دعــــوة إلى إنصــــاف الضحايــــا و إدانــــة المجــــزرة

دعا المشاركون في الندوة الوطنية حول مجازر 8 ماي 1945 المنعقدة بجامعة قالمة أمس الاثنين إلى مزيد من البحث و الدراسة حول ما حدث في تلك الحقبة التاريخية المأساوية التي كانت منعرجا حاسما في تاريخ الأمة الجزائرية، التي مازالت تنتظر إنصاف الضحايا بالاعتراف بهم كشهداء، و تقديم الاعتذار الرسمي من السلطات الفرنسية عن تلك المجازر التي تعد جريمة ضد الإنسانية من منظور القانون الدولي.
و قال أساتذة التاريخ المتدخلون في الندوة التي حضرتها السلطات المدنية و الأمنية بولاية قالمة و ممثل وزارة المجاهدين، بأن التقارير السرية الفرنسية التي يتم الكشف عنها باستمرار في السنوات الأخيرة تعد بمثابة دلائل مادية تثبت مدى الظلم و القمع و الإبادة التي تعرض لها الجزائريون بقسنطينة و قالمة و خراطة و غيرها من مناطق الوطن المحتل، معتبرين تلك الانتفاضة كبداية حقيقية لثورة التحرير التي وضعت نهاية لسنوات طويلة من الاحتلال الفرنسي الذي سعى بكل الطرق و الوسائل إلى تطهير عرقي و القضاء على الهوية الجزائرية.

الباحث في شؤون الحركة الوطنية محمد شرقي
يجب الاعتراف بضحايا المجازر
قال محمد شرقي، أستاذ التاريخ المتقاعد، و الباحث في شؤون الحركة الوطنية الجزائرية، بأن مطلب الاعتراف بضحايا مجازر 8 ماي 1945 بالجزائر كشهداء طرح بصفة رسمية قبل 34 عاما في ملتقى نظم بمدينة سطيف في ماي 1989 و حضره وزراء و باحثون و مؤرخون، حيث تم تشكيل لجنة تجمع الوثائق و الشهادات و تصدر قرارات الاعتراف لجبر أهالي الضحايا الذين مازالوا مقيدين كأحياء في سجلات الحالة المدنية بالمناطق التي وقعت فيها تلك المجازر التي أودت بحياة الآلاف من الجزائريين العزل في واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية التي وقعت في القرن العشرين.  
ودعا المتحدث إلى إحياء المطلب في ظل الاهتمام المتزايد من قادة البلاد بملف الذاكرة الوطنية التي ستبقى مرجعا للأجيال القادمة لمعرفة تاريخ الأجداد و المحافظة على مكاسب الاستقلال و السيادة و الحرية.
و عاد محمد شرقي إلى الأسباب و الظروف التي أدت إلى انتفاضة 8 ماي 1945 بالجزائر، قائلا بأن الوطنيين و المثقفين الجزائريين كانوا يعرفون جيدا المكانة الحقيقية للدولة الفرنسية آنذاك، دولة فاشلة  أهانتها الحرب العالمة الأولى و الحرب العالمية الثانية من الناحية العسكرية، ومن الناحية السياسية أيضا، حيث سقطت 46 حكومة فرنسية بين سنتي 1920 و 1940 بسبب المشاكل الداخلية و الخارجية، و رغم ذلك يضيف المتحدث كانت تراقب الوضع عن كثب بالجزائر من خلال تقارير يرسلها حاكم الجزائر بينها تقرير 9 مارس 1945 حول الوضع العام في الجزائر تلته تقارير أخرى تحذر من ثورة مقبلة و تطلب حماية الأوروبيين في المدن و القرى و الأرياف من خطر قادم.   
و حسب المحاضر فإن العلم الوطني المرفوع في مسيرة قالمة و سطيف قد أزعج السلطات الفرنسية، فهو رمز السيادة الوطنية و شعار التحرر و الثورة، فكان الرد الاستعماري وحشيا و دمويا لإسكات صوت الثورة و ثني الجزائريين عن مطالب التحرر.

و في 9 ماي، اليوم الموالي للمظاهرات، بدأت تحركات قادة الحركة الوطنية لوقف المجزرة و إطلاق سراح المعتقلين فكان رد السلطات العسكرية و المدنية الفرنسية قاسيا حيث تم اعتقال فرحات عباس و الدكتور سعدان و البشير الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، و بدأ مسلسل القتل و التهجير و النهب و الإعدامات الجماعية السرية.  
و بمنطقة قالمة، يقول محمد شرقي، كانت المجزرة الرهيبة التي امتدت إلى شهر جوان، و كان القتلة من حكام المنطقة بينهم آشياري رئيس دائرة قالمة، و موبار رئيس بلدية قالمة، و «جوليا» رئيس بلدية «بيتي» التي تسمى بومهرة أحمد اليوم، و طبيب و نواب المجلس البلدي بقالمة و يهود المنطقة و الرماة السينيغاليون و الفيلق 3 من الزواف و الطابور المغربي و اللفيف الأجنبي و الحرس الجمهوري و سلاح البحرية و سلاح الجو الذي قنبل و احرق القرى و المشاتي.

رئيس قسم التاريخ بجامعة قالمة عمر عبد الناصر
انتفاضة 8 ماي 1945 بداية ثورة التحرير
اعتبر رئيس قسم التاريخ بجامعة قالمة الأستاذ عمر عبد الناصر انتفاضة 8 ماي 1945 كبداية حقيقية لثورة التحرير نظرا لما ترتب عنها من أحداث متسارعة أدت إلى توحيد الجزائريين و اتفاقهم على ضرورة استرجاع السيادة و تحرير الوطن بالعمل المسلح بعد انكشاف نوايا الاستعمار عقب تلك المجازر الرهيبة التي أيقظت الضمير الوطني و قطعت كل الآمال في الإصلاحات التي تقدمت بها السلطات الاستعمارية.
و قال المتحدث بأن الاستيلاء على أراضي الجزائريين و إقامة المستوطنات و التضييق على الحريات و نهب الخيرات و تنامي الفكر التحرري و النضال بين الجزائريين قد أدى إلى انتفاضة 8 ماي 1945 و قاد إلى ثورة التحرير. و عاد رئيس قسم التاريخ بجامعة قالمة إلى بداية احتلال بايلك الشرق سنة 1832 انطلاقا من مدينة عنابة مرورا بمنطقة قالمة و مجاز عمار أين دارت معركة كبيرة هناك انتهت بتراجع قوات باي قسنطينة.
و بين عنابة و قسنطينة، حيث توجد سهول القمح، بدأ المحتلون يقيمون المستوطنات و ينتزعون الأراضي من أصحابها، و يحكمون قبضتهم على حياة السكان و بدأ الشعور بالظلم يتنامى بمرور الزمن و بدأت المقاومات الشعبية و الانتفاضات المتعددة الأشكال آخرها انتفاضة 8 ماي 1945 التي كانت إعلانا فعليا عن بداية العمل المسلح و الثورة الشاملة على الاستعمار الفرنسي.  

الأستاذ ياسر فركوس من قسم التاريخ بجامعة قالمة
بشاعة المجازر دفعت السلطات الفرنسية إلى وقف التحقيق
قال ياسر فركوس من قسم التاريخ بجامعة قالمة بأنه لولا الأرشيف السري الذي كشفت عنه السلطات الفرنسية سنة 2007 لظلت الكثير من الحقائق المتعلقة بمجازر 8 ماي 1945 خفية عن الرأي العام الوطني و الدولي، مضيفا بأن ما ورد في تلك التقارير فضيع و يدين فرنسا الاستعمارية بجريمة إبادة في حق الجزائريين.
و أوضح المتحدث بأن لجنة التحقيق التي يقودها جنرال فرنسي لتقصي ما حدث في ماي 1945 لم تكمل مهمتها و تلقت أوامر بالعودة إلى الجزائر العاصمة بعد التأكد بأن ما حدث كان بالفعل فضيعا و مخالفا للقانون الدولي و حقوق الإنسان، مؤكدا بأن تقرير حاكم قسنطينة الجنرال ليستراد كاربونال قد كشف عن حجم الدمار و القتل الذي طال الجزائريين بقالمة، عندما تحدث في تقرير مؤرخ في 29 ماي 1945 عن ما رآه من جثث لم تدفن على جوانب الطرقات التي مر بها في طريقه إلى قالمة، المنطقة الأكثر تضررا من تلك المجازر الرهيبة، و قال ليستراد كاربونال في تقريره السري بأن المتظاهرين مزقوا العلم الفرنسي بمدينة وادي الزناتي ورفعوا شعارات تطالب بالحرية و الاستقلال بمدينة قالمة.
و تطرق ياسر فركوس إلى النقاش الذي أطلقته الحكومة الفرنسية أيام 10 و 11 و 12 جويلية 1945 حول الجزائر، و قال بأن رئيس لجنة تنسيق شؤون المسلمين قد تقدم بتقرير فيه إدانة ضمنية لمرتكبي عمليات القتل بينهم رئيس دائرة قالمة آشياري، و طالب بمزيد من الإصلاحات و التمثيل النيابي للجزائريين في المجالس المنتخبة، و إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، لكن بشاعة المجزرة وحدت الأحزاب الجزائرية على طريق الثورة بعد أن فقدت الأمل في الحوار و الخيار السلمي عقب تلك المجازر الرهيبة.  

فوزي حساينية باحث و إطار بقطاع الثقافة في قالمة
مجــــازر 8 ماي ظلــت جريمـــة بلا عقــاب
يتحدث الباحث في شؤون الحركة الوطنية الجزائرية و الإطار بقطاع الثقافة بقالمة، فوزي حساينية للنصر عن مجازر 8 ماي 1945 و قضية الذاكرة الوطنية قائلا بأنه كلما حلت ذكرى مجازر 8 ماي 1945 كلما وجدنا أنفسنا في مواجهة مقولة:« نحن في الجزائر لدينا الكثير من التاريخ والقليل من الذاكرة » ، ذلك أننا في الواقع لم نتمكن حتى بعد مرور 78 سنة على هذه المجازر الوحشية من أن نضطلع بالتاريخ كما ينبغي.
 و في رسالة للأجيال التي لم تعش مجازر ماي الأسود  يتساءل الباحث  عما الذي حدث يوم 8 ماي 1945 وما بعده من أيام الرعب، ثم يجيب بهذه الحقيقة التاريخية و هي أن المجتمع الكولونيالي الاستيطاني المهيمن على كل مظاهر الحياة في الجزائر قد تحول إلى آلة للقتل الجماعي الذي لا يردعه أي رادع ، مجتمع كولونيالي استيطاني بحوزته كل أدوات القوة التي لم يكن المجتمع الأهلي الجزائري يملك إزاءها شيئا، وبالتالي فإن عمليات القتل التي انطلقت مساء الثامن من ماي 1945 لم يكن مرتكبوها يخشون أي عقاب قد تطالهم أي مساءلة قانونية من أي نوع، فالجيش والشرطة والدرك ومليشيات المستوطنين كلهم اتفقوا على تنفيذ هذه المجازر التي تعد من أكثر المجازر وحشية في التاريخ، وهي تندرج من الناحية القانونية ضمن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وجرائم إبادة العرق، لأن القتل في هذه المجازر كان قتلا على الهوية، وإبادة ممنهجة بغرض تجريد المجتمع الأهلي الجزائري من نخبته القائدة ، وبالتالي سد الطريق أمام أي أفق مستقبلي قد يتطلع إليه الجزائريون في إطار مطالبهم الوطنية و التحررية.
و من الأدلة القاطعة على ذلك، يضيف فوزي حساينية، عملية إعدام أحد عشر مناضلا وطنيا، الواقعة المأساوية التي نفذتها السلطات الكولونيالية بقيادة المجرم آشياري يوم 11 ماي 1945 على مستوى الثكنة العسكرية القديمة بقلب مدينة قالمة، وهؤلاء المناضلون هم الذين قادوا مسيرة الثامن ماي السلمية بشعاراتها الوطنية، ومطالبها التحررية، وكانت هذه مجرد بداية لآلاف الضحايا، الذين سقطوا بالرصاص، و بالحرق حتى وهم أحياء.
المعمرون بقالمة....رسالة تأييد و إشادة بالمجازر

و يضيف فوزي حساينة بأن ما حدث في ماي الأسود سنة 1945 كان خارج كل الأعراف و الشرائع الإنسانية، و بالرغم من بشاعة الجريمة لم يحدث أبدا وأن تم تقديم أي فرنسي مدني أو عسكري ممن شاركوا في المذابح إلى المحاكمة أو حتى مجرد المساءلة التأديبية، مما يوضح طبيعة الإيديولوجية العنصرية التي كانت تقف خلف عمليات الإبادة وتبررها وتجعلها عملا ليس مشروعا فقط بل عملا مجيدا، وبالفعل فقط قام أكثر من 800 مستوطن بقالمة بعد أيام من المجازر بكتابة رسالة إلى الجنرال ديغول يشيدون فيها بالمجرم آشياري وما قام به خلال المجازر، وطالبوا بتكريمه على ذلك .
و ذهب المتحدث إلى القول بأنه إذا تساءلنا عن واجبنا تجاه الذاكرة ، فإنه يمكن القول أن نضالنا يجب أن يتمحور حول مطالبة الدولة الفرنسية باعتبارها المسؤولة الأولى والأخيرة تاريخيا وقانونيا عن هذه الجرائم بضرورة الاعتراف، ثم الاعتذار ، ثم العمل على المطالبة بالتعويضات، لكن الوصول إلى تحقيق هذه الثلاثية المشروعة سيتطلب الكثير من العمل والجهد والصبر، وهي قضية تهم كل الأجيال، لأن مسألة الذاكرة ليست فقط قضية الماضي أو الحاضر أو المستقبل ، بل هي قضية كل الأزمنة.
ذاكرة الجزائر جزء من ذاكرة إفريقيا
 و خلص الباحث فوزي حساينية إلى القول بأن العمل من أجل الذاكرة يجب أن يتركز على إعداد البنية التحتية للذاكرة من متاحف ومعالم ومواقع ومراكز بحث ، وصولا إلى امتلاك الأدوات الإعلامية والتاريخية والقانونية التي تسمح لنا بعولمة قضية الذاكرة الجزائرية، من خلال إقحام معاناة الجزائريين ضمن الضمير العالمي، وذلك عبر البناء المشترك للذاكرة الإفريقية، وخاصة الشعوب الإفريقية التي عانت مثلنا من عمليات الإبادة الأوروبية مثل مدغشقر التي شهدت سنة 1947 مجازر تماثل مجازر الثامن ماي1945 في بشاعتها وعنصريتها وعدد ضحاياها، لذلك أتمنى أن تقوم الجزائر بإنشاء مركز إفريقي للذاكرة كخطوة أولى وأساسية في الجهد المطلوب بذله لعولمة قضية الذاكرة الجزائرية والإفريقية.
فريد.غ

الدكتور بشير فايد (أستاذ التاريخ بجامعة محمد لمين دباغين سطيف 2)
فرنسا أرادت استعادة هيبتها المفقودة في الحرب العالمية بتقتيل الجزائريين
عرض الدكتور، بشير فايد، أستاذ بقسم التاريخ والآثار، بجامعة محمد لمين دباغين، دوافع الاستعمار الفرنسي الخفية، والأغراض التي تقف وراء الجرائم والمجازر المرتكبة في حق مواطنين عزل، على امتداد أشهر بدايتها كانت دامية في يوم أسود صادف تاريخ 8 ماي 1945.
واستنادا لما جاء على لسان المتحدث، خلال مشاركته في الندوة التاريخية المنظمة سهرة أول أمس بقاعة العروض الكبرى، فإن الاستعمار الفرنسي تعمد استعمال واستعراض قوته العسكرية يوم 8 ماي 1945، بغرض تخويف وترهيب الجزائريين، وسكان كل المستعمرات، من خلال قمع وإبادة أشخاص عزل، والتأكيد على أبدية أن الجزائر فرنسية، والتنصل من الوعود التي قطعتها للشعب الجزائري قبل الحرب العالمية الثانية، وبالمقابل مع هذا طمأنة المستوطنين والتأكيد على أن فرنسا مازالت قوة رغم الاحتلال النازي ومخلفات الحرب التي خاضتها، إضافة إلى ضرب التقارب الحاصل بين تيارات الحركة الوطنية الجزائرية.
كما تطرق الدكتور فايد إلى الدروس التي استخلصها الجزائريون من هذه المجازر، انطلاقا من القطيعة النفسية والذهنية مع فرنسا،والإجماع وربما لأول مرة أنه لا يمكن الوثوق أبدا في فرنسا الاستعمارية، واكتشاف حجم الغدر والخيانة التي تعرض لها الجزائريون الذين ضحوا بأرواحهم في خوض الحرب العالمية مع فرنسا، والتوصل إلى نقطة مهمة جدا وفاصلة في مسار الكفاح ضد الاستعمار وهي أن ما سلب بالقوة لا يمكن إلا أن يرد بالقوة، والعودة إلى الكفاح المسلح من جديد، من خلال الاستمرار في التعبير عن الغضب العارم والشعبي، والاستفادة من تجربة المقاومات الشعبية والحركة الوطنية.
وخلص أستاذ التاريخ بجامعة سطيف، إلى أن مجازر الثامن ماي 45 بما حملته من مآسي وخسائر فادحة، إلا أنها وحدت الجزائريين أكثر من أي وقت مضى، في مواجهة تغول الاستعمار الفرنسي، وفرنسا التي لم تستفد من دروس الحرب العالمية الثانية، فحفرت قبرها بنفسها أمام شعب اختار لنفسه الحرية، ودفع لأجل ذلك الغالي والنفيس.
 خ. ل

الصحافة الدولية فضحت التعتيم الفرنسي
العالم لم يسمع بالمجازر إلا بعد شهر ونصف
أكد، أمس الاثنين، مؤرخون بأن الإدارة الاستعمارية فرضت تعتيما واسعا على مجازر 8 ماي 1945، ولم تنقل أحداثها إلى العالم إلا في شهر أوت، أي بعد شهر ونصف من حدوثها.
وتحدث مؤرخون في ندوة تاريخية نظمتها جامعة البليدة 2 عن دور الصحافة الإسبانية في رفع التعتيم عن هذه المجازر وتوثيق الأحداث الدامية التي ارتكبتها فرنسا، وذلك بعد الخلاف الذي وقع بين حاكم إسبانيا العسكري فرانكو والسلطات الفرنسية في تلك الفترة.
وذكر في هذا الإطار الأستاذ مصطفى بطرواي بأن العالم لم يسمع بمجازر 8 ماي 1945 إلا في منتصف شهر أوت، وذلك بعد الخلاف الذي وقع بين حاكم إسبانيا العسكري إبان تلك الفترة فرانكو والسلطات الفرنسية، حيث وقع نزاع سياسي بين الدولتين على مستوى عصبة الأمم المتحدة، مما جعل السلطات الإسبانية تغير من توجهاتها تجاه فرنسا بعد أن كانت الصحافة الإسبانية مؤيدة للفرنسيين في أحداث 8 ماي، في حين بعد الخلاف الذي وقع بينهما أعطت السلطات الإسبانية أوامر للصحف لتقصي الحقائق فيما يحدث بالجزائر للتشهير بالجرائم الفرنسية، وأرسلت الصحف الإسبانية مبعوثين لها للجزائر لتقصي الأحداث، ورفعت الستار عن الجرائم الفرنسية البشعة التي ارتكبتها فرنسا، مضيفا بأن الصحف الإسبانية كان لها الفضل في التشهير بهذه الجرائم وإبلاغ صوت الجزائريين للعالم وكشف هذه الجرائم.
وأشار نفس المتحدث إلى أن مجازر 8 ماي استمرت لمدة شهر و10 أيام وحاولت الصحافة الفرنسية تعتيم وتشويه الأحداث ووصفت ما حدث بمجرد عصيان مدني من طرف الجزائريين.
وفي السياق ذاته قالت الأستاذة حدة بن عياش بأن السلطات الفرنسية حاولت التعتيم والتضليل على الأحداث في الصحافة، وأشارت إلى أن الصحافة الفرنسية وصفت هذه المجازر بأحداث أو مظاهرات قام بها متعاطفون مع النازيين، وحاولت تقديم صورة على أن الفرنسيين هم أيضا ضحايا للقتل، ولم تنقل بموضوعية تلك المجازر البشعة التي ارتكبت ضد الجزائريين.
بالمقابل يذكر الأستاذ عبد العزيز آيت بعزيز بأن الصحافة في المشرق العربي كانت متعاطفة مع الجزائريين وتناقلت هذه الأحدث وتطوراتها ووثقت القمع والتشريد والتقتيل الذي تعرض له الجزائريون من طرف السلطات الاستعمارية.
نورالدين ع

في ملحمة استعادت تاريخ الجزائر
إحياء جراح  ماي  على الركح بسطيف
احتضنت قاعة العرض الكبرى بدار الثقافة لولاية سطيف، سهرة أول أمس، عرض ملحمة فنية تاريخية بعنوان «الجزائر أمجاد ومآثر»، أبدع المشاركون في إنجازها على الركح، لتقديم صور ومشاهد أحيت جراح الجزائريين العميقة لمجازر الثامن ماي.
يقول صاحب نص هذا العرض الفني، الكاتب جمال الواحدي، أن هذا العمل الفني الملحمي، حمل لوحات متنوعة بين الشعر الفصيح والشعر الشعبي الملحون والغنائيات، والحكم والأقوال الشعبية المأثورة، ويتناول مراحل مهمة من تاريخ الجزائر العظيم، وبين كل مرحلة وأخرى هناك فاصل موسيقي يعرض طابعا من الطبوع الجزائرية. والبداية كانت بالعودة إلى التاريخ الضارب في القدم، مع حفريات عين الحنش، ومع رسومات الطاسيلي، ثم بعدها توالت المراحل إلى غاية الوصول لمرحلة الاستعمار الفرنسي، هذه المرحلة التي تؤكد صمود الشعب الجزائري تجاه كل المحاولات الحثيثة والرامية إلى الغزو، ومنها إلى مرحلة المقاومة الشعبية، ثم التجنيد الإجباري الذي كان ممهدا لأحداث 8 ماي، المجازر الأليمة التي مازال الشعب الجزائري يستذكرها كل سنة.
مخرج هذا العرض، عيسى جيرار، أكد للنصر، بأن هذا النوع من الخطابات يوصل الرسالة الفنية التاريخية بطريقة سلسة إلى الجمهور وخاصة الشباب، من خلال جمالية العمل الذي حمل بصمة سطايفية، مع إعطاء جانب مهم جدا لنضال المرأة الجزائرية الكبير إيان ثورة التحرير وما قامت به في مظاهرات ومجازر 8 ماي،  وهي الرسالة التي هدفت إليها هذه الملحمة.
الفنانة ، فطيمة حليلو، التي لعبت دورا لا يختلف عن واقع عاشته فعلا، باعتبارها ابنة شهيد في الأصل وأم شهيد على الركح، أثنت كثيرا في تصريح لوسائل الإعلام عقب تكريمها من وزير المجاهدين وذوي الحقوق ووالي سطيف، على نجاح هذا العمل الفني، الذي قالت بأنها لعبت فيه دورا تعشقه، وهو دور الأم الثورية، من منطلق أنها أم وتحس بالأم الثورية، وابنة شهيد وتملك تجربة واقعية، تجلعها تدرك جيدا حجم معاناة المرأة المجاهدة والريفية، ومشاركتها ومعاناتها في الجبال إبان ثورة التحرير، وهي المرأة التي تستحق التقدير استنادا إليها، مؤكدة تعلقها بهذا الدور رغم أنه مهمش فنيا، سواء في السينما أو المسرح  أو التلفزيون من طرف المنتجين.
الختام كان بأجواء احتفالية بنصر الجزائر على وقع الأغاني السطايفية الثورية من أداء فنانين محليين بارزين، على غرار عراس وفارس، وسط تفاعل كبير من الجمهور الغفير الذي حضر هذا العرض الفني التاريخي، وهو التفاعل الذي امتد إلى والي سطيف، محمد أمين درامشي، ووزير المجاهدين وذوي الحقوق العيد ربيقة الذي أشاد بالأداء الراقي والمحتوى الذي يعبر بحق عن نضال الشعب الجزائري وأفراحه أيضا، متمنيا مشاهدة أعمال أخرى تضاهي في أهدافها هذا العمل على خشبات أخرى، مضيفا أن العرض كان ممتعا أحيانا ومؤلما في بعض المحطات المعبرة عن حجم المأساة الدموية لذكرى مجازر الثامن ماي 45. والذي أشرف على تكريم عائلات بعض المجاهدين والشهداء، مع تمنياته لرئيس الجمعية الجزائرية 8 ماي 45، عبد الحميد سلاقجي بالشفاء العاجل.
خ .ل

مسيرة شعبية حاشدة بقالمـــــة
نظم سكان قالمة و معهم السلطات المدنية و الأمنية مسيرة شعبية حاشدة مساء الاثنين جابت شوارع قالمة القديمة تنديدا بمجازر ماي الأسود التي أودت بحياة 45 ألف شهيد بقالمة، سطيف خراطة و مناطق أخرى من الوطن قررت الثورة على المحتل و بداية مسيرة التحرر.
المسيرة انطلقت من ساحة الكرمات التاريخية التي بدأت منها مسيرة الكرامة قبل 78 عاما و جابت شوارع و ساحات باب السوق، عنونة ساحة الشهداء و شارع أول نوفمبر و 8 ماي 1945 أين سقط الطفل عبد الله بومعزة المدعو حامد أول شهيد في تلك الانتفاضة الخالدة التي مهدت الطريق الى ثورة التحرير المقدسة.  
و قد تقدمت الكشافة الإسلامية المسيرة كما فعلت قبل 78 عاما عندما تقدمت صفوف الانتفاضة الشعبية و دفعت الثمن باهظا حيث تعرض قادتها بقالمة للاعتقال و التصفية الجسدية بينهم سويداني بوجمعة و علي عبدة.
و ارتدت النساء الزي الأسود تعبيرا عن الحزن الذي عم الشرق الجزائر برمته عقب المجزرة الرهيبة التي استمرت عدة أشهر يقتل فيها الناس و تحرق القرى و المداشر، في واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية في القرن العشرين.
و رفعت المسيرة شعارات تندد بالمجزرة و تدعو الى الوحدة و حماية الوطن و تذكر ضحايا ماي الأسود و عدم نسيان ما وقع في تلك الحقبة الدامية من تاريخ الجزائر المليء بالأحداث و المآسي و الأمجاد.
و رفع أهالي الضحايا صورا لهؤلاء الأبطال الذين فتحوا سجل الشهداء و عبدوا طريق الحرية، و قرأ إمام المدينة فاتحة الكتاب ترحما على أرواح الضحايا داعيا الى الوحدة و تذكر تضحيات أبطال انتفاضة ماي 1945 الخالدة.                  فريد.غ          

سطيــف ســـارت في درب الشهيـد بوزيـــد سعـال
احتشد جمع غفير من أبناء ولاية سطيف ومختلف ولايات الوطن، أمس، أمام مسجد أبي ذر الغفاري، من أجل المشاركة في المسيرة المخلدة لذكرى مجازر الثامن ماي 45، بمشاهد تحيي السيناريو الذي سارت عليه المظاهرات التي أغرقت الجزائريين في الدماء قبل 78 سنة، لم ولن تكون كافية مع ما  سيعقبها من سنوات لمحو آثار تلك المأساة التي تعاهد الجزائريون على حفظ ذاكرتها الأليمة من جيل لآخر.
بصفوف متراصة ومربعات منظمة، وروح مشبعة بالوطنية والقيم الثورية، يتقدمها وزير المجاهدين وذوي الحقوق العيد ربيقة، ووالي ولاية سطيف محمد أمين درامشي، رئيس المرصد الوطني للمجتمع المدني، والأمناء العامون لمنظمات المجاهدين، أبناء المجاهدين وأبناء الشهداء، والسلطات الأمنية والمدنية، انطلقت صبيحة أمس، مسيرة الوفاء، لتخطو خطوات ثابتة من منطلق مظاهرات 8 ماي 45 قبل 78 سنة، على أرض داس عليها الأطهار من المجاهدين والشهداء الجزائريين الذين أقسم أبناء هذا الجيل على حفظهم في ذاكرة لا تموت.
المسيرة التي توشحت برداء الطابع الشعبي مثلما اكتست به في واقعها الحقيقي، بمشاركة المواطنين من الأطفال إناثا وذكورا، والرجال والنساء والعجائز والشيوخ، سلكت مسار السابقين ممن رفعوا راية الجزائر في يوم كان مفصليا في تاريخ الكفاح ضد الاستعمار، على الطريق الرئيسي المسمى شارع 8 ماي 45 حاليا بعدما كان يسمى شارع كليمنصو في عهد الاستعمار الغاشم، حاملين رايات الوطن بألوانها البهية الأحمر، الأخضر والأبيض بكل حرية في بلد دفع الثمن غاليا لينعم بها.
صور هذه المسيرة التي قادتها الفرقة النحاسية مهللة بأجراس وأنغام الموسيقى الثورية الوطنية، ومن خلفها براعم الكشافة براية الجزائر العملاقة، ومن خلفهم حشد كبير رسمي وشعبي، أبى إلا أن يشارك في هذه المسيرة المتوارثة، شكلا مضمونا وشكلا في الثامن ماي من كل عام، أكدت بأن الذاكرة ستبقى محفوظة بين الأجيال وما قاسى منه الأجداد لن يزال من أذهان الأحفاد، فذكرى ومشاهد مجازر الثامن ماي مازالت تبكي الجزائرين دما إلى اليوم.
نقطة الوصول كانت عند النصب التذكاري للشهيد البطل «سعال بوزيد»، النقطة التي شهدت منطلق المأساة وبداية سيلان دم الأبرياء لجزائريين اختاروا لأنفسهم حمل راية الحرية أمام غدر السلطة الاستعمارية، أين وضع وزير المجاهدين وذوي الحقوق إكليلا من الزهور أمام النصب التذكاري، مع تلاوة الفاتحة والدعاء لشهداء الواجب الوطني.
ليقف المشاركون في هذه المسيرة الحاشدة التي شهدت حضور المئات إن لم نقل الآلاف من المواطنين، إلى جانب القائد العام للكشافة الإسلامية الجزائرية، الأمينة العامة للاتحاد الوطني للنساء الجزائريات نورية حفصي، ورئيس المجلس الأعلى للشباب في الساحة المحاذية لنصب الشهيد سعال بوزيد، من أجل الاستماع إلى إبداع تلاميذ مختلف المؤسسات التعليمية لولاية سطيف، بعرض أناشيد وطنية تتغنى بشهداء ومجاهدي الجزائر، لتنتهي بذلك المسيرة التي تحيي مشاهد هذه الذكرى الأليمة دون أن تنتهي مسيرة الثبات على عهد الشهداء.
خ. ل

الرجوع إلى الأعلى