معركة طوفان الأقصى تعيد القضية الفلسطينية إلـــــــــى الواجهــــــة العــــالميـــــــــــة

استيقظ العالم فجر السابع أكتوبر على معركة طوفان الأقصى التي لم تكن مثل باقي المعارك التي يكتب عنها المؤرخون ويرويها العسكريون، هذه المعركة الفلسطينية من حيث القرار والتخطيط والتنفيذ فاجأت الكيان الصهيوني والعالم بأسره، من حيث الاستراتيجية والدقة في التخطيط والتنفيذ، وكان الهجوم الواسع الذي شنته المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس على ثكنات عسكرية ومستوطنات غلاف غزة، وقتلت المئات من العسكريين والمستوطنين، وأسرت العشرات الآخرين، الحدث العالمي البارز لسنة 2023 والذي لايزال يرمي بظلاله على أحداث العالم إلى اليوم، بعد الانتقام الذي شنه جيش الاحتلال الصهيوني وعدوانه المتواصل على سكان غزة من المدنيين العزل خاصة النساء والأطفال وكبار السن، والدمار الواسع الذي لحق بالقطاع في أبشع حرب عرفها التاريخ.

وحطمت معركة طوفان الأقصى أسطورة الجيش الذي لا يقهر واستطاعت تنظيمات فلسطينية مسلحة، صغيرة من حيث العدة والعتاد ومحاصرة منذ 16 سنة في رقعة جغرافية صغيرة، وبأسلحة مصنعة محليا، أن تمرغ جيش الاحتلال الصهيوني الذي يلقى الدعم اللامتناهي من كبار الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وما حققته المقاومة الفلسطينية من إنجازات عظيمة في معركة طوفان الأقصى تحول إلى ملحمة بطولية يجب أن تدرس في كتب التاريخ، وما حققه رجال المقاومة خلال هذه الحرب من بطولات وتصد لقوات جيش الاحتلال الصهيوني في معارك غزة، يصلح لأن يدرس في المدارس العسكرية والاستلهام من شجاعة وبطولة هؤلاء الرجال الذين استطاعوا أن يحولوا غزة بعد الهجوم الصهيوني البري إلى مقبرة للغزاة، وبقي أشباح المقاومة يطاردون جنود الاحتلال حتى في منامهم، ناهيك عن الصدمات النفسية، ويحدث كل ذلك بالرغم من حجم الإمكانيات الكبيرة وغير المنقطعة التي يتمتع بها جيش الاحتلال والدعم اللامتناهي الذي يتلقاه من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية، والجسر الجوي اليومي للمساعدات العسكرية الذي لم ينقطع ليوم واحد لصالح جيش الاحتلال منذ بداية العدوان على سكان غزة.
واستطاعت معركة طوفان الأقصى التي أطلقتها كتائب القسام وباقي تنظيمات المقاومة الفلسطينية المسلحة أن تغير المشهد الفلسطيني على الأرض، وكبحت مخططات التطبيع العربي الصهيوني الذي هرولت إليه بعض الدول العربية، كما أفشلت هذه المعركة مخطط التقسيم المكاني والزماني للمسجد الأقصى، وأعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة العربية والإسلامية والعالمية، حيث كسبت لأول مرة هذا التأييد العالمي الواسع بعد أن كاد النسيان يطال هذه القضية وتحولت إلى ما يشبه قضية صراع فلسطيني صهيوني وليست من مقدسات المسلمين، وباختصار فإن القضية الفلسطينية قبل معركة طوفان الأقصى ليست نفسها بعد هذه المعركة.
وبالرغم من الانتقام الواسع لجيش الاحتلال والإبادة الجماعية التي تلاحق الشعب الفلسطيني في غزة إلى اليوم في أكبر حرب في العصر الحديث، إلا أن معركة طوفان الأقصى حققت أهدافها التي رسمتها والتي تحدث عنها مرارا رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، حين قال بأن معركة طوفان الأقصى الفلسطينية التخطيط والقرار جاءت ردا على انتهاكات جيش الاحتلال الصهيوني للمقدسات الإسلامية ودفاعا عن الأقصى والمقدسات.
الاحتلال لم يستوعب الضربة ورده كان وحشيا على المدنيين
تاريخ حركات التحرر الوطنية عبر الزمن يثبت أن ضريبة الحرية مكلفة واسترجاع الأرض لا يكون إلا عبر بحر من الدماء يضحي بها أصحاب الأرض للحصول على السيادة والحرية واسترجاع الأرض، وخير دليل على ذلك الشعب الجزائري الذي ضحى بمليون ونصف مليون شهيد لاسترجاع سيادته على أرضه، لكن العدوان الذي شنه الاحتلال الصهيوني عقب معركة طوفان الأقصى لم يكن متوقعا بهذا الشكل من الدمار والإجرام وسياسة الأرض المحروقة والإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال منذ السابع أكتوبر على الفلسطينيين من المدنيين العزل، ولم تستوعب حكومة الاحتلال الصهيوني ما وقع ليلة السبت من السابع أكتوبر حيث منيت بهزيمة استخباراتية وعسكرية، ولم تتفطن أجهزة مخابراتها لهذا الهجوم الواسع والكاسح للمقاومة الفلسطينية، ولهذا كان الرد عنيفا و وحشيا على المدنيين من سكان غزة، حيث يواصل جيش الاحتلال إلى اليوم تطبيق سياسة الأرض المحروقة وتدمير كل شيء في غزة، وأبرزت هذه السلوكيات عدوانية الاحتلال التي تجاوزت ما يسمى بالمحرقة النازية ضد اليهود التي يزايد بها الصهاينة والغرب، كما أن حجم القذائف والمتفجرات التي سقطت على غزة تفوق لأكثر من الضعفين تلك التي سقطت على هيروشيما.
الاحتلال يفشل في تحقيق أهدافه وتحرير الأسرى
وضع الاحتلال الصهيوني ضمن أهدافه الأساسية في عدوانه على غزة تحرير الأسرى والقضاء على حماس، في حين بعد مرور ما يقارب الثلاثة أشهر على هذا العدوان الغاشم، لم يتمكن المحتل بترسانته العسكرية والمخابراتية والدعم الأمريكي والغربي العسكري والاستخباراتي من تحقيق أي هدف من الأهداف التي رسمها، سوى قتل المدنيين وقصف البيوت فوق رؤوسهم، وكذا تحطيم البنية التحتية وتدمير المنظومة الصحية، وجعل المحتل مستشفيات غزة ضمن أولويات أهدافه في المعركة البرية، واقتحم ودمر عددا من المستشفيات، وحاول الاحتلال أن يسوق لنفسه إنجازا باقتحام مستشفى الشفاء بعد أن ادعى وجود قادة حماس فيه واتخاذه كقاعدة عسكرية للمقاومة، لكن لم يستطع تقديم إثبات واحد يدل على روايته وتم فضحه من طرف منظمات دولية وتحقيقات صحفية لمؤسسات إعلامية غربية.
وبالمقابل المقاومة الفلسطينية كانت صادقة فيما تقول عندما أكدت مرارا عبر الناطق الرسمي باسم كتائب القسام« أبوعبيدة» أن الاحتلال لن يسترجع أسراه إلا بصفقة للتبادل وتبييض سجون الكيان الصهيوني من الأسرى الفلسطينيين، ليتم التوقيع على هدنة إنسانية دامت لأسبوع أخرجت فيه المقاومة من سجون الاحتلال المئات من النساء والأطفال الأسرى واسترجع بالمقابل المحتل النساء والأطفال، وحاملي الجنسيات الأجنبية من الأسرى الذين تم أسرهم في يوم السابع أكتوبر، وتؤكد المقاومة أن استرجاع باقي أسرى الاحتلال من الجنود والضباط لن يكون إلا بوقف شامل لإطلاق النار وتبييض سجون الاحتلال من جميع الأسرى الفلسطينيين.
العدوان على غزة يفضح المجتمع الدولي
فضح العدوان النازي على غزة المجتمع الدولي الذي بقي عاجزا عن وقف هذه المحرقة التي يتعرض لها الفلسطينيون، وعلى الرغم من حجم الدمار الواسع والمجازر المروعة والبشعة التي تنقلها وسائل الإعلام المختلفة يوميا، إلا أن المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية والحقوقية بقيت عاجزة عن فعل شيء، ولم يتجاوز تحركها عن إصدار البيانات المحتشمة التي لا تغير من واقع المجازر التي يرتكبها الاحتلال شيئا، بل حتى الأمم المتحدة بقيت عاجزة عن إصدار بيان يوقف الحرب، وبعد مخاض عسير وتأجيلات عديدة وتدخل الفيتو الأمريكي أصدر مجلس الأمن منذ أسبوعين قرارا يقضي بتوسيع المساعدات الإنسانية لغزة تحت مراقبة الكيان الصهيوني، وهو القرار الذي لم يغير من واقع الفلسطينيين شيئا.
مصداقية الإعلام الغربي في مهب الريح
مباشرة بعد انطلاق معركة طوفان الأقصى حاولت حكومة الاحتلال الصهيوني للتغطية على فشلها استخباراتيا وعسكريا أمام معركة طوفان الأقصى، تركيب بعض الفيديوهات المفبركة والتصريحات الكاذبة لقطع رؤوس الأطفال من طرف عناصر المقاومة الفلسطينية الذين دخلوا مستوطنات غلاف غزة في يوم السابع أكتوبر، ووجد الإعلام الغربي المنحاز أصلا للكيان الصهيوني في هذه المضامين مادة دسمة لتشويه صورة المقاومة الفلسطينية وتبنى رواية الاحتلال الصهيوني في قتل الأطفال وقطع الرؤوس، ولم يعط الإعلام الغربي الذي يدعي المصداقية والاحترافية والحرية ويتهم الإعلام العربي بالتبعية، لنفسه الفرصة للتأكد من هذه الفيديوهات المفبركة ورواية الاحتلال الصهيوني، في حين الإعلام العربي استطاع إلى حد ما، إلى جانب بعض مواقع التواصل الاجتماعي دحر رواية المحتل وادعاءات الإعلام الغربي وقدم الصورة الحقيقية لهذه الحرب، ونشر يوميا صور المجازر البشعة والمروعة التي يرتكبها الاحتلال بحق النساء والأطفال، مما أعطى ذلك تأييدا شعبيا وتعاطفا غربيا واسعا مع سكان غزة والقضية الفلسطينية.     
صمود سكان غزة يوقف مخططات التهجير القسري
حاول الاحتلال الصهيوني من خلال عدوانه على سكان غزة بعد معركة طوفان الأقصى إحياء مخطط صهيوني خبيث، مستغلا ظروف العدوان لتنفيذه ووجد في هجوم المقاومة التي تدافع عن أرضها مبررا لذلك، ويقوم هذا المخطط القديم الجديد على التهجير القسري لسكان غزة إلى سيناء المصرية وبعض الدول العربية والإسلامية الأخرى، والتخلص بذلك من شوكة المقاومة في غزة، وحاول العدو تنفيذ هذا المخطط في مرحلته الأولى بدعوة سكان شمال غزة بالتوجه نحو الجنوب برفح بادعائه خلق مناطق آمنة، ثم البحث عن آليات لترحيلهم نهائيا إلى صحراء سيناء في المرحلة الثانية، لكن هذا المخطط الخبيث فشل بصمود الشعب الفلسطيني في غزة وتمسكه بأرضه وتأكيد الفلسطينيين على أن مخطط التهجير القسري الذي نفذ مع قيام دولة الاحتلال في سنة 1948 لن يتكرر مرة أخرى، وبالفعل تمسك الفلسطينيون بالأرض، ورفضوا الهجرة والترحيل القسري رغم الدمار الواسع الذي طال البنى التحتية والمستشفيات والمساكن، وسياسة الأرض المحروقة التي ينفذها الكيان الصهيوني، ورغم المجازر البشعة التي يرتكبها الاحتلال بشمال القطاع ووسط غزة والحصار وسلاح التجويع، إلا أن الفلسطينيين يخرجون يوميا من وسط ركام منازلهم التي دمرها المحتل، ليؤكدوا تمسكهم بأرضهم ولن يغادروها مهما كلفهم ذلك، وبقي بعد مرور ما يقارب ثلاثة أشهر عن هذه الحرب حوالي 800 ألف نسمة في شمال القطاع رافضين التهجير القسري، وبعد فشل هذا المخطط أطلق رئيس حكومة الاحتلال تصريحات جديدة منذ أيام، وتحدث عن الهجرة الطوعية لسكان غزة لدول أخرى، وبالطبع هذا المخطط هو الآخر سيفشل، وإذا لم يهجر الفلسطينيون قسريا تحت القصف والنار والدمار لن يهجروا طواعية.
مساعدات شحيحة والجوع والأوبئة تهدد سكان القطاع
أجمعت مختلف المنظمات الإنسانية والحقوقية العالمية على أن العدوان الذي يشنه الاحتلال الصهيوني على غزة لا مثيل له في العالم في التاريخ الحديث من حيث حجم الدمار والمجازر المرتكبة ضد المدنيين، واستخدامه لسلاحي التجويع والحصار لمحاولة تنفيذ مخططات التهجير القسري، وفي نفس الوقت بقيت الدول العربية والإسلامية عاجزة عن إدخال المساعدات الغذائية والطبية لغزة، وما دخل منها عبر معبر رفح لا يمثل سوى قطرة ماء في بحر وفق تصريحات مسؤولين فلسطينيين في غزة، وتنقل يوميا وسائل الإعلام مظاهر الجوع والطوابير الطويلة للحصول على رغيف خبز في غزة، ووصل الحال بالفلسطينيين في بعض مناطق الشمال إلى أكل الحشائش وبعض الثمار غير الناضجة لسد الجوع، ناهيك عن الأمراض والأوبئة، لكن كل هذه الصور المأساوية والمجازر البشعة والانتهاكات الواسعة ضد الفلسطينيين لم تحرك الضمير الإنساني العالمي، وبقيت غزة تنزف والشهداء يتساقطون يوميا بالعشرات.
نورالدين عراب

الرجوع إلى الأعلى