نجح رئيس الجمهورية في إعادة الروح إلى الأداء الدبلوماسي، وشكل احتضان الجزائر للقمة العربية تحت شعار «لم الشمل العربي»، أحد أبرز الأحداث خلال 2022، ومثلت المقاربة التي قدمها رئيس الجمهورية، للم شمل العرب منعرجا حقيقيا في مسار العمل العربي المشترك، وأكدت التطورات التي شهدتها الجزائر طيلة 2022، وتوافد عديد الوفود الغربية والعربية عليها، عودتها القوية على الساحة الدولية.
خلال فترة قصيرة أظهرت الدبلوماسية الجزائرية عودة لافتة إلى مسرح الأحداث الإقليمية، وأسهم نجاح مؤتمر المصالحة الفلسطينية، ثم القمة العربية في تأكيد وجود حيوية جديدة في الجهاز الدبلوماسي للجزائر. ونوه متتبعون بإنجازات الدبلوماسية الجزائرية تحت قيادة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، ومساهمتها بكل عزم في مسيرة بناء الجزائر الجديدة.
وحرصت الجزائر على تبني لغة العقل والحكمة وتفادي الصدامات الدولية، بالنظر لما يعرفه العالم اليوم من توترات متصاعدة وتقلبات متسارعة وما تحمله حالة الاستقطاب المتزايدة من بوادر إعادة تشكيل موازين القوى، وهي كلها مستجدات «تؤكد على وجاهة المواقف الجزائرية المتمسكة بمبادئ عدم الانحياز والمناضلة باستمرار من أجل قيام نظام دولي يسوده العدل والمساواة ويضع حدا للإجحاف التاريخي بحق الدول النامية».
وبرز حرص الجزائر على العودة كقوة مؤثرة إقليميا أيضًا من خلال المجهودات الدبلوماسية الكبيرة التي بذلتها من أجل إنجاح القمة العربية، وعملت على لم شمل البيت العربي ومن أجل وحدة الصف العربي وتعزيز العمل العربي المشترك، باعتباره ركيزة أساسية للحفاظ على الأمن القومي العربي والقيام بدور فاعل ومؤثر في كل القضايا العربية والإقليمية».
ونجحت الجزائر، في لمّ شمل العرب بعد نحو ثلاث سنوات من الغياب بسبب طوارئ خارجة عن النطاق، ولم يكن هذا النجاح سهلا بالنظر للعراقيل التي أريد لها أن تكون في الطريق، لاعتبارات باتت معهودة في العلاقات بين البلدان العربية. وتزامن هذا النجاح مع العودة القوية للدبلوماسية الجزائرية على الساحة الإقليمية و الدولية، والتي برزت مع استقبال الجزائر لعدة وفود أجنبية سياسية و اقتصادية، وطلب دول افريقية وساطة الجزائر لحل أزماتها الداخلية، وإبرام تحالفات إستراتيجية مع دول فاعلة.
الجزائـر تتحرك لتسوية أزمات المنطقة
وقد أعادت مبادرة المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، التي قادها الرئيس تبون، لتعيد بالذاكرة إلى فترة تألق الدبلوماسية الجزائرية حينما احتضنت المجلس الوطني الفلسطيني لإنهاء الانقسام بين الفصائل الفلسطينية سنة 1987. ويؤكد المتتبعون أن الاجتماع الأخير للفصائل الفلسطينية وتوقيع وثيقة «إعلان الجزائر» يعتبر ورقة ستكون لها آثار إقليمية ودولية.
كما كشفت الجزائر عن مواقفها لحلحلة أزمات المنطقة العربية، سواء تعلق الأمر بالشأن الليبي، وضرورة استبعاد التدخلات الأجنبية وفسح المجال أمام الشعب الليبي ليقول كلمته بكل حرية ويختار قيادته الشرعية، وأيضاً حول سوريا واليمن وغيرها من الملفات العربية التي لم تتجاهلها الجزائر وقدمت حلولاً ورؤية متوازنة وحيادية، متمسكة في ذلك بمبادئ سياستها الخارجية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ورفض التدخل الأجنبي في النزاعات الداخلية، كلها دلائل كافية على أن الأمر يتعلق بطموح قيادي مشروع.
كما أثبتت الجزائر عودتها القوية إلى عمقها الإقليمي من خلال نجاحها في قيادة معركة تجميد عضوية إسرائيل في الاتحاد الأفريقي، وتعتبر المبادرة التي أطلقها تبون، في بداية شهر جانفي الماضي، للوساطة بين السلطات في جمهورية مالي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إيكواس» تأكيدًا على حرص الجزائر على تحسين موقعها الإقليمي.
دبلوماسية المواقف وصنـاعة القــرار
وتؤكد كل المؤشرات بأن الجزائر قد تخطت مرحلة النشاط والحركة الدبلوماسية وتجاوزت فكر الوساطات والمشاركات إلى خط المواقف وصناعة الأوراق، لا سيما أنها تمكنت من قراءة الظروف الدولية أحسن قراءة واستغلالها لإعادة بعث دورها وإحياء طموحها القيادي. كما أن نجاح الدبلوماسية الجزائرية لم يقتصر على البيت العربي، بل امتد إلى إفريقيا، فبعد نجاح الوساطة الجزائرية في مالي وتمكنها من إعادة الأمل للشعب المالي في رؤية بلاده موحدة بعيدا عن شبح التقسيم، راحت عدة دول إفريقية تطلب دعم الجزائر لتجاوز أزماتها سواء كان ذلك عبر قنوات دبلوماسية سرية أو بشكل معلن كما هو الشأن مع غينيا التي أبدت رغبتها في الاستفادة من الدبلوماسية الجزائرية.
في الشق الاقتصادي، حقّقت الدبلوماسية الجزائرية انتصارا جديدا على مستوى المنظمة الدولية للملكية الفكرية. حيث تمكّن الوفد الجزائري من تمرير مشروع قرار يتعلّق بمسألة بقيت مجمّدة منذ 1998. حيث نجحت الجزائر في إقناع أعضاء المنظمة الدولية بتنظيم مؤتمرين حول ملكية المهارات التقليدية، والرسومات والنماذج الصناعية الذي ظلّ حبيس الأدراج منذ 24 سنة، بسبب معارضة الدول الأوروبية، والولايات المتحدة، وكندا، واليابان.
وفي الشأن الإفريقي، تم قبول العرض الجزائري المتعلق بالجداول المؤقتة للامتيازات التعريفية، وهو ما يعني الضوء الأخضر للبدء الفعلي في المبادلات التجارية البينية الإفريقية وذلك باحتساب تفكيك جمركي تدريجي. وفي المجال الطاقوي اتفقت الجزائر ونيجيريا والنيجر على وضع خارطة طريق لمشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء الذي سيربط نيجيريا والنيجر والجزائر باتجاه أوروبا.
أما على الصعيد الثنائي، فقد بادرت الجزائر بتعزيز شراكاتها الإستراتيجية مع دول عديدة على غرار تركيا بعد التوقيع على عدة اتفاقيات، ومع دول خليجية على غرار قطر التي تعتزم إطلاق استثمارات ضخمة بالجزائر، أهمها مشروع السكة الحديدية الممتد في عمق الصحراء، إلى جانب استثمارات أخرى لا تقل أهمية أعلنت عنها الكويت. كما عززت الجزائر علاقاتها الإستراتيجية مع إيطاليا، حيث أضحت الجزائر الممون الأول للسوق الايطالي بالغاز الطبيعي، في انتظار تجسيد مشروع تزويد أوروبا بالطاقة الكهربائية، كما أعلنت الصين رغبتها في ضم الجزائر إلى مبادرتها بإحياء طريق الحرير، حيث أعلن البلدان التوصّلِ إلى توافقٍ حول «الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق»، التي سيتمُّ التوقيع عليها في أقربِ فرصةٍ.
بالموازاة مع ذلك أعلنت عدة دول رغبتها في توسيع علاقاتها مع الجزائر، وهو ما جسدته موسكو التي تسعى لكسب ود الجزائر حليفا استراتيجيا، وكذا تصريحات كاتب الدولة للشؤون الخارجية الأمريكية، الذي جدد رغبة بلاده في تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية مع الجزائر، وهي كلها مؤشرات تؤكد عودة الجزائر للعب دور محوري مهم على الصعيد القاري والدولي في طريق حل الأزمات والنزاعات القائمة.                                                                   
ع سمير

الرجوع إلى الأعلى