الحاج لخضر ..مجاهد تحدى الاستعمار وخدم التنمية وفاء للشهداء والثوار

يرتبطُ اسمُ المجاهد عبيدي محمد الطاهر المدعو الحاج لخضر، بالثورة التحريرية في الأوراس، كما يتردد اسم المجاهد على الألسن، بمجرد ما يتم ذكر مرافق ومعالم بمدينة باتنة، كان له الدور والفضل في إنجازها، حيث رفع تحدي البناء بعد الاستقلال، بعد تحدي الجهاد إبان الثورة، إيمانا منه بالوفاء لرسالة الشهداء بعد التحرير، وبصم المجاهد  على المسجد القطب أول نوفمبر، الذي كان يعد أكبر مسجد بإفريقيا قبل تدشين الجامع الأعظم بالعاصمة، ولإدراكه أهمية العلم ناضل من أجل إنجاز جامعة أصبحت تحمل اسمه، ولم يدخر جهدا من أجل إنجاز مطار بالولاية بات يحمل اسم الشهيد مصطفى بن بولعيد.

يـاسين عـبوبو

بطل تخطى الصعاب في ثورة التحرير
اعتبر الباحث في التاريخ بجامعة الحاج لخضر باتنة 01 هواري مختار، أن المجاهد محمد الطاهر عبيدي المدعو الحاج لخضر، يعد وساما على صدر الجزائر المعاصرة للدور الذي لعبه إبان الثورة التحريرية ضد المستعمر الفرنسي وبعد الاستقلال أيضا، خاصة أنه كان من الرعيل الأول المفجر للثورة بالأوراس، وأحد رجالات مصطفى بن بولعيد الذين حظوا بثقته، وأوضح الباحث بأن الحاج لخضر الذي هو من مواليد 1914 بقرية أولاد شليح بباتنة، غادر أرض الوطن نحو فرنسا في سنة 1936 وعمره لا يتجاوز العشرين سنة، شعر هناك بالفرق بين المجتمع الجزائري والمجتمع الفرنسي.
وأضاف الباحث في التاريخ، في حديث لـ «النصر» بأن المجاهد احتك بالحركة النقابية بفرنسا خاصة، وعاد إلى أرض الوطن مع اندلاع الحرب العالمية الثانية ليواصل نضاله السياسي في الحركة الوطنية، وكان مصطفى بن بولعيد يكلفه قبل الثورة باستقبال رجال المنظمة الخاصة، واستغلال وسائل نقله الخاصة لملاقاتهم وإيصالهم إلى المناطق الامنة، كما كُلف بتكوين الخلايا السرية بعين التوتة منذ 1942.
ومعروف أن الحاج لخضر – يضيف الباحث- من رجال الأوراس الذين قاموا بتحضير الثورة،  فقد عقد عدة اجتماعات بباتنة مع مجموعة السبعة لمدينة باتنة للاستعداد لتفجير الثورة، وحضر اجتماع ليلة أول نوفمبر في دار بلقواس بتبكاوين، وقاد أحد الأفواج التي هجمت على مدينة باتنة  ليلة أول نوفمبر، وبعد اندلاع الثورة كلفه بن بولعيد بقيادة فوج ينشط بباتنة وضواحيها، وقام بعدة عمليات عسكرية، منها كمين كوندورسي و الهجوم على ثكنة الدرك بسريانة  في 29 مارس 1957، وشارك في معارك عديدة، مثل أم عشرة قرب فم الطوب ومعركة خنقة معاش وغيرها، وتم تعيينه قائدا للولاية التاريخية الأولى لفترة.
وواجه الحاج لخضر بكل حزم السياسة الفرنسية، ولم يسع للحاق بالسياسيين الذين ذهبوا إلى تونس، وبقي داخل الوطن وحينما اشتد الحصار على جنود الداخل عقد اجتماعا في أولاد عسكر بالولاية الثانية بتاريخ 6 إلى 12 ديسمبر 1958 إلى جانب عميروش، وسي امحمد بوقرة، وسي الحواس والعقيد لطفي لدراسة السبل الكفيلة لمواجهة الاستراتيجيات الاستعمارية، في ظل عجز الوفد الخارجي والحكومة المؤقتة عن الاستجابة لكل مطالب الداخل، كما أنه حضر في اجتماع العقداء العشرة بتونس سنة 1959 وشارك في مؤتمر طرابلس في ديسمبر 1959.
مسجد أول نوفمبر بباتنة
من مطار لضرب معاقل الثورة إلى منارة للدين والعلم

 تتشابه قصة تشييد المسجد القطب أول نوفمبر بولاية باتنة، وتكاد تتطابق مع قصة الجامع الأكبر بالعاصمة، من حيث الرمزية والأهداف، وتختلف في المكان والزمان، فالجامع الأعظم بالعاصمة يحمل رمزية تاريخية بعد أن شُيد على مكان لتنصير الجزائريين في فترة الاستعمار الفرنسي، من طرف الكاردينال لافيجري، الذي أخذ المكان اسمه قبل أن يتحول إلى المحمدية بعد الاستقلال، وتقرر السلطات العليا للبلاد تشييد جامع هو أكبر مسجد في افريقيا، وقبل تدشينه كان المسجد القطب أول نوفمبر بعاصمة الأوراس الأكبر، ويقترن مسجد أول نوفمبر بصاحب مبادرة إنجازه المجاهد الفقيد الحاج لخضر، أحد قادة الولاية التاريخية الأولى في الثورة التحريرية، والذي كان قد اختار وأصر على إنجاز المسجد على أرضية المطار العسكري للمستعمر، أين كانت تنطلق طائراته لقنبلة جبال الأوراس لإخماد الثورة.
ويعد الجامع القطب أول نوفمبر، أحد معالم مدينة باتنة الدينية والثقافية وكذا السياحية، وإنجاز الصرح، الذي انطلقت أشغاله سنة 1980 يحمل العديد من الدلالات، فقد أنجز على أرضية كانت إبان فترة الاستعمار الفرنسي، مطارا عسكريا تنطلق وتحط منه الطائرات لضرب معاقل الثورة بجبال الأوراس، وتدمير وحرق القرى، ويؤكد رئيس جمعية مسجد أول نوفمبر البروفيسور صالح بوبشيش لـ»النصر»، بأن المجاهد الحاج لخضر، يروي من عايشه في تلك الحقبة، بعد تأسيسه لجمعية المسجد، إصراره على اختيار الأرضية لما تحمله من رمزية تاريخية وتحد، بعد استرجاع الجزائر سيادتها على أرضها، واختار تحويل المكان الذي كان مدرجا للطائرات العسكرية، التي استعملت لضرب معاقل الثورة إلى منارة لنشر الدين والعلم ومكان للطمأنينة بعد أن كان مكانا لزرع الرعب والخوف.
المسجد القطب الذي حلم به الحاج لخضر، أطلق عليه في بادئ الأمر تسمية قلعة الإسلام، قبل أن يتم الاستقرار على التسمية الرمزية المخلدة لذكرى اندلاع الثورة التحريرية أول نوفمبر.
ويشمل الجامع عدة مباني، منها المسجد والمعهد الوطني للعلوم الإسلامية الذي تحول فيما بعد كلية من جامعة الحاج لخضر، وأوضح البروفيسور صالح بوبشيش بأن جمعية المسجد تأسست سنة 1980 برئاسة الحاج لخضر، الذي التف حوله أعيان المدينة، وقد ارتأى أعضاء الجمعية توسيع المشروع إلى مجمع إسلامي لا ينحصر نشاطه على أداء الصلوات، وإنما يتعداه لتدريس القرآن وعلومه بالطرق الحديثة.   
وكان إتمام إنجاز مجمع أول نوفمبر تحديا، بعد أن طال لسنوات، ولم يتم تدشين المسجد سوى في سنة 2003، وأصبح الأول من حيث المساحة على المستوى الوطني والافريقي بطاقة استيعاب تبلغ 30 ألف مصل، وذلك قبل تدشين المسجد الأعظم بالجزائر العاصمة، الذي تحول إلى أكبر مسجد على المستوى الإفريقي بطاقة 120 ألف مصل والثالث بالعالم بعد الحرمين الشريفين بالسعودية، ويضم الصرح الديني أول نوفمبر معهدا للعلوم الإسلامية، كان قد دخل حيز الخدمة سنة 1987، وألحق  بجامعة الأمير عبد القادر الإسلامية بقسنطينة قبل إلحاقه بجامعة باتنة، حيث أكد الحاج لخضر آنذاك حسب صالح بوبشيش أهمية استلام المعهد أولا لتخريج الإطارات المستقبلية للتدريس والتسيير بالمعهد وهو ما اعتبره رئيس الجمعية حسا وإدراكا استشرافيا للرجل في قراءة المستقبل لحاجة المعهد لتخريج الإطارات المستقبلية.
المجاهد الحاج لخضر الذي ساهم في توسيع الخلايا السرية إبان الثورة السرية، بعد أن كان أحد عناصر إنشاء الخلية السرية الأولى، وأحد القياديين والمفجرين للثورة التحريرية، لم يتوان بعد الاستقلال، عن رفع تحدي البناء بعد نجاح تحدي الاستقلال، إدراكا منه أن الوفاء لرسالة الشهداء لايزال مستمرا، حيث يعود له الفضل في إنجاز عديد المشاريع بعاصمة الأوراس باتنة، ناهيك عن مجمع القطب لمسجد أول نوفمبر 54، وكان من أنشأ جامعة باتنة سنة 1977 والتي أصبحت تحمل اسمه، كما ساهم في إنجاز مطار مصطفى بن بولعيد الدولي، والمركز الجامعي عبروق مدني بوسط المدينة الذي يحمل رمزية تاريخية هو الاخر بعد أن كان خلال حقبة المستعمر الفرنسي مستشفى عسكريا.
من هنا مرّ محمد الغزالي و القرضاوي و البوطي
يتميز مركب أول نوفمبر الإسلامي بولاية باتنة أنه جامع وجامعة في آن واحد على أرض وقفية، ويضم أيضا دارا للفتوى وإصلاح ذات البين، وتتربع مساحة قاعات الصلاة للرجال والنساء على مساحة تقدر بحوالي 9000 متر مربع، بحيث تسع لثلاثين ألف مصل ولهذا الصرح الديني 04 مآذن طول الواحدة 56 مترا، بحيث تعانق في علوها مرتفعات جبال الشلعلع، وتمكن المنارات التي انتهت أشغال إنجاز اثنين منها مؤخرا الناظر من شرفاتها من رؤية جميع أحياء مدينة باتنة وضواحيها.
وكان قد وُضع حجر الأساس لبناء المجمع بتاريخ السادس من نوفمبر عام 1981، بعد تأسيس الجمعية التي ترأسها المجاهد الحاج لخضر في جويلية 1980، وضمت أعيان مدينة باتنة، وأشرف آنذاك على وضع حجر الأساس وزير الشؤون الدينية عبد الرحمان شيبان، ولم يتم تدشين المسجد بصفة نهائية إلى غاية 2003، أين شهد إقبالا منقطع النظير لأداء الصلاة فيه بعد أن ساهم العديد من المواطنين في التطوع لتشييده على مدار سنوات، وأوضح رئيس الجمعية الحالي لمركب مسجد أول نوفمبر الدكتور صالح بوبشيش، لـ»النصر»، بأن المجاهد الحاج لخضر، كان قد أدرك بأن المشروع سيطول ما جعله يسارع من أجل انتهاء وتسليم مشروع معهد العلوم الإسلامية أولا، بمرسوم أمر به الرئيس الشاذلي بن جديد، وكان الدكتور المرحوم الطاهر حليس أول مدير للمعهد والذي اغتالته أيادي الإرهاب وسمي المعهد باسمه.
ويحمل مركب مسجد أول نوفمبر بباتنة، دلالات رمزية عدة،  فناهيك عن الدلالة التاريخية لأرضيته التي اختارها المجاهد الحاج لخضر، لكونها كانت خلال الحقبة الاستعمارية مطارا لضرب معاقل الثورة، فالصرح، حسب رئيس الجمعية، ساهمت كل ولايات الوطن في إنجازه بعد أن بادر آنذاك الحاج لخضر، إلى توزيع بطاقات اشتراك للمساهمة في تشييد المسجد عبر كل ربوع الوطن، والمسجد ساهم الأشقاء المصريون في تشييد منارتين أنجزتا أولا، قبل أن يستكمل مؤخرا الصينيون إنجاز المنارتين المتبقيتين، وإن لم يُكتب للمجاهد الحاج لخضر الوقوف على نهاية أشغال المشروع، بعد أن وافته المنية في 24 فيفري 1998، إلا أنه بادر إلى أداء صلاة التراويح فيه مثلما يروي رئيس الجمعية والمشروع على وشك الانتهاء.
وأرجع طاهر حليسي، كاتب وإعلامي سبق وأن تطرق لحياة المجاهد وشخصيته، طول مدة الأشغال بالمسجد التي انطلقت في العام 1982 واستغرقت ورشاته وقتا طويلا إلى ضخامة المشروع المتربع على مساحة تفوق 42.200 متر مربع، ويتسع لـ 30.000 مصل ما جعله واحدا من أكبر مساجد البلاد، وقال بأن سبب تعثر الأشغال مرده عامل رئيس هو توقف التبرعات لأسباب أمنية بحتة خاصة بعد سنوات الإرهاب، حيث كان من العادة جمع التبرعات بيسر، غير أن تلك الظروف ساهمت في تسجيل التأخير، بيد أن المشروع كبر مع مرور الوقت، حيث أنشئ في سنة 1988 بجوار المسجد معهد إسلامي نهاية الثمانينيات، ليستقبل الأخير أولى الدفعات الجامعية بعد إلحاقه بجامعة قسنطينة للعلوم الإسلامية، «وقد أشرف عليه الدكتور طاهر حليس خريج الجامعة المصرية لسنوات عدة، تمكن خلالها من ترسيخه وتطويره، من خلال مرافق عدة بينها قاعات المحاضرات وقاعات دروس التطبيق و مقر إداري، وقاعة مؤتمرات كبرى، و سكنات وظيفية للأساتذة والمدرسين المستقدمين، حتى يكون مكملا لأشغال المسجد الذي دشن بصفة رسمية في العام 2003 فأقيمت به صلاة الجمعة كما صار قبلة الباتنيين لأداء الصلوات الخمس والتراويح خاصة، كما تحول المسجد خلال سنوات عدة لمركز إلقاء ندوات فكرية نشطتها شخصيات دينية معروفة مثل الشيخ محمد الغزالي والبروفيسور رشيد بن عيسى.ويذكر عن الحاج لخضر البروفيسور صالح بوبشيش، أنه كان صاحب فضل في إنشاء الجامعة وصرح أول نوفمبر تقديرا منه لأهمية العلم والعلماء، فسعى لاستقطاب وجلب أساتذة إلى المركب القطب لمسجد أول نوفمبر من دول صديقة، كمصر، والعربية السعودية، والعراق، وسوريا، وكان اخر أستاذ من الهند قد غادر إلى الإمارات العربية المتحدة، وأشار محدثنا لمرور علماء ومشايخ عبر المجمع الإسلامي أول نوفمبر، منهم القرضاوي، والبوطي ومصفى البوغا، ومحمد الغزالي لعقد الندوات وتكوين الإطارات الجزائرية حتى تتولى مناصب التدريس في المستقبل، وهو ما تحقق من أمنية الفقيد المجاهد الحاج لخضر، كما أن المسجد كان محل زيارة سفراء دول بالجزائر اخرها كانت زيارة السفير الأمريكي سنة 2019.
حلم الصرح العلمي أراده ردا على سياسة التجهيل للاستعمارية
اعتبر الإعلامي والكاتب طاهر حليسي، الذي كتب عن حياة وشخصية المجاهد، أن كل الصرح العلمي من مسجد قطب وجامعة الذي أراده الحاج لخضر، كان فكرة وحلما لرجل جاهد في الثورة، ورغب في إنشاء قلعة لتعليم الناس ردا على سياسة التجهيل التي زرعها الاستعمار، وكان ذلك البطل ضحية لها.
وأضاف، بأنه لم يكن أحد يتخيل أن يصبح ذلك المكان الذي كانت تنطلق منه طائرات الاستعمار لقنبلة الثوار بجبال الشلعلع والأوراس، مكانا تنطلق من مآذنه الأربع نداء الصلوات على مدار اليوم، ويصبح معهدا إسلاميا فجامعة إسلامية تندرج في إطار العلوم الإنسانية والاجتماعية، وما كان مجرد فكرة حملها العقيد محمد الطاهر عبيدي الشهير بكنية الحاج لخضر، صار حقيقة ماثلة، تطوّرت من حلم شخصي، لذلك الرجل الذي تولى قيادة الولاية التاريخية الأولى لفترة من الفترات، وبدافع غريب هو ما كان يسره لبعض رفاقه من قبيل: “سأنشئ في المكان الذي كان سببا في استشهاد عدد كبير من الرفاق مسجدا كبيرا، سيصبح منارة ترى مآذنها من جبال الشلعلع وسيحمل اسم قلعة الإسلام”.
وقد ظل الحلم الذي عاش مع العقيد الحاج لخضر وثلة من رفاقه حتى إذا جاءت سنوات الثمانينيات بدأ في التجسيد من خلال حملة جمع تبرعات في جميع مساجد ولاية باتنة، بالإضافة إلى حصص تبرعت بها مؤسسات الدولة التي تبنت المشروع، الذي رعته لجنة دينية ترأسها الحاج لخضر لتسهيل الإجراءات الإدارية والمالية، نظرا للعلاقات التي كان يتمتع بها داخل دواليب السلطة، ومما يروى أن الحاج لخضر الذي تحصل على قرض بنكي استغله في إنشاء مصنع لتحويل الطماطم لمصبرات، قبل أن يتخلى عنه، تلقى إشعارا من الضرائب لدفع مستحقات بعد سنوات من التخلي عن المشروع، رد في دعابة، “لقد دفعت كل أموالي في أساسات بناء قلعة الإسلام”.وكان المشروع اكتمل تجسيده النهائي بإنهاء انجاز مئذنتيه المتبقيتين بعدما تبرع مقاولون ورجال أعمال بمبلغ 5.7 مليار سنتيم، لتنتهي الدورة الكاملة للمشروع الذي استمر رغم وفاة العقيد الحاج لخضر العام 1998 حيث أديت صلاة الجنازة عليه في المسجد الذي كان يشرف على تنفيذه، كما حمل المعهد اسم الدكتور طاهر حليس الذي اغتالته أيادي الغدر والإرهاب العام منتصف التسعينيات.
وأكد الإعلامي طاهر حليسي بأن قلعة الإسلام تلعب دورا اجتماعيا مهما كونه يتضمن دار افتاء ومجلسا لإصلاح ذات البين يساهم في نقل الآراء الشرعية لمذهب أهل البلد للناس كما يساهم في عقد جلسات الصلح وحل الخلافات، ما يمنحه دورا اجتماعيا بارزا.
...وهكذا بصم  على مطار الشهيد مصطفى بن بوالعيد الدولي
من أهم مساهمات المجاهد الحاج لخضر، الوقوف بكل قوة لدعم مشروع إنجاز مطار باتنة الدولي، و تعود أطوار القصة إلى بداية التسعينيات، حيث كان الوالي الأسبق لولاية باتنة محمد شريف جباري يسعى لتحريك المشروع الذي اعترضته عراقيل إدارية و بيروقراطية و كان يؤجل للطرح على مستوى وزارة النقل و الحكومة لعدة مرات، و مما يروى في هذا الصدد، أن والي الولاية رافق الحاج لخضر، الذي كانت تربطه به علاقات طيبة إلى منطقة قريبة من إمدغاسن باتجاه طريق سطيف، أين توقف بسيارته بالقرب منها و أفصح عن رغبته في تحريك المطار، فنزل الحاج لخضر و عاين المساحة المقترحة و فكر مليا ثم عاد إلى الوالي و قال له « امض في المشروع سأقوم بدعمه و الاتصال بالجهات الحكومية من أجل ذلك».
وبالفعل قام الحاج لخضر باتصالات كثيفة مع الرئاسة والحكومة والوزارة المعنية، وبحكم علاقاته التي كان يتمتع بها مع عدد كبير من المسؤولين منذ أيام الثورة، ومن أجل مكانته تمت الموافقة على المشروع وإعداد الدراسة، التي تكفل بها مهندس من ولاية باتنة وصممه على شكل الضريح الملكي النوميدي كي يحمل اسم إمدغاسن قبل أن يتم اعتماد اسم مصطفى بن بولعيد.
ولعب الحاج لخضر، دورا في تسريع وتيرة الاعتمادات المالية، عندما شهد المشروع حادثا تمثل في انهيار سقف خرسانة وتفاديا لتوقف الاشغال عقد عدة اتصالات مع الرئاسة، حيث كان عمار زقرار يشرف على التنسيق بصفته أمينا عاما، على إتمام المشروع بالتنسيق مع وزير النقل آنذاك.

جامعة الحاج لخضر
من كليتين إلى 06 كليات ومعهدين يتخرج منها آلاف الطلبة
أكد مدير جامعة باتنة 01 الحاج لخضر الدكتور ضيف عبد السلام، افتخار هذه المؤسسة بحمل المجاهد الراحل محمد الطاهر عبيدي المدعو الحاج لخضر، أحد أبطال ثورة التحرير، بعد دوره في الثورة و الدور البارز بعد الاستقلال في تأسيس منارتي الجامع القطب أول نوفمبر، والجامعة بعاصمة الأوراس، إدراكا منه بأهمية العلم في تطور الأمم وردا منه على سياسة الاستعمار في تجهيل الجزائريين، وقال الدكتور ضيف بأن تسمية الجامعة على المجاهد الحاج لخضر اعتراف بأفضاله وخدماته الجليلة.

وكان المجاهد الحاج لخضر قد أسس للجامعة بولاية باتنة، ودفع بإمكانياته الخاصة في بادئ الأمر، وجمع الأعيان فكان رجل إجماع، وكانت كلمته مسموعة لما يتميز به من حكمة وقوة الشخصية، ووظف علاقاته لخدمة العلم والتعليم من خلال إنشاء الجامعة والمسجد القطب أول نوفمبر، وترك أيضا بصمته على المطار الدولي بباتنة.
وجامعة الحاج لخضر اليوم توسعت وتطورت، بحيث باتت تضم عديد الكليات والمعاهد والمنشآت في التكوين العالي، بحيث تضم 06 كليات تتمثل في كلية العلوم الإسلامية بعد أن كانت في بدايات تأسيسها ملحقا لجامع الأمير عبد القادر بقسنطينة قبل أن تستقل كمعهد ثم كلية تابعة لجامعة الحاج لخضر، التي تضم أيضا كليات علوم المادة، والحقوق والعلوم السياسية، والعلوم الإنسانية والاجتماعية، والاقتصاد والتجارة، الأدب واللغة الأمازيغية، وتضم الجامعة معهدين واحد للهندسة المعمارية وآخر للفلاحة والبيطرة، بالإضافة لهياكل علمية وتعليمية تتمثل في دار للمقاولاتية وحاضنة المشاريع، ومنصة تقنية لطلبة الفلاحة والبيطرة ومحطة تجارب.
وبات يتخرج من جامعة الحاج لخضر سنويا آلاف الطلبة، حيث تحصي هذه السنة 32 ألف طالب وتخرج الموسم الماضي حسب مدير الجامعة أزيد من 12 ألف طالب بينهم 6000 في طور الليسانس و6500 في طور الماستر، كما تحصي الجامعة توظيف حوالي 1500 أستاذ تعليم عالي، ويذكر أن ولاية باتنة منذ سنة 2015 باتت تحصي جامعتين ومركز جامعي، حيث تم تقسيم التخصصات والطلبة بين جامعة باتنة 01 الحاج لخضر وجامعة باتنة 02 مصطفى بن بوالعيد والمركز الجامعي بريكة سي الحواس.
وكانت نشأة جامعة باتنة، تعود إلى شهر سبتمبر 1977 حيث تأسست بدايتها في إطار مركز جامعي، يضم قسمين أحدهما للعلوم القانونية والثاني للغة والأدب العربي، وقد كانت المزرعة القديمة بالمنطقة الصناعية أول هيكل انطلقت فيه الدراسة الجامعية بالولاية، وسرعان ما شهد المركز تطورا نوعيا في الهياكل البيداغوجية، حيث تم اعتماد معهدي البيولوجيا والعلوم الدقيقة والتكنولوجيا في سنة 1978، واتخذ من المستشفى العتيق الذي كان في عهد الاستعمار مستشفى عسكريا فرنسيا مقرا للمعاهد الجديدة.
رحل المجاهد الحاج لخضر رمز التحدي وحب الوطن، لكن أفضاله لاتزال على ألسن سكان ولاية باتنة، بعد أن نذر حياته لحرب التحرير، وللبناء والتشييد بعد الاستقلال، وفاء منه للمجاهدين والشهداء الأبرار.

الرجوع إلى الأعلى