شدد مخرجون وممثلون جزائريون، على هامش الأيام الوطنية السينمائية، « سيني تيفاست»، التي أقيمت بتبسة مؤخرا، على ضرورة تغيير زاوية النظر، أثناء إنتاج الأفلام السينمائية الثورية مشيرين، إلى أنه يتعين على الناشطين في هذا المجال، تقديم إرثنا الثوري، بطريقة جديدة و رؤية مختلفة تعطى فيها مساحة أكبر، للتفاصيل الإنسانية، بعيدا عن الصورة النمطية، التي جعلت سينما الثورة عبارة عن مشاهد مكررة للمعارك والكمائن، وأصوات البنادق وأزيز الطائرات، في غياب القصة و الفرجة الحقيقية.

الجموعي ساكر

و برأي هؤلاء، فإن الرعيل الأول من المخرجين والسينمائيين، قد حققوا هدفهم الأول من إنجاز تلك الأفلام بحكم الظروف والمعطيات الدولية، التي كانوا يعملون فيها آنذاك، لذلك نجحوا في التعريف بثورة أول نوفمبر و بنتائجها و استطاعوا الترويج لها، ومواجهة دعاية المستعمر، من منطلق أن السينما، وسيلة تعبيرية و اتصالية يمكن من خلالها، تمرير الأفكار والرسائل والقناعات، عبر الصورة والحركة والزمن، وبالنظر إلى أن ما يفصلنا عن تلك الثورة كبير، فإن المخرجين، مطالبون اليوم حسبهم  بإعادة إنتاج وتركيب الواقع، بما يسمح بالوصول إلى أنسنة الأفلام السينمائية الثورية، وهو ما سيعيد إنتاج الواقع، لتلك الفترة من تاريخنا، وليس ذلك بصعب على السينما الجزائرية، التي حصدت سنة 1975السعفة الذهبية، في مهرجان كان الدولي، عن فيلم وقائع سنين الجمر، للمخرج محمد لخضر حامينة.

الناقد السينمائي جمال الدين حازورلي
قليل فقط من الأفلام الثورية قدمت القصة الإنسانية
قال المخرج الإذاعي والناقد السينمائي جمال الدين حازورلي، إن السينما ساهمت في إيصال القضية الجزائرية إلى أروقة الأمم المتحدة، وذلك بفضل ما سجله مخرجون من روبورتاجات وأعمال، لذلك وجبت حسبه إعادة النظر، في تناول تاريخنا الثوري سينمائيا، من خلال أنسنة المواضيع، للوصول إلى الآخر ففي فيلم «ياسمينة» مثلا، و تحديدا في مشهد الطفلة الصغيرة التي تحملها والدتها فوق ظهرها هربا نحو الحدود التونسية، لتحميها من قنابل «النابالم» التي كانت طائرات المستعمر الفرنسي تلقيها على الجزائريين، يجد المتفرج نفسه متعاطفا مع القضية الجزائرية، وهو ما حدث فعلا، إذ حققت القصة تعاطف الرئيس الأمريكي كينيدي، مع القضية الجزائرية وفرض صوت الجزائر في الأمم المتحدة، رغم أنه لم تطلق خلالها رصاصة واحدة، وبخلاف ذلك كان فيلم « الجزائر في اللهيب» ثوريا لكنه أقل إقناعا.
 وأضاف المخرج، أن قلة قليلة من الأفلام السينمائية  وصلت إلى الحكي الإنساني، إذ كان لا بد من تمجيد بطولات الثورة، دون إغفال ماهية السينما، التي نستعرض فيها إنسانية الإنسان، عبر القصص المغلفة بجمالية القضية وجمالية الإنسان، وهو شق أهملته بعض الأفلام السينمائية الطويلة، في حين نجحت الأفلام القصيرة في هذا الصدد  مثل سلسلة «الجحيم في سن العاشرة»، التي تروي مساهمة ومعاناة الطفل الجزائري أثناء ثورة التحرير، إذ يعتبر هذا الفيلم برأيه من أجمل ما قدمت السينما الجزائرية، من ناحية الموضوع والشكل.
 وعلى نفس المنوال، يضيف المتحدث، نال فيلم «أحداث متنوعة»، المكون من خمسة أجزاء الثناء بفضل الحرفية العالية التي أنجز وفقها، ونوعية وشكل معالجته لموضوع الثورة، وعليه فبإمكاننا كما أوضح أن نصنع الفرجة و الحكي و بواقعية بسيطة، وخاصة في الشريط القصير الذي لا يحتمل الكذب، ولا يبتعد كثيرا عن ماهية الإنسان.   حازورلي قال، بأنه حسب متابعاته للشأن السينمائي، فإنه لا توجد أزمة نصوص بل إن الصراع قائم حاليا حول الحكاية، وإسرائيل والغرب عموما يبني صراعه الوجودي على الحكاية.

المخرج السينمائي علي عيساوي
أفلام كثيرة تناولت الجانب السوسيولوجي ولا تزال مجهولة
أكد المخرج السينمائي علي عيساوي، أن هناك العديد من الأفلام السينمائية الثورية، التي مست الجانب السوسيولوجي الجزائري إبان الحقبة الاستعمارية، غير أنها لا تزال مجهولة أو لم يتم عرضها بعد، والقول إن الأفلام السينمائية الثورية، قد قصرت في هذا الجانب، فيه تجن وإجحاف كبير كما عبر.
وقال المتحدث، إن المخرجين الأوائل تعاطفوا جدا مع الإنسان في أعمالهم و اعتمدوا على التفاصيل البسيطة في حياته للتعريف بالثورة التحريرية وتمجيد انتصارات رجالها، عبر نقل مشاهد الكمائن والمواجهات المباشرة وغير المباشرة، مع تسليط الضوء على معاناة الجزائريين فكانت تلك الأفلام عبارة عن وثيقة تاريخية، توثق لجرائم الاستعمار في حق الشعب الجزائري، كاستخدامه مثلا للأسلحة المحرمة مثل “النابالم»، ولم تكن غالبية تلك الأفلام بعيدة عن جوهر الإنسان، إذ سلطت الضوء على المواطن الذي لم يكن يملك شيئا، سوى إيمانه بالله و بالوطن، كما تعددت المواضيع المطروحة، فظهرت أفلام تتحدث عن معاناة الطفولة أثناء الثورة، وكذا يوميات المرأة الجزائرية وغير ذلك.

الممثل عنتر هلال
يجب التنسيق مع المؤرخين في الأفلام التاريخية
يرى الممثل ، الفنان عنتر هلال، أن السينما الجزائرية بحاجة إلى قرار سياسي يمكن من خلاله فرض العمل السينمائي التاريخي و الاهتمام به وفق نظرة فلسفية و روحانية و في محيط متشبع بالحرية.
 الفنان قال، إن أفلام السبعينيات نقلت صورة واضحة عن الشعب ومعاناته من الاستعمار ومخلفاته كما عكست التوق إلى الحرية بخلاف الأفلام التي تلتها، و التي ابتعد فيها الفن السابع عن الإنسان الجزائري، فصرنا نشاهد مجاهدين بألبسة فاخرة و غير ذلك وهو ما شدد الحاجة إلى الصدق والموضوعية وإلى استنطاق كل فرد من أفراد تلك المرحلة التي كان فيها لكل إنسان حكاية ورواية، و السينما الجزائرية ليست في مرحلة البداية، و إنها تتقدم تدريجيا، وبرأيه فإن المؤرخين قد قصروا في تدوين التاريخ الوطني، وخاصة تاريخ المقاومات الشعبية، وكل ما كتب قليل مقارنة بتلك التحديات، والشيء المكتوب وصلنا من المعمرين أو من التواتر الشعبي حسبه، مما جعل الكثير من الروايات مبتورة. و قال الممثل، إنه أمام هذا الوضع، فإن المخرج يضطر إلى بذل جهد إضافي لملامسة الواقع، والاستعانة بالمؤرخين حتى يكون الفيلم الثوري جادا، واقترح في هذا الصدد التنسيق بين المخرج و السيناريست والمؤرخين، لإنتاج أعمال سينمائية جديرة بالمشاهدة، وذلك لتفادي السقوط في المحظور من الجانب التاريخي، وتقديم أفلام جديدة بمعالجات قديمة، حيث عاد للحديث عن تجربته في  فيلم «أسوار القلعة السبعة» لأحمد راشدي و الذي قدم فيه دور ابن المجاهد مايدي، كما شارك في فيلم« طاحونة السيد فابر»، أين أدى دور حارس الحدود زرزور.

الفنان بووشمة عابد
هي أزمة نصوص و سيناريو
اعتبر الفنان بووشمة عابد، وهو ممثل شارك في فيلمي كريم بلقاسم والعقيد لطفي، أن بعض الأفلام السينمائية نجحت في تجسيد وتقريب الواقع الثوري للمواطن الجزائري، على غرار أفلام « الأفيون والعصا و دورية نحو الشرق ومعركة الجزائر»، إلا أن بعض الأعمال الأخرى، فشلت في تقديم الإنسان، وذلك راجع إلى قلة خبرة بعض المنتجين الشباب وعدم معاصرتهم للثورة، بخلاف تجارب السينمائيين الأوائل من أمثال لخضر حامينة و أحمد راشدي وعمار العسكري. أما فيما يخص نصوص الأفلام الثورية الجزائرية، فهي قليلة أو تكاد تنعدم، يضاف إلى ذلك عدم وجود كتاب سيناريو متخصصين وقد دفعت هذه الوضعية حسبه، بمعظم المخرجين إلى الاستعانة بكتب السير الذاتية للمجاهدين رغم  ما فيها من تحفظات، مما جعل تلك الأفلام غير قادرة على الاستقطاب الجماهيري وتعاني من حيث الرواج.
 وأضاف الفنان، أن السينما بحاجة إلى تفعيل دور القطاع الخاص في التمويل والإنتاج، مثلما هو معمول به في كثير من الدول، وذلك لتدعيم جهود الدولة في كتابة تاريخنا بالصورة السينمائية الملائمة، ومن ثم رفع الاحتكار.

محمد طاهر زاوي ممثل مسرحي وتلفزيوني
علينا أن نختار زاوية تصوير مختلفة
قال الممثل المسرحي و التليفزيوني  محمد الطاهر زاوي إن الوقت قد حان لنغير زاوية النظر في موضوع الثورة التحريرية، وذلك إذا ما أردنا أن ننقلها للآخر بشكل أفضل  و أن لا نكتفي نحن فقط بمشاهدتها أو تخزين الأعمال دون الاستفادة منها.
 و أضاف بطل فيلم بن باديس، بأن السينما سلاح أقوى من الرصاص والكثير من الدول صنعت لنفسها تاريخا من خلال الفن السابع، وصارت تتحكم في العالم بهذه الوسيلة مشيرا، إلى أن القليل فقط من الأفلام السينمائية قد سلطت الضوء على الجانب الإنساني للشعب الجزائري وعلى تأثيرات الحرب والاستعمار عليه، من ناحية نفسية و ثقافية  و اجتماعية، حيث أن هناك أفلاما قديمة قليلة فقط نجحت على غرار فيلم «ريح الجنوب »، كما عالج فيلم «هيليوبوليس» الثورة الجزائرية من زاوية إنسانية أخرى تبتعد عن الانتفاضة و الرصاص والمقاومة والكمائن   ورغم هذه الطفرات، إلا أن السينما الجزائرية لم توفق تماما في اعتقاده، في نقل الجانب الإنساني، لذلك لم تصل غالبية الأفلام إلى العالمية.
تجدر الإشارة إلى أن، الجائزة الأولى للأيام الوطنية السينمائية بتبسة، قد عادت للمخرج الشاب، حسام الدين عباسي من ولاية معسكر، عن فيلمه «أوبن»، فيما عادت الجائزة الثانية للمخرجة مليسا العربي من بجاية، عن فليمها « أنزا،» وتحصل المخرج، بويش إسماعيل من ولاية غليزان، على المرتبة الثالثة عن فيلمه 41.

الرجوع إلى الأعلى