مصالح التوليد بين  نقص الأطباء  و التحويلات العشوائية
حركت قضية وفاة امرأة حامل وجنينها بالجلفة الجدل حول حقيقة ما يجري داخل عيادات الولادة وأسباب المعاناة اليومية التي تطرحها  نساء داخل المستشفيات رغم  ما تسخره الدولة من إمكانيات لاستقبال الحوامل في ظروف حسنة، حيث تتحدث عمادة الأطباء عن حالة من الفوضى  تتطلب تحركا سريعا، بعد أن تحوّل ثلثا الأطباء المختصين إلى القطاع الخاص مع التشديد على ضرورة تكوين القابلات، فيما يخلي اتحاد القابلات مسؤولية السلك  من حالات الوفاة وتعتبر رئيسته القابلة ضحية أخطاء مشتركة جرت ربع الممارسات إلى المحاكم وضحية ظروف عمل تجعلها تعمل بمعدل يفوق تسع مرات المقاييس المعمول بها عالميا. وزارة الصحة وجهت منذ أيام تعليمة تلزم أطباء عاملين في القطاع الخاص بضمان المناوبة في المستشفيات العمومية للتحكم في الضغط الذي تشهده فترة الصيف التي تعرف تزايدا لمعدل الولادات لتفادي تكرار حادثة الجلفة التي تفاعل معها المواطنون بالتنديد واعتبرها  أطباء وشبه طبيون مؤشرا يستدعي التحرك في اتجاه التحكم في الاختلالات،ليبقى القطاع الخاص المستفيد الأول من نقائص المستشفيات العمومية حتى وإن كان أصحاب عيادات يرون أنه من الطبيعي وجود قطاع خاص لاستحالة قدرة المرفق العمومي على تغطية الطلب، لتبقى التحويلات نقطة سوداء يجمع مسيرو المرافق على أنها من أسباب عدم القدرة على التحكم في الوضع كونها تتم بشكل عشوائي من عيادات ومصالح إلى مستشفيات كبرى وحتى القطاع الخاص يلجأ إليها لتحاشي تحمل المسؤولية.  

سرير لكل امرأتين و أطباء يعملون فوق طاقتهم
مصلحــة التـولـيد بـالـمستشفــى الجــامـعي لـقسنطـينـة تخـتـنق

تعيش مصلحة طب النساء و التوليد بالمستشفى الجامعي ابن باديس بقسنطينة، حالة قصوى من الضغط سببها استمرار التحويل العشوائي لحوامل الولايات المجاورة، رغم إمكانية التكفل بالكثير منهن هناك، في وقت يستمر العجز في القابلات و الممرضات نتيجة تقاعد العديد منهن، بما زاد من متاعب أفراد الطاقمين الطبي و شبه الطبي الذين وجدناهم أمس مُنهكين جسديا و معنويا، بعد دخولهم في سباق مع الزمن للتكفل بوافدات تضع حوالي 60 منهن مولودها يوميا، و هو رقم كبير مُرشّح للارتفاع أكثر خلال ما تبقى من شهر أوت المعروف بذروة الولادات.
بعد قرابة سنة من إخضاعها لترميمات كلّفت 50 مليار سنتيم و كان من المنتظر أن تُحسّن ظروف التكفل بالحوامل، عادت النصر إلى مصلحة التوليد بالمستشفى الجامعي التي عاشت، الأعوام الماضية، حالة من الفوضى في فترات الذروة، كانت سببا في قيام وزير الصحة الأسبق بإقالات طالت أطباء و إداريين، قبل إصداره قرارا بغلق المرفق من أجل إعادة تأهيله، لكن الكثير من الأمور لم تتغير بهذه المصلحة الحساسة، على عكس ما كان متوقعا، فأزمة العجز في القابلات و الممرضات و حتى المنظفات، بسبب خروج العشرات منهن إلى التقاعد، أبقت على العديد من المشاكل، فيما أدى استمرار التحويلات العشوائية من الولايات المجاورة، و خاصة ميلة، إلى تعقيد الوضع أكثر، و هو ما وقفت عليه النصر خلال روبورتاج أجرته بمصلحة التوليد. 
مناوشات لا تتوقف
أول ما يستوقفك قبل دخول المصلحة التي تزينت بواجهة جديدة، هو لوحات ترقيم السيارات المركونة قربها و التي تُظهر أن الكثير من المريضات أتين من ولايات ميلة و سكيكدة، فيما بدت الأمور بالداخل أكثر تنظيما مما كانت في السابق، فقد تم تخصيص جزء من البهو للنساء الحوامل اللواتي كنّ جالسات في انتظار قدوم دورهن من أجل الخضوع لمعاينة الطبيب، حيث أكد لنا الأطباء أن جميعهن تقريبا أرسلن من مستشفيات الولايات المجاورة، قبل وصول موعد الولادة، كما تم تخصيص مكتب لشرطي وجدناه بالمكان، و حجرات أخرى للأطباء و الإداريين.
و قد كان تواجدنا بالمكان لفترة قصيرة، كافيا للتأكد من أن المناوشات المعتادة بين أهالي المريضات و أعوان الحراسة، لا تزال مستمرة، على غرار حالة زوج مريضة ادعى أن مسؤولا من منطقة مجاورة أوصى على زوجته التي طالب بإدخالها مباشرة، فيما أصّر أزواج آخرين على مكوث الحوامل رغم أن الأسرّة لم تكن كافية، كما حاول البعض الآخر الدخول خارج أوقات الزيارة أو إدخال الفطور بعد الساعة العاشرة صباحا، و هو ما جعل الطابق الأرضي الذي علقت به لافتة يُلزم فيها الجميع بالسكوت، يضجّ بالأصوات و أحيانا بالصراخ و ضوضاء العراك، التي أكد لنا العمال أنها تزيد في الفترة المسائية، أين يرتفع عدد الوافدات و يزيد معه التوتر و الضغط.
و قد كان لنا حديث مع إحدى الإداريات التي وجدناها تشتكي من الضغط الحاصل، حيث قالت إن الوضع أصبح لا يطاق، و حمّلت المسؤولية في ذلك لأطباء بمستشفيات الولاية المجاورة، مضيفة أنه من «غير المنطقي» أن يقوم طبيب أنهى الدراسة في التخصص و بدأ الخدمة المدنية، بإرسال مريضة إلى طبيب مقيم لا يزال يدرس، مؤكدة أنها وقفت على حالات كثيرة لنساء تُعتبر وضعياتهن الصحية عادية جدا و كان يمكن توليدهن بسهولة بالاستعانة بالقابلات فقط، غير أنه تم تحويلهن إلى المستشفى الجامعي، إلى درجة أن سيدة أنجبت قبل أيام في بوابة المستشفى حوالي الساعة السابعة صباحا، و قبل حتى أن تصل إلى الطابق العلوي، بعد أن قطعت عشرات الكيلومترات آتية من ولاية مجاورة كان يمكن لأطبائها هناك، توليدها دون صعوبات.
التحويلات العشوائية تُهدّد مريضات بالموت!
و بتذمر كبير قالت إحدى المنسقات الطبيات للنصر “بكل صراحة، هذه المصلحة تحوّلت إلي سوق”، مضيفة أن الشجارات المستمرة مع أهالي المريضات و حتى الحوامل أنفسهن، زادت من حجم الضغط على العمال و الأطباء، بحيث أصبح من الصعب جدا، إقناعهم بأن موعد وضع المولود لم يحن بعد، أو أنه يمكن للحامل أن تلد في المنطقة التي أتت منها دون الحاجة إلى قطع مئات الكيلومترات.
و قد التقينا بالطبيبة المساعدة التي كُلّفت أمس برئاسة المصلحة بالنيابة، بعد خروج رئيسها في عطلة، حيث بدت جد منهكة إلى درجة أنها كانت تلتقط أنفاسها بصعوبة، الدكتورة مريخي منال أكدت لنا أن المصلحة التي تتوفر على 6 أطباء مساعدين و 14 مقيما، تُجري يوميا ما يقارب 37 عملية ولادة قيصرية أغلبها تتم مساء، أما عدد الولادات العادية فيصل إلى 17 خلال الفترة النهارية، ليفوق الثلاثين من الساعة الثالثة عصرا إلى غاية الثامنة صباحا.
و أضافت الدكتورة أن قرابة 80 بالمئة من المريضات الموجودات في قسم الحمل ذي الخطر العالي، قدمن من ولاية ميلة لوحدها، و التي يُفترض أنها تتوفر على أخصائي في أمراض النساء و التوليد دون احتساب الممرضات و القابلات، و الغريب، حسب الدكتورة، أن معظم الحالات لا تتطلب أصلا تحويلها إلى المستشفى الجامعي، كونها عادية، تُضاف إليها مريضات يُرسلن رغم أن الجنين في أرحامهن كان قد مات و يجب فقط إنزاله هناك، و ذكرت محدثتنا أن مستشفى شلغوم العيد مثلا، يُرسل آليا جميع الحوامل التي ستلدن لأول مرة، إلى قسنطينة، مهما كانت درجة تعقيد وضعن الصحي، و ذلك خوفا من تحمّل مسؤولية إصابة الأم أو جنينها بمكروه، في حال حصول مضاعفات غير متوقعة.
الحالات الوافدة تأتي أيضا من سكيكدة و جيجل و أم البواقي و كذلك سطيف و حتى من ولايتي تبسة و بسكرة، تُضاف إليها المريضات اللواتي يُرسلن من عيادة سيدي مبروك و مستشفى البير، و الخطير في الأمر، تضيف المختصة، أن تحويل الحوامل بهذه الطريقة العشوائية و غير المدروسة، تحت مبرر عدم إمكانية التكفل بهن، يزيد من تعقيد الوضع بتهديد صحة الأم و الجنين معا، و الأخطر من ذلك كله أن مريضات سكري و ضغط دموي تصلن للمستشفى بعد قطع مئات الكيلومترات، و حتى دون فحوصات، لأنها لم تطلب منهن، فيما تصل بعضهن في وضع يرثى له بسبب التعرض لنزيف حاد كان يمكن وقفه في الولاية التي أتت منها، مؤكدة أن ما يزيد من إصرار المريضات و أهاليهن على الوضع بقسنطينة، هو قيام أطباء بالولايات الأخرى بتخويفهن باحتمال التعرض لمكروه، حتى أن بعضهم، حسب الدكتورة، يخبرهن أنهن معرضات للموت إذا بقين هناك.
و ذكرت الدكتورة أن المؤسف في الأمر، هو السلوك الذي أصبح ينتهجه أهالي المريضات اتجاه الطاقمين الطبي و شبه الطبي، حيث تعرّضت قابلة للضرب مؤخرا، فيما كاد أحدهم أن يعتدي على ممرضة لولا تدخل زملائها، دون احتساب العنف اللفظي الممارس يوميا، و أضافت الأخصائية أن البعض صاروا يتهمون الأطباء، بصورة مهينة، بأنهم يريدون أن يكرّروا حادثة الحامل و جنينها اللذين توفيا قبل أيام بولاية الجلفة و التي أثارت الرأي العام الوطني.
عجز في القابلات و الممرضات
و فوق كل هذه المشاكل، تعاني المصلحة من نقص في الصفائح الدموية و بعض الأدوية على غرار «البارفالغون» المستعمل كمسكن للآلام لدى الحوامل، إضافة إلى تسجيل عجز في الممرضات و القابلات اللواتي خرجن على التقاعد، ما اضطر الأطباء المقيمين إلى القيام بعملهن في الكثير من الأحيان، في انتظار عمليات التوظيف التي وعدت بها الإدارة، و هو وضع تقول الدكتورة إنه جعل الجميع يعملون فوق طاقتهم.
و قد وجدنا على مستوى قسم الحمل ذي الخطر العالي بالطابق الأخير، قابلة وحيدة تعمل على التكفل بـ 52 امرأة حاملا، حيث تقوم بمفردها و في ظل عدم وجود ممرضة أخرى واحدة على الأقل، بأخذ عينات الدم و قياس الضغط الدموي و أيضا العلاج و وضع المصل و غيرها من المهام الصعبة بهذا القسم الحساس، بالنظر إلى خطورة الحالات التي تُحوّل إليه، أما قسم الولادة فتشرف عليه قابلتان فقط، سواء في الفترة النهارية أو خلال المناوبة الليلية.
و رغم أنه لم تمض سوى سنة واحدة على تجديد مصلحة التوليد، إلا أننا لاحظنا أن هيكلها بدأ يتضرّر، إذ زال الطلاء من أجزاء بالجدران، فيما علمنا من العمال أن طاولتا توليد في قاعة العمليات، انكسرتا، وذلك وسط التسربات المائية من السقف و غياب التكييف بداخلها، إلى درجة أن الحوامل و الأطباء يتصبّبون عرقا خلال إجراء العملية، مضيفين أن ما زاد من تأزيم الوضع، هو النقص الكبير المسجل في عاملات النظافة، رغم لجوء الإدارة إلى خواص يرى محدثونا أنهم يظلون غير كافين، كون الأمر يتعلق بمستشفى كبير يضم 50 مصلحة.
حوامل يتزاحمن على سرير واحد!
و بقسم أمراض النساء أكدت لنا ممرضات وجدناهن في حالة سخط، أن الأمر تجاوزهن و أدخلهن في حالة ضغط نفسي رهيب، حتى أن العطلة، كما ذكرن، لا يحق لهن أخذها كاملة بسبب العجز المسجل، فيما تضمن كل منهن المناوبة بمفردها لمدة 16 ساعة متواصلة، قد تضطر خلالها للنزول إلى قاعة الإنعاش من أجل التدخل هناك، ليظل قسم أمراض النساء دون ممرضة، إلى درجة أن الحوامل اضطررن في مرات عديدة، إلى النزول بأنفسهن من القسم لطلب المساعدة، متحدثات أيضا عن تعطل جهاز الإيكوغرافيا.
أما المشهد بقسم ما بعد الولادة فكان أفظع بكثير، فقد وجدنا أن معظم الأسرّة تحمل مريضتين تتزاحمان في حيز ضيق بأجساد متعبة خرجت لتوها من قاعة الولادة، و هو منظر لا إنساني ألفنا مشاهدته بمستشفياتنا الكبرى و يرى الأطباء و شبه الطبيون أنه شر لا بد منه، في ظل ارتفاع عدد الوافدات مقارنة بطاقة الاستيعاب المحدودة التي تفرض حلولا كهذه، بدل رفض إجراء عملية التوليد للمريضة و تركها تواجه مصيرها، مؤكدين أنهم اضطروا في بعض المرات إلى وضع 3 حوامل في سرير واحد.
و قد كان لنا حديث مع بعض المريضات، حيث ذكرن أنهن قدمن من شلغوم العيد و فرجيوة و سكيكدة، بالإضافة إلى بلديات بولاية قسنطينة، على غرار زيغود يوسف و ديدوش مراد و بكيرة، و قالت إحداهن للنصر إن الطبيب المختص أرسلها من ولاية ميلة إلى المستشفى الجامعي، فلم يكن لها إلا أن تفعل ذلك خوفا على صحتها و على سلامة جنينها، رغم أن ظروف الحمل كانت عادية جدا، فيما ذكرت مريضة من ولاية سكيكدة وجدناها في قسم الحمل ذو الخطر العالي، أن حملها كان عنقوديا، و لم تستطع الوضع بولايتها لغياب الأطباء المتخصصين في توليدها هناك، ما أجبرها على القدوم للمستشفى الجامعي بقسنطينة، كما علمنا من الأطباء أن معظم حوامل ولاية قسنطينة صرن يتجهن إلى الخواص، خاصة المبرمجات لولادات قيصرية، و هو ما يفسر أن عددهن قليل جدا مقارنة بالولايات الأخرى.
و وسط كل هذه الفوضى، يبقى للمرضى و أهاليهم تبريراتهم، فحياة الأم و الجنين فوق كل اعتبار و أكبر من أية مخاطرة، لكن الوضع، برأي المختصين، يتطلب تدخلا مستعجلا يعالج المشكلة من جذورها، و ينهي حالة الضغط و التحويلات العشوائية لا تصب في مصلحة المريضات بل تزيد من تأزيم وضعهن.  ي.ب

محمد بوكرو صاحب عيادة خاصة بقسنطينة


 ظروف التكفّل والاتفاقيات القطاعية ضاعفت إقبال الحوامل على القطاع الخاص
• الحديث عن تراجع مستوى التكفّل في القطاع العام مبالغ فيه
يرى أخصائي أمراض النساء و التوليد الدكتور محمد بوكرو، صاحب واحدة من أشهر العيادات الطبية الخاصة بقسنطينة، بأن الضغط المفروض على المؤسسات الاستشفائية العمومية، جعل عيادات التوليد الخاصة تبرز كبديل لترقية الخدمات الصحية في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، بفضل مستوى التكفل الذي تقدمه، كما أن الاتفاقيات الصحية التي تبرمها هذه العيادات على غرار عيادته، مع المؤسسات الاقتصادية و الأجهزة القطاعية كالأمن الوطني و مديريات التربية و التعليم و غيرها، تعد حافزا أساسيا  أمام زيادة الإقبال على القطاع الخاص.  
الدكتور بوكرو و هو واحد من أعمدة طب النساء و التوليد في قسنطينة وعضو المجلسين المحلي و الجهوي لأخلاقيات مهنة الطب، أوضح بأن الحديث عن تراجع مستوى التكفل الصحي بالحوامل في مصالح التوليد التابعة للقطاع العمومي، و اتهامها بالمبالغة في الاعتماد على العمليات القيصرية، أمر يتضمن الكثير من المغالاة   و التضخيم، لأن هذا القطاع يعمل في ظل ضغط كبير، خصوصا و أن عدد الأطباء الأخصائيين و القابلات يعد قليلا مقارنة بعدد السكان، فبالرغم من أن الدولة بمعاهدها و كلياتها تكون سنويا مختصين في مجال التوليد و طب النساء سواء تعلق الأمر بالأطباء أو الجراحين أو القابلات و غيرهم، إلا أن سرعة النمو الديمغرافي و عدد الولادات السنوية المضطرد، يضع بعض مصالح التوليد أمام معضلة تحقيق التغطية الشاملة في أحسن الظروف. إضافة إلى ذلك فأنه من غير الممكن تشخيص حالة ولادة طبيعية على أنها غير طبيعية و إخضاع المريضة قسرا لعملية قيصرية في أي مستشفى، لأن هنالك مؤشرات طبية واضحة و معروفة تحدد طبيعة الحالة و كيفية التعامل معها خصوصا إذا تعلق الأمر بحمل مشوه أو وضعية الجنين الجالس أو مشاكل المشيمة المتقدمة، كما أن هنالك بعض المؤشرات التي قد لا تكون ثابتة و لكنها تستدعي التدخل الجراحي لتجنب وقوع حوادث كضيق الحوض مثلا وعدم توافق دم الأم و الجنين وهي حالة شائعة إذا ما كان دم الأم سلبي و دم الأب إيجابي.
تجدر الإشارة أيضا، إلى أن حالات الحمل الضعيف أو المهدد تزايدت في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ مقارنة بالسنوات الماضية، نظرا لعدة عوامل أبرزها  نوعية التغذية و التوتر و الإفراط في تناول الأدوية دون استشارة طبية، فضلا عن ارتفاع نسب الإصابة بالأمراض المزمنة على غرار السكري و ضغط الدم و القلب، و غالبية هذه الحالات تتطلب معاينة مستمرة لأكثر من 14 إلى 15 مرة لمدة قد تزيد عن 10دقائق، من قبل القابلة للمرأة الحامل بمجرد دخولها في فترة المخاض، ما يشكل عبئا إضافيا في حال كان عدد الحوامل كبيرا، و عدد القابلات قليلا في المستشفى.
و بالحديث عن هذه الفئة من ممارسات الصحة قال الدكتور بوكرو بأن مستوى القابلات يعرف تحسنا ملحوظا، فبالرغم من أن عملية التوليد العادية و السليمة تتطلب طاقما طبيا متكاملا ويستوجب حضور الطبيب المختص، إلا أن بعض القابلات ذوات الخبرة متمكنات لدرجة تسمح لهن بتوليد سيدة دون أية أخطاء إن تطلب الأمر، مع ذلك فإن المريضات أصبحن يفضلن الإنجاب في العيادات الخاصة للشعور بالأمان و الحصول  على الوقت الكافي للولادة بشكل طبيعي ودون اللجوء إلى العملية القيصرية، التي قد تكون أحيانا مطلبا لبعضهن لتجنب الإطالة و ألم الطلق، ويطلق عليها «عمليات المجاملة»و هي شائعة في الخارج مقارنة بالجزائر.
مع  العلم أن السيدة تستطيع الخضوع لـ 5 عمليات قيصرية طيلة حياتها في حال لم تواجه أية مضاعفات خلال ولادات سابقة كخطر الالتصاقات مثلا، من جهة ثانية فإن الحوامل حسبه، أصبحن أكثر وعيا بأهمية المتابعة الطبية طول فترة الحمل، لذلك فإن غالبيتهن يفضلن الإنجاب على يد طبيبهن المعالج الذي عادة ما يكون ممارسا على مستوى عيادة خاصة، كما أن هنالك بعض الأطباء الخواص يجمعهم عقد ثقة بالعيادة يلتزمون من خلاله بتوجيه مريضاتهم إليها قصد الإنجاب، نظرا لتوفر كافة ظروف التكفل السليم بهن، وهنا تجدر الإشارة إلى أن تكلفة عمليات التوليد لا تحدد حسب نوعية الولادة سواء كانت طبيعية أو قيصرية بل تخضع لدرجة صعوبة تغطية الجرح أو الأثر الذي تتركه العملية، إذ تنطلق من 6ملايين سنتيم حتى 7ملايين و نصف.
 هذا مع العلم أن العيادة تستقبل حوامل من كافة الولايات على غرار ميلة و الميلية، و أم البواقي وجيجل، يمثلون مختلف الشرائح الاجتماعية، على اعتبار أن المؤسسة  تضمن معاملة خاصة لذوات الدخل المحدود حيث تؤخذ وضعيتهن المادية بعين الاعتبار، وهو أيضا عامل شجع الإقبال عليها من طرف الحوامل، حيث سجلت مصلحة التوليد بعيادة بوكرو خلال شهر جويلية المنصرم معدل 89 عملية منها 13 ولادة طبيعية و 76 قيصرية، و عرفت إحصاء 36مولودا أنثى و 56 مولودا ذكرا بالإضافة إلى مولود توأم، أما الأسبوع الأول من شهر أوت الجاري فعرف إجراء 34 عملية منها 33 قيصرية و ولادة طبيعية واحدة، مع إحصاء 18مولودا  ذكرا و 18 مولودا أنثى و توأمين اثنين.   هدى طابي

مدير المؤسسة الاستشفائية للنساء و التوليد بسيدي مبروك حسين سايح


معــظم تحـويــلات الـحـوامـل مـن خـــارج الـولايـــة تتــم بطـريقـة غـير نـظاميـــة
• نستقبل من 15 إلى 30 تحويلا خارجيا شهريا و نسجل 17 ألف ولادة سنويا
كشف حسين سايح، مدير المؤسستين الاستشفائيتين للنساء و التوليد بسيدي مبروك و طب الأطفال بسطح المنصورة بقسنطينة، بأن عيادة التوليد تسجل سنويا ما يعادل 16 إلى 17 ألف ولادة، مشيرا إلى أن نسبة هامة من عمليات التوليد تخص حوامل من خارج قسنطينة، إذ يتراوح عدد التحويلات شهريا بين 15 إلى 30 حالة، غالبيتها تتم بطريقة غير رسمية أو نظامية، أي أن المريضات يتنقلن من ولاياتهن نحو قسنطينة بوسائل نقل خاصة، دون مراسلة رسمية من مستشفيات إقليم إقامتهن، وهو ما يفرض ضغطا إضافيا على العيادة التي تحصي من 20 إلى 40 حالة ولادة يوميا.


 المسؤول أوضح بأن الحوامل يقصدن مؤسسة التوليد بسيدي مبروك، إما بناء على نصيحة الطبيب المعالج أو برغبة فردية منهن، أما التحويلات المنظمة التي تتم من طرف المستشفيات الأخرى و تكون عن طريق سيارة إسعاف و مراسلة خاصة مرفقة  بملف طبي مفصل ومتكامل عن الحالة، فعددها قليل، مشيرا إلى أن مؤسسته منفتحة على باقي الولايات و تلتزم باستقبال كل المريضات اللائي يقصدنها دون استثناء، حتى دون رسائل تحويل رسمية، وذلك تطبيقا لتعليمات الوزارة و تلبية للواجب و حفاظا على أرواح الأمهات و الأجنة، حيث تخضع كل حامل للمعاينة الفورية عند وصولها، للتأكد من حالتها قبل اتخاذ أي إجراء، على أن يتم إخطار مديرية الصحة بالحالة مباشرة، سواء كان تحويل المريضة نظاميا أو غير رسمي.
 كما يتم في ذات الصدد، ضبط تقرير مفصل حول كل التحويلات يرفع أسبوعيا لذات الجهة، التي قال المتحدث، بأنها تعمل على متابعة عيادات التوليد بشكل مستمر وصارم من خلال تطبيق سياسة تنسيق مباشر و دائم و بالاعتماد على لجان تفتيش دورية أقرها مدير الصحة الجديد.
و بخصوص الولايات التي تعرف أكبر عدد من تحويلات الحوامل نحو مؤسسة سيدي مبروك، فهي عموما عين مليلة، أم البواقي، عين فكرون و ميلة، بالإضافة إلى فرجيوة و واد الزناتي، الحروش و سكيكدة.
و تبقى أسباب التحويلات غير واضحة، حسب المسؤول، إذ غالبا ما تتحجج المريضات بانعدام الأطباء المختصين على مستوى مستشفيات ولاياتهن الأصلية، و هي أسباب يعد التحقيق بشأنها خارجا عن نطاق صلاحياته، كما عبر، مشيرا إلى أن مهمته كمسير، تبقى السهر على توفير التغطية الصحية للجميع  دون استثناء، حتى وإن كانت التحويلات تفرض عادة ضغطا مضاعفا على المؤسسة التي  تدعمت مؤخرا بقابلات من المؤسسات العمومية للصحة الجوارية بقسنطينة وجهتهن مديرية الصحة لتحقيق تغطية صحية أفضل للحوامل، ليرتفع بذلك عدد الممارسين بعيادة سيدي مبروك إلى 34 قابلة تعملن بالتنسيق مع 4 أطباء مختصين في أمراض النساء و التوليد.
أما بخصوص عدد عمليات التوليد التي تتم سنويا على مستوى المؤسسة، فتصل حتى 17 ألف حالة ولادة حية، إذ عرفت الفترة الممتدة بين جانفي إلى شهر جويلية من السنة الجارية، إجراء ما يزيد عن 6 آلاف عملية توليد ناجحة، حيث استقبلت العيادة 7104 سيدة حامل و تم إجراء 16ألف و 142 معاينة استعجالية، بمعدل ولادات قدر بـ 5933 ولادة طبيعية، بالإضافة إلى 1813 عملية قيصرية، وقد وصل عدد المواليد الأحياء إلى 5837 مولودا، علما بأن مصلحة التوليد تعمل بطاقتها القصوى و تستقبل ما يتراوح بين 20 حتى 40حالة ولادة في اليوم، خصوصا خلال الفترة بين  أوت و حـتى سبتمبر، باعتبارها فترة الذروة في نسبة الولادات، وذلك راجع إلى تقاليد المجتمع الجزائري الذي يفضل إقامة أعراس الزفاف خلال الصيف، مع أنها ظاهرة تعرف تراجعا نسبيا في السنوات الأخيرة، كما أضاف المسؤول، مؤكدا بأن مؤسسته لم تسجل أي حالة وفيات لحوامل منذ تولى منصبه كمدير لها.
و أمام هذا الضغط، كشف السيد حسين سايح، بأن وزارة الصحة أبرقت خلال شهر ماي الماضي، تعليمة خاصة للمؤسسات الاستشفائية تتعلق بتقليص مدة العطلة السنوية إلى 15 يوما فقط، عوضا عن شهر، مع الأخذ بعين الاعتبار الحالات الخاصة، على ألا يتجاوز عدد العمال الذين يسمح لهم بالخروج ثلث الممارسين في المؤسسة، وذلك لتجنب أي نزيف و ضمان استمرارية التغطية الصحية بأكبر عدد ممكن من الموظفين، على غرار الأطباء و القابلات، شبه طبيين و الإداريين و منهم من يعملون 36 ساعة على 24 ساعة وهو مجهود يستحق الشكر و الثناء، حسبه.
و للعلم فأن مؤسسة سيدي مبروك لا تعمل بمعزل عن مصالح التوليد على مستوى باقي مستشفيات الولاية، على غرار المستشفى الجامعي بن باديس، مستشفى علي منجلي ومستشفى الخروب، إذ يتم العمل وفق سياسية تنسيق منهجي لضمان تغطية صحية شاملة للمريضات، فضلا عن تجاوز كل معوقات العمل، خصوصا ما تعلق بتوفير المواد الطبية و تجنب الوقوع في مشكل الندرة، وهو غير مطروح حاليا، حسب المسؤول، بفضل مجهودات الدولة التي وفرت كل الإمكانيات المادية لتحقيق الاكتفاء التام، حيث تتوفر عيادة سيدي مبروك وحدها على مخزون خاص يكفي عادة لمدة ثلاثة أشهر كاملة.   هدى طابي

عميد الأطباء و عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان بقاط بركاني


مصالح التوليد  تحوّلت إلى مصانع و يجب الاستعانة بالأطباء الخواص
يُحذر الدكتور بقاط بركاني رئيس عمادة الأطباء و عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، من الفوضى الحاصلة بمصالح الولادة ويقول أنها تتطلب تحركا مستعجلا، يرى بأنه يجب أن يشمل تكوين القابلات و إعادة النظر في تنظيم القطاع، مع الاستغلال الذكي لأطباء التوليد الذين فرّ 2على 3 منهم إلى القطاع الخاص، هربا من المستشفيات الكبرى التي تواجه ظروفا صعبة سببها غياب الإمكانيات و ضغط مئات المرضى الذين لا يثقون في المرافق الصحية الأخرى.
و ذكر بركاني في اتصال بالنصر، بأن عمادة الأطباء سبق لها أن راسلت وزارة الصحة و حذّرت من مشكلة مصالح التوليد التي تتكرر كل صيف بسبب تسجيل ذروة في الولادات، التي لا يمكن التحكم فيها فهذا أمر طبيعي، كما قال، و من حق كل حامل أن تلد خلال فترة الصيف أو غيرها، لكن الإشكالية المطروحة تتمثل، برأيه، في السبب الذي يدفع بالمرأة و أهلها إلى التوجه للمستشفيات الكبرى فقط، و الذي يُختصر في "الخوف" و "عدم الثقة" في المؤسسات الاستشفائية الأخرى، و أمام هذا الوضع، تجد المريضة نفسها تعاني في مستشفى جامعي يعرف ضغطا كبيرا، مقابل ذهاب الطبيب المختص إلى عطلة و وجود قابلة “لا تعرف عملها”.
وقدم الدكتور مثالا عن مصلحة التوليد بالمستشفى الجامعي بقسنطينة و التي تحوّلت، برأيه، إلى "مصنع توليد" يسير في ظروف فظيعة بسبب حجم الضغط الحاصل عليها و الناجم عن توافد مريضات عدة ولايات مجاورة، لكن وزير الصحة الأسبق لجأ إلى إقالة رئيس المصلحة عوض إيجاد الحلول الجذرية، حسب بركاني.
و دعا بركاني وزارة الصحة و السكان و إصلاح المستشفيات إلى التحرك، من خلال تنظيم عمل العيادات الخاصة التي صار المواطن يلجأ إليها هربا من جحيم القطاع العام، ليكتشف، في الأخير، أن هذه العيادات تُحوّل الحالات الخطيرة و المعقدة إلى المستشفى العمومي خوفا من تحمّل مسؤولية وفاة الأم أو جنينها، كما أكد عميد الأطباء على ضرورة وضع مخطط لتكوين القابلات، فالأمور تغيّرت كثيرا عن السابق، بعدما كانت القابلة في سنوات مضت، تشرف لوحدها على توليد النساء، على حد قوله.
إلى جانب ذلك يقترح بركاني اعتماد مخطط وطني يُنظّم توزيع الأطباء المختصين في أمراض النساء و التوليد و يعالج إشكالية هروب ثلثيهم إلى القطاع الخاص، مؤكدا أن 70 بالمئة منهم نساء صرن يخشين من المتابعات القضائية و دخول السجن، بسبب حساسية تخصصهم المتعب الذي يُمارس داخل المستشفيات العمومية في ظل «عدم وجود الإمكانيات اللازمة”، و هو وضع يستوجب استعادة هذه «الثروة الهائلة» و “استغلالها بذكاء”، على الأقل، يضيف المتحدث، من خلال إقحام صندوق الضمان الاجتماعي بتعويض نسبة من التكاليف، مع اللجوء إلى حلول أخرى بينها العمل على تحديد النسل و تزويد المرأة منذ الأشهر الأولى للحمل بدفتر صحي تدون عليه جميع المؤسسات الصحية التي أجرت الفحص بها، و يتضمن المكان المضبوط الذي يتكفل بعملية توليدها.
و عن مهامه كعضو في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أوضح بركاني أن الزيارات الميدانية التي أعلنت هذه الهيئة الدستورية مؤخرا عن إجرائها على خليفة حادثة الجلفة، سوف تشمل جميع المستشفيات الكبرى بولايات الوطن و ستكون فجائية، كما سيتم خلالها الاستماع إلى انشغالات كل العاملين في القطاع، من حارس البوابة إلى غاية مدير المؤسسة، و هو عمل قال بقاط بركاني إن الهدف منه ليس التشخيص و المعاينة فحسب، بل إيجاد الحلول لإنقاذ القطاع العمومي للصحة الذي يرى بأنه “في خطر”.  ياسمين بوالجدري

رئيسة الاتحاد الوطني للقابلات الجزائريات عقيلة قروش

ربـع قــابــلات الجــزائر متــابعــات قضـائـيـا و الـمهنة في طـريقهــا للانـقراض
أكدت رئيسة الاتحاد الوطني للقابلات الجزائريات عقيلة قروش للنصر، بأن القابلات يعانين مهنيا و اجتماعيا و أن غياب قوانين تنظيمية تسرع عملية تطبيق إجراءات القانون المنظم للمهنة، يعد سببا وراء وقوع الكثيرات في فخ المتابعة القضائية، بسبب أخطاء لا يتحملن مسؤوليتها لوحدهن، مع ذلك فإن ربع القابلات الممارسات في القطاع الصحي في الجزائر، هن طرف في تحقيقات تخص حوادث وفيات الرضع أو المريضات، أو متابعات بتهمة الإهمال، مع أن خطأهن الوحيد ، كما قالت محدثتنا، يكمن في كونهن يغفلن شق تدوين تعليمات الأطباء المسؤولين ضمن وثيقة رسمية، تكفل لهن تغطية قانونية في حال وقوع أخطاء سببها تعليمات شفهية صدرت عن غيرهن.
النصر:حادثة وفاة سيدة حامل و جنينها مؤخرا في الجلفة أعادت القابلات إلى قفص الاتهام، ما تعليقك على الحادثة و ما موقف الاتحاد الوطني للقابلات مما حدث؟
ـ عقيلة قروش :   ما وقع في الجلفة أقول باختصار  أنه  مسؤولية الجميع وعلى كافة المستويات وليس القابلة وحدها، فهناك إرسالية وزارية يزيد عمرها عن 30 سنة ، تخص مصالح التوليد عبر مستشفيات الوطن، و تؤكد على إلزامية رفض حالات الولادة الأولى، أي أول حمل لأي سيدة ، في حال لم يكن المستشفى متوفرا على طاقم طبي و غرفة عمليات مجهزة بقاعدة تقنية مكتملة، وهذه الإرسالية تعد السبب وراء رفض المريضة في مستشفى عين وسارة.
أما في مستشفى حاسي بحبح، فان استطلاعنا أوضح بأن الطبيب الكوبي الذي كان مناوبا تلك الليلة، أعطى تعليمات شفهية للقابلة المناوبة، تخص استقبال حالات الولادة المعقدة و القيصرية ليتكفل شخصيا بها، بينما علمنا بأنه طلب منها عدم استقبال الولادات الطبيعية، وهنا يكمن خطأ القابلة التي نقلت التعليمة للمريضة و زوجها، لكن دون أن تلزم الطبيب بتوثيق التعليمة بصفة رسمية، وهو ما سمح له بإخلاء مسؤوليته لاحقا، إذ نفى أن تكون القابلة قد أخبرته بوجود المريضة في قاعة الانتظار، هذا فضلا عن أن هؤلاء الأطباء يتمتعون بالحصانة.
في الجلفة، تجدر الإشارة الى أن المريضة رحمها الله، تنقلت لمسافة طويلة برا ،ما قد يكون أثر على حالتها، لكن مسؤولية وفاتها لا تقع على عاتق القابلة، لأنها التزمت بتعليمة الطبيبة المناوبة القاضية برفض استقبال المريضة، لأنها قادمة من خارج إقليم الاختصاص، وهنا كررت القابلة نفس الخطأ المتعلق بعدم طلب وثيقة تحويل أو رفض موقعة من الطبيبة و عدم لجوئها إلى مدير المناوبة، وهو ما وضعها تحت طائلة المساءلة حاليا.
 خلاصة القول أن القابلات يدفعن دائما  ثمن وجود فراغ في القوانين المكملة للقانون التنظيمي، رغم مرور سنوات عن صدوره، وهنا المسؤولية تقع على عاتق الوزارة الوصية، فضلا عن ذلك فإن هناك الكثير من الأطباء يقضون فترة الخدمة المدنية في العطل المرضية، و يتغيبون عن ممارسة مهامهم تاركين حياة المريضات بين أيادي قابلات يعملن تحت الضغط .
 أما بخصوص موقف الاتحاد، فقد قررنا أن نتأسس كطرف مدني للدفاع عن القابلة.   
ـ لماذا تستمر معاناة القابلات مع ضعف التغطية القانونية بالرغم من صدور قانون جديد منظم للمهنة و كنتن وراء مقترح ضبطه سنة2007 ؟
ـ بالفعل خضنا حراكا وطنيا قويا سنة2007 حاولت الوزارة الوصية تكسيره بشتى الطرق، و لولا وجود إدارة سياسية قوية و حقيقية يعود الفضل فيها لرئيس الجمهورية، لما تم التأسيس لهذا القانون الذي ألغى قانون 1991، مع ذلك و بالرغم من أن القانون الجديد قد صدر سنة 2011، إلا أن  تأخر  تحرير القوانين و النصوص التطبيقية و التكميلية المحددة له ، حال دون تفعيل كافة الإجراءات التي تصب في مصلحة القابلات، مع أننا لا ننكر المكاسب التي حققناها بفضل القانون التنظيمي الجديد، فقد رفعنا فترة تكوين القابلة من 3 إلى 5سنوات ، نظرا لأهمية المهنة و حساسيتها.
مع هذا يبقى مشكل ضعف التغطية القانونية مطروحا بشكل كبير،  و يعد العائق المهني و الاجتماعي الأول أمام ممارسة المهنة، خصوصا إذا ما علمنا بأن حوالي 25 في المائة من القابلات الجزائريات، إما متابعات قضائيا أو قيد التحقيق في قضايا إهمال أو وفيات، مع أنهن غالبا ما يحصلن على أحكام بالبراءة.
لكن في النهاية فإن مثل هذه القضايا، شوهت صورة القابلة اجتماعيا وجعلتها عرضة لأحكام خاطئة لدرجة أن هناك من يلقبنا بـ" القاتلات" وهو واقع  بات يشكل  تهديدا لمستقبل المهنة التي قد تنقرض يوما بسبب عوامل كثيرة.
قابلة واحدة  لتوليد 1500 امرأة سنويا  
ـ تخصصات شبه الطبي و القابلات تعرف اهتماما متزايدا من قبل الطلبة، فكيف لمهنة القابلة أن تنقرض؟
ـ ليس صحيحا، على الأقل بالنسبة لتكوين القابلات، فعدد المدارس ثلاث على المستوى الوطني، إن النظرة الاجتماعية المعادية للقابلات آثرت على نسب الإقبال على الانتساب للمهنة، وهناك قابلات ممارسات فضلن إعادة اجتياز شهادة البكالوريا لتغيير الاختصاص و المهنة، بالمقابل اضطرت أخريات إلى الابتعاد عن المجال، خوفا من المتابعات القضائية و السجن، أما النسبة الأكبر من القابلات الممارسات اللائي استوفين شرط السن فقد اخترن التقاعد، و المشكل هو أن غالبيتهن لم يتم تعويضهن بسبب نقص المتخرجات وهو ما انعكس سلبا على واقع الممارسة المهنية، أذكر أننا في 2004 كنا حوالي 7 آلاف قابلة على المستوى الوطني، لكن  عددنا يتقلص بسبب نقص التوظيف و الاستخلاف، فالعدد الإجمالي للقابلات وطنيا، قدر في العام الماضي بحوالي 3500 قابلة فقط.  وهنا أشير إلى أن الجزائر تحصي ما يقارب مليون و 200 ألف ولادة طبيعية في السنة، دون احتساب عمليات الإجهاض و الوفيات و ما إلى ذلك، علما بأن هذه الأرقام هي ما تكشف عنه وزارة الصحة، وليس ما يمثل الواقع الحقيقي لنسبة النمو الديمغرافي في الجزائر، و التي باتت تشكل تحديا حقيقيا للقابلات. فالبرغم من أن معايير منظمة الصحة العالمية حددت عدد عمليات التوليد الخاصة بكل قابلة سنويا بـ 175 ولادة ، إلا أن القابلة الجزائرية تجري ما يعادل 1500ولادة عادية في العام، دون احتساب عمليات الإجهاض و متابعات الحمل و الوفيات.  بمعنى أن القابلة الواحدة تقوم بما هو منوط بـ 11 إلى 12  قابلة ، ما يفرض ضغطا رهيبا و يؤثر سلبا على الأداء المهني و حتى الوضعية الاجتماعية للقابلة، وهي انشغالات رفعناها كاتحاد سنة 2014 ، عندما نظمنا اليوم البرلماني للقابلات و كانت هنالك نية لتحسين الأوضاع حيث اتخذت إجراءات ايجابية.  نور الهدى طابي
  روبورتاج: ياسمين بوالجدري

الرجوع إلى الأعلى