شكل ملف السكن إحدى أولويات السياسة العامة للدولة خلال العام 2023، الذي شهد إنجاز وتوزيع حصص سكنية بمختلف الصيغ، وتم انتقاء الأحداث التاريخية الهامة لتسليم مفاتيح الشقق للمستفيدين، تأكيدا من السلطات العمومية على التزامها بالحفاظ على المكاسب الاجتماعية المحققة في جزائر الاستقلال.  
وشهدت سنة 2023 إطلاق برامج سكنية هامة كرست الطابع الاجتماعي للدولة، تجسيدا لقرار رئيس الجمهورية بجعل ملف السكن من أولى الأولويات، وتم لأجل ذلك تكريس هذا المبدأ باستحداث فروع بنك الإسكان، الذي أسندت إليه مهمة تمويل برنامج عدل 3، بعد أن أصبح السكن جزائريا محضا، لا يكلف الدولة أموالا صعبة.
وحرص رئيس الجمهورية في مجالس الوزراء المنعقدة خلال نفس العام على إسداء التوجيهات والتعليمات للعناية بملف السكن، واصفا ما تم إحرازه في هذا المجال بـ "الثورة الصامتة"، بعد أن تم تحقيق حلم المواطن بالاستفادة من سكن بمختلف الصيغ، بما يراعي خصوصية كل منطقة، ويأخذ بعين الاعتبار المدخول الشهري للمستفيدين.
كما قام رئيس الجمهورية بتوجيه رسائل طمأنينة للمواطنين، قائلا فيها إن البرامج السكنية لن تتوقف، وستظل مستمرة إلى غاية تمكين كل مواطن من الحصول على مسكن لائق، فضلا عن مواصلة دعم الطبقات الهشة، من خلال الحفاظ على صيغة السكن الاجتماعي، مؤكدا أيضا بأن مشاكل الطبقات المتوسطة لا تحل إلا عن طريق صيغة البيع بالإيجار. وعرفت سنة 2023 تسليم عدد هام من الوحدات السكنية بمختلف الصيغ، وجرت عملية التوزيع في أجواء احتفالية عاشتها عدة ولايات، تزامنا مع إحياء مناسبتين وطنيتين كبيرتين، تخليدا لذكرى الاستقلال يوم 5 جويلية، وذكرى اندلاع الثورة التحريرية في الفاتح من نوفمبر، وذلك تأكيدا من السلطات العليا للبلاد على التزامها بالقضاء التام على أزمة السكن، والسكنات الهشة، تجسيدا لمبدأ تحقيق العدالة الاجتماعية.
وتعد برامج عدل من المشاريع الطموحة والواعدة التي تستقطب الطبقات المتوسطة، لا سيما وأنها لقيت استحسانا وقبولا واسعا من طرف المواطنين، لكونها توفر للمكتتبين فرصة اقتناء سكن بجميع المواصفات مع تسديد المريح، وقد خص رئيس الجمهورية هذا البرنامج بعناية فائقة، مؤكدا استمرار هذه الصيغة الموجهة للطبقة المتوسطة التي يتعين حمايتها باعتبارها "ركيزة البلاد"، وأساس توازن المجتمع.
وتمكن قطاع السكن من تحقيق خطوة هامة، بعد أن أصبح يعتمد كليا على مواد البناء محلية الصنع، ويد عاملة مؤهلة ومكاتب دراسات جزائرية، مما مكن من تقليص تكاليف الإنجاز، ومضاعفة البرامج السكنية بالصيغ المختلفة، مع فرض شروط صارمة في دراسة ملفات طالبي السكن، لا سيما السكن الاجتماعي، لتفادي التلاعبات والاستفادة المتعددة. كما حظي السكن الريفي باهتمام كبير من قبل الوزارة الوصية خلال هذه السنة، التي شهدت إطلاق مشروع لرقمنة الإجراءات المتعلقة بالتسجيل والاستفادة من الإعانات في مجال السكن الريفي، من أجل إضفاء شفافية أكبر، وتسريع وتيرة دراسة الملفات. وأوضح في هذا الصدد رئيس الجمهورية بأن السكن الريفي من النجاحات الكبرى للجزائر، نظرا لما حققه من مكاسب عدة، من بينها السماح لعديد العائلات من العودة إلى مناطقها الأصلية، فضلا عن تحقيق التنمية الريفية المنشودة، عبر مرافقة الأسر ودعمهم لتشييد سكنات تتوفر على كافة المواصفات، وقريبة من المرافق العمومية.
إطلاق "عدل 3" يطبع سنة 2023
ولم تنقض سنة 2023 بما تحمله من إنجازات وبرامج طموحة في قطاعات عدة، بينها قطاع السكن، إلا بالإعلان عن قرار هام طالما انتظرته فئات واسعة من المجتمع، وكان ذلك خلال الزيارة التي قادت رئيس الجمهورية إلى ولاية الجلفة، التي أكد فيها بأن افتتاح الاكتتاب في "عدل 3 " سيكون اعتبارا من سنة 2024.
وتجاوز عدد الوحدات السكنية التي تم استلامها في سنة 2023 وفق ما أفاد به وزير القطاع 300 ألف وحدة بمختلف الصيغ، بينها 150 ألف وحدة سكنية وزعت بمناسبة تخليد ذكرى استرجاع السيادة الوطنية، و130 ألف وحدة خلال إحياء ذكرى 1 نوفمبر، لترتفع حصيلة السكنات المستلمة منذ سنة 2020 إلى أكثر من 1.2 مليون وحدة.
وتعكس المبالغ الهامة التي تم رصدها لتجسيد مختلف البرامج السكنية إرادة الدولة للحفاظ على الطابع الاجتماعي للسكن، وبحسب ما أفاد به وزير القطاع طارق بلعريبي في تصريحات إعلامية، فإن تجسيد المشاريع المستلمة وقيد الإنجاز، تطلب تخصيص ميزانية فاقت 25 مليار دج من قبل السلطات العمومية.
تسريع وتيرة الإنجاز ولجان خاصة لمراقبة النوعية
كما عرفت هذه السنة القيام بإجراءات مشددة لتسريع وتيرة الإنجاز، إلى جانب تجنيد اللجان الخاصة المكلفة بمراقبة النوعية، عبر تكثيف الخرجات الميدانية، ومرافقة أصحاب المشاريع لرفع التحفظات المسجلة قبل تسليم السكن للمستفيدين، والحرص على إنهاء البرامج التي بلغت نسبة إنجازها 50 بالمائة، وإطلاق المشاريع المتعثرة، وإعادة تنشيط الورشات المتوقفة. ووضعت وزارة السكن والعمران والمدينة نفسها أمام تحد لإنجاز 225 ألف وحدة سكنية في العام 2023 التي تضمنها قانون المالية لنفس السنة، إلى جانب فتح فروع عدة لبنك الإسكان بعد أن تم اعتماده رسميا من طرف البنك الوطني في شهر جانفي الماضي، بصفته مؤسسة مالية تسهر على تمويل البرامج السكنية المختلفة، من بينها السكن الاجتماعي، تجسيدا لإحدى التزامات رئيس الجمهورية 54 ضمن برنامجه الانتخابي.
ومكنت سياسة الإسكان التي تبنتها السلطات العمومية من القضاء التدريجي على أزمة السكن، من خلال البرامج المتعددة، مما أضفى لمسة مالية على المدن والتجمعات الحضارية، التي أصبحت خالية من السكن الفوضوي، بفضل عمليات الترحيل التي استفادت منها الفئات المحرومة، التي خصتها الدولة بصيغة السكن الاجتماعي.
وتم اختتام العام 2023 بمصادقة غرفتي البرلمان على قانون المالية لسنة 2024، المتضمن تسجيل إنجاز 460 ألف وحدة سكنية، 100 ألف منها بصيغة السكن الاجتماعي، الذي يظل يحتل الأولوية من بين مختلف الصيغ السكنية، من ضمنها 100 ألف سكن اجتماعي، و150 ألف سكن ريفي.
وتؤكد التدابير المتضمنة في قانون المالية الجديد تمسك الدولة بالسياسة الاجتماعية التي يعد السكن إحدى الركائز الأساسية لتجسيد العدالة الاجتماعية، ومن العوامل التي تحقق الاستقرار وتعزز صلة الفرد بالدولة ومؤسساتها.                    لطيفة بلحاج

الرجوع إلى الأعلى