أقرت الجزائر خلال العام الجاري موازنة هامة خصصت لدعم القدرة الشرائية من خلال تحسين الأجور و مداخيل أزيد من 8 ملايين مواطن، بالموازاة مع إطلاق مشاريع اقتصادية حيوية بالنسبة إلى الاقتصاد الجزائري، أبرزها استغلال أكبر منجم للحديد ومشاريع السكك الحديدية و تحلية المياه، والطريق البري الرابط بين الجزائر وموريتانيا، كما تم خلال 2023 إعادة بعث صناعة السيارات.

سجلت مؤشرات الاقتصاد الكلي تحسنا ملحوظا، خلال العام الحالي، على غرار الفائض المسجل في الحساب الجاري وميزان المدفوعات والميزان التجاري، وانتعاش صندوق ضبط الإيرادات مجددا، بعد أن نضب رصيده في فيفري 2017، إلى جانب الارتفاع المسجل في احتياطي الصرف الذي ارتفع إلى حوالي 70 مليار دولار وهو رقم لم يتم تسجيله منذ عدة سنوات.
فالوصفة التي أقرها رئيس الجمهورية، نجحت في إعادة تحريك عجلة الاقتصاد الجزائري ومكنته من تجاوز آثار وتداعيات الأزمة الاقتصادية بأخف الأضرار في مرحلة أولى، والدخول تدريجيا في مرحلة التعافي والنمو، وهو ما يتجلي من خلال التحسن الكبير المسجل في المؤشرات الاقتصادية الكلية، على غرار الميزان التجاري وميزان المدفوعات إضافة إلى احتياطي الصرف الذي سجل قفزة قوية بعد سنوات من التراجع.
وجاءت تلك النتائج بفعل تدابير وإصلاحات هيكلية اتخذتها السلطات العمومية، مست القانون النقدي والمصرفي وقانون العقار الاقتصادي الذي يأتي كاستمرارية لقانون الاستثمار الجديد، ما سيسمح وبشكل ملموس، بتسريع الحركية الاستثمارية وبعث آلاف المشاريع محليا ووطنيا، بعد سنوات طويلة من الجمود بسبب عراقيل بيروقراطية مفتعلة.
ولعل ما طبع هذا العام، تخصيص ميزانية ضخمة بإجمالي نفقات قاربت 13.800 مليار دج ضمن إطار قانون المالية الذي كرس مواصلة الجهود الرامية للحفاظ على مستوى جيد من التحويلات الاجتماعية ودعم القدرة الشرائية للمواطنين من خلال مراجعة الشبكة الاستدلالية للأجور ورفع منحة البطالة، علاوة على تعزيز برنامج الاستثمار وتعزيزه لضمان النمو الشامل، وتم إعطاء أهمية مركزية لقطاع البنوك لما له من دور أساسي في ضمان مرافقة أفضل للمتعاملين الاقتصاديين من منتجين ومصدرين.
 الجزائر تخطو بعيدًا عن اقتصاد النفط
وكان رئيس الجمهورية قد وضع سنة 2023 تحت عنوان «سنة الإنعاش الاقتصادي»، بفضل مراجعة قانون الاستثمار بهدف توفير بيئة أعمال ملائمة وهو ما مكن من إبرام عديد الاتفاقيات والمشاريع الاستثمارية، على غرار الصفقات التي تم الإعلان عنها عقب زيارة الرئيس تبون إلى بكين.
وإن عرفت السنة الماضية ارتفاع حجم الصادرات خارج المحروقات إلى 7  مليار دولار بعدما لم تكن تتجاوز 1  مليار دولار في فترة سابقة، فإن المؤشرات الاقتصادية توحي بإمكانية بلوغ 13  مليار دولار خاصة بعد ارتفاع الأسعار في الأسواق الدولية وبفضل عودة النشاط الاقتصادي، وهو الهدف الذي سطره رئيس الجمهورية، عبد المجيد منذ مطلع السنة، والذي جعله يقر عدة تدابير وتسهيلات للمصدرين لبلوغ هذا الهدف من خلال تخفيض وإلغاء بعض الرسوم وإلغاء العراقيل البيروقراطية وكذا اتخاذ إجراءات فعالة على مستوى الجمارك وتوسيع أرصفة الموانئ وغيرها من التدابير اللوجيستكية باعتبارها نقطة أساسية في عملية التصدير.
وفي أحدث تقرير له عن الجزائر، أشار البنك الدولي، إلى أن تطور القطاعات غير النفطية صار واقعا وسيكون المحرك الأساسي للنمو في 2023، وورد في التقرير الذي حمل عنوان “رصد الوضع الاقتصادي في الجزائر”، وتوج اجتماعات الربيع للبنك الدولي، أن أنشطة القطاعات خارج المحروقات ستكون المحرك الأساسي للاقتصاد الجزائري في سنة 2023، مشيرا إلى أن هذه القطاعات ستدعم أيضا نمو اقتصاد البلاد في العام الجاري.
وتمكن قطاع الفلاحة خلال سنة 2023 من تحقيق نتائج إيجابية من حيث وفرة الإنتاج وتغطية 75 بالمائة من الاحتياجات الوطنية، بحيث أصبح يحتل المرتبة الثانية عربيا في إنتاج الخضروات بعد مصر، حيث أصبح يساهم بأكثر من 14.7 بالمائة في الناتج الداخلي الوطني الخام، كما يشغل أكثر من ربع اليد العاملة الناشطة بما يعادل 2.7 مليون عامل.
   إطلاق مشاريع استراتيجية
وعرفت سنة 2023 إطلاق مشاريع استراتيجية هامة، على غرار مشروع مصنع المعالجة الأولية لخام الحديد المستخرج من منجم غار اجبيلات، وهو أكبر استثمار منجمي في الجزائر منذ الاستقلال.
وعلاوة على مساهمته المرتقبة في خلق 25 ألف منصب عمل مباشر و125 ألف منصب غير مباشر، فإنّ المشروع المندمج لمنجم غار اجبيلات، سيعرف تشييد مرافق سكنية واجتماعية، بما فيها تلك الخاصة بالمدينة المنجمية لغار اجبيلات.
وتقدَّر تكلفة المشروع بنحو 15 مليار دولار، وتُنفَّذ مراحل الاستغلال على 3 مراحل، تنتهي الأولى خلال عام 2024، وتُنجَز خلالها البنية التحتية للمشروع ووحدة نموذجية للإنتاج، لتبدأ المرحلة الثانية حتى 2027، التي سيُنتَج خلالها ما بين مليونين إلى 4 ملايين طن من خام الحديد. أما خلال مرحلة الإنتاج الثالثة، فتتوقع الحكومة إنتاج 50 مليون طن من الحديد سنوياً.
ويفتح منجم غارا جبيلات آفاقاً اقتصادية وتنموية «كبيرة» للجزائر، وسط اهتمام رئيس الجمهورية بتعجيل انطلاق إنجاز مصنع بشار للصلب وقضبان السكك الحديدية والهياكل المعدنية، على أن يكون جاهزاً في سبتمبر 2026.
ويندرج انجاز هذا المركب الذي سيقام بالمنطقة الصناعية «توميات» بولاية بشار، باستثمار قوامه 1 مليار دولار، في إطار الاستغلال المدمج للمنجم من خلال جملة من المنشآت والبنى التحتية على غرار خط السكك الحديدية غار اجبيلات – بشار، ومصنع المعالجة الأولية لخام حديد غار اجبيلات.
كما يُعَدّ المعبر الحدودي بين الجزائر وموريتانيا عند نقطة التقاء الحدود بين البلدين في منطقة تندوف، ومشروع الطريق البري الذي يربط مدينة تندوف بمدينة الزويرات الموريتانية، بطول 775 كيلومتراً، ذا أولوية اقتصادية واستراتيجية، حيث سيسهم في تشجيع حركة التجارة وتدفق البضائع وحركة الأفراد والمركبات.
  خوصصة مصرفين وفتح بنوك بالخارج
كما باشرت الجزائر، خلال العام الجاري، إصلاحات نقدية ومصرفية، توجت بافتتاح، ولأول مرة في تاريخ الجزائر، لأولى الوكالات البنكية الوطنية خارج البلاد من خلال بنك الاتحاد الجزائري (AUB) بالعاصمة الموريتانية نواكشوط والبنك الجزائري السنغالي بداكار(ABS)، ضمن مسعى للمساهمة في دفع ومرافقة الاستثمارات الوطنية في القارة والتبادلات التجارية مع باقي دول القارة الإفريقية، وستتواصل هذه الديناميكية قريبا بانتشار لوكالات بنك الجزائر الخارجي الدولي في عدد من المدن الفرنسية الرئيسية التي تعرف تركيزا كبيرا للجالية الجزائرية.
واستمرارا لنهج عصرنة القطاع البنكي، تقرر فتح رأس مال كل من القرض الشعبي الجزائري وبنك التنمية المحلية، بنسبة تصل إلى 30 بالمائة لكل منهما، في وقت عبرت فيه الدولة، من خلال رئيس الجمهورية، عن فتح المجال أمام القطاع الخاص لإنشاء بنوك.
ومن ضمن أهداف هذا المشروع الهام إعطاء دفع جديد لبورصة الجزائر وتطوير التسيير البنكي وتعزيز الشفافية وطرق الحوكمة مع مراعاة أساليب التسيير الحديثة، كون العملية تهدف إلى إشراك القطاع الخاص في تسيير هذه المؤسسات المالية وخلق جو تنافسي، يعود بالمنفعة على زبائن البنوك والاقتصاد الوطني بشكل عام.
إعادة بعث مصانع تركيب السيارات محلياً
ولعل أهم ما يميز 2023، هو عودة مصانع تجميع السيارات في الجزائر إلى الإنتاج بعد سنوات من تجميد هذا النشاط في أعقاب قضايا الفساد.
ويعتبر مصنع السيارات لعلامة «فيات» الإيطالية، الذي تم تدشينه في 11 ديسمبر الجاري بالمنطقة الصناعية لبلدية طفراوي (جنوب ولاية وهران) بمثابة خطوة مهمة لإعادة بعث نشاط صناعة المركبات في الجزائر وإرساء قواعد سليمة لها.
وقد تم إنجاز هذا المشروع الهيكلي في ظرف قياسي، حيث انطلقت أشغال تجسيده في شهر نوفمبر 2022 بعد التوقيع على اتفاقية-إطار في أكتوبر من نفس السنة بين وزارة الصناعة ومجموعة «ستيلانتيس» التي تحتل المرتبة الرابعة عالميا في صناعة السيارات، وتضم 12 علامة.
وقد أعلنت شركة «فيات» أن الطاقة الإنتاجية الأولية للمصنع تقدر بـ 60 ألف سيارة سنويا في المرحلة الأولى، وستصل إلى 90 ألف مركبة سنويا في مرحلة ثانية. وينتظر أن ينتج مصنع طفراوي ثلاثة أنواع من السيارات (موديلات) إلى غاية سنة 2026 فيما سينطلق في إنتاج النوع الرابع خلال سنة 2029
وقد أكد رئيس الجمهورية، أن المسعى الاقتصادي الذي تتبعه الدولة حاليا والمنجزات المحققة، خصوصا في مجال الإنتاج الصيدلاني وصناعة السيارات وتحقيق الأمن الغذائي، تشكل بداية مبشرة لرقي الاقتصاد الوطني إلى مصاف الاقتصادات الصاعدة.                   
ع سمير

الرجوع إلى الأعلى