أجمع مؤرخون و أساتذة في التاريخ بأن الجزائر جعلت من تحقيق السيادة الوطنية واستقلالية قراراتها وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، عدا ما يتعلق بتسوية النزاعات في إطار الوساطة الدبلوماسية لتحقيق الأمن و السلم الدوليين، توجهات أساسية للدولة الوطنية التي تأسست عقب الاستقلال. و اتفق المشاركون في ندوة «النصر» التي تتمحور حول التوجهات الأساسية للدولة الجزائرية، بأن الطابع الاجتماعي ظل وما يزال من المبادئ الراسخة التي تعمل مختلف البرامج والسياسات على تجسيده، سواء ما تعلق بمجانية التعليم والصحة وبرامج السكن الاجتماعي وإقرار منح للبطالين وطالبي الشغل وغيرها من التدابير ذات البعد الاجتماعي. ودعا المتدخلون إلى ضرورة تثمين المكتسبات المحققة بفضل التضحيات الجسام للشعب الجزائري عبر مختلف الحقب التاريخية، لا سيما إبان الثورة التحريرية، بما يضمن الحفاظ على سيادة الجزائر ومكانتها في المحافل الدولية، ويحقق العدالة الاجتماعية بين أبنائها. 

إعداد : لطيفة بلحاج

* الأستاذ في التاريخ المعاصر رابح لونيسي
الجزائر المستقلة ضمنت العدالة الاجتماعية و استقلالية القرار
يرى الأستاذ في التاريخ المعاصر بجامعة وهران رابح لونيسي بأن مشروع الثورة التحريرية كامل ومتكامل وواضح، ومن مبادئه العدالة الاجتماعية وتكريس البعد الاجتماعي للدولة الوطنية، وسياسيا نص بيان أول نوفمبر على تأسيس دولة اجتماعية ديمقراطية ضمن المبادئ الإسلامية، واحترام الحريات الأساسية دون أي تمييز، وهو ما أضحى يسمى اليوم بالحريات الوطنية.
وكانت كل مشاريع ومواثيق الثورة من بينها بيان أول نوفمبر متجانسة ومتناسقة من حيث الأسس المبادئ، على غرار ميثاقي سنة 64 وسنة 76، وأرضية طرابلس وميثاق مؤتمر الصومام وكذا ميثاق سنة 86، فجميعها حافظت على روح وطابع الدولة الوطنية.
كما أثنى المتدخل على السياسة الخارجية الجزائرية، فالجزائر التزمت دائما بالحياد الإيجابي اتجاه القضايا الدولية منذ الثورة التحريرية، مع عدم التدخل في شؤون الدول، والسعي للحفاظ على السلم والأمن في العالم، مما مكنها من القيام بأدوار الوساطة بنجاح بين الفرقاء.
وذكر الأستاذ في التاريخ المعاصر بالوساطة الأخيرة بين الفرقاء الفلسطينيين لتوحيد الصف لأجل نصرة القضية الفلسطينية، وتوقع المتدخل أن تنجح الجزائر في لم الشمل العربي في القمة العربية بفضل علاقاتها الطيبة مع الجميع، فهي لم تتدخل يوما في الصراعات العربية العربية منذ الثورة التحريرية، حيث منعت حينها الطلبة الجزائريين في الخارج من التعاطف مع أي تنظيم.
كما سعت الجزائر دوما الى عدم إقحام العرقية والطائفية في الوساطات التي قامت بها، وضحت بخيرة دبلوماسييها لإنجاح مبادرات لم الشمل، وكان ذلك خلال الوساطة التي قادتها لحل النزاع العراقي الإيراني، الذي توج بإبرام اتفاقية الجزائر سنة 1975 ووقف الحرب.
ولم يغفل المتدخل الإشادة بالبعد الاجتماعي للدولة الجزائرية الذي ما يزال منذ الاستقلال من بين الخيارات الاستراتيجية، قائلا إن الدولة الوطنية التي تأسست غداة انتزاع الحرية هي نقيض للنظام الاستعماري الغاشم، وكانت الثورة التحريرية ثورة الفلاحين، لذلك تم الحرص على توزيع الأراضي بعد الاستقلال على كافة الفلاحين بعد أن سلبها المستدمر منهم.
ويضيف الأستاذ بجامعة وهران رابح لونيسي بأن الجزائر لم تتخل يوما عن البعد الاجتماعي وكذا احترام الحريات، وتجلى ذلك بوضوح جعل الوصول إلى المناصب على أساس الولاء للأمة والوطن، كما ذكر بمرسوم سنة 63 الذي وقعه الرئيس السابق أحمد بن بلة، تم بموجبه منح حق التسيير الذاتي للأراضي الزراعية للفلاحين لتصبح ملكا لهم.
وأضحى الريف بفضل هذه السياسة قاعدة للدولة الاجتماعية، التي كرست بدورها التساوي ما بين الجنسين، بتمكين المرأة من بلوغ أعلى المناصب والرتب، إذ تعتبر الجزائر من البلدان القليلة التي تضمن التساوي في الأجور بين المرأة والرجل يضيف الأستاذ لونيسي رابح، وسبقت في ذلك عدة بلدان أوروبية، بل لم تطرح  اشكالية الفوارق الاجتماعية والمهنية بين الجنسين يوما منذ الاستقلال، بفضل تكريس المبادئ التي تضمنها بيان أول نوفمبر.ويعتقد الأستاذ لونيسي بأن ما يثيره البعض بخصوص الفوارق بين المرأة والرجل هو مجرد مبالغة لا غير، موضحا بأن النظام الاشتراكي الذي تبنته الجزائر غداة الاستقلال كان بدوره نابعا من مبادئ الدولة الجزائرية، ضمن تحقيق العدالة والمساواة الاجتماعية بين مختلف فئات المجتمع.
وأكد المختص في التاريخ المعاصر بأن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون جعل من تجسيد البعد الاجتماعي للدولة الجزائرية والحفاظ عليه مبدأ أساسيا، فضلا عن الحفاظ على استقلالية القرار السياسي، رغم ما تتعرض له الجزائر من ضغوط جراء تمسكها بمبادئها وخياراتها الاستراتيجية.
وتعد نصرة القضية الفلسطينية، ورفض التطبيع ودعم حركات التحرر في العالم من المبادئ الراسخة للسياسة الخارجية الجزائرية يؤكد الأستاذ في التاريخ المعاصر.   

* الأستاذ محمد الأمين بلغيث مؤرخ وأكاديمي
الحفاظ على السيادة الوطنية من مقدسات الدولة الجزائرية
يشدد المؤرخ والأكاديمي محمد الأمين بلغيث على أن تضحيات المجتمع الجزائري عبر الأزمان والحقب التاريخية المتعاقبة من أجل الحفاظ على وحدة التراب الوطني، أصبحت من المبادئ الراسخة للثورة التحريرية ولجزائر ما بعد الاستقلال.
أفاد الأستاذ محمد الأمين بلغيث «للنصر» بأن الحفاظ على السيادة الوطنية يعتبر من مقدسات الدولة الجزائرية بعد الاستقلال، موضحا بأن الجزائر التزمت طيلة مسارها التاريخي بتكريس هذا المبدأ الأساسي.
ويرى الباحث في التاريخ بأن الجزائر التزمت أيضا بالحفاظ على وحدة سكانها، باعتباره واحدا من مبادئ الثورة الجزائرية، أيقونة ثورات القرن العشرين، فضلا عن السهر على ضمان وحدة التراب الوطني، وهو مبدأ تشكل عبر الزمان من خلال تضحيات المجتمع الجزائري والدول المتعاقبة على ترابه.
ولم تغفل الدولة الجزائرية صيانة المبدأ المتعلق بالحفاظ على السيادة الوطنية على الفضاء والجرف القاري والحدود المرسمة، يقول الأستاذ بلغيث، مضيفا بأن هذه المقدسات تشكل فلسفة وجود الدولة الجزائرية، وأن القيِّم على حدودها وفقا للدستور هو الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني الذي يشكل العمود الفقري للدولة الجزائرية.
ويضيف الأكاديمي والباحث في التاريخ بأن تحديد هذه المسألة جاءت بعد نضال طويل للجزائريين بمختلف مكوناتهم الاجتماعية والثقافية، وتبقى هذه الركيزة مسألة مقدسة، لهذا «نختلف مع كل الخلق إذا أحسسنا بأن هذه المؤسسة الدستورية تتعرض للقصف من منصات إطلاق موجهة» يؤكد الأستاذ محمد الأمين بلغيث.
وتظل الجزائر وفق المتدخل سيدة ما دامت تحافظ على مبدأ عدم التدخل في شؤون الغير، وهذا مبدأ مقدس يعرفه القاصي والداني، لأن مؤسسة الجيش الوطني الشعبي، مؤسسة شعبية تأبى أن تكون مؤسسة يخرج من جنباتها من يمكن أن ينحرف عن هذا المبدأ المقدس.
ويعد طابع الدولة الجزائرية حسب مواثيقها، اجتماعيا محضا يضيف المصدر، تحقق منه لفترة زمنية طويلة الكثير من المكتسبات في مقدمتها مجانية العلاج والتعليم، وكذا تكريس الحق القانوني للمواطن الذي يعيش على أرضها في العمل ضمن مبدأ تكافؤ الفرص، إلى جانب الحق في السكن والتنقل وهي مبادئ مقدسة في القانون الجزائري.
ويعتقد الأستاذ في التاريخ بأنه رغم ما بذل من جهود، قد تكون محطات أو مطبات لا تتحقق فيها هذه المبادئ والقيم والمكتسبات، وهو سر الاحتجاج الذي عرفته الجزائر، وكان نتيجته أعظم ثورة سلمية في تاريخ العالم، أي حراك 22 فيفري 2019.
وتبقى المسائل المحققة لأمال الثوار، من بينها بناء دولة يتساوى فيها مواطنوها أمام القانون، دولة الحق والعدل والإحسان يتحد فيها الناس لمواجهة كل المخاطر المحدقة بسيادة وقيم الدولة والمجتمع، من بين أهم المبادئ والمكاسب التي يجب العمل على تكريسها والعمل على تجسيدها وترسيخها بين الأفراد.

* مصطفى عبيد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة المسيلة
الجزائر قدمت تضحيات لبناء دولة حديثة ذات مبادئ
أفاد الأستاذ مصطفى عبيد مختص في التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة المسيلة ورئيس المجلس العلمي للحفاظ على الذاكرة وتبليغ رسالة الشهداء تمسك الجزائر بتحقيق السيادة الوطنية التي شكلت ركنا أساسيا في بيان أول نوفمبر، وهي تعمل من أجل الحفاظ عليها، وعلى مكتسبات عدة لا سيما الاجتماعية منها.
وتجلت الجهود المبذولة في التضحيات التي قدمتها الجزائر سواء ضد فرنسا أو ضد كل من حاول المساس بالسيادة الوطنية بعد سنة 1962، أو التأثير على استقلال القرار، فقد حرصت الدولة الجزائرية على سيادة قرارها، وفق ما تجلى في أدبيات الثورة التحريرية، وفي مبادىء الديبلوماسية الجزائرية بعد الاستقلال. فأول تجسيد لسيادة القرار كان عبر استرجاع السيادة الوطنية بعد تضحيات جسام، وتبع ذلك محطات جد هامة أكدت على الاستقلال التام للدولة الجزائرية، التي ما تزال محافظة على مبادئها، من بينها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والشعوب.
وكانت الجزائر من الرافضين لسياسة الميز العنصري في جنوب إفريقيا، وأثبتت سيادتها باعتماد اللغة العربية لأول مرة في مخاطبة أعضاء هيئة الأمم المتحدة، وهي ما تزال محافظة على سيادة موقفها في مواجهة التعنت الغربي وسيطرته على السوق والثروات العالمية، وعبرت عن رفضها لذلك بصراحة في عدة مناسبات، على غرار ما قامت به سنة 1973.
وعاد المصدر إلى مؤتمر حركة عدم الانحياز المنعقد بالجزائر سنة 1974، وما ترتب عنه من نتائج كانت ترمي إلى الوقوف ضد الأطماع الامبريالية الغربية، وإرساء قواعد جديدة في التعامل بين الشمال المتطور والجنوب المتخلف، بما يضمن مصالح الدول والشعوب الضعيفة.
وتجلى مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول والشعوب في تعامل الجزائر مع مختلف القضايا، فقد رفضت الجزائر التدخل في الشأن اللبناني إلا وفق ما يحل القضية في ظل التعاون العربي وقوانين المجتمع الدولي، فكانت مساهمتها في ذلك قوية.
وكذلك فعلت الجزائر في تسوية نزاعات عدة بطرق ودية وسلسة بين بعض الدول العربية، بدفعهم إلى إيجاد حلول كفيلة بمعالجة القضايا سلميا مثلما حصل بين العراق وإيران، وما تقوم به حاليا من إيجاد حلول للقضايا العربية على غرار القضية الليبية، ودورها الكبير في الملف المالي والجهود الكبيرة التي انتهت إليها الجزائر في سبيل احترام مالي كدولة وشعب.
ويعتقد الأستاذ مصطفى عبيد بأن ما قامت به الدبلوماسية الجزائرية من جهود تجاه القضية الفلسطينية ونصرتها منذ 1948 بل وحتى من قبل ذلك، وما فعلته في الأيام القليلة الماضية لجمع شمل الإخوة الفلسطينيين، يؤكد على نجاحها في حل قضايا الدول والشعوب إقليميا ودوليا وفق ما نص عليه بيان أول نوفمبر.
ويرى الأستاذ في التاريخ المعاصر والحديث بخصوص تبني سياسة اجتماعية لفائدة الفئات الهشة والتوزيع العادل للثروة ومبدأ تكافؤ الفرص، بأن الجزائر نجحت إلى حد بعيد في تجسيد هذا البعد، باعتماد مجانية الصحة والتعليم، وتطبيق أسعار رمزية في الحصول على الكثير من المتطلبات، لا سيما ما تعلق بالمواد الأساسية المدعمة من طرف الدولة.
وتعد السكنات الاجتماعية التي تمنح للفئات الهشة من ضمن المكتسبات الواجب تثمينها، فضلا عما يبدل من جهود لتقليص نسبة البطالة، بالتفكير في إيجاد آليات لتوظيف أصحاب الشهادات الجامعية، إلى جانب ما تم إقراره من زيادة في منحة الشبكة الاجتماعية، وإقرار لمنحة البطالة، وهي جميعها تؤكد على نجاعة السياسة الاجتماعية للدولة.

* الأستاذ مولود قرين أستاذ التاريخ بجامعة المدية
استقلالية القرار و السيادة مكاسب وجب تثمينها
أكد الأستاذ مولود قرين مختص في التاريخ المعاصر بجامعة المدية بأن الدبلوماسية الجزائرية استمدت مبادئها من روح بيان أول نوفمبر، خاصة ما تعلق بالوحدة الوطنية ولم شمل والالتفاف حول مشروع وطني واحد، وتكريس الدولة الاجتماعية.
وأضاف المتدخل في حديث مع «النصر» بأن بيان أول نوفمبر وكافة مواثيق الثورة التحريرية نصت على بناء دولة جزائرية ذات سيادة في إطار فضاء المغرب العربي والإسلامي، كما رسمت معالم سياسة خارجية قائمة على حق الشعوب في تقرير مصيرها، واعتماد هذا النهج في معالجة جميع القضايا العادلة.
وظلت الجزائر إلى اليوم حريصة على تمكين الشعوب من حل مشاكلها ومعالجة قضاياها بسيادية دون ضغوط وإملاءات خارجية، وهذا ما يستشف من خلال موقف الجزائر من الصحراء الغربية إلى جانب وساطتها لحلحلة الأزمة في ليبيا، عبر جعل المخرج من الأزمة بين أيدي الشعب دون تدخل أجنبي.
وأثنى الأستاذ مولود قرين في سياق رده على أسئلة «النصر» على الجهود التي بذلت من أجل تخليص الجزائر من المديونية الخارجية، وضمان استقلالية قرارها في ظل الجزائر الجديدة، مؤكدا وجود مؤشرات تدل بما لا يدع مجالا للشك على سيادة  الجزائر في سياستها الخارجية وقراراتها السياسية.
وتعتبر الجزائر قوة فاعلة في شمال إفريقيا والعالم العربي وفي حوض البحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي تجلى بوضوح من خلال الزيارات المكثفة لعدة مسؤولين سامين ورؤساء دول لبلادنا في إطار علاقات التعاون، مما يوحي بأن الجزائر أصبحت فعلا قوة فاعلة في المنطقة.
ويضيف المتدخل بأن الجزائر بينت تعاملها الذكي مع كبريات الملفات، من ضمنها أزمة الساحل الإفريقي والملفين الصحراوي الليبي والقضية الفلسطينية، وهي تسعى جاهدة لجمع شمل الفرقاء الفلسطينيين، وهو ما أكدته الصورة التي جمعت الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية إسماعيل هنية تزامنا مع إحياء الذكرى الستين للاستقلال.
وستكون القمة العربية التي ستعقد بالجزائر مناسبة لتثمين المكتسبات التي حققتها الجزائر على كافة الأصعدة، رغم المحاولات الفاشلة للتأثير على مجريات هذا الموعد الهام، وبحسب الأستاذ قرين فإن الجزائر لم تخرج أبدا عن سياق بيان أول نوفمبر سيما في ظل الجزائر الجديدة، التي كرست بالفعل الدولة النوفمبرية بأبعادها الاجتماعية، موضحا بأن الاهتمام الذي يوليه رئيس الجمهورية لمناطق الظل يندرج في إطار تجسيد أسس جزائر حديثة.
ويضاف إلى التدابير ذات البعد الاجتماعي، إقرار منحة البطالة والحفاظ على مجانية التعليم والصحة، باعتبارها من بين المبادئ الراسخة لدى الدولة الجزائرية، التي تهدف للتكفل بالفئات الهشة وتمكينها من العيش الكريم.

المجاهد طاهر شطي يروي مشاركته في معركة الغدير
واجهنا ببسالة سربا من 32 طائرة للعدو
يكشف المجاهد الطاهر شطي، في حديث للنصر، شهادات تاريخية عن مشاركته في معركة الغدير بسكيكدة ضمن القسم الأول في الناحية التاريخية الثانية، ومقاومة المجاهدين البواسل لسرب من 32 طائرة حربية، كما يروي كيفية صعوده للجبل بعد ملاحقته من طرف البوليس والدرك الفرنسي بسب نشاطه في جمع السلاح لفائدة ثورة التحرير، و يتحدث أيضا بعض الاشتباكات الأخرى التي وقعت مع العدو.
المجاهد طاهر شطي الذي يقيم في الحروش، ورغم بلوغه 91 سنة لكنه لا يزال يحتفظ بذاكرة قوية عن تفاصيل المعارك والاشتباكات التي دار رحاها بنواحي الحروش، وصرح أن التحاقه برفاق السلاح بالجبل كان في 1957 وعمره 21 سنة، و دافعه في ذلك هو أنه كان محل بحث وملاحقة من طرف الشرطة والدرك الفرنسيين بسبب نشاطه في جمع السلاح لفائدة الثورة، حيث التحق في البداية مباشرة بالقسم الأول بالغدير التابع للناحية الثانية من جبل مكسن التابع لبلدية صالح بوالشعور حيث كان يقيم وتواصل كفاحه إلى غاية 1961.
وصرح المتحدث، أن أول معركة شارك فيها كانت بالقسم الأول بمنطقة الغدير في صيف 1958 عندما جاء العدو الفرنسي للقيام بعملية تمشيط، مؤكدا في هذا الشأن «كنا حينها في ثلاثة أفواج وكل فوج متمركز في ناحية والمهم بالنسبة لنا كان عدم السماح للعدو بالتوغل والدخول إلى الجبل فدخلنا في اشتباك معهم وانتهى الاشتباك باستشهاد مجاهدين وسقوط قتلى في صفوف العدو وغنمنا أسلحة».
صمدنا 12 ساعة تحت قصف 32 طائرة و استشهد 17 مجاهدا
ويواصل المجاهد طاهر شطي سرد شهادته مؤكدا أن «ثاني معركة شاركت فيها كانت في صائفة 1959، و كانت أيضا بمنطقة الغدير، وبالتحديد في يوم 13 لكن الشهر بالتحديد لم أتذكره، يمكن جوان أو جويلية، وكان المجاهد السعيد بن جدو قائدا للفوج وأظهرنا خلالها بسالة وصمودا كبيرين أمام العدو الذي كان مدججا بأسلحة ثقيلة منها 32 طائرة كانت تقصف المنطقة بدون توقف ودامت المعركة من السادسة صباحا إلى السادسة مساءا، و انتهت باستشهاد 17 مجاهدا وبين أربعة إلى خمسة مصابين، بينما في الجهة المقبلة لم نكن نعلم خسائر العدو، وأتذكر أن لخضر بن رداب من أم الطوب آخر من استشهد في المعركة».
وتطرق المتحدث، إلى اشتباك شارك فيه في صائفة 1959 بمنطقة الظهيرة بمخرج الحروش بنحو 2 كلم والتابعة إداريا لبلدية صالح بوالشعور، و يروي الواقعة قائلا « كنا نتبادل اطلاق النار مع الجنود الفرنسيين من ناحيتين حتى نسمح لمن كان معنا بالسير، لكن المجاهد حمادي مغربي اتجه من ناحية الشعبة المكشوفة فاستشهد هناك، ورغم أن الأجل بيد الله لكن لو سار بالشعبة التي كنا فيها لربما قد نجا، وبينما نحن نغادر المنحدر سمعت عمر ضوي يقول لقد أصابوني فقمت بحمله والسير به إلى غاية شجرة حيث استشهد هناك».
أما الاشتباك الآخر الذي شارك فيه عمي طهار، فوقع بالمزرعة المسماة «جاكي» التي تبعد بنحو 1 كيلومتر عن الحروش وذلك في 29 أكتوبر 1961، موضحا «كنت حينها متواجد برفقة بن جامع وبن عمار بن ساسي فلفت انتباهنا شخص يجري في منحدر من مسافة بعيدة عنا قبل أن نكتشف تواجد مجموعة من (الخونة) كانوا مسلحين فدخلنا في اشتباك معهم فأصبت من ذراعي وغادرنا المنطقة ولاحظت حينها اختفاء رفيقنا عمار بن ساسي فعرفت أنه استشهد خلال هذا الاشتباك».
في نهاية الثورة لم يتبقى سوى 8 مجاهدين من أصل 300 بالغدير
وأضاف المتحدث أنهم واصلوا السير إلى غاية مزرعة مدام «جوزيف» بالقرب من قرية التوميات بالحروش، مضيفا «قضينا الليلة وسط الحشائش، وفي اليوم الموالي في حدود الحادية عشر صباحا حضرت طائرات العدو، وقامت بقصف المكان ما أدى إلى استشهاد محمد بوصوفة و موسى بمزعر و كذا علي معلم و محمد السعيد، بعدها واصلنا سيرنا إلى غاية منزل المدعى بومغيتي بقرية بئر أسطل وهناك وقعنا في اشباك آخر مع العدو أسفر عن استشهاد علي نفير، وتم أسر عاشور باسوط، بينما أصيب كل من عبد الحميد مصيبح المدعو (المورتي) وزغليل». المتحدث أكد أنه في فترة الثورة كان عدد المجاهدين في القسم الأول بالغدير يقدر بنحو 300 مجاهد لكن بعد الاستقلال لم يتبق سوى ثمانية أو تسعة فقط وحاليا في الحروش بقي ثلاثة أو أربعة فقط.
 كمال واسطة

الرجوع إلى الأعلى