دراما رمضان 2022  بين ضعف النص والتكلف

حافظت الدراما الرمضانية الجزائرية، هذا الموسم على نفس النسق الذي اتبعته خلال السنوات الثلاث الأخيرة، من حيث نوعية الإنتاجات، فرغم تنوع القوالب الدرامية، إلا أن مشاكل الإخراج و ضعف النصوص و سطحية الحوار و التكلف في الأداء، عادت لتطرح مجددا، الأمر الذي  خيب أمل المشاهد الجزائري، بعدما توقع الكثير من مسلسلات وصفت بالقوية، مع عرض إعلاناتها الترويجية، قبل انطلاق السباق الرمضاني، و السبب هو الهفوات الإخراجية التي صدمت البعض و ضعف الحبكة و الحوار، خصوصا بالنسبة لبعض الأعمال التي راهن مخرجوها على عودتها لأكثر من موسم.

   هدى طابي

الإشهار يوقع  بـ « يما»
مشكل النص و السيناريو، يعد من النقائص التي تؤثر سنويا على نوعية الأعمال المقترحة، مع ذلك، فإن تنوع الإنتاجات و كثرتها هذه السنة، خفف الأضرار بفضل تعدد الخيارات عبر مختلف القنوات، و لعله السبب الذي شجع المشاهد الجزائري على العودة إلى الدراما المحلية، حيث كان الموسم ثريا، سواء في ما يتعلق بالمسلسلات الاجتماعية أو الكوميديا، كما أن هناك أعمالا استطاعت أن تحافظ على جمهورها لأكثر من ثلاثة مواسم، على غرار سلسلة « دقيوس و مقيوس» لنسيم حدوش و نبيل عسلي،  حيث أنهما قدما طرحا ساخرا لعدد من القضايا الاجتماعية، ميزته جرأة كبيرة ما أكسبهما احترام المشاهد.

فيما سجل مسلسل « يما» ، أضعف موسم له منذ بداية عرضه، لأن الجزء الثالث، كان الأفقر من حيث السيناريو، و قد تخللته فراغات كثيرة شتتت المشاهد و خلطت تفاصيل القصة، بشكل خلف حالة من الغموض و عدم القدرة على فهم الأحداث وربطها، ناهيك عن الكثير من الهفوات الإخراجية، مثل مشهد حديث   خالد، محمد رغيس، عبر هاتف السجن، عن تفاصيل جريمة يخطط لارتكابها.
 تفصيل آخر، أضر كثيرا بالمسلسل هذه السنة، و هو المبالغة في الترويج لبعض المنتجات من ماركات الملابس و حفاظات أطفال، و هو إشهار فشل المخرج في دمجه بشكل مقبول ضمن السياق العام للعمل، فجاء التسويق مفضوحا و مزعجا للمشاهد، حسب ما عكسته ردود الأفعال و التعليقات على بعض الحلقات.
البيئة الريفية تروي عطش الكثيرين
 بالمقابل استطاع مسلسلا « أغلال القدر « و أنين الأرض» أن يقدما جانبا مختلفا من الدراما الواقعية التي توغل في تصوير البيئة الريفية، و هي أعمال اشتاق إليها المشاهد الجزائري، بعدما كرست المواسم الماضية نمطية معينة بدأت سنة 2017، مع نجاح تجربة « الخاوة» المستنسخة عن الدراما التركية.
مسلسل «أغلال القدر» ، و رغم أن أغلب أبطاله من الوجوه الشابة، إلا أنه حظي بنسب مقبولة من المشاهدة، قاربت المليون مع بداية عرض أول حلقات الموسم الثاني منه، وهو مسلسل من نوع   «الأكشن»، اعتمد فيه المخرج عنتر فنوش، على الكثير من الإثارة و التشويق، كما أن قصته حقيقية، تتحدث عن مهاجر جزائري انتقل من الريف إلى هولندا، بطريقة غير شرعية، بعدما وقع ضحية التشتت الأسري .
أما «أنين الأرض»، فقد استطاع بفضل تصويره الواقعي للريف الجزائري، و وفائه للهجة المحلية، أن يشد المشاهد، خصوصا و أنه المسلسل الأكثر ترابطا من حيث تسلسل الأحداث.
عكس ذلك، فإن مسلسل «بنت البلاد» تراجع هذه السنة من حيث نسب المشاهدة بسبب ضعف النص و وجود فترات صمت كثيرة وطويلة، لم يفهمها المشاهد، الذي أحب، رغم كل النقائص، فكرة تصوير حياة الريف بطريقة مختلفة، وحتى وإن كانت القصة مقتبسة من الدراما التركية    « العروس الجديدة»، إلا أن الإخراج شكل عنصر قوة في العمل الذي ميزته الوجوه الشابة، كما أن الكوميديا في بعض المشاهد، ساعدت على تقليل الضرر الذي أحدثه ضعف النص.
«عندما تجرحنا الأيام»  يظلم مصطفى لعريبي و «في التسعين» ينصفه
مسلسل «عندما تجرحنا الأيام» من المسلسلات التي حظيت كذلك بمتابعة معتبرة هذا الموسم، و ذلك بالنظر إلى واقعية الطرح، بعيدا عن تقليد القصة التركية، و رغم النجومية الكبيرة التي يحظى بها مصطفى لعريبي، و كونه الشخصية الرئيسية في ذات العمل، إلا أنه سقط بقوة في هذا المسلسل، بسبب تكرار المشاهد و غياب حبكة قوية و عدم فهم شخصيته لغرابتها، ما أثر كثيرا على دوره.

وعكس ذلك تألق الفنان كثيرا، في سلسلة « في التسعين» رفقة محمد خساني، كما قدم أداء قويا و مقنعا في « بابور اللوح»، المسلسل الذي حقق نسب مشاهدة كبيرة منذ بداية عرضه، و حظي أبطاله بالإشادة، رغم الانتقادات التي طالت عبد القادر جريو تحديدا، بسبب كثرة الصراخ و المبالغة في إظهار الغصب و العاطفة و سيطرته على غالبية المشاهد.
سلطة الضبط ترفع سيف الحجاج

نسب المشاهدة الكبيرة على يوتيوب و ردود الأفعال الإيجابية على نوعية الإنتاج عموما، لم تحم «بابور اللوح» من الغرق في مستنقع المحظور،  إذ تضمنت بعض الحلقات مشاهد اعتبرت دخيلة على المجتمع  الجزائري، و في حلقات أخرى بدا الحوار صادما نوعا ما، كما أن العمل قدم مفارقة غريبة عندما ربط المبادئ و القيم الاجتماعية بالشخصيات الشريرة و العكس، و كلها تفاصيل دفعت سلطة ضبط السمعي البصري إلى التدخل، بسبب ما اعتبرته تسويقا لإيديولوجيا معينة.  كما تدخلت السلطة، لتوقف بث حلقات المسلسل الجزائري التونسي  « حب ملوك»،  بسبب ما وصف بالمشاهد غير اللائقة، التي عرضت في بعض الحلقات، و هي مشاهد كانت قد أثارت جدلا على مواقع التواصل.
المخرج عادل محسن
مشكلات السيناريو في دراما رمضان تبدأ قبل الكتابة

يرى المخرج محسن عادل، بأننا لم نشاهد في هذا الموسم، عملا دراميا تميز حقا عن البقية و استطاع إشباع جوع المشاهد الجزائري فنيا، فبينما يفضل بعض الجزائريين مواصلة الصيام ليلا عن هذه المسلسلات، أو الاتجاه إلى المسلسلات العربيه وغيرها، يؤثر آخرون المشاهدة ثم يرافقونها بوابل من الانتقادات، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن أسباب عجز هذه الأعمال الدرامية على قلتها، عن إرضاء المتلقي.
 و رغم أن الأعمال الدرامية التلفزيونية قد بدأت منذ السنوات الأولى للاستقلال، إلا أنها لا تزال تقع غالبا في أخطاء بديهية، خاصة من حيث السيناريو، كما أضاف المخرج، مشيرا إلى  أنه في مقام آخر، يمكن خوض نقاش أو القيام ببحث علمي، حول الأسباب التي حالت دون الاستفادة من تراكم الخبرات أو ربما التراجع، مقارنة بما كان يقدمه المخرج الجزائري مصطفى بديع في مسلسل «الحريق» و ما نشاهده اليوم ، لأن الفن في النهاية يتطور بتراكم التجارب، حسبه، سواء على المستوى العالمي أو محليا، و ذلك بخلق تقاليد تمكن الأجيال الحالية من البناء على ما وصل إليه السابقون.
و أوضح المتحدث، بأنه في صورة مبسطة لأساسيات الكتابة الدرامية، يتفق أغلب المختصين في المجال، على ضرورة وجود بطل أو أبطال يسعون إلى تحقيق هدف واضح عن طريق القيام بأفعال، و يحاول منعه، أو منعهم، من الوصول إليه شخص أو قوة معينة، و ذلك ما يخلق صراعا تزيد حدته عندما تكون للبطل مثلا، رهانات كبيرة قد يخسرها، إن لم يتمكن من تحقيق هدفه، فتخضع أحداث هذه البنية الدرامية إلى الترتيب التالي « بداية وسط و نهاية»، في حبكة من شأنها، كما قال المتحدث، خدمة تصاعد الأحداث و خلق العاطفة و شد المشاهدين، ففي مسلسلي  «بابور اللوح» و «عندما تجرحنا الأيام» على سبيل الحصر، تغيب هذه الأبجديات فنلاحظ أن البطل حسني ( عبد القادر جريو)  في العمل الأول كان طوال الحلقات الأولى بلا هدف واضح، و لا قوة مقاومة واضحة، يتعرض إلى مواقف لا يصب حلها في الهدف الأسمى، كما أن البنية الدرامية غير واضحة، لأن أغلب الأحداث تصب في تقديم البيئة التي تعيش فيها الشخصيات، و لا تتطور ككل في اتجاه معين في منحى تصاعدي، وفق مبدأ السببية و الحتمية الدرامية.
نفس الملاحظة حول سيناريو «عندما تجرحنا الأيام» لكاتبته حورية خذير و الذي سنجد صعوبة في تحديد ملخص له،  ما هي فكرته الأساسية ؟ هل نحن بصدد متابعة قصة رجل الأعمال خالد « مصطفى لعريبي « التائه بين ثلاث زوجات ؟ وإن كان ذلك، فما هي الأفعال التي يقوم بها ليصل إلى هدفه ؟ أو ما هو هدفه أصلا ؟ ..كل ذلك غير واضح.
 المخرج ذكر ، بأن المشاهد يتعلق بالشخصية عندما يتعرف عليها و يتبنى هدفها و يتضامن معها في حال تعرضها للخطر، و يتحمس في حال تحقيق الأهداف، فتكون هذه الشخصية بهذا الشكل واضحة المعالم، و كل ذلك لا ينطبق على شخصيات « عندما تجرحنا الأيام».
غموض آخر يكتنف مسلسل «يمّا»، حسبه، لأن  في جزئه الثالث، نقلات غير مبررة بين الأحداث،  و خلق أحداث لتبرير أخرى، و فوضى أدت بالمشاهد إلى الضياع،  و ذلك من عيوب الكتابة أيضا، فنحن كمشاهدين، إن تنازلنا عن حقنا في المتعة، لا يمكن أن نتنازل عن حقنا في الفهم، كما عبر.
وتبقى أقل الأعمال معاناة من جانب السيناريو ،على حد تقييمه، هو « بنت لبلاد»، لكن ما يعاب على هذا المسلسل، الذي يبث موسمه الثاني هذا العام، هو أنه مأخوذ عن مسلسل تركي، قامت الكاتبة منال مسعودي ب «جزأرته»، وقد نجحت في ذلك نسبيا،  لكن كتابة الشخصيات و البناء الدرامي و غيره، تنسب طبعا إلى كاتب النسخة الأصلية، فهل معنى ذلك أن مشاكل السيناريو يتحملها السيناريست لوحده؟ الجواب، هو أن عملية الإنتاج في البلدان ذات الصناعات الثقافية الكبيرة، هي عملية تخضع لتطور مستمر ناتج عن المنافسة التي يفرضها اقتصاد السوق، لذلك نجد في الكثير من النماذج، وأهمها أمريكا، أن اهتمام المنتج بالسيناريو تعدى حدود دراسة أو تحديد ميزانيته فقط، أو توفير وسائل الإنتاج، أو تمويل المشروع عموما، قصد الاستفادة من مداخيله بعد البيع، لأن التجارب خلقت نوعا جديدا من المنتجين الذين يمارسون أو يشاركون في كتابة السيناريو و إخراجه وحتى عملية المونتاج، وهم ما يعرف بـ « الشو رانررز» ، و وجود هؤلاء يجعلهم على اطلاع واسع بالمشروع، منذ الكتابة وحتى قبلها، و يتيح لهم التدخل فيه قبل ولادته أصلا، من خلال خوض نقاشات مع من يديرون الكتابة حول دراسة السوق أصلا ، ليحددوا بعد ذلك، موضوع العمل وبيئته و نوع الشخصيات، و هل سيلجأون إلى اختيار عملي على فكرة مثيرة الواعدة منذ البداية، تفصل في صراع معقد و جذاب، أم أنهم سيركزون على عمل موضوع بسيط، يتناول فكرة مألوفة تتطور أحداثها تدريجيا، كل ذلك في ورشات خاصة تكون الكلمة الأخيرة فيها للمنتج، و تتكون ورشات الكتابة عند الكثيرين منهم، من مجموعة صغيرة من كتاب السيناريو يترأسهم مدير كتابة يخضع بدوره لسلطة « الشو رانرز»، و  يراعي هذا المنتج اختيار الكتاب، حسب التخصص، فهناك من يتقن البناء الدرامي  وهناك من يتحكم جيدا في تركيب الشخصيات، و آخر يتميز بمهارة كتابة الحوار ..الخ.
 بعد كل ذلك قد يعرض العمل عند الانتهاء منه، على مدير السكريبت، وهي مهنة أخرى يقوم صاحبها بالعمل على إيجاد الأخطاء المحتملة، و تصحيحها، و هنا يمكننا الحديث عن الجدية والاحتراف و خلق الدهشة عند المشاهدين واحترام أذواقهم.
 هـ/ ط

أكاديميون يطرحون أفكارا لترقية  المضامين و يؤكدون
عقــــدة المدنـس و المقـدس و نمطية الأعمـال الرمضانية أثارتا غضب الجمهــور
* الضجـــــة مقصــــودة لكنـــها حوّلـــت المتلـــــقي إلى ناقـــــد

أثارت مؤخرا الأعمال الفنية الدرامية التي عرضت عبر القنوات التلفزيونية الجزائرية، جدلا كبيرا وسط المشاهدين الذين احتجوا على بعض اللقطات التي اعتبروها "خادشة للحياء في رمضان"، و قد تحركت سلطة الضبط السمعي البصري و اتخذت الإجراءات القانونية المناسبة. ما حدث طرح عدة إشكاليات، يتخبط فيها الأفراد و كذا قطاع السمعي البصري في بلادنا، كون هذا الأخير يعتبر المرآة العاكسة للمجتمع، و من أجل إعطاء تفسير و تحليل و طرح مقترحات و أفكار للتغيير، اقتربت النصر من أساتذة جامعيين، فأكدوا بدورهم وجود أزمة اتصالية في المجتمع، تنطوي تحتها كل الأزمات الأخرى، و اقترحوا حلولا من شأنها ترقية محتوى البرامج التلفزيونية و مواكبتها لمتطلبات و رغبات الجمهور خاصة في شهر الصيام.

    إعداد: خيرة بن ودان

الدكتورة فلة بن غربية أستاذة الإعلام و الاتصال بجامعة وهران
الفضاء العمومي الجزائري أصبح نمطيا و لم يحدّد هويته بعد

قالت الدكتورة فلة بن غربية، أستاذة الإعلام و الاتصال بجامعة وهران، إن الفضاء العمومي في الجزائر أصبح نمطيا، و لم يحدد بعد هويته و لا مرجعية مضبوطة له، و أصبح أيضا يختلف من الواقع المعيش إلى اللاواقع المعيش، أي الافتراضي، فالفضاء العمومي في الجزائر له خصوصيات، كونتها وسائل الإعلام و مواقع التواصل الاجتماعي، و أيضا العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، حيث أن وسائل الإعلام و منها القنوات التلفزيونية ببلادنا، لا تزال تقدم محتوى سطحيا جدا، لا يرتكز على قضايا واضحة تهم الفكر و الأخلاق و المجتمع، يمكن طرحها و مناقشتها. و أردفت الدكتورة بن غربية، أن الفضاء العمومي هو فضاء للنقاش و تبادل الآراء والأفكار و الانطباعات بين الأفراد، يسمح بسهولة التواصل و بناء العلاقات الجيدة بين الأفراد و خلق جو تفاهمي تشاركي، وهذا لا يكون إلا عندما تطرح القنوات التلفزيونية التي تعد فضاء عموميا أيضا، فكرة أو قضية ذات منفعة عامة للمجتمع، ولكن هذه القنوات أصبحت تقدم محتوى لا ينبع من الواقع المعيش و ليس له مرجعية أخلاقية، فهي قضايا لا أسس لها، أي لا يمكن للمشاهد الاستفادة منها أو تغذية فكره منها، فما يعرض، على سبيل المثال حصص الكاميرا الخفية التي تعود كل رمضان، نجدها مفعمة بالعنف، في الوقت الذي يحتاج فيه الفرد الجزائري  الابتعاد عن العنف، و يبحث عن أخلاقيات ترتقي به وسط مجتمع ينبذ العنف. و ذكرت المتحدثة أن هذه القنوات أصبحت أيضا تطرح أعمالا على شكل قصص عاطفية، لا علاقة لها بالانشغالات والقضايا التي يعبر عنها  الفرد في الفضاء العمومي. و من الحلول التي تعتبرها الدكتورة بن غربية، أساسية، هي أن تحرص وسائل الإعلام، خاصة القنوات، على تأطير أفكار الجمهور و الرأي العام، فالسمعي البصري عبارة عن سلاح ذي حدين، و يجب أن يحسن مالكو  القنوات استعمال الرسالة السمعية البصرية، مبرزة بهذا الخصوص، أنه يجب إشراك الأكاديميين في كيفية بناء هذه الرسالة، شكلا ومضمونا و من حيث المحتوى و الديكور و من خلال خطة عمل، فالأساتذة الجامعيون يقومون دائما بدراسة الجمهور، مشيرة إلى أنها مع فرض الرقابة الإيجابية، لأن ما يعرض، خاصة في رمضان، هو محتوى يضع الجمهور كل سنة في أزمة اتصالية، فغالبا ما يعرض، يعتبر من الكماليات بالنسبة للأفراد. و قالت الدكتورة بن غربية، إنه من الضروري إيجاد حلول للأزمة الاتصالية السمعية البصرية التي تعيشها الجزائر، و إذا أرادت القنوات التلفزيونية أن ترقى بنفسها، فعليها أولا دراسة الجمهور و هذا قبل رمضان بأشهر، فتنظم سبرا للآراء حول أفكار و متطلبات وحاجيات ورغبات الجمهور، فكل سنة يتغير الوضع الاجتماعي و يختلف عن سابقه، فمثلا في فترة جائحة كوفيد 19 كان للجمهور رغبات و متطلبات تختلف عن وضعه في رمضان 2022 الذي عاش فيه المجتمع أزمة اقتصادية.
و يجب أن يعلم الجميع أن القنوات التلفزيونية هي إعلام جماهيري، بمعنى أنها تتوجه لجميع فئات المجتمع بكل اختلافاتهم وتنوع عاداتهم و تقاليدهم و يومياتهم، وبالتالي وعلى أساس هذا التنوع و الاختلاف، يجب أن تضع القنوات خطة عمل و أفكار تتم مناقشتها عبر المنتوج الفني الذي تعرضه في شهر الصيام، وبهذا تكون قد طرحت للجمهور إنتاجا نابعا من واقعه المعيش ومن أفكاره، مشددة على أن يتم طرح أفكار وقضية ذات قيمة، تسمح للفرد بمناقشتها في المجتمع، فما تعرضه القنوات هو عبارة عن ثقافة جماهيرية، يجب أن ترقى بالمشاهد وبالذوق العام و تعمل على ترقية المجتمع و ليس هدمه،  لأن المجتمع الجزائري يعيش حالة شحن و يبحث اليوم عن حلول لواقعه الإجتماعي، خاصة المرتبط بالاستهلاك، لما يشهده السوق من ندرة في بعض المواد وغلاء البعض الآخر، مثل الزيت، الحليب، البطاطا، اللحوم، الأسماك وغيرها.  من جانب آخر، اعتبرت الأستاذة بن غربية، أن انتقال النقاش إلى مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن تفسيره بأن الفرد يرى أنها تمنحه مساحة أكبر للتعبير، من المساحة التي تمنحها له فضاءات أخرى، منها المنزل مع أسرته، المقهى مع أصدقائه، أو جلسات أخرى، وأصبح الأفراد يعيشون الافتراضي على أساس أنه واقعي، و كمثال عن ذلك، ذكرت المتحدثة أنه عندما يطرح شخص ما رأيه حول البرامج الرمضانية التي عرضتها القنوات التلفزيونية، يجد كما هائلا من التعليقات و أغلبها لا تصب في نفس سياق المحتوى المنشور، فالمهم بالنسبة إلى صاحب التعليق أن يعبر، وغالبا يكون هذا التعبير عن قضاياه التي يعتبرها مشتركة بين كل الأفراد.

الدكتور محمد حمادي أستاذ الإعلام و الاتصال بجامعة وهران
الأعـــمال الرمضانيـــة حاولت تعــرية الواقــع لجــــمهور متبايــــــن

أوضح الدكتور محمد حمادي، أستاذ الإعلام و الاتصال بجامعة وهران، أن ما يحدث من جدل وسط الجزائريين حول الأعمال الفنية الرمضانية، ناتج عن نظرة منمّطة داخل بيئة منغلقة، غذتها أعمال فنية تحمل في طياتها الرتابة و المواضيع المتكررة، فهل نغير الجمهور مثلا، أو نحارب التدين المزيف؟
قال الدكتور حمادي، إن الجزائريين يعيشون ما يسمى بالانفصام الاجتماعي، فالجمهور المتخصص، و يقصد به الممثلين والمخرجين والنقاد و سائر الفاعلين في المشهد الفني، يرون في الكاميرا وسيلة حرة للتعبير عن الرأي، في حين لا تزال مكونات المجتمع الأخرى تنظر إليها بعين الشك و الريبة، كما أن الجزائري الذي يتباكى على العري في الشاشة، و يرفض سماع المداحات و الراي، تجده يتراقص على أنغامها في سيارته خفية عن الناس.
و أضاف أنه ينبغي على المختصين دراسة المجتمع الجزائري جيدا، حتى يتم تسويق أعمال تتلاءم مع ميولاته، أو يعمد الفاعلون في المشهد الفني إلى تفعيل عنصر الصدمة والمفاجأة في ما يقدمون من أعمال، رغم أن المشاهد الجزائري يقبل الدهشة في الأعمال الفنية التي تعرض عبر فضائيات أخرى، ولا يقبلها في الأعمال التي تبث عبر القنوات الجزائرية.
و أبرز في ذات السياق، أن هناك دراسات تحدثت عن أشكال التلقي لدى الجمهور ووجدت تباينا كبيرا، ففي بلادنا هناك معضلة كبرى اسمها التلقي، وهناك عقدة اسمها المدنس والمقدس في كل عمل فني، سواء كان دراميا أو كوميديا، لذلك لم نصل إلى درجة تقبل فكرة تكسير الطابوهات، وكل ما هو مسكوت عنه في المجتمع، عبر الشاشة، فالجزائري لا يزال ينظر إلى نفسه على أنه محافظ و يبحث فقط عن تلك الأعمال الفنية التي تجمع أفراد أسرته حول شاشة واحدة، رغم أن الفن هو المرآة العاكسة للواقع بكل تجلياته بإيجابياته وسلبياته، لكن كيف نصور هذا الواقع ونعريه ليكون مكشوفاً لجمهور متباين على صعيد التلقي، جمهور متمايز اجتماعيا و ثقافيا لا يستهلك الأعمال الفنية بطريقة واحدة؟
على سبيل المثال، هل ينبغي للفيلم الثوري أن يرتبط بالتأريخ أو عليه أن يقفز فوق التاريخ ليزيح الستار عن الأماكن المظلمة؟  لعل أبرز دليل هو فيلم "الوهراني" و ما أثاره من لغط كبير عند عرضه بوهران، و عليه يمكن القياس على باقي الأعمال الفنية.

الدكتور مراد مراح أستاذ مختص في الدراسات السينمائية بجامعة سيدي بلعباس
أفــــق التوقّــع في الأعــمال الرمضانـــية أغضــب الجمــــهور

أكد الدكتور مراد مراح أستاذ بجامعة الجيلالي اليابس بسيدي بلعباس، أن الدراما الجزائرية تشهد نقلة نوعية من حيث الإضاءة، الممثلين، الإخراج، اختيار مواقع التصوير وحتى بعض المواضيع، إلا أن نقطة الضعف في الأعمال الفنية الجزائرية، هي السيناريو الذي يفتقر إلى كتاب محترفين.
 و الغريب أن كمية الروايات الجزائرية بالعربية والأمازيغية والفرنسية الموجودة على الرفوف، لا تعد ولا تحصى، لكن لا تزال المعاناة وأزمة الاقتباس من الرواية إلى الدراما التلفزيونية متواصلة.
بخصوص الجدل القائم حول الأعمال الفنية الرمضانية التي تعرضها القنوات الجزائرية، أوضح الدكتور مراح، أن الضجة كانت مقصودة للفت انتباه الجمهور، وكسب الشعبية و الشهرة، لكن ما حدث لم يكن متوقعا، مما حول الجمهور نفسه إلى ناقد للعمل الدرامي، حيث أنه في هذه الأعمال سعى الفنانون إلى تجسيد صدمة الجمهور، أو ما يسمى سينمائيا بكسر أفق التوقع فيهم،  بمنطق "خالف تعرف" وجاءت النتيجة عكس التوقع، مما أنتج غضب الجمهور و اعتراضه على بعض الكلمات و اللقطات الموجودة به، مضيفا أن معالجة المخرجين لبعض اللقطات، بحجة الواقعية، جعلها لا تحترم خصوصية شهر رمضان، و لا خصوصية المجتمع، هذا الأخير حتى وإن سلمنا بأنه يتطور، إلا أنه لا يزال يحافظ على بعض القيم.
مثلا بالنسبة لمسلسل "بابور اللوح" من توقيع مخرج تونسي، ورد في نصه بعض الكلمات السوقية، التي كان بالإمكان تفاديها بشكل أو بآخر، كما أن بعض اللقطات لا محل لها ضمن المسلسلات التلفزيونية.
اعتبر المتحدث السلسلة الفكاهية "في التسعين"، حالة نوعية في الكوميديا الجزائرية، إلا أن معالجة بعض القضايا و ورود بعض الكلمات السوقية، صدم المشاهد و استغرب لتواجدها ضمن النص، فاضطر  الممثل محمد خساني للاعتذار من الجمهور، وهذا الفعل بالذات، أي الاعتراف بالخطأ، يعد عملا احترافيا بالنسبة للمعني،  وعكس رقي تلقي الدراما عند المشاهد الجزائري، حسبه.
و يقترح الدكتور مراح أن يستلهم صناع الأعمال التلفزيونية مما تم عرضه سابقا على الشاشة الجزائرية من مسلسلات رمضانية، سجلت أعلى مشاهدات و أقبل عليها الجمهور، مشيرا إلى أن البعض يخلطون اليوم بين المحتوى التلفزيوني و المحتوى السينمائي الذي له جمهوره الخاص.

الرجوع إلى الأعلى