يرصد، أساتذة وباحثون في الأدب والتراث الشعبي، نماذج عن الأغاني والأناشيد الوطنية الثورية، باعتبارها رافدا من روافد النضال والكفاح المستميت أمام قوات المستعمر الفرنسي، لما كان لها من أثر في تقوية عزيمة الثوار وحشد هممهم بالجبال وساحات الوغى، كما ينقل ضيوف النصر في هذا الملف شذرات من الذاكرة الشفاهية لرجال ونسوة صدحن بحناجرهن في أغان معبرة تحمل قصصا إنسانية خالدة عن تاريخ الثورة الجزائرية وجرائم المستعمر الغاشم، على غرار أغنية «الطيارة الصفرا»، فضلا عن القصائد التحررية والأناشيد الوطنية لشاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا.
ملف من إعداد: عثمان بوعبدالله

الصديق بغورة / أستاذ الأدب العربي بجامعة المسيلة
مفدي زكريا بين حركتين ونشيدين
عرف مفدي زكريا (1908-1977) بلقب أول هو ابن تومرت، ثم اشتهر بلقب ثان هو (شاعر الثورة الجزائرية)، وبذل كل الجهود ليظل اسمه مرتبطا بجبهة التحرير والثورة، وقلما يشار إلى أنه كان الناطق الفني باسم الحركة الوطنية التي كان مصالي الحاج أبرز ممثليها والنشطين في كل مراحلها، والتي عبر عنها نشيدها المعروف (فداء الجزائر) من تأليف مفدي زكريا، وقد يكون لقب مفدي نسبة إلى النشيد الذي كتبه وعرف به في حياته النضالية قبل أن يعرف مناضلا نشطا في جبهة التحرير.
النشيد لحنه عبد الحميد عبابسة على مقام عجم وبالرجوع إلى النشيد المصري القديم الذي كتبه الرافعي واعتمد رسميا بين (1923-1936) نلاحظ تشابها في المطلع، فقد قال الرافعي:
اسلمي يا مصر إنني الفدا    ذي يدي إن مدّت الدنيا يدا
وقال مفدي:
فِـدَاءُ الْجَزَائِـرِ رُوحِي وَمَـالِي ... أَلَا فِــي سَبِيـلِ الْحُرِّيَّـة
لكن، الفرق شاسع، بين نص  مفدي زكريا، الذي عبر عن فلسفة حزب وطموح شعب واختيار أسلوب ثوري لنيل الاستقلال، ونص يعبر عن فكرة واحدة هي حب مصر والاستعداد للتضحية، وهذا طبيعي جدا، لأن مفدي فضلا عن كونه شاعرا فهو مناضل مؤمن بقضية نشط في السعي لتحقيق غاياتها.
أما النشيد المصري الجديد فقد تشابه مع النشيد الجزائري في مقامه الموسيقي عجم، الذي أبدع فيه سيد درويش ولعل هذا الانتقال من حزب الشعب إلى جبهة التحرير نضالا ونصا سبب العلاقة المتوترة، التي سادت بين السلطة الحاكمة آنذاك والشاعر، ويمكن القول إن وفاته خارج الوطن من أبرز المؤشرات الدالة على بلوغ هذا التوتر درجته الأقصى.  
يقول الشاعر في نشيد فداء الجزائر الذي عبر فيه عن رؤية حزب الشعب ونجم شمال إفريقيا:
فِـدَاءُ الْجَزَائِـرِ رُوحِي وَمَـالِي ..... أَلَا فِــي سَبِيـلِ الْحُرِّيَّـة
فَـلْيَحْـيَ حِـزْبُ الشَّعْبِ الْغَالِي ..... وَنَجْـمُ شَمَــالِ إِفْرِيقِيَّـة
وَلْيَحْيَ جُنْدُ الاِسْتِقْلاَلِ .....      مِثـَـالُ الْفـِـدَا وَالْوَطَنِيَّـة
وَلْتَحْيَ الْجَزَائِـرُ مِثْلَ الْهِلاَلِ ...  وَلْتَحْـيَ فِيهـَـا العَرَبيّة
سَلاَمًـا سَلاَمًـا أَرْضَ الْجُدُودْ ..... سَلَامًــا مَهْـدَ مَعَالِينـَـا
فَأَنْتِ أَنْتِ دَارَ الْخُلُودْ ..... غَرَامُكِ صـَـارَ لَنـَـا دِينــَـا
وَإِنَّـا حَوَالَيْكِ مِثْـلُ الْجُنُودْ ..... لِسَـانُ هـَـوَاكِ يُنَاجِينَـا
سَنَرْعَـى حُقُـوقَكِ مِثْـلَ الأُسُودْ ... وَلـَـوْ قَبَضُـوا بِتَرَاقِينـَـا
ففي مطلع النشيد تغنٍّ باستقلال الجزائر، وإشادة بحركة الاستقلال داخل الإطار المغاربي الشامل، الذي حدده حزب الشعب ونجم شمال إفريقيا، وينتقل الشاعر إلى البعد التاريخي المشترك بين الشعوب المغاربية فيقول:
سَـرَى بِالرُّوحِ دَمُ الْفَـاتِحِينَ ..... فَـأَذْكَـى فِيهَـا مَعَانِـي الْفِـدَا
نَخُوضُ الْكَوْنَ مَـعَ الْخَائِضِينَ ..... وَلاَ نَرْتَـدُّ وَلَـوْ بِـالـرَّدَى
وَنُعْلِي الصَّرْخَةَ فِي الصَّارِخِينَ ... نُـنَـادِي الْعِـزَّةَ وَالسُّـؤْدَدَا
فَلَسْنَـا نَرْضَى مَعَ الْعَالَمِيـنَ ....  حَيـَـاةً نَبْقَـى بِهَـا أَعْبُـدَا
وينتقد الشاعر بشدة، الأفكارالمهادنة للاستعمار مبرزا تعارض الاندماج مع الاستقلال، ويعلن عن الموقف الرافض للتجنيس الذي كان ضمن مطالب المهادنين فيقول:  
وَلَسْنَا نَـرْضَى الاِمْتِـزَاجَـا   وَلَسْنَـا نَرْضَـى التَّجْنِيسَـا
وَلَسْنَا نَرْضَـى الاِنْـدِمـَاجَـا ..... وَلاَ نَرْتـَـدُّ فَرَنْسِيسـَـا
رَضِينَا بِالإِسْـلاَمِ تَـاجـًـا ..... كَفـَـى الْجُهـَّـالَ تَدْنِيسَـا
فَكُلُّ مَنْ يَبْغِـي اعْوِجَـاجًـا ..... رَجَمْـنـَـاهُ كَـإِبْـلِـيسـَـا
ويعلن النشيد عن تفطن الحركة إلى سياسة فرق تسد، التي اعتمدها الاستعمار الفرنسي لتفريق المغاربة، فيقول مشيدا باتحاد الشعوب المغاربية دينا وتاريخا ومصيرا، فتصبح كلمة بلادي دالة على كل البلاد المغاربية:
خُلِقْنَا بِحُكْمِ الْهَـوَى إِخْـوَةً ..... فَتَبَّتْ يـَـدَا كـُـلِّ مَـنْ فَرَّقَـا
نُرِيدُ حَيَـاةً لَنَـا حُـرَّةً .....     كَفَانَا كَفَى مـِـنْ حَيَـاةِ الشَّقَـا
خُلِقْنَـا لِهَـذَا الْـوَرَى سَادَةً ...  وَنَجْـمُ الْهُـدَى عِنْدَنَـا أَشْرَقَـا
بِلاَدِي يَمِيـنًـا مُقَـدَّسَـة ..... سَنَرْعَى عُهُودَكِ طُـولَ الْبَقَـاء
ويختتم النشيد بالغايات الكبرى التي تطمح حركة الشعب الجزائري إلى تحقيقها فيحددها في العلا، الجهاد، الاستقلال و الحرية
ألاَ فِي طَرِيقِ الْعُلاَ سَعْيُنَـا ... أَلَا فِـي سَبِيلِ الْفِدَاء وَالْجِهَـادْ
لِيَسْطَعْ بِـأُفْـقِ السَّمَـاء نَجْمُنَا ... وَنُعْلِي الصَّرْخَةَ فِـي كُـلِّ وَادْ
فَهَـا هُـوَ ذَاكَ اللِّـوَا مُعْلَنًا ... حَمَلْنَاهُ ذَا الْيَـوْمَ فَـوْقَ الْفُـؤَادْ
وَهَا هُـوَ أَحْمَدُ يَحْدُو بِنَـا ...  وَهَـا هُـوَ جِبْرِيلُ فِينَا يُنـَادْ
أَلاَ فِي سَبِيـلِ الاِسْتِـقْـلاَلِ   ...   أَلَا فِي سَبِيـلِ الْحُـرِّيـَّـة
إن هذه المعاني، التي عبرت عن مبادئ حزب الشعب، قد اختفى معظمها في نشيد قسما الذي تبنته جبهة التحرير الوطني، حيث تم  التركيز على تحدي جبهة التحرير والشعب الجزائري للاستعمار الفرنسي بالكفاح المسلح.

أحمد عاشوري مؤلف كتاب عن الأغاني الثورية
الأغنية الوطنية لعبت دورا عظيما في تأجيج الثورة
نماذج عن أغان وأناشيد ثورية
."آي! قداش نفكر في الجزائر عادت حية!
دم الشبان مقطر، ومبزع في كل ثنية
شوفو الدمار اللي نطق حتى الحمار
فرنسا تحرق في الدوار،
 وتقول نحكم في الجندية!"
." ياهلال جديد!
متعلق كهلال العيد
آو هنا ماهوش بعيد
يتعلق في كل نحية"
"عادوا، من عادوا
عادوا بالنية
 خويا الحواتي جابنا الحرية
خويا الحواتي ماتجنيش في النهار
فرنسا الغدارة تضربك بالنار!"
"الله، الله
لا إله إلا الله
اطوالو الأيام علي
الجزائر دولة عربية "
" سي خليفة لقصيٌر
 طالع في العقبة ويزيًر
الرصاص مخير
يغني حزب الثوار.."
"نهار ترلي
الكبتور تدي وتولي
واللي يجي ماعادش يولي
 راديو يوزع لاخبار"
هذه بعض النماذج القليلة، التي جمعتها في كتابي الذي عنونته بعنوان «أغاني الجبال»، والذي قيدت فيه مجموعة من الأناشيد والأغاني الشعبية الثورية المختارة التي كانت تؤدى أثناء الثورة الجزائرية بخاصة في منطقة الشرق الجزائرية.
فعلا لقد لعبت الأغنية الثورية، دورا كبيرا في تأجيج الثورة، وأيضا في تسجيل أحداثها، وهكذا تحول الشعب الجزائري من شعب ثائر إلى شعب شاعر، وهي ميزة فريدة تميز بها هذا الشعب المرهف الإحساس.
 والأجمل في ذلك، فقد اختفى اسم الشاعر وأصبحت القصائد لا توقّع باسم شاعر ما، بل يمكن لكل موهوب أن يضيف للقصيدة ماشاء من أبيات وأن تؤدى بالطريقة التي تروق لأي مؤد، ولعبت المرأة دورا عظيما في تطور هذه الأغاني في التأليف والتلحين والأداء، وأصبحت مراكز جيش التحرير الوطني في الجبال مايشبه قاعات لأداء هذه الأغاني، إذ بعثت الحماس في نفوس المجاهدين والشعب.
وهكذا سجلت هذه القصائد ملاحم  رائعة حول معارك جيش التحرير وقيدت بطولات وسير المجاهدين والشهداء، مايؤكد على شعبية وإنسانية الثورة الجزائرية وهدفها السامي الطامح للحرية والانعتاق، كما أعطت الأغاني الثورية لهذه الثورة المتميزة بعدا جماليا رائعا ممزوجا بالألم الشفاف الذي يصنع روائع من الفن الإنساني الخالد.

شامة درويش / أستاذة مهتمة بالبحث في التراث الشعبي
رصد تاريخي لأهم وأبرز الأغاني الوطنية الثورية
يتطلب الإلمام بالأغاني الشعبية الوطنية والثورية، كثيرا من الجهد المتأني لأن معظم المواطنات الجزائريات كن يدندن حب الوطن، لكن وبشيء من التبسيط يمكن القول إن مفدي زكريا قد نشط هذا المجال،  بنشيد حزب نجم شمال إفريقيا سنة 1936 ووضع لحنه المطرب الجزائري الصحراوي الكبير الفنان عبد الحميد عبابسة فدّوى ذلك النشيد أرجاء الوطن الجزائري وكان انطلاقة حقيقية لكتابة الأناشيد الثورية الجزائرية،
ومما جاء فيه :
فداء الجزائر روحي ومالي ألا في سبيل الحرية
فليحي حزب الشعب الغالي  ونجم شمال إفريقية
وليحي جند الاستقلال  مثال الفدا والوطنية
ولتحي الجزائر مثل الهلال  ولتحي فيها العربية
ويعد نشيد الحركة الإصلاحية كذلك عاملا ثانيا من عوامل انتشار الأناشيد في الحياة الثقافية السياسية الثورية الجزائرية ولعل أشهر نص هو قول عبد الحميد بن باديس :
شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب ...أو رام إدماجا له رام المحال من الطلب
فبالنظر إلى الجانب الإيقاعي الخفيف المعتمد، في هذا البحر السهل المجزوء يتبين أن ابن باديس، كان يرمي من وراء هذه الكلمات إلى نشرها على أوسع نطاق، والتغني بها في شتى المحافل لما تحتويه من قيم جديدة مثلت نقلة نوعية في الوعي الوطنيّ الجديد.
ولقد ازدهرت الأناشيد السياسية الوطنية، والأغاني الشعبية الثورية بازدهار الحركة الكشفية الإسلامية خاصة، تلك الحركة التي غنت لاستقلال الجزائر بصوت عبد الرحمن عزيز (1920-1992) عملاق الغناء والنشيد الذي قال:
يا محمد مبروك عليك والجزاير رجعت ليك ... اللي علي راني عملتو باقي تعمل اللي عليك
خليت ليك الجمهورية  والمستقبل بين يديك ... راك خذيت المسؤولية  دم الشهدا يحاسب فيك
ومن الطبيعي، أن تفرض نفسها على الذاكرة مجموعة من الأغاني الشعبية الوطنية السياسية، التي كانت قمة في تصوير المعاناة التاريخية ومنها أغنية (الطيارة الصفرا)، التي صورت معاناة الجزائريين بسبب عنف محاربة الجيش الفرنسي للإرادة الشعبية التحررية باستعمال التكنولوجيا المتطورة وأبرزها الطائرة الصفراء المشؤومة التي أشارت إليها الأغنية الشعبية الثورية:
الطيارة الصفراء حبسي ما تضربيش ... عندي فرد أخي ولميمة ما تضنيش
وهي كلمات تتضمن خوف الجزائري من الفناء التام، وهو يستشعر خطر الانقراض، أو يقف مذهولا أمام الفارق الكبير بين أدوات العدوان الفرنسي المهولة وأدوات الدفاع الوطنية.
والملاحظ، هو أن الأناشيد كانت تنتشر وتحفظ بسرعة، كما أنها قامت بدور التعبئة الشاملة ومن أمثلة الأناشيد التي انتشرت إبان الثورة قول
رابح درياسة :
حزب الثوار وحنا امحينا الاستعمار
في جبل بوزقزة كي جات فرنسا تستهزا
حسبتنا خبزة وطحنا عليها بالرافال
فقد صارت تلك الأغاني والأناشيد، توثق للأماكن وتذكرها وتحرص على الإشادة بكل المناطق شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، لتجسيد اللحمة الوطنية التي حققتها الثورة التي جعلت دماء الجزائريين تنتمي للوطن وليس للجهات.
ولعل النشيد الشعبيّ، الذي انتشر أكثر على شكل أغنية جميلة هو (أنغام بلادي) أو (بلادي الجزائر)، الذي تغنى فيه بكل جهات الوطن من خلال الوصلات الموسيقية التي تمثلها، فقد عزفت كل جهة لحنها داخل إطار مقام عربي واحد هو البياتي ذلك المقام الشجي، إنه العمل الفني الذي أبدع فيه الشهيد علي معاشي (1927-1958):
يا ناس ما هو عزي الأكبر
لو تسألوني نفرح ونبشر
ونقول بلادي الجزاير
معاشي الذي استشهد بتاريخ الثامن جوان عام 1958 فاختيرت ذكرى إعدامه عيدا للفنان الجزائري، ليغدو الشهيد علي معاشي رمزا للفن والفنان والوطنية.
 إنه عمل كبير تنوع بين الثراء الموسيقي والثراء الثقافي، وصار عقبة أمام الفنانين يصعب تجاوزها ، غير أن نشيدا جميلا استطاع أن يبرهن على قدرته الإبداعية وهو(هامات المجد) للشاعر الكبير عمر البرناوي؛ وبتلحين أنجزه المرحوم شريف قرطبي (1935-2010) فجعل صداه يصل إلى عدد من الأقطار العربية وهو أمر كان منتظرا فقد صنف سنة 1983 أفضل نشيد وطني، وهو اليوم عمل فني محبوب عند الكبار والصغار.

عبد المالك زغبة / أستاذ جامعي وباحث في التراث الشعبي
الطيارة الصفرا مرثية خالدة من كفيفة لشقيقها
تعتبر الأغنية الشعبية الثورية، شكلا أخر للرفض، رفض الآخر أو المستعمر، بما يعكس الحمية الوطنية المفعمة بروح التضحية لأجل الحرية، وقد ارتبطت الأغنية الثورية بالأوساط الشعبية في المدن والقرى والأرياف، لما تتميز به من بساطة الأسلوب وسهولة الكلمات التي عادة ما يغلب عليها طابع الحزن المعبر عن آلام وآهات الثكالى والأمهات المفجوعات في أبنائهن أو أشقائهن أو أزواجهن.
تعتبر فكرة الاستقلال، من القضايا الكبرى التي ناضل لأجلها الشعب الجزائري، مطلع عقد العشرينات وترجم الفكرة إلى ثورة وصفها الشاعر السوري أدونيس، بأعظم ثورة في العالم العربي، عظيمة بشهدائها وأبطالها، الذين تغنوا بهم وتناقلوا بطولاتهم شفويا عبر الأغنية الوطنية والتي من أشهرها أغنية الطيارة الصفرا.فهذه الأغنية، هي مرثية وطنية حزينة تعبر عن حبّ الأخت لأخيها الشقيق الوحيد من أمّها وأبيها، وهي امرأة كفيفة فقدت البصر في الشهر السادس بعد الولادة بسبب مرض البياض، رأت النور أعالي جبال الحضنة يوم 17 ماي 1935م بقرية أولاد سيدي منصور الشهيدة التي تحصي أكثر من 70 شهيدا كما تعرف بتسمية القصابية حسب التسمية الشعبية المتعارف عليها، وهي جزء من النسيج الإداري والإقليمي لبلدية المعاضيد التي تتبع دائرة أولاد دراج بولاية المسيلة.
نوارة لعيايدة، المكناة عائشة أو عيشة حسب المنطوق الدارج بالمنطقة، وصل خبر استشهاد شقيقها إبراهيم لعيايدة عام 1959م بعد اشتباك مع العدو الفرنسي، دفين مقبرة الشهداء ببلدية غيلاسة من أبيها، أشتدّ الحزن بوالدتها وشقيقتها الأخرى، فقالت قصيدة تعبر عن مكنوناتها وهي تخاطب المقنبلة الفرنسية الأمريكية الصنع B6 المشهورة، عند الشعب الجزائري بلونها الأصفر، فسميت بـ «الطيارة الصفراء» التي تعتبر نواة الطائرة الأمريكية الفتاكة B26 السيئة السمعة.
تقول في مطلع القصيدة:
الطيارة الصفرا أحبسي ما تضربيش ...
نسعى رأس خويا والميمة ماتضنيش ...
نطلع للجبل نموت وما نرديش ....
الله الله ربي رحيم الشهداء ...
 ترددت كلماتها في الأعراس والجنائز والمشاتي والبراري والمناطق الجبلية وأضيفت لها أبيات على وزنها مثل:
طريق فرماتو وهب عليك الريح ...
جنود الشيخ العيفة موتى ومجاريح ...
الله الله ربي رحيم الشهداء ...
ساهمت فرقة السعادة بسطيف، في إعطائها ذاك الزخم الوطني، كما أداها الفنان عبد الغني تشير والخير بكاكشي، وأعادها الكثير ومازالت لم تفقد بريقها الثوري وامتدادها الوطني، بل واصلت انتشارها مغاربيا وعربيا بعد أدائها من قبل الطفل الفلسطيني وائل البسيوني، لأنّها تعبر عن القاسم المشترك عن الطبيعة الواحدة للاستعمار الفرنسي بالجزائر سابقا والاحتلال الصهيوني للأراضي المحتلة حاليا، ولا سبيل للحرية والاستقلال غير طريق الشهادة والتضحية.
انتقلت نوارة لعيايدة، إلى جوار ربّها يوم 10 ديسمبر 2010م، ودفنت في مقبرة برج الغدير ولاية برج بوعريريج، وأبيات القصيدة على النحو الآتي:
الطيارة الصفرا أحبسي ما تضربيش ... أحبسي ما تضربيش
نسعى رأس خويا ... الميمة ماتضنيش ... والميمة ماتضنيش
نطلع للجبل نموت ... نموت وما نرديش .... نموت وما نرديش
الله الله ربي رحيم الشهداء ... رحيم الشهداء
الجندي لي جانا وطرحنالوا الفراش ... وطرحنالوا الفراش
سمع فرنسا جات القهوة ما شربهاش ... القهوة ما شربهاش
ذاك الشيخ العيفة ... وأنا معرفتوش ... وأنا معرفتوش
الله الله ربي رحيم الشهداء ... رحيم الشهداء
طريق فرماتو وهب عليك الريح ... وهب عليك الريح
جنود الشيخ العيفة موتى ومجاريح ... موتى ومجاريح
الله الله ربي رحيم الشهداء ... رحيم الشهداء
خويا فارح للدنيا ويلا طالت بيه ... ويلا طالت بيه
الضيف اللي جانا طرحنالو لفراش ... طرحنالو لفراش
داوه الحركى القهوة ماشربهاش ... القهوة ماشربهاش
الله الله ربي رحيم الشهداء ... رحيم الشهداء
خويا فارح للدنيا ويلا طالت بيه ... ويلا طالت بيه
الضيف اللي جانا يكركر فالبرنوس ... يكركر فالبرنوس
هو سي عميروش وأنا ماعرفتوش ... وأنا ماعرفتوش
الله الله ربي رحيم الشهداء ... رحيم الشهداء
خويا فارح للدنيا ويلا طالت بيه ... ويلا طالت بيه
مشيت الواد الواد ولقيتو متخبي ... ولقيتو متخبي
قاللي اعقبي مانيشي حركي ... مانيشي حركي
الله الله ربي رحيم الشهداء ... رحيم الشهداء
خويا فارح للدنيا ويلا طالت بيه ... ويلا طالت بيه
وسي يالميمة اسي ماتبكيش ... اسي ما تبكيش
وليدك مجاهد رايح ما يوليش ... رايح وما يوليش


         

الرجوع إلى الأعلى