أكد مختصون في الصحة، بأن ثقل المحافظ المدرسية يهدّد صحة الأطفال و المراهقين، بدليل تزايد حالات الإصابة باعوجاج العمود الفقري بينهم، ما يضعنا أمام تهديد صريح للصحة العمومية، خصوصا و نحن نتحدث هذا الموسم فقط، عما يزيد عن 10 ملايين تلميذ، مسجلين في الأطوار التعليمية الثلاثة.

إعداد: هدى طابي

و تتوالى المطالب بضرورة تدخل البلديات لتوفير خزائن و رفوف داخل الأقسام، كحل مبدئي للمشكل، لأن الحديث عن مشروع رقمنة التعليم، طويل الأمد، والتحدي الآني يفرض ضرورة مراجعة المناهج عبر إشراك الفاعلين في المجال الصحي و الأرغونوميين في هذه المهمة، لضمان تخفيف وزن المحفظة عبر حذف المحتويات المتعلقة بالدروس التي يقدمها الأستاذ، وإدراجها ضمن مخططات حصص التعلم للأساتذة أو تعويضها بسندات جماعية، مع مراجعة العدد «المبالغ فيه» من المواد التعليمية والاكتفاء بالمواد الضرورية وإعادة النظر في نظام تقييم التلاميذ في انتظار ضبط إستراتيجية وطنية لرقمنة التدريس، سبق و أن أعلنت عنها السلطات العليا للبلاد.
نحو مراجعة مناهج الطور الابتدائي و رقمنة القطاع
أعطى مؤخرا رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تعليمات بضرورة تخفيف ثقل المحافظ المدرسية، حيث أعلن بهذا الخصوص وزير التربية الوطنية عبد الحكيم بلعابد منتصف شهر سبتمبر الماضي، عن إطلاق برنامج لمعالجة المشكل من خلال تعميم استخدام السبورة الإلكترونية والألواح الرقمية، ناهيك عن تخفيف المناهج كخطوة أولى، مع استعمال الأدراج و اللجوء إلى حلول جذرية عبر إعادة النظر في برامج التعليم الابتدائي، و اعتماد أشكال و مضامين مغايرة للكتب.
ورغم توفر الإرادة السياسية و الجدية في الطرح، يرى بعض المتابعين، بأن هذا المسعى غير قابل للتجسيد أو على الأقل التعميم وطنيا خلال الآجال القريبة، بسبب مشكل ضعف تدفق الإنترنت و غياب الشبكة في المناطق البعيدة و النائية، ولذلك فإن المطلب الحالي مرتكز بالخصوص على العودة إلى النظام القديم في الأقسام و توفير خزائن خاصة، يشرف عليها المعلمون، أو على الأقل توفير رفوف للتلاميذ بهدف تقليص حجم محتويات الحقيبة و تجنب حمل كل ما يتطلبه البرنامج اليومي من كتب و كراريس.
منحنى تصاعدي للإصابات باعوجاج الظهر

طرح موضوع ثقل الحقيبة المدرسية بإلحاح في السنوات القليلة الأخيرة، إذ يعتبر من السلبيات التي أفرزتها عملية مراجعة المناهج التربوية، لأن تعدد المقررات و تكثيف البرنامج الساعي، ضاعف ثقل المحافظ التي تحولت بمرور الوقت إلى قضية للنقاش على المستوى الوطني، خصوصا في ظل التزايد الملحوظ لمعاناة التلاميذ من مشكل آلام الظهر و اعوجاج العمود الفقري، كما أكدت منسقة الصحة النفسية بوحدة المتابعة للطب المدرسي بالخروب، الأخصائية نسيمة صحراوي، مشيرة إلى أن المعاينات الدورية للتلاميذ، تبين بأن 70 بالمئة من الأسباب، مرتبطة مباشرة بثقل الحقيبة و كثافة البرنامج الدراسي اليومي الذي يصل في بعض الأحيان إلى تدريس مواد تستغرق خمس ساعات متتالية.
و أكدت من جهتها الطبيبة بوحدة المتابعة للطب المدرسي، دوريا خلفاوي، بأن تزايدا معتبرا في الإصابة باعوجاج العمود الفقري سجل بين التلاميذ خلال الست سنوات الأخيرة، و يطرح المشكل عموما ابتداء من السنة الثالثة ابتدائي.
و أضافت الطبيبة، بأن المعاينات الدورية للتلاميذ لا تخلو من تسجيل حالات مماثلة، و يوجد تلاميذ يرتدون مشدات للظهر لأجل تقويم الاعوجاج، و يرجع أباؤهم سبب معاناتهم إلى ثقل الحقيبة، كما قدمت الدكتورة خلفاوي، ملاحظة تتعلق بضآلة حجم الجيل الحالي من المتمدرسين، و قالت بأن معظمهم يعانون من نقص الوزن و قصر القامة.
و أوضحت بأن أوزان بعض تلاميذ السنتين الثالثة والرابعة ابتدائي مثلا، لا تزيد عن 20 إلى 22 كلغ، لكنهم يضطرون أحيانا لحمل حقائب وزنها يعادل 10 كلغ، وهو تحديدا ما يسبب لهم آلاما في الظهر و اعوجاجا في العمود الفقري.
و بينت أرقام سجلت بين سنتي 2016 و 2017 بوحدة المتابعة للطب المدرسي بوهالي السعيد بقسنطينة، أن 23 تلميذا يعانون من مشكل اعوجاج العمود الفقري، وهو رقم ارتفع بين سنتي 2017 و2018 إلى 26 حالة، و قدر بـ 30 حالة بين سنتي 2018 و2019، كما بلغ العدد في الفترة الممتدة بين سنتي 2020و 2021 ، 35 حالة.
ورغم محاولات الأساتذة و المعلمين للتخفيف من وطأة المشكل، عن طريق الاحتفاظ ببعض الكتب و الكراريس، أو السماح للتلاميذ بترك المحافظ داخل الأقسام بين الفترتين الصباحية والمسائية، إلا أن الأمر يبقى غير كاف، حسب المتحدثة، خصوصا و أن حجم معظم الكراريس يتراوح بين120 إلى 282 صفحة، وعددها يكون مضاعفا داخل الحقيبة بين الحين والآخر، بالنظر إلى طبيعة المواد و الحصص المبرمجة طيلة النهار.
و عليه تقترح الطبيبة، تقليص حجم الكتب المدرسية و تقسيم الكراريس حسب الفصول، من خلال اعتماد كراس صغير لكل ثلاثي بدل كراس واحد للسنة الدراسية، كما تنصح التلاميذ بحمل الحقائب على مستوى البطن أحيانا لتخفيف الثقل على الظهر والمشي بطريقة سليمة و صحيحة.
آلام الظهر والرقبة أكثر الأعراض شيوعا
بين استطلاع ميداني أجرته النصر، بعدد من مدارس قسنطينة، بأن آلام الرقبة والكتفين و الظهر و أسفل الظهر شائعة بين الكثير من التلاميذ، و تحدث البعض منهم عن آلام على مستوى الذراعين كذلك.
بهذا الشأن قالت ندى، تلميذة في السنة الخامسة ابتدائي بمدرسة قربوعة عمار، بأنها تعاني من آلام في منطقة أسفل الظهر منذ عامين تقريبا، و أنها كثيرا ما ترفض حمل المحفظة بسبب ثقلها و بسبب اضطرارها للانحناء إلى الأمام خلال المشي، كلما وضعتها على ظهرها، لذلك باتت تفضل أن يقلها والدها بسيارته لكي تتخلص من العبء، علما أن والدتها موظفة، و بالتالي فإنها تحمل معها يوميا كتب و كراريس الفترتين الصباحية والمسائية، لتعذر عودتها إلى البيت خلال ساعة الراحة.
المحافظ القابلة للجر كبديل مؤقت
قالت السيدة ليندة، والدة تلميذ بمتوسطة بعلي منجلي، بأن ابنها البالغ 14 عاما، عانى فعلا من آلام في الظهر والرقبة، لكنها لم تهتم للأمر و ربطته بإدمانه على الهاتف و الألعاب الإلكترونية وبطول قامته الملحوظ، غير أن طبيبا عاما بوحدة الكشف والمتابعة للصحة المدرسية، أكد خلال معاينة التلميذ بأنه يعاني من اعوجاج في العمود الفقري، بعدما طلب فحصا عن طريق الأشعة و آخر يخص صحة القلب، مشيرة إلى أن الطفل يرتدي حاليا مشدا طبيا وصفه له الطبيب،و تم انجازه خصيصا له من وحدة الخروب التابعة للديوان الوطني للأعضاء الاصطناعية للمعاقين و لواحقها « أوناف» .
أمهات أخريات كن يرافقن أبناءهن، طرحن أيضا قضية صندوق اللمجة الذي يضاف إلى محتويات الحقيبة، و أوضحن بأنهن يحملن حقائب أبنائهن عادة خلال اصطحابهم إلى المدرسة، و تساءلن عن سبب اختفاء الخزائن والرفوف التي طالما كانت موجودة بالمدارس خلال سنوات تمدرسهن الأولى، مؤكدات، بأن هناك كراريس لم تكن تمنح أبدا للطفل سابقا، على غرار كراس القسم ذي الغلاف الأحمر من 96 صفحة.
و قالت إحداهن، بأنها لا تفهم سبب مبالغة المعلمين في طلب بعض الكراريس كبيرة الحجم من 228 صفحة، خصوصا وأن جزءا كبيرا منها يبقى فارغا في نهاية كل سنة.
خلال جولتنا بين الابتدائيات، لاحظنا بأن المحافظ القابلة للجر بعجلات صغيرة، موضة رائجة هذه السنة بين التلاميذ، إلى جانب المحافظ المزودة بحقائب منفصلة مخصصة للمجة.
في حين تبقى الحقائب الأكثر استخداما بين التلاميذ هي المحمولة على الظهر و أغلبها منتجات صينية وإسبانية مصنوعة من الأقمشة المسترجعة، و تتراوح أسعارها بين 1200 إلى 2500دج.
في المقابل تصل أسعار الحقائب الألمانية والإيطالية الخفيفة المصنوعة من الألياف و الجلد، إلى 8000 دج حتى مليون سنتيم وأكثر أحيانا، و هي ليست في متناول الأغلبية العظمى من التلاميذ بسبب سعرها الباهظ .
اجتهادات الأساتذة لتخفيف العبء

ترى أستاذة اللغة الإنجليزية فتيحة حدة عزري، بأن الحل لا يكمن فقط في اختيار الحقيبة المناسبة، بل يتوجب على الأساتذة والمعلمين الاجتهاد أكثر، لأجل إيجاد بدائل مؤقتة تساعد على التقليص من حجم الكراريس الموجهة للمادة الواحدة، و ذلك عن طريق إعداد ملخصات عامة للدروس و اعتماد كراس واحد للمادة التعليمية مع كناش صغير للملاحظات مثلا.
و أوضحت المتحدثة، بأن هذا الإشكال يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار و بصفة مستعجلة وجدية من قبل المعلمين، لأن الوزارة لا تلزم الأستاذ بالاعتماد على عدد معين من الكراريس المقترحة في القائمة السنوية للأدوات، بل تمنحه حرية اعتماد أسلوب التدريس الذي يراه مناسبا، وهو ما يفتح أمامه المجال لتخفيف ثقل الكتب والكراريس على التلاميذ، بالطريقة التي يراها مناسبة.
و أضافت، بأن عملية إعداد البرامج التعليمية يجب أن تعرف تحيينا، حيث يتم تقليل عدد الكتب المخصصة لكل مادة، و توفير كتاب واحد يضم الدرس والتمرين معا، كما كان معمولا به في النظام التعليمي السابق، بدل اعتماد كتابين منفصلين للمراجعة و للتمارين، كما هو مفروض حاليا.
وزن المحفظة يشكل 11.69 بالمئة من وزن التلميذ
حسب دراسة أجريت على عينة تتكون من 81 تلميذا، أعدت سنة 2020، من قبل الأستاذ بجامعة الوادي محمد رضا شنة، حول مدى ملاءمة الحقيبة المدرسية لتلاميذ الابتدائي، من خلال حساب نسبة وزن الحقيبة، مقارنة بوزن التلميذ، فإن معدل وزن الحقيبة المدرسية التي يحملها كل تلميذ هو 2.33 كلغ، علما أن نسبة أوزان حقائب 66.66 بالمئة من أفراد العينة، تقدر عموما بـ 11.69 بالمئة، و هي نسبة تتجاوز ما تنصح به الكثير من الدراسات التي تقدر الحجم المثالي بـ 10 بالمئة من وزن الطفل.
و استنادا إلى نتائج متابعة أفراد العينة، اتضح وفقا للدراسة، بأن الحمل الزائد للحقيبة المدرسية لفترة تزيد عن 20 دقيقة ولمسافات بعيدة عن المدرسة ذهابا وإيابا، يسبب آلاما في الرقبة والذراعين والكتفين و أسفل الظهر، كما يسبب ضغطا على القلب والرئتين، نتيجة تشوه الهيكل العظمي والعمود الفقري، كما ذكرت الدراسة، بناء على آراء أطباء ساهموا في إثرائها، بأن هذه المضاعفات لا تظهر مباشرة على الأطفال، بل تظهر بمرور الوقت، خصوصا وأن ظروف التنقل نحو المدارس تختلف، كما تختلف أيضا المسافة المقطوعة و الوقت الذي يستغرقه الطفل في الطريق، إذا كان يقطع هذه المسافة مشيا أو عبر وسائل النقل، وهي عوامل مرتبطة عموما بالمستوى الاقتصادي و اختلاف ظروف العيش في المدن و الأرياف و القرى .
جاء في الدراسة أيضا، أن مشكل ثقل حقيبة الظهر مطروح على المستوى العالمي، وليس في الجزائر فقط، و قد أعدت حوله العديد من البحوث مثل الدراسة الأمريكية التي نشرت في موقع موسوعة صحة وطب الأطفال» طبيب كوم»، بعنوان «حقيبة المدرسة تكسر الظهر ، وقد سبق وأن أشارت لجنة سلامة المستهلك الأمريكي، إلى أن غرف طوارئ في الولايات المتحدة الأمريكية استقبلت في عام 2009، عددا كبير من التلاميذ يعانون من آلام و التهابات في الظهر، لها صلة بحمل الحقائب المدرسية».
دعوة إلى إشراك الأرغونوميين في إعداد المناهج
خلصت الدراسة التي قام بها الأستاذ محمد رضا شنة، في مجملها، إلى عدم ملاءمة الحقيبة المدرسية لتلاميذ المرحلة الابتدائية، و تبين من خلال تفريغ جدول بيانات العينة، بأن معدل وزن الحقيبة المدرسية التي يحملها الأطفال هو 2.33 كلغ، مع تسجيل تفاوت في بعض الأيام، سببه تنوع البرنامج الدراسي، فهناك حقائب قدر وزنها بـ 1.2 كلغ و أخرى وصل حتى 4 كلغ، كما تراوح وزن حقائب أخرى بين 3.9 كلغ و 3.7 كلغ.  علما أن الأمر لا يتعلق فقط بحمل الكتب والكراريس، بل يشمل حمل علب اللمجة « ماء و طعام»، و تأثير الثقل يزيد حسب الحركة، فبعض التلاميذ يميلون إلى الركض، كما أن لصعود السلالم أو الدرج تأثيرا مضاعفا، وعليه اقترح الباحث، العمل على تكثيف الدراسات التي تعنى بهذا الشأن لتشمل أكبر عدد ممكن من الإبتدائيات في الجزائر، مع إشراك الأرغونوميين، وهم فئة من المختصين في مجال البيئة المدرسية و صحة وسلامة المعلمين و المتعلمين، في علمية إنجاز المناهج التعليمية و التربوية التي تتماشى مع القدرات المعرفية و البدنية لتلاميذ المرحلة الابتدائية. ودعا الباحث، إلى جانب أطباء ومختصين ساهموا في إثراء الدراسة، إلى حذف المحتويات المتعلقة بالدروس التي يقدمها الأستاذ و إدراجها ضمن مخططات حصص التعلم للأساتذة، أو تعويضها بسندات جماعية أو وسائل رقمية، مع مراجعة العدد «المبالغ فيه» من المواد التعليمية والاكتفاء بالمواد الضرورية و إعادة النظر في البرامج والمناهج الدراسية ونظام تقييم التلاميذ.

مواصفات الحقيبة المناسبة و الصحية
دراسة ثانية استندت إليها وزارة التربية قبل سنتين، حددت مواصفات الحقيبة المدرسية المناسبة، حيث يكون ارتفاعها 40 سم وعرضها 28 سم وعمقها 12 سم بالنسبة لتلاميذ التعليم الابتدائي، مع مراعاة البنية الجسمانية للتلميذ.
وبالنسبة للتعليم المتوسط اقترح المختصون، أن يكون ارتفاع المحفظة 45 سم وعرضها 30 سم وعمقها 12 سم، مع مراعاة البنية الجسمانية للتلميذ.
كما نصحت نفس الدراسة بضرورة توفر الحقيبة المدرسية على جيوب متعددة، لتحقيق التوازن، و ألوان عاكسة للضوء تسمح للسائقين برؤية الطفل، على أن يكون الجزء الخلفي منها جامدا ومبطنا، يحول دون ضغط محتويات الحقيبة على ظهر التلميذ و أن تكون حمالاتها مبطنة و طول الحمالات وحزام الخصر قابلا للتغيير والتعديل، بما يتناسب مع بنية التلميذ. 
و بخصوص مواد صنع الحقيبة، يستحسن، حسب القائمين على الدراسة، أن تكون من القماش أو الجلد غير المسترجع، وأن لا يزيد وزنها عن 1.5 كلغ و هي فارغة.  وفي إطار هذه الدراسة، كانت الوزارة الوصية قد قدمت خلال الدخول المدرسي لسنة 2019، مدونة الأدوات المناسبة ودعت كل المؤسسات إلى احترامها، كما دعت الأولياء إلى الالتزام  بجداول توقيت الحصص، وفرض دفاتر خفيفة أقل من 96 صفحة  للتعليم الابتدائي و 120 صفحة للتعليم المتوسط للعمل بها فصليا.

طبيبة الأطفال فريدة إيجات
الثقل يُسبّب اعوجاج الظهر و يؤثر على النمو
حسب رئيسة مصلحة طب الأطفال بمستشفى البير بقسنطينة، فريدة إيجات، فإن تلميذ الابتدائي يكون في أوج مرحلة نموه الجسدي، لذلك تكون بنيته ضعيفة جدا و سهلة التأثر بالعوامل الخارجية، وغير قادرة على تحمل الثقل أو الضغط الذي تفرضه الحقيبة.
ورغم أن هناك تفاوتا أو تباينا، كما أوضحت، في ما يتعلق ببنية كل تلميذ، إلا أن نسبة كبيرة من أبنائنا، لا تملك بنية قوية وقوامهم يكون في العموم أقل مما تفرضه أعمارهم، وهو أمر مرتبط أساسا بنمط التغذية و بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي لأسرهم و طريقة عيشهم، حسبها، لذلك فإن هؤلاء الأطفال يمرون بمرحلة جد حساسة في هذه المرحلة العمرية التي تتزامن مع الطور الابتدائي، و يكونون أكثر عرضة للتأثر بأي عامل خارجي، سواء كان عاملا نفسيا أو جسديا، وقد تصل بعض التأثيرات إلى حد الإخلال بنموهم السليم.
ورغم أن مشكل الحقيبة الثقيلة، لطالما طرح، كما أكدت الطبيبة، إلا أن البرمجة المكثفة و المكتظة التي فرضت مؤخرا بسبب تبعات جائحة كورونا، وضعتنا أمام ظرف مختلف، لأن التلميذ سيكون مجبرا على حمل عدد من الكراريس و الكتب المدرسية، قد يعادل ثقلها 2 إلى 3 كلغ، و المشي بها لمسافة معينة، الأمر الذي سوف يضاعف تأثيرات الحقيبة على ظهر التلميذ، وبالأخص العمود الفقري، لأن نموه السليم لا يكون سوى باحترام معيار الوزن الذي يحمله و أيضا الوضعية التي يتخذها الجسم، وبالتالي فإن الثقل المضاعف و وضعية الإنحناء التي يعتمدها التلميذ عند حمله للحقيبة والسير بها، يمكن أن يتسبب في مشكل اعوجاج الظهر، وتحديدا العمود الفقري، إضافة إلى اليدين و حتى طريقة المشي.
لذلك تنصح الطبيبة، بالعودة إلى النظام الدراسي القديم لأن الوزن الحالي لحقائب أبنائنا، يمكن أن يضر أيضا بفقرات الرقبة، ويؤثر حتى على الأعضاء الداخلية لجسم الطفل، بما في ذلك الكلى، كما قد تطرح في المستقبل مشاكل محتملة تخص أمراض العظام و المفاصل عند الأطفال، دون إغفال جانب الآلام التي يعانون منها في سن مبكرة جدا، مضيفة بأن تكرار هذه الأعراض و الاضطرابات في أوساط التلاميذ سيضعنا أمام مشكل صحة عمومية، لأن المضاعفات الصحية التي يعاني منها هؤلاء التلاميذ حاليا، ستتطلب خطة علاج و بالتالي ميزانية و إستراتيجية تدخل خاصة، كونها تعقيدات مرشحة للتطور خلال مراحل عمرية لاحقة.

رئيسة الفيدرالية الوطنية لجمعيات أولياء التلاميذ جميلة خيار
توفير الخزائن داخل الأقسام يجب أن يسبق الرقمنة
أكدت جميلة خيار، رئيسة الفيدرالية الوطنية لجمعيات أولياء التلاميذ، بأن ثقل المحافظ المدرسية أصبح هاجسا حقيقيا، ومن الواجب تفعيل كل القرارات و المقترحات التي من شأنها أن تضع حدا لهذا المشكل، خصوصا في ظل تكرار تسجيل تأثيرات سلبية على صحة المتمدرسين، وهو واقع ملموس تؤكده كما قالت، الشكاوي التي تتلقاها الفيدرالية باستمرار من قبل أولياء اضطروا لإخضاع أبنائهم إلى علاج تأهيلي بسبب مضاعفات ثقل الحقائب و معاناتهم من اعوجاج الظهر و الآلام المتكررة.
وقالت المتحدثة، بأن هيئتها قدمت تقارير مفصلة عن الموضوع للوزارة الوصية على مدار السنتين الماضيتين، اعتمد في إعدادها على رأي مختصين وأطباء عاينوا حالات عديدة لتلاميذ عبر الوطن، وأكدوا بأن هذا المشكل يجب أن يحل وبشكل نهائي خصوصا وأنه تحول إلى مشكل صحة عمومية مع تزايد حالات الإصابة باعوجاج العمود الفقري بين الأطفال، مشيرة إلى أن التقرير الأخير تضمن اقتراح توفير خزائن أو رفوف داخل الأقسام لضمان عدم نقل الكتب وغيرها من الكراريس بشكل يومي، لتخفيف العبء على التلاميذ، ويمكن حتى توفير خزانة واحدة يشرف عليها المعلم في حال تعذر تخصيص رف أو خزانة لكل تلميذ.
وقالت خياري، بأن هذه المسؤولية تقع على عاتق الداخلية ولذلك فقد تم التواصل مع بعض المجالس الشعبية البلدية على مستوى الوطن، لأجل تفعيل المسعى حيث كان التجاوب مع الفكرة متفاوتا بسبب تباين الإمكانيات المادية للبلديات، كما تم أيضا اقتراح توفير مقررات فصلية تسمح بتخفيف حجم الكتاب عبر تقسيم المحتوى إلى أجزاء حسب ما يقتضيه كل ثلاثي، وأضافت المتحدثة، بأن الفيدرالية تشدد على ضرورة احترام المعلمين و الأساتذة للبرنامج الدراسي الأسبوعي، وعدم إجبار التلاميذ على حمل كتب لمواد غير مبرمجة، تحسبا لطلب استخراجها في أي لحظة، ناهيك عن تقليل أحجام الكراريس التي يطلبونها عادة وألا تتجاوز في العموم حجم 96 صفحة، خصوصا وأن هناك هدرا للورق يسجل سنويا وهو جانب اقتصادي يجب الانتباه إليه كذلك.
رئيسة الفيدرالية الوطنية لجمعيات أولياء التلاميذ، قالت بأن التنسيق مستمر على المستوى المحلي و الولائي والوطني بين جميع الأطراف الفاعلية في عملية متابعة ملف ثقل الحقيبة المدرسية لأجل إيجاد مخارج سريعة و ناجعة للمشكل، في انتظار تفعيل مسعى رقمنة الطور الابتدائي و اعتماد التكنولوجيا في عملية التعليم خصوصا وأنه توجه صعب التطبيق رغم وجود الإرادة السياسية، وذلك بسبب طبيعة شبكة الانترنت في الجزائر وغياب التغطية بشكل شبه كلى في المناطق المعزولة، مضيفة، بأن هذه القضية تبقى رهينة تضافر كل الجهود و توفر النية و الضمير.

أخصائية إعادة التأهيل الوظيفي ريمة تفاحي
الإناث أشد تأثرا و العلاج يكون قبل سن العاشرة
أوضحت من جهتها، أخصائية العلاج الطبيعي و التأهيل الوظيفي ريمة تفاحي، بأن التخفيف من ثقل الحقيبة المدرسية مهم جدا، لتحسين صحة تلاميذ الابتدائي بين عمر الست سنوات و المراهقة، لأنها المرحلة التي يتم خلالها نمو وتشكل العمود الفقري للطفل وتنمو فيها العضلات كذلك، وحمل الثقل الزائد لمدة ستة أو تسعة أشهر سوف يؤثر سلبا على النمو السليم لعضلات الظهر.
وأوضحت الأخصائية، بأن التعقيدات الناجمة عن حمل الثقل تخلف نموا غير سليم يؤثر على وضع العمود الفقري، بما سيتسبب في عدم استقرار الفقرات القطنية و الفقرات العنقية كذلك، وهو مرض العصر، كما عبرت، مؤكدة، بأن الأولياء لا يجب أن يتهاونوا في ما يخص شعور أبنائهم بالآلام في الظهر، لأنه مؤشر مرضي يستوجب إخضاع الطفل قبل عمر 10 إلى 12سنة لفحص بالأشعة، أي قبل اكتمال نمو العمود الفقري، لأن التأخر في التكفل بالمشكل سيعقده و يفرض التدخل الجراحي كحل وحيد في المستقبل.
وفي حال أوضح الفحص وجود اعوجاج في العمود الفقري عند الطفل أقل من عشر سنوات، فإن التدخل العلاجي يكون هنا حسب الأخصائية، عن طريق توجيه المعني لإعادة التأهيل الوظيفي الحركي، لتقوية عضلات الظهر من خلال التدليك و التمارين المنزلية التي تندرج ضمن برنامج كامل للتأهيل يحول عادة دون الوصول للحالات المستعصية التي تستلزم إجراء عملية جراحية.
وحسب ريمة تفاحي، فإن علاج الاعوجاج في سن المراهقة يكون شبه مستحيل دون جراحة، مشيرة إلى أن جل الحالات التي أشرفت على علاجها تخص تلاميذ الابتدائي، الذين تظهر أولى أعراض المشكل لديهم مع بداية شعورهم بالألم، ويتضح من خلال معاينتهم بأن السبب في ذلك هو ثقل الحقيبة المدرسية و طريقتهم الخاطئة في حملها، فمن غير المناسب كما قالت، أن نحمل المحفظة على كتف واحد، بل تحمل على جهتين بشكل متوازن يسمح بتوزيع الثقل.
وعن اختلاف التأثيرات بين الجنسين، أوضحت المتحدثة، بأن الإناث يشكلن الفئة الأكثر تأثرا بتبعات ثقل المحافظ، لأن نموهن يكون أسرع مقارنة بنمو الذكور وذلك بفعل العوامل الهرمونية، مشيرة، إلى أنه يتعين على الأولياء إيجاد حلول أولية للمشكل في انتظار تدخل الوصاية لوضع حد نهائي له، وقالت، بأن أفضل ما يمكن اقتراحه في هذه الحالة هو ممارسة الرياضة وبالأخص السباحة، مؤكدة على أهمية التركيز على حماية تلاميذ الابتدائي وتحديدا بين سن 6إلى 12 سنة، لأنهم الأكثر معاناة من مشكل ثقل الحقيبة كما أنهم الشريحة الأضعف جسديا، علما أن تشخيص الاعوجاج بعد سن الثاني عشر، يكون متأخرا تقريبا و لا مجال لعلاج الحالة إلا من خلال التأهيل الوظيفي أو ارتداء المشدات الطبية وقد يتطلب الأمر الخضوع للجراحة.

 

الرجوع إلى الأعلى