أطل الإنتاج التلفزيوني الجزائري خلال الموسم الرمضاني المنقضي، بوجه مختلف أكثر إشراقا من الناحية الفنية و  أكثر تحكما في التقنية، فاستطاع أن يشد المشاهد الجزائري و حتى العربي و يستحق ثناء النقاد في الداخل والخارج، حيث اتسمت الدراما الاجتماعية بجودة المحتوى و فكت عقدة النمطية في معالجة المواضيع كما تحررت من شرنقة  التقليد الذي طبعها لمواسم متتالية، رغم ذلك فقد كان الانتقال مفاجئا و صدم قطاعا من الجمهور و أفرز جدلا واسعا و حرك نقاشات ساخنة على مواقع التواصل الاجتماعي، بين من عارضوا الجرأة و توظيف مشاهد العنف والجريمة و الانحراف  و اعتبروا بأن فيها إساءة لصورة المجتمع الجزائري، وبين مشاهدين ونقاد، أكدوا أن الدراما هي مرآة المجتمع و أن الموسم يعد الأفضل و الأقوى، لأنه  جاء جريئا اشتبك مع الواقع بطريقة فنية جميلة و قدمه بعدسة أقرب إلى عين السينمائي مثلما شاهدناه في أعمال  « الدامة و عين الجنة  و11 /11  وحارة الشهداء « .

 ملف من إعداد / أسماء بوقرن

برامج حاكت الواقع ونطقت بالهوية الجزائرية
 و كان للمدينة حظ أوفر للظهور هذا الموسم، فالعاصمة بدت فعلا بهجة بيضاء وبهية في «الدامة»، وفي «عين الجنة» غازلت بوسعادة المشاهد بطبيعتها الخلابة و أرقصت مشاعره على وقع موسيقاها المحلية، وذلك بعكس مواسم ماضية تقاطعت خلالها الدراما مع السيتك كوم  في    محدودية    الفضاء.
 وخلافا لذلك، تنوعت تفاصيل البيئة كثيرا في بعض المسلسلات ما غذى حديثا عن نضج و صحوة درامية يمكن أن تخدم الغرض السياحي اقتداء بالتجربة التركية والعربية، خاصة وأن عناصر من التراث المادي و اللامادي حضرت  بقوة في أعمال أخرى جمعت بين الدراما و الكوميديا مثل سلسلة « دار لفشوش» التي روجت كثيرا للتراث و الموسيقى   و اللباس   التقليدي.
للإشارة فقد حققت الشبكة البرامجية للتلفزيون الجزائري و التي حملت عنوان «رمضان معانا لمة وفرجة» نسبة 99 في المئة من الإنتاج المحلي بحجم 10 ساعات بث، وأوضح، التلفزيون في بيان سابق له أن الباقة البرامجية الثرية بتنوعها الدرامي والفكاهي والترفيهي و الديني، تحمل بعدا ثقافيا واجتماعيا ثريا وجودة ومتعة بنكهة جزائرية أصيلة، تحاكي الواقع وتقتبس معالمها من الهوية الجزائرية مع مراعاة الأبعاد الروحية لهذه المناسبة الدينية.
 التنوع الكبير في الأعمال فرض المنافسة محليا و مهد الطريق للدخول إلى الترند العربي، «فالدامة»  أحصى 100 مليون متابع على يوتيوب، و حقق نسب مشاهدة تجاوزت 136 مليون لكل حلقاته على ذات المنصة، بحسب ما كشف عنه مخرجه يحيى مزاحم، كما أن النسبة تعدت بكثير حلقات أعمال نجوم عرب  وسمحت للعمل بالتصدر  وقد علق حوله الناقد السينمائي اللبناني حنون قائلا، بأن المسلسل لفت انتباهه و فاجأه كثيرا مستواه في تقديم الشخصيات وأهل الحي ومشاكلهم اليومية، وأبرز بأن المسلسل فاجأه أيضا، من حيث الإخراج والتصوير و الكاستينغ الموفق وأداء الممثلين، خاصة الممثلين الصغار الذين قال عنهم «لفتني الممثلون الصغار وحضورهم وهم مواهب عدة»، كما علق بأن العرب المشارقة ليسوا متعودين على متابعة مسلسلات المغرب العربي، وأن الدامة يعتبر فرصة للتفاعل، مبرزا أنه هو شخصيا فهم حوالي 80 بالمائة، من الحوارات بفضل احتكاكه بأصدقائه الجزائريين ومعرفته للغة الفرنسية، مع بعض التركيز     كذلك.
يذكر أيضا، بأن المسلسل كان قد صنع الحدث و حرك الجدل بقوة على مواقع التواصل ما استدعى تدخل سلطة ضبط السمعي البصري، قبل أن توضح الجهة المنتجة وهي التلفزيون الجزائري أصل القضية، و قد ساعد الجدل على رواج العمل بعدما تفاعلت وسائل إعلام    عربية   مع   الحدث.
تدارك نقائص السيناريو
على صعيد آخر، تراجع مشكل السيناريو، كثيرا هذا الموسم فشاهدنا أعمالا مختلفة من حيث القصة و طبيعة المعالجة ولأول مرة قدمت الشاشة إنتاجا دراميا قائما على الإثارة كما في مسلسل « 11/ 11»، و ذلك بفضل الاعتماد على الثنائيات في كتابة النص والحوار، و قد تميزت أعمال كذلك باللمسة الشبابية و برز الحوار بشكل لافت جدا في العديد من الأعمال، بما في ذلك  « البطحة» الذي يعتبر أنجح كوميديا سوداء عرضت على الشاشة منذ سنوات، وهو أمر أرجعه نقاد إلى فتح المجال أمام وجوه المسرح للمشاركة في إثراء التلفزيون، مقابل تراجع الاعتماد على مشاهير   مواقع   التواصل   الاجتماعي.
الدبلجة لاستقطاب المشاهد العربي
أكثر نقطة تحسب للدراما الجزائرية هذا العام، أنها شدت انتباه مشاهدين عرب، تفاعلوا مع بعض المسلسلات و تركوا تعليقات على حلقاتها عبر منصات التواصل وبالأخص يوتيوب، وهو ما شجع هواة على التطوع لترجمة مقاطع من أنجح المسلسلات، إلى اللهجة السورية و اللغة التركية،  كما في مشاهد عديدة من مسلسلي « الدامة  و 11/11»، و تعالت أصوات تدعوإلى اعتماد هذا الأسلوب في التسويق للأعمال الجزائرية و السعي لعرضها على القنوات العربية، مع التأكيد بأنه أفضل طريق للترويج للثقافة و اللهجة و التراث و مخاطبة الآخر بلغة الصورة و الفن لأنها أبلغ في التعبير عن الهوية.        
 هدى طابي

المخرج مهدي تسابست
منعرج إيجابي في إخراج الأعمال التلفزيونية
قال المخرج مهدي تسابست، أننا شهدنا هذا الموسم منعرجا إيجابيا في إخراج الأعمال التلفزيونية و بالأخص الدرامية، برزت فيه دفعة جديدة من المخرجين الذين فتحت الأبواب للإبداع أمامهم، فوجدوا المناخ مناسبا لخوض التجربة بشجاعة كبيرة ونجحوا في تقديم نظرة إخراجية تتناسب مع مستوى السيناريوهات المقدمة، وهي من أهم مفاتيح نجاح الإخراج، كما أشاد بانعتاق الدراما نسبيا هذه السنة، من عقدة المركزية الإنتاجية و التغلغل في ربوع الوطن   لتقديم   أعمال  متنوعة و ذات جودة.  
و حسب المخرج، فإن هناك تنوعا كبيرا في الأعمال وهو ما أتاح عدة خيارات أمام المشاهد، و مكن من رفع مستوى الشبكة البرامجية، فكلما توفرت الخيارات أكثر كلما تحسن المستوى  وهو ما لم نلحظه في مواسم مضت كما قال، مرجعا هذه النقلة النوعية في الإنتاج الدرامي إلى توفر عدة عوامل، أولها  حل مشكل الميزانية، الذي كان سببا رئيسا في  تخبط  أعمال سابقة في مستنقع الرداءة، حيث لاحظنا هذا الموسم، حالة وعي من قبل منتجين بضرورة تسخير الإمكانات اللازمة لإنجاج العمل بعدما تيقنوا بأنه كلما تم تسخير إمكانات أكبر كلما كانت النتيجة أفضل، لأن الميزانية تعد ثاني مفتاح من مفاتيح النجاح بعد جودة السيناريو، مشيرا إلى أن المشاهد لم يعد مقيدا بعملين دراميين فقط، بل أصبح متعدد الخيارات، لأن هنالك أعمالا كثيرة يسعى منتجوها إلى  استقطاب    أكبر  عدد  من  المشاهدين.

السيناريو صنع الفرق
و أضاف المخرج، بأن أكثر ما ميز هذا الموسم، هو تحسن مستوى السيناريو، حيث مكنت قصص عديدة أعمالا من الخروج عن المستهلك و الغوص في عمق المجتمع و ملامسة الحياة الحقيقية و نقلها بأمانة، مع إبراز الهوية الوطنية، وهو أمر شد انتباه المشاهد منذ أولى الحلقات، حيث وجد صورا من واقعه فيها بعدما سقطت أعمال درامية سابقة، في فخ التقليد و نسخ واقع غير واقعنا  فرض على المشاهد بابتذال، عبر مسلسلات أطنبت في تصوير الحياة و في التركيز على حياة البذخ و الترف المقتصرة على طبقة معينة فقط من المجتمع، ما أحدث نوعا    من   القطيعة  مع  الشاشة.
 وخلافا لذلك جاء هذا الموسم مغايرا تماما، بعد أن صالحت أعمال المشاهد مع شاشته التي يريد أن يتعرف على هويته من خلالها  وقد كانت إنتاجات مهمة بمثابة مرآة عاكسة للواقع الاجتماعي، ما أثار فضول المشاهد لمتابعتها ودفعه للتفاعل معها، حيث اعتبر المتحدث، بأن هذا التغيير يعد منعرجا إيجابيا يعد بمستقبل مشرق و قال، بأنه يتعين علينا الاستمرار على هذا النهج لضمان ارتباط المشاهد الجزائري   بالشاشة   الجزائرية.
وبخصوص الأعمال التي يرى بأنها في تحقيق معادلة الفن و الاتسقطاب، ذكر المخرج مسلسلات «الدامة» و «11 /11» و «عين الجنة» و «حارة الشهداء»، الذي قدم في قالب الدراما الكلاسيكية  و تفاعل معه جمهور واسع بشكل إيجابي، و هي في المجمل أعمال أجادت ضبط كل عناصر العمل الفني، حيث وفقت إخراجيا بشكل كبير، موضحا، بأن نجاح العملية الإخراجية، لا يتوقف على جهود المخرج فحسب، بل يشمل عوامل أخرى منها مستوى السيناريو و ما إن كان قابلا لأن يصبح مسلسلا تلفزيونيا مناسبا للعرض، لأن القصة والحوار هما الأساس و الحلقة المفصلية في نجاح أي عمل، إلى جانب التوفيق في ضبط تصور إخراجي مناسب للأحداث والتطرق إليها بأدوات مهمة تبدأ من انتقاء الشخصيات    الأفضل.   
الخروج من المركزية الفنية أعطى دفعا
وأضاف المخرج، أن الجديد الذي طبع الموسم هو تراجع المركزية الفنية، بعد أن كانت الأعمال الفنية متمركزة في المدن الكبرى  كالعاصمة بدرجة أولى ثم وهران و قسنطينة، حيث دفع البحث عن الحصرية و الانفراد منتجين و مخرجين إلى الغوص في عمق الجزائر لإيجاد أماكن لم تصلها عدسة الكاميرا من قبل  وهذا ما شاهدناه في مسلسل «عين الجنة «، الذي قدم صورة جديدة تلامس عاطفة المتلقي، و تروج لغنى بلادنا بديكورات خصبة تعكس تقاليد المنطقة و تعبر عن هويتها و ثقافتها، علما أنها أحاسيس وصور ترجمتها أيضا الموسيقى المحلية لمنطقة بوسعادة التي وظفت بشكل ذكي، و الخلاصة حسبه، أننا بدأنا أخيرا، نفهم أن ثراء بلادنا يتيح لنا فرصة تقديم أعمال فريدة و متنوعة تلبي ذوق الجمهور العريض.  

المخرج  و الناقد عادل محسن
فككنا عقدة النمطية في المعالجة و طلقنا الرداءة التقنية

قال الناقد الفني عادل محسن، بأن الإنتاج الفني لهذا الموسم، عرف وفرة مقارنة بالمواسم السابقة، و اعتبرها نقطة إيجابية صنعت أجواء المنافسة ومكنت من تقديم أعمال متنوعة ذات جودة و بألوان درامية مختلفة، مع استخدام جيد للأدوات الفنية و ضمان الجودة التقنية كما أردف.
وحسب الناقد، فإن هناك نقلة في مستوى الأعمال التلفزيونية هذا الموسم مع وفرة في الإنتاج، وهو مؤشر إيجابي، لأن تحسن المنتوج عموما مرتبط بكثرة و تنوع الأعمال الفنية، مشيرا إلى أننا شاهدنا عدة سلسلات كوميدية ومسلسلات درامية و سيتكوم فضلا عن سلسلات تجمع بين الدرام و الكوميديا، إلى جانب بروز تجارب فنية جديدة مكنت من توفير عدة أنواع درامية، و هو ما لاحظناه، كما قال، في سلسلة «11 11»  التي اعتمدت نوعا دراميا قائما على الإثارة  « ثريلور«، و أجادت استخدام الأدوات و القاموس الفني لهذا النوع مقارنة بما سبق من محاولات.
كما تحدث، عن جودة المحتوى و التمكن من فك عقدة النمطية في معالجة المواضيع الدرامية، معلقا : « تخلصنا من الرداءة التقنية التي طبعت مختلف الجوانب في السباق، بما في ذلك التصوير و الديكور و الملابس و ضعف التجميل الفني، و بددت جهود ممثلين كبار، لكن بات ذلك من الماضي، بعد تسجيل جودة فنية عالية هذ العام، ساهمت في إبراز كفاءة ممثلين و قدرتهم العالية على الأداء» ، في المقابل، يرى بأن هناك من الممثلين من لا يزالون ضحية النصوص و السيناريوهات، و هم حسبه، بحاجة لمساحة أوسع للإبداع و تقديم كل    ما لديهم.
توظيف فن الحكي أضفى جمالية عالية
وتطرق المخرج، إلى توظيف فن الحكي عموما في الأعمال الفنية، ما أضفى جمالية على الإنتاج و ساهم في إمتاع المشاهد وتوسيع مساحة الخيال، لكونه يعتمد على مادة مستلهمة من الواقع مع تقديمها بطريقة جمالية فنية و شيقة، جعلت المشاهد يتفاعل مع الأحداث و يضع توقعات لما تخبئه الحلقات المتبقية، مؤكدا بأن  كتاب سيناريو و مخرجين نجحوا فعليا في توظيف هذا الفن بطريقة صحيحة، جعلته يؤدي وظيفة إيجابية   كفن   من   الفنون  الدرامية.
واستشهد المتحدث، بنموذج «الدامة»، الذي أحدث جدلا واسعا سواء وسط مشاهدين أو بين مختصين لعدة أسباب، أهمها الصورة الواقعية الصادمة عن بعض مظاهر العنف اللفظي و الجسدي في المجتمع و هي مظاهر، قال بشأنها، بأنها موجودة فعلا في الحياة اليومية بالأحياء الشعبية الكبرى،  و يمكن اعتمادها كمادة درامية خاصة و أن هناك البعض من صناع الأعمال الدرامية في العالم يرون بأن الصدمة قد تحقق التطهير، كما توجد دراسات بخصوص هذا الموضوع كذلك  .
وأوضح، بأن صور العنف يمكن أن تؤدي وظيفة إيجابية لكونها لم تستخدم من قبل في الأعمال الجزائرية إلى غاية السنوات الأخيرة  لكن يبقى السؤال مطروحا حول إمكانيات وطرق تصويرها بطريقة مباشرة، أو اعتماد أدوات فنية تمكن من تمريرها بسلاسة و بمسؤولية أكبر، معتبرا بأن الفصل في هذا الجانب يمكن أن يوكل إلى الأخصائيين النفسانيين  و الإجتماعيين.
تصوير الواقع مهم جدا في الدراما الاجتماعية
و أكد المخرج عادل محسن، بأن  تصوير الواقع مهم جدا في الأعمال الدرامية، لأن المشاهد بحاجة إلى رؤية واقعه من الخارج و أخذ وقت كاف لإبداء الإعجاب أو الرفض أو نقده و ربما محاولة تغييره، موضحا، بأن الواقعية تستدعي كثيرا من الخيال ليتحقق الفن، و توظيف الدراماتورجيا في البناء بشكل صحيح للتمكن من فهم المعتقد الفلسفي للشخصية و ما يدفعها لاتخاذ قرار دون الآخر، مشيرا إلى أن وجود انقلابات درامية محكمة المقدمات في العمل يشعر المشاهد بلذة المفاجأة، فضلا عن أن لحظات وقوف الشخصيات أمام خيارين أحلاهما مر،  يجعل لواقعية الحوارات و الديكورات و حتى الأحداث و التمثيل معنى كبير ا .
مسلسل «الدامة» ظاهرة صحية
و بالنسبة للجدل الذي أثير حول محتوى مسلسل «الدّامة» المنتج من طرف التلفزيون العمومي الجزائري، للمخرج يحيى مزاحم    و السيناريست سارة برتيمة، فهو حسب محسن، ظاهرة فنية صحية، بشرط أن لا يتصرف إزاءها المثقفون بنفس تصرف العامة لتؤدي وظيفتها، مؤكدا بأن التفاعل معه شعبيا دليل على انتشاره، و الانتشار هو أحد معايير النجاح مع أنه ليس أهمها فضلا عن دخول مفردات تقال لأول مرة في الدراما الجزائرية هناك من يراها  تطورا و تحررا وضرورة درامية، فيما يرى آخرون، بأنه من غير اللائق إضافتها.
البطحة و 11/ 11 من أجود السلسلات  
و أضاف محدثنا، بأن الشابة المؤثرة التي أدت دور خطيبة «رضا» في مسلسل الدامة، استطاعت إلى حد كبير تقديم شخصيتها بنجاح فكانت ذات مصداقية في أغلب المشاهد و حافظت على التكوينات النفسية والاجتماعية للشخصية دون مبالغة ولا خفوت في الأداء، بالمقابل بدا البعض جميل فقط أو معروفا، وصار أقل جمالا عندما وضع أمام الكاميرا.
من جانب آخر، أثنى المخرج، على أداء الفنان أكرم جغيم، الذي كان رائعا حسبه في سلسلة 11 /11، و نجح في ضبط و ضمان توازن عام في السلسلة لاستعماله عناصر شخصية هشام المركبة بذكاء، وتقديمه لها بطريقة تجعلها جذابة كونها غريبة الأطوار    و تأتي بالجديد في كل مرة، و هو ما يناسب الاضطراب النفسي الذي يبدو عليها ويمثل نوعا من التباين مع الشخصيات الأخرى منوها بتوفيق المخرج و كاتب السيناريو أسامة قبي، في كتابة الشخصية التي مكنت الممثل أكرم من الإبداع في تقديمها.
وأشار، إلى أن سلسلة 11/ 11، تعد من أنجح الأعمال المقدمة هذا الموسم، و تحمل قيمة فنية كبيرة شكلا و مضمونا، حيث أثنى على أغنية الجنيريك التي تحمل لغز العمل، و تخدم فكرته و تحقق الجمال الوظيفي المطلوب و قد أداها الثنائي شمس الدين فريكلان و مزيان أميش.
و بخصوص المشاهد التي أحدثت تفاعلا و كذا الممثلين البارزين هذا الموسم، ذكر محدثنا بعضها،  كالمشهد الأخير من الحلقة 16 في السلسلة الكوميدية «البطحة»، الذي دار بين شخصيتي اللاز التي أداها الفنان نبيل عسلي و برنو  التي أداها الفنان الربيع أوجاووت، «وهما رجلان من جيلين مختلفين»، يتحدثان عشية ترحيلهما من حيهما البطحة عن موضوع ترك المكان الذي يسكنانه و الانتقال إلى مكان جديد، حيث برز في المشهد نوع من الصراع على ثلاثة مستويات، أعمقها الصراع «الفلسفي الفكري « بينهما و المتمثل في اختلاف نظرتهما للحي الذي يسكنانه، فبينما يعتقد برنو أنه يعيش هناك بمحض إرادته و هو من اختار البقاء   ويرى بأن بقية أهل الحي يشاركونه نظرته للأمور، يظن اللاز أنهم أناس أرغموا على العيش بهذا الشكل.
 أما المستوى الثاني من الصراع فهو صراع داخلي « نفسي عاطفي»،  يتمثل في ارتباط برنو بمشاعر نوستالجيا المكان، بينما ينفر اللاز من البطحة، أما المستوى الثالث من الصراع فهو صراع خارجي و يتمثل في حديثهما عن الرحيل من عدمه، و قد تعامل المخرج وليد بوشباح مع المشهد بوعي كبير بمضمونه وبالدراماتورجيا المقترحة فيه، حيث بدا بوضوح تطويعه للغة السمعية البصرية السينمائية لوضع الصراع في أعلى مستوياته الممكنة، كما نجح في توظيف الديكور بطريقة صحيحة كمفردة مهمة في لغة الإخراج لتجسيد الصراع.
وقد كتب المشهد على حد قول محسن، بشكل صحيح و على منهجية واضحة، جعلت من الإخراج مؤسسا و ذا معنى فكان جميلا، وكان الممثلون في مستوى منهجية الكتابة و الإخراج أيضا فقدموا جميعهم لوحة جميلة جعلت المشاهدين يتفاعلون معها، وهو نجاح تكرر في آخر مشهد جمع نبيل عسلي و ياسمين عبد المومن ليرسم نهاية قصة «اللاز و ربيعة».
حجلة خلادي قدمت أحسن أداء نسائي
كما نوه المتحدث بالشخصيات التي برزت بقوة،  و في مقدمتها شخصية الزهرة التي تقمصتها الفنانة حجلة خلادي، و نجحت في تقديمها دون تكلف حسبه، لتظهر في مستوى قوة الشخصية الدرامية، و كتابة هذا الدور تستحق الإشادة خاصة و أنها نجحت بموقفها من أخت زوجها في كسر الصورة النمطية التي باتت تهيمن على عقلية هذا الجيل، حول كون أهل الزوج عقبة في طريق السعادة، مشيرا إلى أن الفنانة حجلة لعبت الدور بتلقائية كبيرة ما جعلها تبدو طبيعية جدا، إضافة إلى كونها كانت دقيقة التفاعل مع زملائها فلا تنفعل لحدث ما قبل وقوعه ولذلك بدت حقيقية وتستحق أن تكون صاحبة أحسن أداء   نسائي لهذا  الموسم.
«عين الجنة» عمل متقن
و أردف الناقد قائلا، بأن أكثر عمل شد انتباهه  و صنفه من أجود الأعمال الدرامية، هي سلسلة عين الجنة التي بثت على التلفزيون العمومي الجزائري، للسيناريست أسامة بن حسين و المخرج كريم موساوي، و اعتبره عملا متكاملا و  متقنا كتابة و إخراجا و تمثيلا ، فضلا عن أنه يخاطب العقل قبل الغريزة، و يطرح تساؤلات مهمة عن مكانة المرأة في المجتمع، و قدرتها على التغيير حتى لو تقاعس الرجال، و يمرر رسائل مفادها أن العائلة مقدسة و باستطاعة المرأة الصالحة أن تفعل الكثير في سبيل لم الشمل و الحفاظ على التماسك و تجاوز العقبات.
وأضافت، بأنه استمتع بمشاهدة السلسلة التي دارت أحداثها حول دليلة المرأة الستينية التي تعود إلى قريتها «عين الجنة» بعدما هجرتها لسنوات طويلة، لتكتشف أنه قد تم ترشيحها لانتخابات البلدية دون علمها، فتجد نفسها بعد أن أصبحت رئيسة بلدية في مواجهة الفساد، و في مواجهة ماضيها و مشاكلها الأسرية و العاطفية، وهنا يجد المتابع كما قال، سهولة في فهم العمل و تمييز عناصر الدراما في القصة، لأن الشخصية المحورية هي دليلة  ثم تصبح البطولة جماعية مع تسلسل الأحداث، و تحسن أوضاع عين الجنة و حل مشكل المياه،  موضحا، بأن العمل نجح في تقديم مجموعة من المعاني الإيجابية بطريقة بسيطة و ذات مصداقية حيث وفق كاتب السيناريو أسامة بن حسين، في جعل الأحداث تتطور في اتجاه إيجابي، من خلال الانطلاق من نقطة المشاكل العائلية و القطيعة، ثم انتقل إلى إصلاح الأوضاع و تطهير الجراح و مداواتها و العودة إلى التماسك الأسري، كما برز في علاقة دليلة «جميلة عراس» بأخيها سليمان «سليمان بن واري». واستطاع العمل حسب المخرج، أن يزيح حاجز جرأة الطرح من خلال إظهار الفساد في الانتخابات البلدية و إظهار معاناة مناطق الظل و حرمان الناس من أبسط متطلبات الحياة، وهذا يحسب كما قال، للتلفزيون العمومي، خاصة و أن هذه الأعمال النقدية للسياسات الخاطئة، تدخل أيضا ضمن الخدمة العمومية، مردفا بخصوص سر نجاح العمل، أنه جمع ثلة من الممثلين المتمكنين    والفنانين الشباب الذين كانوا بمثابة النسق الوظيفي الذي    يكمل   فيه كل  عنصر الآخر.
التركيز على الديكور الخارجي أحدث التحول
و أثنى الناقد، على الجانب الإخراجي لعدد من الأعمال، أبرزها «عين الجنة» الذي تعامل فيه المخرج كريم موساوي بذكاء، لوعيه منذ البداية بأنه بصدد إخراج عمل تزاوج نغمته بين الدراما و الكوميديا، حيث اعتمد على اللقطات العامة و البعيدة بما يناسب الكوميديا أكثر، لما فيها من إظهار للجسد كليا و حركاته بنفس الأسلوب الكوميدي، و أيضا لما فيها من إظهار للعلاقات بين الشخصيات خارجيا في إطار واحد، حيث اشتغل كثيرا على عمق المجال و خارج الحقل و الخروج منه و الدخول إليه مرة أخرى   فضلا عن تناظر الشخصيات داخله و توزيعها في مستوياته الثلاثة، إضافة طبعا إلى إظهار الديكور الخارجي لعين الجنة بما يحمله من عناصر تدل على مجموعة من المفارقات الدرامية و تخدم عن طريق التوافق و التناقض أحداث المسلسل، الذي أبرز في النهاية  تكاثف سكان عين الجنة لاستعادة نبعهم، مع تحول بعض الشخصيات السلبية إلى إيجابية و إظهار قيمة اللمة العائلية و العلاقة الطيبة التي تسود بين الجيران  و قيمة الحب الطاهر في المجتمع البسيط .

الممثلة فضيلة حشماوي
مخرجون وكتاب سيناريو شباب قدموا نفسا جديدا
أكدت الممثلة فضيلة حشماوي في حديث للنصر، بأن هذا الموسم جاء استثنائيا، حيث شاهدنا نضجا فنيا كبيرا، تجلى في عدة أعمال أعطت دفعا قويا للإنتاج الجزائري، و نجحت في طرح إشكاليات مجتمعية و معالجتها بأنواع فنية متنوعة، بينها ما مزج بين الكوميديا و الدراما، وغاصت أعمال أخرى في الكوميديا السوداء، لتكشف عن أسماء مخرجين و كتاب سيناريو شباب برزوا هذا الموسم بقوة، و تركوا بصمتهم بفضل مسلسلات متميزة فتحت باب المنافسة الشريفة.

محدثتنا قالت، للنصر، بأننا شاهدنا مشاركة واسعة لمخرجين شباب و كذلك كتاب سيناريو، نجحوا في إحداث التغيير بتقديم أعمال مختلفة من حيث مستوى المعالجة الفنية، مقابل عودة قوية لفنانين كبار، على غرار الفنانة بيونة، وهو ما مكن من الاحتكاك و اللقاء بين الجيلين و تبادل الخبرات، وقد تجلى ذلك في إحدى السلسلات الكوميدية، التي شاركت فيها محدثتنا كما قالت، و هي سلسلة «عايلة شوك»، موضحة، بأنه عمل جمع ممثلين كبارا على غرار الفنانة بهية راشدي التي أدت دورا كوميديا بعدما ألفها المشاهد في الدراما الاجتماعية، فضلا عن الممثلة فاطمة حليلو و حميد عاشوري، إلى جانب ممثلين شباب مؤكدة، بأن الاحتكاك بين الجلين أثمر عملا جيدا، سمح بتبادل الخبرات و المعارف   كما أبان عن كفاءة الشباب المبدعين، و مدى انضباطهم، خاصة الأسماء الفنية القادمة من المسرح، التي أظهرت تميزا في الأداء.   
كما نوهت المتحدثة، بعنصر مهم، يتجلى في إبراز الديكور الخارجي و الخروج من الإطار الضيق أما سمح بضهور المدينة بشكل أفضل وهو ما اعتبرته تسويقا سياحيا قل اعتماده في الأعمال الجزارية السابقة، حيث لاحظنا كما عبرت، الاهتمام بالتصوير في  فضاءات تبرز الديكور الفني الطبيعي الذي تزخر به ولايات الوطن على غرار  ما قدمته سلسلة « عين الجنة»، العمل الذي أثنت عليه، كما أشادت بمسلسل «البطحة»، و قالت بأنه عمل قدم صورة قوية  ومتقنة وناجحة عن الكوميديا السوداء كما تميزت السلسلة حسبها، بمشاركة واسعة لممثلين مسرحيين و أطرهم مخرج شاب، من خريجي معهد الفنون ببرج الكيفان وهو ما صنع  الفرق.
 وأضافت الممثلة، بأن مستوى النصوص مكن كذلك، من الرقي بالإنتاج بعدما كان   نقص ونصعف السيناريو يطرح كمشكل في مواسم ماضية، كما وفرت غزارة الإنتاج مناخا للمنافسة  الشريفة حسبها.

كاتب سيناريو  «عين الجنة» أسامة بن حسين
المدرسة الواقعية طبعت الموسم الدرامي
يرى كاتب سيناريو مسلسل عين الجنة، أن اعتماد المدرسة الواقعية في دراما هذا الموسم ساهم في تلبية ذوق شريحة واسعة من الجمهور، الذي كان متعطشا لمشاهدة أعمال تعكس واقعه مؤكدا، ما يعتبر مكسبا وجب الحفاظ عليه في مواسم قادمة، داعيا إلى استغلال الثراء و التنوع الثقافي الجزائري في الانتاجات القادمة.

النصر: ما تقييمك للأعمال التلفزيونية و بالأخص الدرامية لهذا الموسم؟
ـ أسامة بن حسين: عرفنا نقلة نوعية ملفتة فنيا  وتقنيا، فالشاشة الجزائرية لم تشهد هذا العدد من الأعمال الدرامية والكوميديةمنذ سنوات عديدة، وهو ما فتح المجال للتنوع وتلبية ذوق شريحة واسعة من المجتمع، وهذا في حد ذاته مكسب يجب الحفاظ عليه في السنوات القادمة، مع السعي إلى تخصيص مساحة أكبر لمثل هذه الإنتاجات على القنوات أو المنصات خارج البرمجة الرمضانية.                                                                                                                 
هل تابعت تفاعل الجمهور في الشارع و على المنصات كيف تقرأ نتائجه هل انتهت القطيعة بينه وبين الشاشة الجزائرية ؟
ـ أعتقد أن الحكم على المواسم الماضية بالفشل مجحف بعض الشيء، ولا أظن أنه كانت هناك قطيعة بالمفهوم المطلق، الجمهور كان متعطشا بشكل دائم للأعمال الجزائرية و سبب ضعف النوع ونقص الكم في المواسم الماضية، راجع إلى أن العملية الإنتاجية التي عرفت ظروفا صعبة بسبب وباء كورونا، بالإضافة إلى شح مصادر التمويل الإشهاري، وبعض الإرتباك غير المبرر في الرؤية الفنية والخط التحريري للقنوات التي تبث الأعمال.
لطالما طرح السيناريو كنقطة ضعف في الدراما الجزائرية هل تحررنا من هذه العقدة أخيرا وهل لامس الإنتاج الواقع؟

ـ ملامسة الواقع هو مصطلح شاسع فنيا ولا يمكن حصره في تعريف محدد، لذلك أعتقد أن المصطلح الأبلغ في هذه الحالة هو الواقعية، أو المدرسة الواقعية الجديدة، والتي كانت أكثر المدارس السينمائية إتصالا بالجمهور، لأنها تعرض قصصا أقرب إلى الحقيقة وتُصور جميع الطبقات الاجتماعية دون تزييف، أين تغوص الكاميرا في التفاصيل الدقيقة للمشاهد واللقطات.
 الواقعية بالنسبة لي هي تقديم احقيقة طبقة معين أو مكان ما بطريقة فنية إبداعية دون تزييف أو دون خدش مشاعر المشاهد وهذا ما شهدناه في الكثير من الأعمال هذه السنة، سواء الدرامية أو الكوميدية، وهي خطوة موفقة للعودة إلى الخط الدرامي الذي اتبعه التلفزيون و انتهجته السينما الجزائرية خلال سنوات السبعينات والثمانينات. و  لا أظن حقا، أن بلدا مثل الجزائر    غني بثرواته الثقافية والأدبية القيمة، بحاجة إلى اقتباس مسلسلات أجنبية تركية أو غربية أو عربية، مثلما شاهدناه بكثرة في السنوات الفارطة، بفعل استسهال بعض المنتجين المتسرعين لفكرة تقديم الفن، و أرى أنّ العودة إلى الواقعية الجزائرية الدرامية والسينمائية أمر ضروري إن أردنا التميز.
مسلسل «عين الجنة»، من أبرز الأعمال التي أشاد بها نقاد هذا العام، ما سر نجاح السيناريو الذي  كتبته؟
ـ لا يوجد أي سر أو وصفة معينة لنجاح أي عمل فني، فالكثير من العوامل تتداخل بشكل مباشر أو غير مباشر، كل ما أستطيع قوله هو أن كل الطاقم الإنتاجي الفني والتقني لعين الجنة، استمتع بكل لحظة من مراحل التصوير وقدم الجميع كل ما عليهم دون ادخار الجهد، بداية بالمنتجة مريم ولد شياح، التي آمنت بفكرة السيناريو وعملت كل ما بوسعها لنقدم العمل الذي يندرج في إطار المدرسة الواقعية مثل أن سبق ذكره، بعيدا عن أسلوب الدراما التجارية التي تعودنا على رؤيتها سابقا.
 عين الجنة، هي عين عن واقع أليم تعيشه مناطق الظل في الجزائر،بسبب الفساد و نقص التنمية و شح الموارد وغيرها من القضايا الشائكة، وهنا تبدأ مرحلة إخراج القصة من الورق إلى الكاميرا، وقد قدم المخرج السينمائي كريم موساوي إضافة كبيرة للعمل، حيث استحضر عناصر سينمائية أصيلة، على غرار الصورة و الصوت و المونتاج، مع الاعتماد على ممثلين من خيرة ما أنجبت الجزائر، في مقدمتهم جميلة عراس و حليم زريبع و كمال زرارة و سليمان بنواري و حجلة خلادي و زهرالدين جواد إضافة إلى شوقي عماري و البقية، لذلك جاء العمل متكاملا نابعا من القلب، وأتمنى أن يكون قد وصل إلى قلوب المشاهدين.

الرجوع إلى الأعلى