* زيغود قال لي إن العبرة في ذكاء الجنود وليس في كثرة عددهم

تنفرد النصر، بنشر شهادات حية وجديدة للمجاهد ابراهيم العياشي أو كما سماه الشهيد البطل زيغود يوسف «ابراهيم الفلفلي»، الذي شارك في هجمات 20 أوت 1955 بسكيكدة وكان رئيسا لفوج من المجاهدين زرع الرعب وسط العدو ولقنه درسا لن ينساه، من خلال سلسلة من العمليات قام بتنفيذها بنجاح ودقة عاليتين أربكت المعسكر الفرنسي وألحقت في صفوفه خسائر كبيرة في العدة والعتاد، ويروي في شهاداته للنصر كيف التقى بالشهيد زيغود يوسف لأول مرة وكلفه بصنع القنابل بواسطة الطين لتفجير مدخل ثكنة عسكرية وغيرها من النقاط.

النصر تنقلت إلى بيت المجاهد ابراهيم العياشي في بيته الكائن في بلدية فلفلة، حيث و رغم مرضه لكنه لما علم بأن الأمر يتعلق بتوثيق شهادات تاريخية أو كما سماها هو قضية وطن وافق أن ننقل شهادته عن مشاركته في هجمات 20 أوت 1955 بسكيكدة.
زيغود هو من أطلق علي اسم  ابراهيم الفلفلي
وفي بداية حديثه، راح المجاهد ابراهيم الفلفلي يروي تفاصيل كيفية الالتحاق بالحركة الوطنية، ثم برفاقه المجاهدين في الجبل، وكان ذلك في فترة الخلافات التي كانت سائدة بين المصاليين والمركزيين حيث كان حينها مسؤول ناحية، وقد اتصل بالمناضل خزوز الطاهر من أجل أن يبحث عن شخص موضع ثقة يكلفه بالبحث عن طريقة تمكنه من الالتحاق بالمجاهدين في الجبل، ولأجل هذا الغرض وحتى لا ينكشف أمره أوصاه بأن يحمل معه في مهمته هذه السجل التجاري بحكم أنه تاجر، وفي حال توقيفه من طرف العسكر الفرنسي يمكنه من الافلات منهم على أساس أنه متجه لاقتناء السلعة لمحله التجاري.
هاجمنا عدة مواقع وألحقنا خسائر بشرية فادحة في صفوف الفرنسيين  
وأضاف المتحدث، أنه صادف شخصا يدعى عمر طلعة ينادونه عمر لقسنطيني كلفني بجمع السلاح من قنابل ومتفجرات، وحينها تمكنت عن طريق قريب له يناديه باسم خالي من الحصول على كمية من الديناميت اقتينتها من أشخاص بسطيف سعر الوحدة ب5 دورو، وقد اشتريتها بأموال الاشتراكات التي كنت أجمعها من الجزائريين لفائدة الثورة.
وفي المرة الثانية، تحصلت على كمية من الخيط المستعمل في المتفجرات وتكفل بجلبها لي المدعو خالي بالمجان لما علم أنها للثورة حيث كان يراقب العمال المكلفين بإضاءة الميناء عندما يقومون بإعادة وضع المتفجرات في أماكن خاصة بعيدة عن المخزن، ويقوم هو بالتسلل إلى غاية الميناء وأخذها خفية عنهم ويتذكر أنه أحضر له 2 كلغ وكمية من اللواحق المستعملة في التفجير.
وتابع المتحدث يقول إنه قبل هجمات 20 أوت 1955 التقى بمبعوث زيغود يوسف المسمى السعيد بوشامة، وطلب منه أن ينتظره يومين ثم عاد رفقة مسعود بن غرس الله و شخص يدعى شريط طايشي، ولما وصلنا إلى مزرعة قرب منطقة الزمان التاريخية بأعالي بلدية بوشطاطة وصلهم خبر وفاة محمود نفير بطائرة هيليكوبتر، بينما نجا من الموت شخص يدعى لقسنطيني.
ويروي المتحدث، أنهم توجهوا بعدها إلى منطقة الزمان حيث تم وضع كل فوج في مكان معين، وكان حينها يقود فوجا يتكون من سبعة مناضلين بعدها نادى عليه أحمد زيغود وقال من يملك بطاقة تعريف يسلمها لنا، ولما قرأ اسمي نظر نحوي وقال من اليوم سيكون اسمك «ابراهيم الفلفلي» وكل من كانوا في الافواج قام بتغيير أسمائهم.
وأكد المتحدث، أن زيغود يوسف عاد ليتصل به بعد يومين، والتقى به بمفرده، وأخبره أنه لا بد من فك الحصار عن الولاية الأولى قائلا: « كل شجرة في الأوراس بعسكري وكل حجر بعسكري لدرجة قطع عنهم الماء» حينها رفعت رأسي وأجبته بأني موافق، ورجعت مباشرة لأخبر الجماعة بالأمر، بقينا ننتظر إلى غاية الشروع في عملية اختيار المسؤولين ورؤوساء الأفواج حيث حضر وقتها بشير بوقادوم، وإسماعيل زيقات، وأحمد زيغود الذي اختارني كمسؤول عن الفوج، و كلفني بتنفيذ عمليات على مستوى المنطقة وبالتحديد بميناء العالية، وأتذكر أن اسماعيل زيقات طلب مني تحطيم المنازل بعد الانتهاء من المهمة، بينما زيغود يوسف قالي لي « عليك بمسح المكان ولا تترك أي شيء».
وأكد المتحدث أن انعدام السلاح هو المشكل الأساسي الذي صادفهم، و أتذكر أنه كانت بحوزتي بندقية جديدة أخذتها غنيمة من جماعة الجزائر فرنسية لما هاجمناهم، وقد طلب مني زيغود في 17 أوت 1955 التكفل بمهمة جمع السلاح وفي آخر المطاف تمكنت من جمع 35 بندقية وكان من ضمن المواطنين من رفض منحي بندقيته ومنحني 300 دج بدلا منها لكنني رفضت و أخذت البندقية والنقود معا!
ويضيف المتحدث، أن زيغود يوسف كان شديد الحرص على السرية في التعامل لدرجة أنه طلب مني عند المجيء عنده أن يرافقني شخصان فقط، ولما التقيت به أخبرني بأن موعد تنفيذ الهجمات سيكون يوم 20 أوت 1955 على الساعة منتصف النهار، وشدد ألا أخبر أي شخص بالأمر سوى نائبي في الفوج وفقط كما كنا في منطقة الزمان يمنع على أي أحد أن يسأل الآخر عن اسمه أو وجهته أو منطقته.
وتابع المتحدث، رجعت إلى فلفلة وتفكيري لا يتوقف عن طريقة تنفيذ الهجوم والقيام بالمهمة بنجاح ووضعت عدة سيناريوهات حول امكانية تعرضنا للهجوم من طرف العدو الفرنسي من ناحية عزابة لأن منجم الرخام كان يتمركز فيه جنود الاحتلال وكذلك موقع الميناء كان أيضا يتواجد فيه عمال مسلحون، فقمت بتشكيل أربعة أفواج تم توزيعهم على مناطق دم البقرات بناحية عزابة بقيادة يوسف بوحجة ومساعده شريط طايشي، وفوج ثاني إلى منجم الرخام بقيادة ابراهيم ويشاوي ومحمد خزوز وكذلك فوج ثالث بمنطقة العالية كنت أقوده برفقة مساعدي محمد هرموش وقد أعطيت تعليمات لفوج يوسف بوحجة بالهجوم والفرار (كر وفر) لأنه في حالة قدوم جنود العدو من ناحية دم البقرات سيجد أمامه فوج عزابة وبالتالي سيجد صعوبة في الوصول لسكيكدة، و فوج آخر إلى منطقة تسمى ورشة الميكانيك بقيادة علي بوحجة.
وأكد المتحدث، أن يوم 20 أوت 1955 قمنا بمهاجمة عدة مواقع للعدو منها عمارة تسمى جورج بوش يقطنها فرنسيون كانوا مسلحين بمسدسات 8 ملم، وموقع ثاني بالمحجرة ومخمرة ثم أرسلت فوجا آخر لنصب كمين بمدخل منطقة العالية بقيادة عميرة عمران ومحمد مقران وكانت حصيلة القتلى ثقيلة في صفوف العدو كما غنمنا في هذا الهجوم 20 صندوقا من المتفجرات كل صندوق يزن 50 كلغ و25 علبة من الذخيرة كل علبة ب100 وحدة غيرها من الغنائم، بالإضافة إلى أدوية ومستلزمات وعتاد طبي وجدناها في عيادة صحية ثم انسحبنا إلى جبال منطقة فلفلة حيث وجدنا الجنود الفرنسيين وهناك اضطررنا إلى اخفاء الغنائم واكتفينا بصندوق واحد فرقته على الجنود.
وتابع المتحدث، أنه وجنوده عرفوا كيف يتفادون العدو وتوجهوا بعدها إلى الروضة، ولسوء الحظ تمكن المستعمر من القبض على أحد المناضلين فأخبرهم بمكان تواجدنا فتعرضنا بعدها للقصف بأربع طائرات حيث كان الرصاص يسقط فوق رؤوسنا بشكل مذهل، ولحسن الحظ لم يصب أي واحد فينا ولما غادرت الطائرات نهضنا وتوجهنا إلى مكان غابي بالقرب من منطقة دم البقرات وهناك نصب لنا العدو كمينا ولما سمع زيغود يوسف الأمر بعث لنا مناضلا لنتوجه إلى الكدية بالقرب من منطقة الزمان وهناك سلمنا لزيغود الأشياء التي غنمناها وأخبرته أني في حاجة إلى مزيد من الجنود وكانت اجابته بأن الأهم أن يكون الجنود أذكياء وليس المطلوب أن يكونوا كثرا.
فجرنا ثلاث قنابل في عنابة بتكليف من زيغود يوسف
بعد 20 أوت 1955، تنقلت بالفوج إلى نواحي بلدية بن عزوز بالجهة الشرقية للولاية، ومكثنا هناك إلى غاية 30 سبتمبر حيث وصلتني رسالة من زيغود يوسف مكتوبة باللغة الفرنسية يطلب فيها مني التوجه إلى المنطقة الثالثة بعنابة وحينها كانت بحوزتي ثلاث قنابل من صنع محلي سلمها لي المدعو علي لقسنطيني قمنا تفجيرها في مواقع حساسة بالمدينة حيث يتواجد العدو بكثرة على مستوى المخمرات الأولى في لاكولون، والثانية في انستاليا والثالثة بمحطة القطار كبدت فرنسا خسائر كبيرة في الأرواح وجعلتها تعيش أياما عصيبة ولم تدر ما تفعل وتسارع في كل الاتجاهات بحثا عنا حيث قامت فرنسا بعد هذه العملية، بحشد قوة عسكرية كبيرة من الولاية الأولى، وقاموا بمحاصرة جبال القل من أجل البحث عن منفذي التفجيرات، لكنها فشلت في وقت توجهنا إلى المكان المسمى بوقنطاس في منطقة سرايدي حيث استقبلنا جموعا غفيرة من الشعب فرحا بما حققناه، وقدموا لنا معلومات مهمة عن تردد ضباط فرنسيين على الثكنة فقررنا تنفيذ كمين للعساكر وقتلنا العديد منهم وكان رد فعلهم عنيفا بمهاجمتنا، لكننا نجحنا في الخروج سالمين من هذه العملية.
وروى لنا المتحدث، عملية أخرى وقعت في عنابة داخل حافلة على متنها كاتب عام وجنود فرنسيون ويهودي متوجهة لمنطقة شاطيبي عندما حاول اليهودي التنكر في زي عربي من خلال ارتداء عمامة سرقها من جزائري حتى لا ينكشف أمره من طرف المجاهدين لكن مناضلينا كانوا أكثر فطنة يتابعون المشهد من بينهم بن غرس الله، و عمار طلعة حيث تم قتل العساكر وأخذ السلاح وانتظرني أعضاء الفوج هناك لألتحق بهم بعد تنفيذهم للعملية.
صنعت متفجرات من الطين وزيغود أراد الهجوم على ثكنة عسكرية للعدو قبل التوجه لمؤتمر الصومام
وتحدث ابراهيم العياشي، عن عملية أخرى قبل مؤتمر الصومام حيث كان زيغود يريد الهجوم على ثكنة عسكرية قبل التوجه إلى المؤتمر حيث سأل عني وطلب حضوري بعد أن أخذ انطباعا جيدا عن شخصي وأتذكر أن مجموعة عارضت فكرة الهجوم من أمثال علي كافي وصوت العرب وكحل الراس خوفا من تكبد خسائر كبير في صفوف المجاهدين وفي الأخير سألني زيغود عمن يحسن صنع القنابل والمتفجرات، فأخبرته أن جميع مناضلي منطقة فلفلة يحسنون صنعها فوقع الاختيار على شخصي وطلبت أن يحضر لي الطين المسال المستعمل في صناعة الفخار، فاتفقنا حول كيفية تفجير الجدار.
زيغود تنكر في زي راعي غنم لمعاينة ثكنة العدو والتخطيط للهجوم
وأضاف المتحدث أن زيغود يوسف تنكر في زي راعي غنم بغرض معاينة مكان تمركز العسكر الفرنسي والتخطيط للهجوم لكن في الأخير العدو اكتشف أمرنا فأرسل لنا مجموعة من السينغاليين، ودخلنا معهم في اشتباك وتمكنا من قتل عدد منهم فيما أصبت بجروح في ساقي اليمنى، ولما سمع زيغود قال لجماعته أنه لن يتحرك من المكان وسيتوجه عند الفلفلي لمساعدته لكن علي منجلي تدخل وأقنعه بمواصلة السير خوفا من وصول الجنود الفرنسيين والطائرات قبل أن يتم نقلي إلى مكان آمن تحت وابل من قصف قنابل العدو ومنها توجهت إلى تونس للعلاج.
ابراهيم الفلفلي لم يتمكن من مواصلة سرد بطولاته في هذه الهجمات بسبب مرضه واضطر إلى المغادرة ووعدنا بلقاء آخر يكشف فيه تفاصيل جديدة عن هذه الهجمات.
حاوره:كمال واسطة

 

الرجوع إلى الأعلى