورا بحـث عن هدنــة مع الجزائـر دون مقابـــل
أكد الدكتور جمال مسرحي أستاذ بقسم التاريخ بجامعة الحاج لخضر باتنة 01، بأن جرائم فرنسا الاستعمارية لا يمكن أن تسقط بالتقادم، وسيظل ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا عالقا ما لم تعترف فرنسا بجرائمها وتقدم الاعتذار الرسمي، وأوضح الأستاذ جمال مسرحي في هذا الحوار الذي أجرته معه النصر بمناسبة إحياء الذكرى 59 لعيدي الاستقلال والشباب، بأن الاستقلال ذكرى خالدة في تاريخ الجزائر تكمن قيمتها في استرجاع السيادة بفضل تضحيات الشهداء والمجاهدين، وأن على الأجيال الصاعدة استلهام روح الوطنية بهذه المناسبة، ويوضح في هذا الحوار أسباب تعنت فرنسا في الاعتراف بجرائمها وعدم الاعتذار الرسمي للجزائر معتبرا بعض الخطوات الأخيرة بالإيجابية في مسار العلاقات بين البلدين، بعد تسليم رفات لشهداء المقاومة، وفتح ملف الذاكرة رغم أن ما جاء به بنيامين ستورا لم يكن في مستوى التطلعات، وأكد بأن استعادة الأرشيف سيساهم في كشف حقائق وكتابة التاريخ.  
حاوره: يـاسين عبوبو
النصر: ما القيم والدلالات التي يمكن أن يقف عندها الشعب الجزائري في الذكرى 59 للاستقلال، وهل تسقط إحياء الذاكرة بتغير الأجيال؟
أولا بودي أن أشكر جريدة النصر الغراء على إتاحتي هذه الفرصة وفي هذه المناسبة الغالية على كل أحرار العالم، ألا وهي عيد الاستقلال الذي يصادف الخامس من جويليه، وهي نفس ذكرى توقيع معاهدة تسليم العاصمة للفرنسيين سنة 1830، أقول هنيئا للشعب الجزائري الأبي استعادته لسيادته وكرامته على أرض أجداده، وعلى الجميع أن يدرك قيمة هذه السيادة التي راحت فداء لها قوافل من الشهداء، وسيول جارفة من الدماء الزكية، وقهر وتعذيب وتشريد ملايين الأبرياء من الأجداد والآباء.
فرنسا حرصت من خلال اتفاقيات إيفيان علىالحفاظ على مصالحها الاقتصادية
ورغم أن مدة نصف قرن قد لا تعني الكثير في حياة الشعوب والأمم، لكنها مدة كافية على الأقل لتقييم هذه المسيرة بإبراز سلبياتها و إيجابياتها على عديد الأصعدة، ثم تقويم هذه المسيرة مع الأخذ بعين الاعتبار المبادئ و القيم التي ضحى من أجلها الشعب الجزائري ليس فقط خلال قرن و نصف قرن من الاحتلال الفرنسي،  ولكن الحقيقة أن الشعب الجزائري تضحياته في سبيل وطنيه تعود إلى قرون مضت، وارتبطت أساسا بمقارعة  أعتى القوى الاستعمارية و الامبريالية في حوض البحر المتوسط من الرومان والوندال، فالبيزنطيين ثم وصولا إلى الإسبان و الفرنسيين.
وعليه فالطريق إلى هذا الاستقلال لم يكن أبدا سهلا، بل تم تعبيده بدماء من ضحوا في سبيل هذا الوطن، ولكي ندرك قيمة استقلالنا الوطني علينا النظر بل إمعان النظر إلى الشعوب المستعمرة ثم استقراء التاريخ بكل موضوعية، كما  أنه يجب التنويه إلى أن استقلالنا السياسي يبقى لا معنى له ما لم ندعمه بالاستقلال الاقتصادي، ثم الثقافي الذي لا يقل أهمية عن الأول، لأن الحروب المقبلة سترتكز على القيم الروحية  للشعوب و على رأسها ثقافات و هويات الشعوب بمحاولة تزييفها من جهة، وضرب رموزها الحضارية من جهة أخرى، حتى يسهل تفتيت بنيانها البشري ومن ثم العودة بالاستعمار إلى نقطة البدء.
النصر: ما قراءتكم للعلاقة بين الجزائر وفرنسا منذ الاستقلال خاصة وأنها اتسمت بالتأرجح بسبب ملف الذاكرة؟  
غداة استقلال الجزائر حاولت فرنسا بشتى الطرق أن تكون الجزائر مرتبطة بفرنسا على الأقل اقتصاديا وثقافيا، ذلك ما وظفته في اتفاقيات إيفيان التي تنص صراحة على إلزامية التعاون الاقتصادي ثم الثقافي مع البلد المستعمر، ناهيك عن التواجد العسكري في قاعدة المرسى الكبير ومراكز البحث النووي في الصحراء الجزائرية، لكن الطرف الجزائري لم يكن ينظر إلى ذلك بعين الرضا، خصوصا جناح الجيش الممثل في قيادة الأركان واتضح ذلك جليا في مؤتمر طرابلس ماي/جوان 1962، حيث رفضت قيادة الأركان التصويت على اتفاقيات إيفيان.
فيه نخب بفرنسا موافقة على مطلب تجريم الاستعمار بالجزائر
وتأكد ذلك بعد تولي العقيد هواري بومدين الحكم في 19 جوان 1965 والإطاحة بنظام الرئيس أحمد بن بلة، وبومدين منذ وصوله إلى سدة الحكم بدأ يتنصل من بنود إيفيان انطلاقا بتأميمه للبنوك، ثم المناجم فقاعدة المرسى الكبير وصولا إلى المحروقات في 24 فبراير 1971، وهو ما لم يكن ليرضي الطرف الفرنسي، لذلك حاولت فرنسا فرض حصار اقتصادي على الجزائر، من أجل عزلها دوليا، لكن لم تتمكن من مبتغاها، وهنا يجب الإشادة بالدور الدبلوماسي الذي مكن الجزائر من التصدي للمحاولات الفرنسية سواء في العلن أو الكواليس.
النصر: كيف استطاعت الجزائر التنصل من اتفاقيات إيفيان؟
 هنا وجب التذكير بدور وزارة الخارجية آنذاك وما قامت به بحشد الدعم السياسي وحتى الاقتصادي للجزائر خاصة دول عدم الانحياز والكتلة الشرقية، ثم النشاط الفعال الذي كان يقوم به مسعود زقار المعروف برشيد كازا خاصة لدى الأنظمة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. ثم إن الوضع السياسي في فرنسا ذاتها كان دوما عاملا أساسا في تأرجح علاقات البلدين بين الاستقرار والتوتر فبحكم التجاذبات السياسية واللوبيات المسيطرة على القرار السياسي الفرنسي كانت النظرة إلى الجزائر دوما في صلب الموضوع.
"فالديغوليون" على مر السنين كانون ينظرون إلى الجزائر على أساس "الفردوس المفقود الذي يجب ألا ينسى" لكن وجود ثقل الجالية الجزائرية هناك، و اليد العاملة كان في كثير من الأحيان ورقة ضغط في يد السلطة الجزائرية، و لو أن الورقة غير معلنة إلا أنه كان لها دور كبير في صنع مشهد العلاقات بين البلدين، دون التغاضي عن ملف الذاكرة الذي يعد نقطة محوريه بل مفصلية في العلاقات بين البلدين، خاصة بعد أن برزت فكرة المطالبة باستعادة الأرشيف الجزائري من الضفة الأخرى، ثم تعالت بعد ذلك أصوات هنا بالجزائر مطالبة بتجريم الاستعمار، وهو ما ترفضه السلطة في فرنسا، رغم أن الكثير من النخب هناك تدعم الفكرة.
النصر: تقرير بنيامين ستورا حول الذاكرة جاء مخيبا للطرف الجزائري لعدم الاعتراف بجرائم فرنسا الاستعمارية. لماذا برأيك ترفض باريس في كل مرة الاعتراف بجرائمها الاستعمارية؟
تقرير المؤرخ بن جامين ستورا حول الذاكرة بين فرنسا والجزائر، خلف جدلا واسعا، ففي الوقت الذي يرى الكثير من المؤرخين الفرنسيين ومنهم ستورا أن الجزائر منذ استقلالها وهي حبيسة الذاكرة الرسمية للحرب التحريرية، ومن ثم فالطرف الفرنسي يبدو واضحا أنه يبحث عن هدنة مع الجزائر تتيح للطرفين الوصول إلى مصالحة تاريخية (بدون مقابل.؟) في حين يرى الجزائريون، بنوع من الإجماع لدى مختلف الفئات استحالة التغاضي عن ملف الذاكرة في القضايا المطروحة بين الطرفين، وهنا تبرز بقوة فكرة ضرورة اعتذار رسمي من الحكومة الفرنسية عن الاحتلال وجرائمه، مع التعويض عن الأضرار الناجمة عن حالة الاحتلال التي تعرضت لها الجزائر طوال قرن ونصف قرن تقريبا، وهو على ما يبدو ما جعل المؤرخ بن جامين ستورا يغض الطرف عن التطرق إلى هاتين النقطتين ولم يشر إليهما تقريره ولو عرضا.
و نرى أن التقرير بقدر ما هو حجر عثرة في مسار تقويم العلاقات بين البلدين، بقدر ما هو تمهيد فيه بصيص من الأمل لفتح ورشات عمل لحل المشاكل العالقة بين البلدين و الموروثة منذ عقود، وقد يشكل أفقا جديدا لإعادة ترتيب الأولويات بين الطرفين بدءا بمعالجة ملف الذاكرة معالجة جادة و منصفة، و أول شرط في ذلك هو تخلي فرنسا عن التعامل مع الجزائر كأنها الفردوس المفقود، ثم الابتعاد عن الاستعلاء باحترام تام للسيادة الوطنية التي حصلنا عليها بقوافل من الشهداء، ثم التعامل مع ملفات التاريخ  المشترك بالواقعية التي تتطلبها مثل هكذا قضايا، لأنه يتعين بالضرورة على الطرف الفرنسي بالإضافة إلى الاعتذار عن الاحتلال، الاعتراف بما اقترفته فرنسا و قادتها السياسيون و العسكريون  طوال قرن ونيف من الاحتلال و ما قبله و هي قضايا جلها لا تسقط بالتقادم.
النصر: ما أبرز جرائم الاستعمار الفرنسي التي لا تسقط بالتقادم؟
1 - الديون الجزائرية لدى الحكومة الفرنسية وكميات القمح والمواد الغذائية المصدرة إلى فرنسا بعد الأزمة الاقتصادية والسياسية التي عرفتها على إثر قيام الثورة بها سنة 1789 والمبالغ الهامة التي اقترضتها من حكومة الداي حسين قبل احتلالها للجزائر.
2 - الاحتلال في حد ذاته، وما ترتب عنه جريمة تدين فرنسا وتلاحقها، وجب الاعتذار الفوري عنها.
3 - الاستغلال الفاحش للثروات الوطنية بعد الاحتلال.
4 - التقتيل والتهجير والإبادة الجماعية التي تعرض لها الشعب الجزائري خصوصا أثناء وبعد القضاء على الثورات الشعبية.
5 - القوانين الزجرية والعنصرية التي أصدرتها سلطات الاحتلال، والتي ترتبت عنها أضرار مادية ومعنوية خطيرة مست كل فئات الشعب الجزائري
6 - جريمة التجهيل الممنهج التي تعرض لها أبناء الجزائر طوال مدة الاحتلال.
7 - جرائم الحرب التي ارتكبها قادة الجيش الفرنسي أثناء الثورة التحريرية كاستعمال أسلوبي الأرض المحروقة والأسلحة المحرمة دوليا.
8 - ضحايا التجارب النووية بعد الاستقلال في رقان وعين يكر.

الدبلوماسية الجزائرية في عهد بومدين لعبت دوارا بارزا في التخلص من اتفاقيات إيفيان
كل ما سلف ذكره يمثل الشيء القليل من الملفات التي تخيف الطرف الفرنسي وتجعله يسعى لطي صفحة الماضي لأن الماضي أصبح يقلق الحكومات الفرنسية ويجعلها تحاول القفز عليه والمرور إلى المستقبل دون معالجة ملفاته الشائكة، ورغم أن اتفاقيات إيفيان أنهت حرب التحرير بين الجرائر وفرنسا، لكن من الخطأ القول أنها أغلقت باب المطالبة بالاعتراف بجرائم الاحتلال و التعويض عنها للشعب الجزائري الذي يعتبر الضحية الأساسية للاحتلال، وعليه فإن الشعب الجزائري يدرك تماما ما هو مطلوب منه في هذا الموضوع، وأظن أن شعار بومدين يظل قائما عندما قال للرئيس الفرنسي جيسكار ديستان حين صرح أن فرنسا التاريخية تحيي الجزائر المستقلة حيث رد عليه بومدين : "إننا قد نطوي الصفحة ولا نقطعها".
النصر: ما الذي تحمله من دلالة خطوة فرنسا بتسليم رفات لشهداء المقاومة خلال إحياء ذكرى الاستقلال العام الماضي؟
استعادة الجزائر لرفات بعض شهدائها من سنة من الآن، هو انتصار لهؤلاء الشهداء على أعدائهم, و رغم أنها خطوة متأخرة لأن هذه الجماجم بقيت أسيرة متحف  الإنسان بباريس لعشرات السنين دون مبرر، لكن أن تعود إلى أرض الوطن و يعاد دفنها في مقبرة الشهداء إلى جانب الجيل الثاني من شهداء العزة و الكرامة، هو خطوة دون شك مهمة و مؤشر إيجابي نحو تخطي عقبات كثيرة في سبيل بناء علاقات متينة بين البلدين، اللذين تحكم التاريخ ثم الجغرافيا في مصير العلاقات بينهما، و نحن كجزائريين نأمل أن يتم ترحيل الجماجم المتبقية هناك في الضفة الأخرى لكي يتسنى إعادة دفنها إلى جانب الدفعة الأولى العائدة إلى أحضان الوطن.
النصر: هل تستجيب فرنسا لمطلب تسليم الأرشيف بعد خطوة تسليم رفات لشهداء المقاومة؟
بالنسبة للأرشيف هناك الكثير من العوامل المتحكمة في عملية تسليمه أو استعادته من فرنسا منها بالأخص طبيعة المادة الأرشيفية في حد ذاتها، حيث أن هناك بعض الوثائق التي  لا يسمح بالاطلاع عليها إلا بعد مدة طويلة قد تتعدى قرنا من الزمن، و هناك عامل آخر متعلق أيضا بمحتوى الوثائق  الأرشيفية، فقد تتضمن معلومات تمس بأشخاص لهم  صلة بنظام الحكم، ترى الجهات المعنية أن الكشف عنها لم يحن بعد، ثم أن فرنسا تبقى تعيش دوما على هاجس الخوف من تبعات الجرائم التي أرتكبها جنودها بالجزائر على مدار سنوات الاحتلال و التي لا تسقط بالتقادم، فالتخوف من كشف الحقائق و الجرائم و أعداد الضحايا يؤرق  النظام الفرنسي بمختلف  توجهاته السياسية، وعلى سبيل المثال جريمة إبادة قبيلة أولاد رياح بتاريخ 20 جوان 1845   قرب مستغانم على يد السفاح بيليسيي في إطار الأرض المحروقة التي انتهجتها المؤسسة العسكرية الفرنسية، ثم مجازر الثامن ماي 1945 و غيرها من الجرائم التي ارتكبت من قبل الجيش  الفرنسي لا تسقط بالتقادم و تشكل عبئا على النظام الفرنسي ومبعث تخوف أمام الرأي العام الفرنسي ثم الرأي  العام العالمي، وعليه دوما نرى الحكومات الفرنسية تتحفظ في هذا الجانب و تحاول اللعب على أوتار مختلفة لكي يتأخر استعادة الأرشيف الوطني  الذي يدين الاحتلال الفرنسي.
النصر: ما أهمية استرجاع الأرشيف الوطني من فرنسا وهل يؤثر على القراءة الرسمية للتاريخ؟
الأرشيف مهم جدا لكتابة التاريخ، و يعتبر من المصادر الأساسية، ومن المؤكد أن استعادة الأرشيف سيمنح دفعا مهما لكتابة التاريخ و فتح مواضيع متعلقة بالتاريخ المشترك مع فرنسا أو حتى الفترة العثمانية لأن الفرنسيين قد صادروا الكثير من الوثائق  والمخطوطات التي وجدوها بالجزائر أثناء احتلالهم لها، واستعادته حتما تمكن الباحثين المختصين من  تأكيد حقائق معينة و إعادة النظر في قضايا تاريخية ربما ظلت رهينة، لما توفره من شهادات أو وثائق محلية سيمكن من فتح قضايا و مواضيع لم يكن بوسع الباحثين فتحها في غياب السندات و الوثائق اللازمة.
جـرائم فرنـسا الاستعمـارية لا تسقـط بالتقــادم
النصر: ما دور الباحثين والمؤرخين الجزائريين لكشف الحقائق بعيدا عن المدرسة الفرنسية مثلما دعا إليه عبد المجيد شيخي مستشار رئيس الجمهورية المكلف بملف الذاكرة؟
كما قلت آنفا الآن لدينا أزيد من نصف قرن من الاستقلال، علينا تقييم وتقويم التجربة التي خضناها في جميع الميادين، منها ميدان كتابة التاريخ الوطني، والأخذ من تجارب الآخرين شيء لا أعتقد أنه سلبي والمدرسة الفرنسية في مجال التاريخ معروفة خاصة إذا تعلق الأمر بالجوانب الأكاديمية البعيدة عن الذاتية. فالمدرسة الفرنسية في مجال التاريخ و الآثار عملت لعقود على  طمس و توجيه المنتج الفكري  الذي تنتجه لصالح الاستعمار خاصة بعد إنشاء جامعة الجزائر سنة 1909 و توفير لها كل  الإمكانيات المادية و البشرية لمواكبة حركة الاستيطان التي تعتمد عليها فرنسا الاستعمارية، و للأسف إلى غاية الآن نحن أسرى المنتج الفكري التاريخي  للمدرسة الفرنسية على سبيل المثال لا الحصر ما زال الباحثين في التاريخ القديم يعتمدون بشكل  أساسي على الأطلس الأثري لستيفان قزال الذي طبع سنة 1928 و للأسف رغم الإمكانيات المتوفرة لدينا الآن لم نستطع أن ننتج أطلسا اثريا مستحدثا  أو حتى تحيين عمل  قزال لكي يستفيد منه الباحثون في التاريخ و الآثار، ناهيك عن التاريخ الحديث و المعاصر وخاصة ما تعلق بالحقبة الاستعمارية وبصفة أخص ما تعلق بالثورة التحريرية الكبرى.
ي.ع

انتقاما لخسائرها البشرية بمعركة الزاوية في ميلة
 فرنســا عمـدت لحرق الشهـــداء بعد قتلهــم بالرصـــاص
عمدت قوات الاحتلال الفرنسي إلى ارتكاب جرائم بشعة، منذ بدايات ثورة التحرير مواصلة ما بدأته في مجازر 8 ماي 1945 وقبلها بإبادة سكان عدة مناطق، وبلغ بعساكرها من الحقد إلى بقر بطون النساء الحوامل، وحرق جثث الشهداء بعد قتلهم رميا بالرصاص، ولتأكيد ما سلف ذكره، نعرج على ما فعلته بمنطقة الزاوية ببلدية سيدي مروان ولاية ميلة حاليا، بعد عام واحد
عن اندلاع ثورة التحرير .
فعساكر فرنسا لم يكتفوا وقتها بعد عودتهم للمنطقة في اليوم الموالي لمعركة الزاوية، بإطلاق الرصاص على الشهداء الثلاثة الذين كانت أيديهم مكبّلة بحبال إلى الخلف، بل عمدوا إلى حرقهم بعد رش جثثهم بالبنزين وإضرام النار بالمنزل الذي قتل الشهداء بداخله وتترك أجسادهم الطاهرة لتلتهمها ألسنة النار.
 أما عن المعركة فقد لقن سبعة من المجاهدين الأبطال عشية الثاني والعشرين من شهر نوفمبر 1955 أي سنة واحدة بعد اندلاع ثورة التحرير درسا بليغا في معنى الرجولة والدفاع عن العرض والشرف والوطن ، لعساكر فرنسا المدججين بأحدث الأسلحة قبل انسحابهم مع الغروب وحلول الظلام الذي أسدل رداءه على المنطقة، سالمين نحو الجهة المقابلة من الوادي الكبير أي  اتجاه منطقة زواغة، بعدما اقتنصوا وأسقطوا أكثر من سبعة عشر جنديا فرنسيا، وهي الصفعة التي لم تتحملها القوة الفرنسية التي عادت أدراجها خائبة نحو ثكنتها بعدما التقطت جثث قتلاها وأسرت في طريقها اثنين من أبناء عائلة أمقران التي تقطن بمنطقة الزاوية لغرض استنطاقهما (اللذان سرعان ما تحولا في اليوم الموالي لشهيدين)، حيث عادت مع الصباح لتجمع سكان المنطقة ولتريهم عبقريتها في التعامل مع المواطنين العزل الذين لا يحملون السلاح، و الأكثر من ذلك المكبلة أيديهم للخلف بالحبال الغليظة، فأنزلت قواتها من شاحناتها الأخوين رابح ومحمد أمقران ومعهما ثالث هو الشهيد موسى بلرامول ابن بلدية زغاية المجاورة لسيدي مروان، الذي سبق لها وأن ألقت القبض عليه وأخضعته  - بحسب شهادة ابن عمه - لأكثر من شهرين للتعذيب بمنطقة البهمة شمال غرب رجاص (بلدية وادي النجاء حاليا)، ثم تطلق على الثلاثة الذين أدخلتهم لوسط الدار وابلا من الرصاص، ثم ترش أجسادهم الطاهرة بالبنزين وتحرق الدار بما فيها ومن فيها، وبعدما رخصت السلطات الفرنسية للمواطنين بعد ثلاثة أيام عن عملية الحرق  كما صرح لنا الحاج بوقريعة محمد بدفن موتاهم ، لم يجدوا عند دخولهم للبيت المحروق سوى جماجم وهياكل عظمية مفحمة سرعان ما تفككت عن بعضها عند محاولة رفعها، جمعت ثم دفنت هناك في مكان غير بعيد عن ديار العائلة، قبل أن تنقل مرة أخرى بعد الاستقلال ليعاد دفنها في روضة الشهداء.
أما عن أسباب المعركة التي احتضنتها هذه المنطقة المطلة اليوم على سد بني هارون والتي استمدت اسمها " الزاوية " من الزاوية الرحمانية بوصفها إحدى ملحقاتها، فذاك يعود لقدوم الجيش الفرنسي للبحث عن المجاهد أمقران المكي المدعو أحمد (الأخ لثلاثة شهداء والذي التحق بالرفيق الأعلى يوم الخامس من شهر أكتوبر 2003) بعدما كشف تحت التعذيب عن اسمه وعن اسم الشهيد بلرامول موسى، مجاهد أخر من نواحي باينان ألقي القبض عليه من قبل، حيث اعترف الأخير تحت التعذيب بأن أمقران المكي برغم السرية التي كان عليها نشاطه الثوري، وتمويهه من خلال تنقله الدائم بين مسكنه بالزاوية ومسكنه الأخر بدوار أولاد عسكر (بولاية جيجل) يعتبر من المناضلين الأوائل وعضو ضمن الأفواج الأولى للمجاهدين، وأن مسكنه بالزاوية الواقع على أحد مسالك ثورة التحرير بالمنطقة، يشكل مركز عبور للمجاهدين ومخبأ مهما للأسلحة، وهي المعلومات التي تلقفها الجيش الفرنسي وبكر لعين المكان بكامل عدته وعتاده للبحث عن المكي هذا الأخير لم يكن بعيدا، حيث بات ليلته عند ابن عمه بمشتة بوفوح مثلما صرح للنصر جاره وصهره محمد بوقريعة وكانت نيته البحث عن ثور عند الفلاحين الآخرين لحرث أرضه، لكن عند عودته وقبل وصوله لمنزله أخبرته نسيبته (أم زوجته) التي كانت عائدة من عند ابنتها، بأن العدو الفرنسي يبحث عنه، ليختبئ غير بعيد رفقة محدثنا بغار الضباب ويرسل مع وقت الزوال جاره مسعود بولذياب للمجاهدين في الجهة المقابلة بزواغة بالضبط عند أحمد بن سعيود (الشهيد الذي تحمل ثانوية الشيقارة اسمه) طالبا منهم العون والمدد وهو الطلب الذي لم يتأخروا في تلبيته، حيث حضر كل من المجاهد رمضان مغلاوة (وهو الشهيد الذي تحمل ثانوية صناوة بميلة اليوم اسمه) محمد الصالح دهيلي (الشهيد الذي يحمل أحد شوارع مدينة ميلة اسمه)، حسين قطيش، بشكيط عبد المجيد، نور الدين بودميعة، ومعهم مسعود بولذياب مختفين بين المواطنين العائدين من مهمة جني الزيتون، ليتمركزوا بعدها آخذين مواقعهم استعدادا للمواجهة فيما عمد مسعود بوالذياب بعد عودته معهم إلى التوجه لنادر التبن أين استخرج بندقيتين وكمية من الذخيرة أخبره بمكانهما المكي أمقران، وأثناء مرحلة الترقب والانتظار أخذت القوة الفرنسية باستثناء سبعة عساكر منها في الانسحاب مع الغروب بعدما فشلت في العثور على المكي أمقران وإلقاء القبض عليه، غير أنه في لحظة ما توجه ثلاثة عساكر من الفرنسيين السبعة الباقين لوسط المنازل التي كانت بها النساء والأطفال وأخذوا يطلقون النار (تبين فيما بعد أنهم كانوا يصطادون طيور الدجاج ) ولما سمع المجاهدون دوي الرصاص المنبعث من وسط الديار ظنوا أن القتلى هم النساء والأطفال، فما كان منهم إلا الرد عليهم والدخول معهم  ومع عساكر فرنسا الآخرين الذين عادوا لعين المكان، تمكن خلالها المجاهدون من القضاء على كل من دخل المواجهة معهم من الفرنسيين قبل مغادرتهم للمكان دون أن يصاب أي واحد منهم باستثناء فتاة صغيرة (مسعودة ابنة الشهيد محمد أمقران الذي احرق بعد قتله بداخل المنزل في اليوم الموالي) أصابتها رصاصة من العدو في الرجل، وفي صباح اليوم الموالي - يضيف الحاج بوقريعة - عادت القوة الفرنسية مدعمة لتقوم بفعلتها السالف ذكرها من حرق للأشجار والممتلكات وقتل للشهداء الثلاثة الذين باتوا ليلتهم محبوسين تحت التعذيب.
 بالعودة للمجاهد المكي أمقران الذي اندلعت معركة الزاوية بسببه، فإنه واصل جهاده وشارك في معارك أخرى لغاية إصابته بجروح واعتقاله في معركة مشاون بمنطقة أولاد عسكر بولاية جيجل حاليا سنة 1960 وتم إدخاله السجن لكن بمجرد خروجه منه استأنف نشاطه في صفوف جيش التحرير الوطني لغاية استقلال الجزائر.
إبراهيم شليغم     

أساتذة ينقلون شذرات من ذاكرة النضال الشعبي
أغان وأناشيد ثورية حشدت همم الثوار و أرخت لقصص الكفاح
يرصد، أساتذة وباحثون في الأدب والتراث الشعبي، نماذج عن الأغاني والأناشيد الوطنية الثورية، باعتبارها رافدا من روافد النضال والكفاح المستميت أمام قوات المستعمر الفرنسي، لما كان لها من أثر في تقوية عزيمة الثوار وحشد هممهم بالجبال وساحات الوغى، كما ينقل ضيوف النصر في هذا الملف شذرات من الذاكرة الشفاهية لرجال ونسوة صدحن بحناجرهن في أغان معبرة تحمل قصصا إنسانية خالدة عن تاريخ الثورة الجزائرية وجرائم المستعمر الغاشم، على غرار أغنية «الطيارة الصفرا»، فضلا عن القصائد التحررية والأناشيد الوطنية لشاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا.
ملف من إعداد: عثمان بوعبدالله

الصديق بغورة / أستاذ الأدب العربي بجامعة المسيلة
مفدي زكريا بين حركتين ونشيدين
عرف مفدي زكريا (1908-1977) بلقب أول هو ابن تومرت، ثم اشتهر بلقب ثان هو (شاعر الثورة الجزائرية)، وبذل كل الجهود ليظل اسمه مرتبطا بجبهة التحرير والثورة، وقلما يشار إلى أنه كان الناطق الفني باسم الحركة الوطنية التي كان مصالي الحاج أبرز ممثليها والنشطين في كل مراحلها، والتي عبر عنها نشيدها المعروف (فداء الجزائر) من تأليف مفدي زكريا، وقد يكون لقب مفدي نسبة إلى النشيد الذي كتبه وعرف به في حياته النضالية قبل أن يعرف مناضلا نشطا في جبهة التحرير.
النشيد لحنه عبد الحميد عبابسة على مقام عجم وبالرجوع إلى النشيد المصري القديم الذي كتبه الرافعي واعتمد رسميا بين (1923-1936) نلاحظ تشابها في المطلع، فقد قال الرافعي:
اسلمي يا مصر إنني الفدا    ذي يدي إن مدّت الدنيا يدا
وقال مفدي:
فِـدَاءُ الْجَزَائِـرِ رُوحِي وَمَـالِي ... أَلَا فِــي سَبِيـلِ الْحُرِّيَّـة
لكن، الفرق شاسع، بين نص  مفدي زكريا، الذي عبر عن فلسفة حزب وطموح شعب واختيار أسلوب ثوري لنيل الاستقلال، ونص يعبر عن فكرة واحدة هي حب مصر والاستعداد للتضحية، وهذا طبيعي جدا، لأن مفدي فضلا عن كونه شاعرا فهو مناضل مؤمن بقضية نشط في السعي لتحقيق غاياتها.
أما النشيد المصري الجديد فقد تشابه مع النشيد الجزائري في مقامه الموسيقي عجم، الذي أبدع فيه سيد درويش ولعل هذا الانتقال من حزب الشعب إلى جبهة التحرير نضالا ونصا سبب العلاقة المتوترة، التي سادت بين السلطة الحاكمة آنذاك والشاعر، ويمكن القول إن وفاته خارج الوطن من أبرز المؤشرات الدالة على بلوغ هذا التوتر درجته الأقصى.  
يقول الشاعر في نشيد فداء الجزائر الذي عبر فيه عن رؤية حزب الشعب ونجم شمال إفريقيا:
فِـدَاءُ الْجَزَائِـرِ رُوحِي وَمَـالِي ..... أَلَا فِــي سَبِيـلِ الْحُرِّيَّـة
فَـلْيَحْـيَ حِـزْبُ الشَّعْبِ الْغَالِي ..... وَنَجْـمُ شَمَــالِ إِفْرِيقِيَّـة
وَلْيَحْيَ جُنْدُ الاِسْتِقْلاَلِ .....      مِثـَـالُ الْفـِـدَا وَالْوَطَنِيَّـة
وَلْتَحْيَ الْجَزَائِـرُ مِثْلَ الْهِلاَلِ ...  وَلْتَحْـيَ فِيهـَـا العَرَبيّة
سَلاَمًـا سَلاَمًـا أَرْضَ الْجُدُودْ ..... سَلَامًــا مَهْـدَ مَعَالِينـَـا
فَأَنْتِ أَنْتِ دَارَ الْخُلُودْ ..... غَرَامُكِ صـَـارَ لَنـَـا دِينــَـا
وَإِنَّـا حَوَالَيْكِ مِثْـلُ الْجُنُودْ ..... لِسَـانُ هـَـوَاكِ يُنَاجِينَـا
سَنَرْعَـى حُقُـوقَكِ مِثْـلَ الأُسُودْ ... وَلـَـوْ قَبَضُـوا بِتَرَاقِينـَـا
ففي مطلع النشيد تغنٍّ باستقلال الجزائر، وإشادة بحركة الاستقلال داخل الإطار المغاربي الشامل، الذي حدده حزب الشعب ونجم شمال إفريقيا، وينتقل الشاعر إلى البعد التاريخي المشترك بين الشعوب المغاربية فيقول:
سَـرَى بِالرُّوحِ دَمُ الْفَـاتِحِينَ ..... فَـأَذْكَـى فِيهَـا مَعَانِـي الْفِـدَا
نَخُوضُ الْكَوْنَ مَـعَ الْخَائِضِينَ ..... وَلاَ نَرْتَـدُّ وَلَـوْ بِـالـرَّدَى
وَنُعْلِي الصَّرْخَةَ فِي الصَّارِخِينَ ... نُـنَـادِي الْعِـزَّةَ وَالسُّـؤْدَدَا
فَلَسْنَـا نَرْضَى مَعَ الْعَالَمِيـنَ ....  حَيـَـاةً نَبْقَـى بِهَـا أَعْبُـدَا
وينتقد الشاعر بشدة، الأفكارالمهادنة للاستعمار مبرزا تعارض الاندماج مع الاستقلال، ويعلن عن الموقف الرافض للتجنيس الذي كان ضمن مطالب المهادنين فيقول:  
وَلَسْنَا نَـرْضَى الاِمْتِـزَاجَـا   وَلَسْنَـا نَرْضَـى التَّجْنِيسَـا
وَلَسْنَا نَرْضَـى الاِنْـدِمـَاجَـا ..... وَلاَ نَرْتـَـدُّ فَرَنْسِيسـَـا
رَضِينَا بِالإِسْـلاَمِ تَـاجـًـا ..... كَفـَـى الْجُهـَّـالَ تَدْنِيسَـا
فَكُلُّ مَنْ يَبْغِـي اعْوِجَـاجًـا ..... رَجَمْـنـَـاهُ كَـإِبْـلِـيسـَـا
ويعلن النشيد عن تفطن الحركة إلى سياسة فرق تسد، التي اعتمدها الاستعمار الفرنسي لتفريق المغاربة، فيقول مشيدا باتحاد الشعوب المغاربية دينا وتاريخا ومصيرا، فتصبح كلمة بلادي دالة على كل البلاد المغاربية:
خُلِقْنَا بِحُكْمِ الْهَـوَى إِخْـوَةً ..... فَتَبَّتْ يـَـدَا كـُـلِّ مَـنْ فَرَّقَـا
نُرِيدُ حَيَـاةً لَنَـا حُـرَّةً .....     كَفَانَا كَفَى مـِـنْ حَيَـاةِ الشَّقَـا
خُلِقْنَـا لِهَـذَا الْـوَرَى سَادَةً ...  وَنَجْـمُ الْهُـدَى عِنْدَنَـا أَشْرَقَـا
بِلاَدِي يَمِيـنًـا مُقَـدَّسَـة ..... سَنَرْعَى عُهُودَكِ طُـولَ الْبَقَـاء
ويختتم النشيد بالغايات الكبرى التي تطمح حركة الشعب الجزائري إلى تحقيقها فيحددها في العلا، الجهاد، الاستقلال و الحرية
ألاَ فِي طَرِيقِ الْعُلاَ سَعْيُنَـا ... أَلَا فِـي سَبِيلِ الْفِدَاء وَالْجِهَـادْ
لِيَسْطَعْ بِـأُفْـقِ السَّمَـاء نَجْمُنَا ... وَنُعْلِي الصَّرْخَةَ فِـي كُـلِّ وَادْ
فَهَـا هُـوَ ذَاكَ اللِّـوَا مُعْلَنًا ... حَمَلْنَاهُ ذَا الْيَـوْمَ فَـوْقَ الْفُـؤَادْ
وَهَا هُـوَ أَحْمَدُ يَحْدُو بِنَـا ...  وَهَـا هُـوَ جِبْرِيلُ فِينَا يُنـَادْ
أَلاَ فِي سَبِيـلِ الاِسْتِـقْـلاَلِ   ...   أَلَا فِي سَبِيـلِ الْحُـرِّيـَّـة
إن هذه المعاني، التي عبرت عن مبادئ حزب الشعب، قد اختفى معظمها في نشيد قسما الذي تبنته جبهة التحرير الوطني، حيث تم  التركيز على تحدي جبهة التحرير والشعب الجزائري للاستعمار الفرنسي بالكفاح المسلح.

أحمد عاشوري مؤلف كتاب عن الأغاني الثورية
الأغنية الوطنية لعبت دورا عظيما في تأجيج الثورة
نماذج عن أغان وأناشيد ثورية
."آي! قداش نفكر في الجزائر عادت حية!
دم الشبان مقطر، ومبزع في كل ثنية
شوفو الدمار اللي نطق حتى الحمار
فرنسا تحرق في الدوار،
 وتقول نحكم في الجندية!"
." ياهلال جديد!
متعلق كهلال العيد
آو هنا ماهوش بعيد
يتعلق في كل نحية"
"عادوا، من عادوا
عادوا بالنية
 خويا الحواتي جابنا الحرية
خويا الحواتي ماتجنيش في النهار
فرنسا الغدارة تضربك بالنار!"
"الله، الله
لا إله إلا الله
اطوالو الأيام علي
الجزائر دولة عربية "
" سي خليفة لقصيٌر
 طالع في العقبة ويزيًر
الرصاص مخير
يغني حزب الثوار.."
"نهار ترلي
الكبتور تدي وتولي
واللي يجي ماعادش يولي
 راديو يوزع لاخبار"
هذه بعض النماذج القليلة، التي جمعتها في كتابي الذي عنونته بعنوان «أغاني الجبال»، والذي قيدت فيه مجموعة من الأناشيد والأغاني الشعبية الثورية المختارة التي كانت تؤدى أثناء الثورة الجزائرية بخاصة في منطقة الشرق الجزائرية.
فعلا لقد لعبت الأغنية الثورية، دورا كبيرا في تأجيج الثورة، وأيضا في تسجيل أحداثها، وهكذا تحول الشعب الجزائري من شعب ثائر إلى شعب شاعر، وهي ميزة فريدة تميز بها هذا الشعب المرهف الإحساس.
 والأجمل في ذلك، فقد اختفى اسم الشاعر وأصبحت القصائد لا توقّع باسم شاعر ما، بل يمكن لكل موهوب أن يضيف للقصيدة ماشاء من أبيات وأن تؤدى بالطريقة التي تروق لأي مؤد، ولعبت المرأة دورا عظيما في تطور هذه الأغاني في التأليف والتلحين والأداء، وأصبحت مراكز جيش التحرير الوطني في الجبال مايشبه قاعات لأداء هذه الأغاني، إذ بعثت الحماس في نفوس المجاهدين والشعب.
وهكذا سجلت هذه القصائد ملاحم  رائعة حول معارك جيش التحرير وقيدت بطولات وسير المجاهدين والشهداء، مايؤكد على شعبية وإنسانية الثورة الجزائرية وهدفها السامي الطامح للحرية والانعتاق، كما أعطت الأغاني الثورية لهذه الثورة المتميزة بعدا جماليا رائعا ممزوجا بالألم الشفاف الذي يصنع روائع من الفن الإنساني الخالد.

شامة درويش / أستاذة مهتمة بالبحث في التراث الشعبي
رصد تاريخي لأهم وأبرز الأغاني الوطنية الثورية
يتطلب الإلمام بالأغاني الشعبية الوطنية والثورية، كثيرا من الجهد المتأني لأن معظم المواطنات الجزائريات كن يدندن حب الوطن، لكن وبشيء من التبسيط يمكن القول إن مفدي زكريا قد نشط هذا المجال،  بنشيد حزب نجم شمال إفريقيا سنة 1936 ووضع لحنه المطرب الجزائري الصحراوي الكبير الفنان عبد الحميد عبابسة فدّوى ذلك النشيد أرجاء الوطن الجزائري وكان انطلاقة حقيقية لكتابة الأناشيد الثورية الجزائرية،
ومما جاء فيه :
فداء الجزائر روحي ومالي ألا في سبيل الحرية
فليحي حزب الشعب الغالي  ونجم شمال إفريقية
وليحي جند الاستقلال  مثال الفدا والوطنية
ولتحي الجزائر مثل الهلال  ولتحي فيها العربية
ويعد نشيد الحركة الإصلاحية كذلك عاملا ثانيا من عوامل انتشار الأناشيد في الحياة الثقافية السياسية الثورية الجزائرية ولعل أشهر نص هو قول عبد الحميد بن باديس :
شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب ...أو رام إدماجا له رام المحال من الطلب
فبالنظر إلى الجانب الإيقاعي الخفيف المعتمد، في هذا البحر السهل المجزوء يتبين أن ابن باديس، كان يرمي من وراء هذه الكلمات إلى نشرها على أوسع نطاق، والتغني بها في شتى المحافل لما تحتويه من قيم جديدة مثلت نقلة نوعية في الوعي الوطنيّ الجديد.
ولقد ازدهرت الأناشيد السياسية الوطنية، والأغاني الشعبية الثورية بازدهار الحركة الكشفية الإسلامية خاصة، تلك الحركة التي غنت لاستقلال الجزائر بصوت عبد الرحمن عزيز (1920-1992) عملاق الغناء والنشيد الذي قال:
يا محمد مبروك عليك والجزاير رجعت ليك ... اللي علي راني عملتو باقي تعمل اللي عليك
خليت ليك الجمهورية  والمستقبل بين يديك ... راك خذيت المسؤولية  دم الشهدا يحاسب فيك
ومن الطبيعي، أن تفرض نفسها على الذاكرة مجموعة من الأغاني الشعبية الوطنية السياسية، التي كانت قمة في تصوير المعاناة التاريخية ومنها أغنية (الطيارة الصفرا)، التي صورت معاناة الجزائريين بسبب عنف محاربة الجيش الفرنسي للإرادة الشعبية التحررية باستعمال التكنولوجيا المتطورة وأبرزها الطائرة الصفراء المشؤومة التي أشارت إليها الأغنية الشعبية الثورية:
الطيارة الصفراء حبسي ما تضربيش ... عندي فرد أخي ولميمة ما تضنيش
وهي كلمات تتضمن خوف الجزائري من الفناء التام، وهو يستشعر خطر الانقراض، أو يقف مذهولا أمام الفارق الكبير بين أدوات العدوان الفرنسي المهولة وأدوات الدفاع الوطنية.
والملاحظ، هو أن الأناشيد كانت تنتشر وتحفظ بسرعة، كما أنها قامت بدور التعبئة الشاملة ومن أمثلة الأناشيد التي انتشرت إبان الثورة قول
رابح درياسة :
حزب الثوار وحنا امحينا الاستعمار
في جبل بوزقزة كي جات فرنسا تستهزا
حسبتنا خبزة وطحنا عليها بالرافال
فقد صارت تلك الأغاني والأناشيد، توثق للأماكن وتذكرها وتحرص على الإشادة بكل المناطق شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، لتجسيد اللحمة الوطنية التي حققتها الثورة التي جعلت دماء الجزائريين تنتمي للوطن وليس للجهات.
ولعل النشيد الشعبيّ، الذي انتشر أكثر على شكل أغنية جميلة هو (أنغام بلادي) أو (بلادي الجزائر)، الذي تغنى فيه بكل جهات الوطن من خلال الوصلات الموسيقية التي تمثلها، فقد عزفت كل جهة لحنها داخل إطار مقام عربي واحد هو البياتي ذلك المقام الشجي، إنه العمل الفني الذي أبدع فيه الشهيد علي معاشي (1927-1958):
يا ناس ما هو عزي الأكبر
لو تسألوني نفرح ونبشر
ونقول بلادي الجزاير
معاشي الذي استشهد بتاريخ الثامن جوان عام 1958 فاختيرت ذكرى إعدامه عيدا للفنان الجزائري، ليغدو الشهيد علي معاشي رمزا للفن والفنان والوطنية.
 إنه عمل كبير تنوع بين الثراء الموسيقي والثراء الثقافي، وصار عقبة أمام الفنانين يصعب تجاوزها ، غير أن نشيدا جميلا استطاع أن يبرهن على قدرته الإبداعية وهو(هامات المجد) للشاعر الكبير عمر البرناوي؛ وبتلحين أنجزه المرحوم شريف قرطبي (1935-2010) فجعل صداه يصل إلى عدد من الأقطار العربية وهو أمر كان منتظرا فقد صنف سنة 1983 أفضل نشيد وطني، وهو اليوم عمل فني محبوب عند الكبار والصغار.

عبد المالك زغبة / أستاذ جامعي وباحث في التراث الشعبي
الطيارة الصفرا مرثية خالدة من كفيفة لشقيقها
تعتبر الأغنية الشعبية الثورية، شكلا أخر للرفض، رفض الآخر أو المستعمر، بما يعكس الحمية الوطنية المفعمة بروح التضحية لأجل الحرية، وقد ارتبطت الأغنية الثورية بالأوساط الشعبية في المدن والقرى والأرياف، لما تتميز به من بساطة الأسلوب وسهولة الكلمات التي عادة ما يغلب عليها طابع الحزن المعبر عن آلام وآهات الثكالى والأمهات المفجوعات في أبنائهن أو أشقائهن أو أزواجهن.
تعتبر فكرة الاستقلال، من القضايا الكبرى التي ناضل لأجلها الشعب الجزائري، مطلع عقد العشرينات وترجم الفكرة إلى ثورة وصفها الشاعر السوري أدونيس، بأعظم ثورة في العالم العربي، عظيمة بشهدائها وأبطالها، الذين تغنوا بهم وتناقلوا بطولاتهم شفويا عبر الأغنية الوطنية والتي من أشهرها أغنية الطيارة الصفرا.فهذه الأغنية، هي مرثية وطنية حزينة تعبر عن حبّ الأخت لأخيها الشقيق الوحيد من أمّها وأبيها، وهي امرأة كفيفة فقدت البصر في الشهر السادس بعد الولادة بسبب مرض البياض، رأت النور أعالي جبال الحضنة يوم 17 ماي 1935م بقرية أولاد سيدي منصور الشهيدة التي تحصي أكثر من 70 شهيدا كما تعرف بتسمية القصابية حسب التسمية الشعبية المتعارف عليها، وهي جزء من النسيج الإداري والإقليمي لبلدية المعاضيد التي تتبع دائرة أولاد دراج بولاية المسيلة.
نوارة لعيايدة، المكناة عائشة أو عيشة حسب المنطوق الدارج بالمنطقة، وصل خبر استشهاد شقيقها إبراهيم لعيايدة عام 1959م بعد اشتباك مع العدو الفرنسي، دفين مقبرة الشهداء ببلدية غيلاسة من أبيها، أشتدّ الحزن بوالدتها وشقيقتها الأخرى، فقالت قصيدة تعبر عن مكنوناتها وهي تخاطب المقنبلة الفرنسية الأمريكية الصنع B6 المشهورة، عند الشعب الجزائري بلونها الأصفر، فسميت بـ «الطيارة الصفراء» التي تعتبر نواة الطائرة الأمريكية الفتاكة B26 السيئة السمعة.
تقول في مطلع القصيدة:
الطيارة الصفرا أحبسي ما تضربيش ...
نسعى رأس خويا والميمة ماتضنيش ...
نطلع للجبل نموت وما نرديش ....
الله الله ربي رحيم الشهداء ...
 ترددت كلماتها في الأعراس والجنائز والمشاتي والبراري والمناطق الجبلية وأضيفت لها أبيات على وزنها مثل:
طريق فرماتو وهب عليك الريح ...
جنود الشيخ العيفة موتى ومجاريح ...
الله الله ربي رحيم الشهداء ...
ساهمت فرقة السعادة بسطيف، في إعطائها ذاك الزخم الوطني، كما أداها الفنان عبد الغني تشير والخير بكاكشي، وأعادها الكثير ومازالت لم تفقد بريقها الثوري وامتدادها الوطني، بل واصلت انتشارها مغاربيا وعربيا بعد أدائها من قبل الطفل الفلسطيني وائل البسيوني، لأنّها تعبر عن القاسم المشترك عن الطبيعة الواحدة للاستعمار الفرنسي بالجزائر سابقا والاحتلال الصهيوني للأراضي المحتلة حاليا، ولا سبيل للحرية والاستقلال غير طريق الشهادة والتضحية.
انتقلت نوارة لعيايدة، إلى جوار ربّها يوم 10 ديسمبر 2010م، ودفنت في مقبرة برج الغدير ولاية برج بوعريريج، وأبيات القصيدة على النحو الآتي:
الطيارة الصفرا أحبسي ما تضربيش ... أحبسي ما تضربيش
نسعى رأس خويا ... الميمة ماتضنيش ... والميمة ماتضنيش
نطلع للجبل نموت ... نموت وما نرديش .... نموت وما نرديش
الله الله ربي رحيم الشهداء ... رحيم الشهداء
الجندي لي جانا وطرحنالوا الفراش ... وطرحنالوا الفراش
سمع فرنسا جات القهوة ما شربهاش ... القهوة ما شربهاش
ذاك الشيخ العيفة ... وأنا معرفتوش ... وأنا معرفتوش
الله الله ربي رحيم الشهداء ... رحيم الشهداء
طريق فرماتو وهب عليك الريح ... وهب عليك الريح
جنود الشيخ العيفة موتى ومجاريح ... موتى ومجاريح
الله الله ربي رحيم الشهداء ... رحيم الشهداء
خويا فارح للدنيا ويلا طالت بيه ... ويلا طالت بيه
الضيف اللي جانا طرحنالو لفراش ... طرحنالو لفراش
داوه الحركى القهوة ماشربهاش ... القهوة ماشربهاش
الله الله ربي رحيم الشهداء ... رحيم الشهداء
خويا فارح للدنيا ويلا طالت بيه ... ويلا طالت بيه
الضيف اللي جانا يكركر فالبرنوس ... يكركر فالبرنوس
هو سي عميروش وأنا ماعرفتوش ... وأنا ماعرفتوش
الله الله ربي رحيم الشهداء ... رحيم الشهداء
خويا فارح للدنيا ويلا طالت بيه ... ويلا طالت بيه
مشيت الواد الواد ولقيتو متخبي ... ولقيتو متخبي
قاللي اعقبي مانيشي حركي ... مانيشي حركي
الله الله ربي رحيم الشهداء ... رحيم الشهداء
خويا فارح للدنيا ويلا طالت بيه ... ويلا طالت بيه
وسي يالميمة اسي ماتبكيش ... اسي ما تبكيش
وليدك مجاهد رايح ما يوليش ... رايح وما يوليش

 

 


         

 

الرجوع إلى الأعلى