بلغت الجزائر المستقلة اليوم الستين، و قد تمكنت في هذا الظرف القصير من عمر الأمم، من تحقيق خطوات عملاقة وقفزات نوعية وضعتها في مصاف الشعوب و الأمم الرائدة التي لها مكانتها و كلمتها في الساحة الإقليمية والدولية، مكانة تترجمها بحق الاحتفالات المخلدة للذكرى التي تؤكد استمرار روح الثورة بين الجزائريين و تعطشا إلى كسب معركة الرفاه و التقدم في جميع المجالات.

  عبد الرزاق-م

و رغم ما عاشته أرض الشهداء من صعاب بدءا بمعركة البناء والتشييد  عقب استقلال توج ثورة مظفرة ومقاومات لاستعمار استيطاني غاشم، والتي اصطدمت بقلة الموارد المالية والبشرية، مرورا بعشرية سوداء زاد من حدتها تكالب بعض الذين «راهنوا» على سقوط بلادنا، غير أن الجزائر خرجت أقوى و أكثر نضجا.
و ظلت الجزائر وفية لمبادئها التي قامت من أجلها ثورة التحرير المجيدة، فحافظت منذ استقلالها على طابعها الاجتماعي، وعملت على قلة مواردها التي عرفت تحسنا في بعض الفترات، على توفير وضمان مجانية السكن والعلاج و التعليم، حيث بنت وشيدت ملايين السكنات وآلاف المؤسسات التربوية ومئات الجامعات والمستشفيات العمومية، ودعمت المواد الاستهلاكية الأساسية، حتى تصل إلى مواطنيها بمختلف فئاتهم.
الجزائر البلد الشاسع بمساحته، ما يزال يحافظ على سيادته و وحدته و حرمة ترابه ومقدسات شعبه الغني بتنوعه وثقافاته، و الفضل في ذلك يعود إلى المحافظة على مبادئ بيان أول نوفمبر، و إلى الجيش الشعبي الوطني سليل جيش التحرير الوطني، الذي حافظ على رسالة الآباء و الأجداد من المجاهدين والشهداء، الذين سالت دماؤهم من أجل أن تحيا الجزائر مستقلة. و قد حمل الجيش الشعبي الوطني لواء حماية التراب الوطني و الحدود، و الحفاظ على الدولة الوطنية، و نجح في لم الشمل مع شعبه، كما نجح في معركة مواكبة العصرنة و التطور الحاصل في العالم ليتمكن من مواصلة مهمة ردع الأعداء وصيانة أمن الوطن، في عمل مستمر عقد جيشنا العزم أن يؤديه بأمانة و احترافية. الجزائر المستقلة لم تتخل يوما عن عقيدتها الثورية التحررية، التي كانت أحد الأسباب الرئيسية في نجاح ثورة التحرير المجيدة، فالجزائر دعمت و ما تزال تدعم و تساند بشتى السبل المشروعة، القضايا العادلة في العالم، وعلى رأسها القضية الفلسطينية وقضية الصحراء الغربية، فقد كانت الجزائر رمزا للتحرر و هي التي استقبلت ودعمت ثوار العالم على غرار نيلسون مانديلا ، و على أرضها تم الإعلان عن تأسيس دولة فلسطين، و هي إلى اليوم ماضية في مسعاها من أجل أن تعيش شعوب العالم حرة مستقلة لها سيادتها و وحدتها الترابية.  بعد مرور 60 سنة، لم تنس فرنسا بعد أنها خرجت صاغرة مهزومة من أرض الجزائر، فرنسا التي لم تصدق بعد أنها فقدت إلى الأبد هذه الأرض الغنية التي نهبت ثرواتها ونكلت بشعبها الحر لعشرات السنين، ما تزال تساوم حول ملف الذاكرة، حيث تأبى إلى اليوم التخلي عن ثوبها الكولونيالي و لا تريد الاعتراف بجرائمها الشنيعة و هي التي قتلت ملايين الجزائريين، و رغم أن الكثير من أعمالها الإجرامية موثقة وتشهد على وحشيتها، غير أنها مازالت تتلكأ في الاعتراف، بل وتسيء بين الحين والحين نخبها السياسية التي لم تشف من المرض القديم إلى الجزائريين وذاكرتهم، وتحاول القفز على ذاكرة يأبى الجزائريون محوها، ليس بتخصيص يوم للذاكرة فحسب، بل بجعلها في مقدمة اهتمامات السلطات العمومية والنخب السياسية والعسكرية والأكاديمية، التي يدفعها الوفاء للشهداء إلى وضع كشف الحقائق وإبرازها للأجيال ضمن الأولويات.
اليوم وفي هذه المرحلة التي يشهدها العالم والتي تعرف عودة الاستعمار بوجه جديد مغاير للاستعمار التقليدي، والذي يستهدف سيادة الدول والنيل من مقدراتها، وحالة الاستقطاب التي تعرفها العلاقات الدولية، تعيش الجزائر تحديا جديدا من نوع خاص، و تجد نفسها حاملة للواء مناهضة الاستعمار والتدخل في الشؤون الداخلية للدول والدفاع عن حقوقها ومكتسباتها، فترفض ذلك علنا، وتنادي باحترام سيادة الدول وحقوق الشعوب وتستغل كل المنابر والمناسبات للدعوة للحفاظ على السلم والابتعاد عن الحروب والأخذ بفضائل الحوار في تسوية النزاعات، كل هذا جعل الجزائر مستهدفة في فصول حرب خفية تقودها قوى أجنبية، تحاول ضرب استقرار بلادنا بشتى الطرق و الوسائل. حرب نبهت إلى خطورتها القيادة السياسية والعسكرية داعية إلى لم شمل الجزائريين والتسلح بالوعي لتجاوز مطباتها. وتركز الجزائر، من جهة أخرى، جهودها على التنمية الاقتصادية التي تعتبر عاملا مهما في الاستقرار، حيث  تعمل على بناء اقتصاد قوي و ربط شراكات مع قوى اقتصادية، مستغلة موقعها ومقدراتها، الأمر الذي جعل منها شريكا ولاعبا هاما لا يمكن تجاوزه في الضفة الجنوبية للمتوسط والقارة الإفريقية.

يشرف عليه رئيس الجمهورية
استعراض عسكري ضخم بالعاصمة اليوم
يشرف رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع الوطني، عبد المجيد تبون، اليوم، على استعراض عسكري ضخم بالعاصمة، من تنظيم الجيش الوطني الشعبي، إحياء للذكرى الستين لعيد الاستقلال.
الاستعراض العسكري الذي يعد الأكبر من نوعه منذ الاستقلال، يأتي مثل ما ورد في الإعلانات التي بثت بخصوصه «ترسيخا للتقاليد العسكرية العريقة للجيش الوطني الشعبي»، و سيقام على مستوى الطريق الوطني رقم 11، المحاذي لجامع الجزائر، كما سيبث هذا الاستعراض على المباشر، على جميع القنوات التلفزيونية الوطنية.
و سيحضر إلى جانب رئيس الجمهورية و كذا كبار المسؤولين بالدولة و مختلف القادة العسكريين، عدة رؤساء دول صديقة و شقيقة شرعوا أمس في التوافد على الجزائر ، للمشاركة في احتفالات الذكرى الستين للاستقلال، على غرار الرئيس الفلسطيني و الرئيس التونسي و كذا الرئيس النيجري و الرئيسة الاثيوبية، و كذلك الرئيس الكونغولي.
و ستشارك مختلف قوات الجيش الوطني الشعبي في هذا الاستعراض، من قوات برية و بحرية و جوية و كذا قوات الدفاع الجوي عن الإقليم و الدرك الوطني، و الحرس الجمهوري، و سيتم عرض مختلف الأسلحة و المعدات الحربية التي بحوزة الجيش الوطني الشعبي، فضلا عن استعراضات في الجو و البحر.
ويعكس هذا الاستعراض المكانة التي توليها الجزائر لسيادتها واستقلالها الذي انتزعته ودفعت ثمنه غاليا بقوافل من الشهداء.
ومثلما ترافع الجزائر دوما من أجل تحقيق السلم والعدالة في العالم، فإنها توجه رسالة إلى من يهمهم الأمر، بأن هذه الأمة، بلغت درجة من القوة التي تجعلها حريصة على قول كلمتها ولعب دورها والحفاظ على أمنها ومصالحها الحيوية.
ق.و

الرجوع إلى الأعلى