مجـاهــدون و بـاحثــون في التـــاريـخ يستعيـــدون فصــولا مـن ثـــورة التـحريــــر

أولاد موسى و لقرين  و النبكة
علب سوداء استعصت على المستعمر الفرنسي بالأوراس  
لايزال يحفظ ويروي كل شبر من تراب الأوراس أسرار ثورة التحرير النوفمبرية، واليوم الفاتح نوفمبر من سنة 2017 وبمرور الذكرى الثالثة والستين، تبوح أماكنها بعدما كانت بمثابة علب سوداء احتضنت خبايا الثورة التي لم يتوصل إليها المستعمر الفرنسي، وتعكس في آن واحد مدى عظمة تلك الحركة المناهضة للاستعمار، وتعكس أماكن وقفت عليها النصر بمناسبة تخليد الثورة التحريرية المظفرة، مدى عظمة من هندس وخطط لها من رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، على رأسهم أب الثورة التحريرية الشهيد الرمز مصطفى بن بولعيد، ومن هذه الأماكن التاريخية منزل عبد الله بن مسعودة الذي احتضن الاجتماع التاريخي لقادة الأوراس قبل انطلاق الثورة  دون أن تتفطن لأمره القوات الفرنسية، ومنزل الإخوة بن شايبة بإشمول الذي وزعت منه أول الرصاصات التي أشعلت فتيلها، والمستشفى العسكري النبكة بأولاد جحيش ببيطام المنجز تحت الأرض.

منزل الإخوة بن شايبة .. من هنا اندلعت شرارة الثورة
يعد منزل الإخوة بن شايبة الواقع على سفوح جبال دشرة أولاد موسى ببلدية إشمول، التي تعني بالأمازيغية قرن القلب، المكان الذي انطلقت منه شرارة ثورة أول نوفمبر 1954 بعد أن التقى أب الثورة مصطفى بن بولعيد به لتوزيع السلاح والمهام على القادة من المجاهدين بناحية الأوراس، ومن ثم الانطلاق في عمليات عسكرية إيذانا بإشعال فتيل الثورة ضد المستعمر الفرنسي أعتى القوى الاستعمارية آنذاك .ومعلوم أن نجاح الثورة التحريرية يرجع إلى السرية في التحضير لها، وقد كانت دشرة أولاد موسى في عمق جبال الأوراس إحدى القلاع الحصينة لاحتضان الثورة، ويرجع مؤرخون وباحثون في التاريخ عدم تمكن الاستعمار من كشف الثورة قبل اندلاعها إلى عوامل أبرزها حنكة ودهاء المخطط لها ومهندسها الشهيد مصطفى بن بولعيد بالإضافة إلى حصانة منطقة الأوراس نظرا لطبيعتها الجغرافية ذات التضاريس الجبلية الوعرة. الزائر لمنزل الإخوة بن شايبة بأعالي جبال دشرة أولاد موسى ببلدية إشمول في عمق الأوراس، سيقف على منزل بسيط مشيد من الحجارة والطين وأعمدة خشبية يتكون من عدة غرف وبهو خارجي، يقع في سفح جبل بين أريس وإشمول، وعلى قدر بساطة هذا المنزل سيتساءل الزائر كيف يكون لهذا المكان دور حاسم في اندلاع أعظم الثورات في التاريخ المعاصر ضد الاستعمار الفرنسي والتي توجت باستقلال الجزائر كلها ، بعد حرب دامت سبع سنوات ونصف السنة.
تؤكد إحدى شهادات أحد أصحاب المنزل وهو المجاهد عمار بن شايبة المدعو علي، الذي لا يزال على قيد الحياة والذي لم نتمكن من لقائه هذه المرة لدواعي صحية وتقدمه في السن، بأن مصطفى بن بولعيد لم يكن على علم باختيار المنزل قبل أيام عن موعد اندلاع الثورة ، بعد أن كان مقررا اختيار منزل أحد المناضلين الذين يشرف عليهم الطاهر النويشي الذي كان قائد منطقة بوعريف للالتقاء تحديدا بمنطقة تيغزة.وجاء في شهادة ذات المجاهد الذي كان فيما بعد قد نجا من حادثة انفجار المذياع التي استشهد على إثرها بن بولعيد، بأن الأخير كان دقيقا وحكيما في اختياره لمنطقة تيغزة كمكان لالتقاء المجاهدين، والذي أرجعه سي مصطفى كما كان ينادى عليه حسب شهادة المجاهد علي بن شايبة إلى موقعه، حيث ذكر لهم في لقاء حضره   «المكان لا خوف فيه على المجاهدين والسلاح حتى وإن اكتشف العدو أمرهم لأن حينها سنكون يضيف مصطفى بن بولعيد سنبدأ الثورة وسط الجبال».

 وقد كان لرفض المناضل الذي اختير منزله بمنطقة تيغزة الواقع شمال غرب جبل إشمول، منعرجا مفاجئا حسب شهادة المجاهد علي بن شايبة بعد أن أبلغه بذلك الطاهر نويشي، فما كان منه إلا تبليغ قائده عاجل عجول لكون القائد مصطفى بن بولعيد قد توجه إلى العاصمة، وما كان منه أيضا وبعض المناضلين إلا ضرورة تدبر الأمر مضيفا بأن سرية التخطيط آنذاك وتعليمات مصطفى بن بولعيد بأخذ زمام المبادرة في الظروف الحالكة جعلتهم أمام خيارين الأول دار بعزي علي بن لخضر الذي يعد من المجاهدين الأوائل الملتحقين بالثورة وكان يملك منزلين، سخر أحدهما لجمع السلاح الذي كان يشتريه مصطفى بن بولعيد والمنزل الآخر لصناعة القنابل تحضيرا للثورة.وجاء في شهادة علي بن شايبة، بأن خيار منزلي بعزي لم يكن ملائما لكون الأول مكشوف والثاني لا يستطيع أن يستقبل العدد الكبير للمجاهدين الذين سينتشرون منه لإشعال الثورة، فوقع حسب المتحدث الخيار على الاختيار الثاني المتمثل في دار الإخوة بن شايبة بدشرة أولاد موسى في سرية تامة لقيت فيما بعد رضا وقبول مصطفى بن بولعيد بعد عودته من العاصمة، لتجاوز مأزق ضرورة تغيير مكان التقاء المجاهدين وتوزيع السلاح لتفجير الثورة دون تغيير موعدها المقرر في الفاتح نوفمبر.وسرد المجاهد علي بن شايبة في شهاداته عن انطلاق الثورة، أنه وبعد تخطي عقبة اختيار المنزل الذي سيلتقي فيه قادة أفواج المجاهدين لتوزيع السلاح عليهم من طرف بن بولعيد بحضور عاجل عجول و شيحاني بشير، و مدور عزوي أنه كان يتذكر التنظيم المحكم في التوزيع لدرجة أن لا أحد يدخل أو يخرج من المنزل إلا بإذن القائد مصطفى بن بولعيد الذي كلف أحمد نواورة بتنفيذ عملية الهجوم بأريس، وقرين بلقاسم باتنة ومروانة، وحسين برحايل ببسكرة، وعباس لغرور بخنشلة، والطاهر نويشي بعين لقصر.وتُجمع شهادات مجاهدين منهم صوالح محمود ممن شاركوا في عمليات الفاتح نوفمبر بأن قادة الأفواج وحدهم من كانوا يعلمون بموعد تفجير الثورة إلى غاية اللحظات الأخيرة التي علم بها باقي المجاهدين.
منزل عبد الله بن مسعودة احتضن لقاء نسخ بيان أول نوفمبر

من بين العوامل التي يُرجع المؤرخون والباحثون إليها نجاح الثورة التحريرية بمنطقة الأوراس، هو أن المنطقة ظلت عصية على المستعمر الفرنسي الذي نجح ومنذ سنة 1950، في ضرب المنظمة السرية الذراع العسكري للثورة عبر مختلف مناطق الوطن عدا منطقة الأوراس، حيث حافظ بن بولعيد على سرية الخلايا التي نصب خمسة منها في كل من أريس، لمدينة، إشمول، تيفرطاسين، والحجاج، وقد ذهب المناضل الطاهر عزوي وشقيق الشهيد مدور عزوي أحد رفاق بن بولعيد في التخطيط الثوري وجمع السلاح والمهتم بالتاريخ الثوري بالمنطقة في إحدى شهاداته بأن دهاء بن بولعيد في هندسته للثورة جنب تأخيرها لسنوات وربما لأجيال.
ويؤكد الباحثون بأن الوصول إلى مرحلة اختيار دشرة أولاد موسى لإعلان الثورة، لم يكن إلا نتاجا للعمل السري الذي سبقه ومن بين أبرز المحطات الإعدادية للثورة كان اجتماع لقرين التاريخي الذي عقده مصطفى بن بولعيد بمنطقة أولاد فاضل بمنزل عبد الله بن مسعودة، وهو الاجتماع الذي ذهب باحثون خلال الملتقى الوطني الأول المنظم العام الماضي خلال إحياء ذكرى الاجتماع التاريخي إلى ضرورة إبرازه وإعطائه حقه التاريخي، خاصة وأنه كان محطة تنظيمية هامة للتحضير للثورة قبل أسبوع عن اندلاعها بعد التقاء مصطفى بن بولعيد بكل من شيحاني بشير، عباس لغرور، عاجل عجول، مصطفى بوستة، مسعود بلعقون، الصادق شبشوب، محمد خنطر، الطاهر غمراس (النويشي) وموسى حاجي، والشيخ كاتب الجلسة حسب ما تداولتها شهادات سعد حب الدين. ويذكر الباحث الأستاذ المحاضر بقسم التاريخ بجامعة باتنة 01 الدكتور محمد العيد مطمر، بأن اجتماع لقرين يعد محطة هامة في تاريخ الثورة التحريرية بعد أن جرى في سرية تامة تحت حراسة مشددة من مناضلي المنطقة، وعرض خلاله بيان أول نوفمبر وتم استنساخه باللغتين العربية والفرنسية، بالإضافة إلى تعيين المناطق وقادتها و توزيع السلاح والمهام و توجيه الأهداف الضاربة إلى أهدافها المحددة، وهو الاجتماع الذي أطلع فيه القائد مصطفى بن بولعيد قادة الأفواج تاريخ وتوقيت تفجير الثورة الذي حدد في ساعة الصفر من ليلة الفاتح نوفمبر 1954.  
مستشفى النبكة.. أنفاق ودهاليز أرضية دوّخت المستعمر الفرنسي
من بين الأماكن التي لا تزال شاهدة على عظمة ثورة أول نوفمبر 54 بالأوراس وسريتها التي استعصى على المستعمر الفرنسي اختراقها، المستشفى العسكري النبكة المتواجد بمشتة أولاد جحيش ببلدية بيطام جنوب غربي ولاية باتنة على الحدود مع منطقة الحضنة، ومستشفى النبكة هو عبارة عن أنفاق ودهاليز حفرها وشقها مجاهدون بطريقة ذكية لا تخطر ببال أحد وسط مساحات شاسعة من الرمال التي تكسوها أغطية نباتية من الحلفاء والنباتات الصحراوية، التي تميز منطقة أولاد جحيش ببلدية بيطام، ورغم معرفة المستعمر فيما بعد بأمر المستشفى إلا أنه لم يتمكن من الوصول إليه وظل علبة سوداء تحوي سرا من أسرار الثورة.
ومستشفى النبكة يصعب الوصول إليه اليوم،فالأمر يتطلب مركبات رباعية الدفع حسبما أكده لنا أبناء المنطقة بينهم أحمد رزيق الذي هو إمام المنطقة ومهتم بالتاريخ الثوري والذي أكد بأن المعلم لا يزال على حاله وقال لنا بأن المكان يتطلب دليلا يعرف المنطقة للوصول إليه، وأضاف بأن الوصول يتطلب اليوم سيارات رباعية الدفع فما بالك أثناء الثورة، حيث كان يلجأ إليه المجاهدون إلا بواسطة من يعرفه من إخوانهم فقط.

وأشار لنا إمام المنطقة، إلى أن الكل يعرف أن المجاهد محمد عقوني هو من حفر تلك الأنفاق والدهاليز والذي لا يزال على قيد الحياة بعد أن تجاوز التسعين سنة من العمر، ويذكر محدثنا أن حفر الأنفاق كان بتنسيق من طرف المجاهد عبد القادر بوسماحة المدعو الوهراني، الذي كان وقتها مسؤولا عن التنظيم والاتصال بالمنطقة الرابعة للناحية الأولى وقد تولى المجاهد عقوني محمد عملية الحفر بمساعدة المجاهد يعقوبي الدراجي الذي تولى فيما بعد عملية الحراسة.  ويذكر المجاهد عقوني محمد أن عملية الحفر لم تكن سهلة رغم أنه كان معتاد على حفر الآبار، وأكد في شهاداته بأن الشق الأصعب هو الكتمان والسرية في إنجاز النفق الذي تطلب منه حفر عدة ليالي قبل أن ينجح في إنجاز ما أوكل إليه من ثلاث غرف تحت الأرض تعلوها فتحة صغيرة في كل غرفة من أجل التهوية، ويتذكر المجاهد أنه قام بذلك بين سنتي 1955 و1956 ويذكر المجاهد عقوني أنه كان يقوم بعملية الحفر تحت الخيمة حتى لا يجلب الانتباه.
ويعد مستشفى النبكة الذي هو بمثابة محطة عبور للمجاهدين لتلقي الإسعافات للجرحى منهم واحد من ثلاث مستشفيات وعدة دهاليز وأنفاق حفرت بالمنطقة لم يتبق منها إلا المستشفى الحالي المعروف والذي يعد أكبرها، والذي نحتت بداخله الأسرة والكراسي التي يجلس عليها المجاهدون الذين يدخلون عبر فتحة سرية تتم تغطيتها بلوحة خشبية تغطى بالرمل، وكان المجاهدون يدخلون ويخرجون عبرها من خلال خيم البدو الرحل التي يتم نصبها فوق المدخل، في حين تتم تغطية فتحات التهوية بالنباتات الشوكية فوق سطح الرمال.
و لقد ظل مستشفى النبكة عصيا على المستعمر الفرنسي لاكتشافه بفضل السرية التامة في استغلاله، حتى أن مجاهدين حسب شهادات عارفين بالمنطقة كانوا يخضعون للعلاج بداخله، دون أن يعرفوا مكانه وهذا تطبيقا لأوامر قادة الثورة في الحفاظ على السرية حتى لا يتمكن المستعمر من الوصول إليه ولو في حالات الاستنطاق تحت التعذيب لمجاهدين قد يمرون بالمستشفى العسكري لجيش التحرير، الذي هو بحاجة اليوم حسب سكان المنطقة إلى معلم تذكاري يخلد المكان التاريخي للأجيال الصاعدة بالإضافة إلى إنجاز مسلك يتيح الوصول إليه.
يـاسين عبوبو

فيرمة ليكا بباتنة
مركز تعذيب شاهد على همجية المستعمر الفرنسي
تعد مزرعة ليكا أو فيرما ليكا المتواجدة ببلدية جرمة بولاية باتنة، إحدى المعالم التاريخية التي لا تزال شاهدة إلى يومنا هذا بعد مرور 63 سنة على اندلاع الثورة التحريرية، على همجية المستعمر الفرنسي الذي اتخذ من المزرعة المنسوبة لاسم صاحبها المعمر ليكا، مركزا لتعذيب واستنطاق المجاهدين والمواطنين العزل آنذاك لكشف أسرار الثورة.
مزرعة ليكا التي أخذت وزارة المجاهدين على عاتقها ترميمها، ينتاب زائرها اليوم  شعور بوجود أرواح لا زالت تحوم بداخلها، كيف لا وهي التي تضم رفات شهداء قتلوا تحت طائلة مختلف أشكال التعذيب، وهي الرفات التي وإن ظلت شاهدة على همجية المستعمر فهي شاهدة أيضا في الوقت نفسه على تضحيات شهداء قدموا أنفسهم فداء لتحرير الوطن.
و يستذكر مجاهدون كل مرة يتم فيها إحياء مناسبات الأعياد الوطنية بما فيها ذكرى اندلاع الثورة التحريرية المتزامن والفاتح نوفمبر ما عايشوه من تعذيب وقهر داخل إسطبلات المزرعة وأقبيتها، من استنطاق لكشف أسرار الثورة، والمزرعة اليوم تم ترميمها بشكل كلي وحولتها مديرية المجاهدين إلى متحف يبرز أشكال التعذيب التي كان يتعرض لها المجاهدون بداخلها من كي بالنار وضرب وقطع لأطراف من الجسد واستنطاق بالماء والكهرباء، وهي صور تم تجسيدها على مجسمات دمى تصدر أصوات، وهو ما يبعث على الرعب، فالزائر لمتحف مركز التعذيب ليكا لا شك أنه سيسافر في الزمن إلى حقبة الاستعمار من خلال مشاهد التعذيب التي تحاكيها  الأفلام السينمائية الثورية أو يحكيها لنا المجاهدون ممن عايشوها.
مزرعة ليكا اتخذت شكلا هندسيا يشبه إلى حد ما السجن بعد أن وظفت من طرف الجنود الفرنسيين كمركز تعذيب، فالمزرعة مشيدة بالحجارة الصلبة المرصوصة ما لا يسمح باختراق جدرانها ناهيك عن غلق منافذ غرف وقاعات بالقضبان استغلت لحجز الجزائريين كمساجين، وتضم المزرعة ثلاث ساحات داخلية كلها تحت النظر والمراقبة من خلال غرفة مراقبة علوية وكان المستعمر يحشد أزيد من 300 سجين داخل بهو إسطبل للاستنطاق تحت طائلة التعذيب.
فيرمة ليكا اليوم، هي شاهد على أبشع جرائم المستعمر الفرنسي فقد عثر بداخلها على رفات 124 شهيدا مترامية تحت التراب في مختلف أركان المزرعة، تم تحويلها نحو مقبرة الشهداء، وبداخل المزرعة تتواجد ثلاثة أضرحة تضم رفات 15 شهيدا ستظل شاهدا على جرائم ارتكبت في حق الجزائريين وبداخل محيط المزرعة يوجد أيضا بئر شاهد هو الآخر على بشاعة المستعمر الذي كان يرمي بالمجاهدين والفدائيين داخله.
وتروي مزرعة ليكا فصولا من التاريخ الثوري فالمزرعة التي كانت لصاحبها ليكا الذي يستغلها في ممارسة مختلف الأنشطة الفلاحية من تربية للمواشي والأبقار، كان قد تعرض لطعنة خنجر من طرف الشهيد مسعودي العايب المنقوش اسمه على لوحة رخامية بالمزرعة وحسب شهادات مجاهدين بالمنطقة فإن الشهيد، كان قد دخل في خلاف مع المعمر ليكا بعد أن منعه من الرعي الأمر الذي جعله ينتقم منه بطعنه ثم التحق بالمجاهدين إلى أن استشهد في إحدى المعارك.              
يـاسين عبوبو

المجاهد بوطمين يؤرخ للواقعة التي شهدتها جبال باتنة
«خنقة معاش».. أم المعارك التي أرهبت العدو
بمنطقة «فم الطوب» على الحدود بين ولايتي باتنة و خنشلة، انطلقت “أم المعارك” في إحدى ليالي نوفمبر الثورة، بعدما خاضها مجموعة من المجاهدين البواسل ضد المستعمر، فكانت النتيجة قتل 300 من العساكر الفرنسيين و غنم أسلحتهم، لكن رد العدو كان بربريا فقد أحرق قرى المنطقة و قتل أزيد من ألفي شخص بينهم أطفال.
و في مذكرات حصلت عليها النصر، ينقل المجاهد و المؤلف بوطمين جودي لخضر كاتب الولاية الثانية، معركة «خنقة معاش» قرب وادي اليابوس على الحدود بين ولايتي باتنة و خنشلة، حيث وقعت في التاسع من نوفمبر 1954، أي أياما قليلة بعد اندلاع الثورة التحريرية، و أسفرت عن قتل 300 جندي فرنسي و جرح أكثر من 150 عسكريا، مع غنم أسلحتهم.
المعركة دامت لـ 3 أيام كاملة، و أدت إلى استشهاد عدد قليل من المجاهدين و جرح قائد المعركة ناجي نجاوي الذي فقد عينه اليمنى، و كرد فعل انتقامي، لم يمر أسبوع على الواقعة، حتى قام المستعمر الغاشم بترحيل سكان دوار أشمول إلى أريس و دوفانة نحو المحتشد، بعدما أحرقت منازلهم، كما وقعت في هذه المنطقة 20 معركة و مسّ الموت و الترحيل قاطني بلديات فم الطوب، إينوغيسن، أريس، تيغانمين و إشمول أيضا.
و في منطقة أولاد موسى، لا يزال النصب التذكاري يؤرخ لليوم لشهداء الحرية بين كبار و صغار، إذ يُبين اللوح أنهم من مواليد 1892 حتى 1899، و من 1931 إلى 1945، و العجيب في الأمر، يضيف المجاهد بوطمين في مذكراته، أن شهيدة عمرها 12 سنة كانت من بين الذين حاربوا ضد المستعمر، و هو ما اكتشفه من خلال زيارة قام بها للمنطقة في مارس 2012 رفقة مجموعة من المجاهدين.
أما في دشرة أولاد موسى القريبة، أين انطلقت ثورة 1954، فتوجد لوحة رخامية تحمل أسماء 2400 شهيد ممن وقعوا في المعارك التي دارت ببلديات المنطقة، و غير بعيد من هنا، يوجد قبر البطل مصطفى بن بولعيد في بلدة “ديرا” أسفل ما يسمى بالجبل الأزرق قرب أريس.
المجاهد بوطمين الذي كانت له أيضا مساهمات في الجرائد اليومية و من بينها النصر، أشار إلى منطقة نصب كمين في المنعرج الخطير الواقع قرب غسيرة و تحديدا في «تيغانمين»، حيث استهدف المجاهدون قافلة كانت متجهة نحو مدينة أريس، و كافح قرين بلقاسم لمدة من الزمن قبل أن يُستشهد.    
ياسمين.ب

مجاهدون ومختصون في ندوة النصر  
خلافات عبد الرحمان غراس مع بوضياف أثرت على النظام بمنطقة قسنطينة
أكد الباحث في التاريخ الدكتور علاوة عمارة أن الثورة الجزائرية اندلعت بتحضيرات متفاوتة على مستوى المناطق  ما جعل الأهداف المسطرة في الشمال القسنطيني لا تتحقق بشكل كامل في البداية  بسبب ضعف الإمكانيات، فيما اعتبر المجاهد علاوة بن زبوشي الكشافة الإسلامية أحد أدوات الثورة في توزيع بيان أول نوفمبر قبل أن يلتحق عناصر منها بالعمل المسلح، وقال أن جمع السلاح تم بمجهودات فردية، أما المجاهد بن يمينة الذي يعد  من أبرز العناصر الطلابية من قسنطينة التي التحقت بجيش التحرير فقد قدم شهادات عن كيفية تسيير القياديين للثورة والاستعدادات التي سبقتها وتوقف عند بعض ملامح شخصية عبد الله بن طوبال وكيفية تعامله مع ظروف انطلاق الثورة وكيفية الخروج من حالة العزلة التي عاشتها مختلف المناطق  . والتقى المجاهدان في ندوة نظمتها النصر بمقرها أمس الأول، في كون الثورة كانت تعتمد على نظام صارم  يعاقب كل من يخرج عن نسقه، فيما ركز الدكتور عمارة على خلافات جعلت مجموعة قسنطينة  مع باقي مجموعة الـ 22 .
أدار الندوة: سامي حباطي، لقمان قوادري
المجاهد علاوة بن زبوشي يروي شهادته  
الكشافـــــة حضرتــــنا للعمــــل الثــوري من خــــلال لعبـــة الشرطـــــي والســــــارق
يروي المجاهد علاوة بن زبوشي ابن مدينة قسنطينة في هذه الشهادة حول الفاتح من نوفمبر 1954، بأنه بدأ العمل الثوري من فوج الكشافة الذي كان تابعا له على مستوى حي شاركو بسيدي مبروك السفلي، ليكلف عند اندلاع حرب التحرير بتوزيع المناشير وبيانات أول نوفمبر، قبل أن يلتحق بالجبل ويواصل القتال ضد الجيش الفرنسي إلى غاية طرد الاستعمار من الجزائر.
المناشير كانت تُدس تحت الأبواب خلال الليل
وأفاد عمي علاوة  ضيف    ندوة النصر، بأن بداية نشاطه كانت من خلال الكشافة، حيث كان عضوا نشيطا فيها ويتردد على مقرها الواقع بالقرب من النبع الطبيعي بحي شاركو بسيدي مبروك السفلي، وهو نفس المكان الذي كانت تقصده مجموعة من السياسيين المناضلين آنذاك أيضا من أبناء قسنطينة. وكلف عمي علاوة بأول عمل ثوري رفقة مجموعة من رفاقه بالكشافة، حيث كانت التعليمات تقضي بأن يقوموا بتوزيع المناشير وبيانات الفاتح من نوفمبر على أكبر قدر من المنازل بسيدي مبروك.
وقال عمي علاوة “جميع بيانات أول نوفمبر وزعت خلال الليل، حيث قسمنا أنفسنا مع مجموعة من الرفاق إلى فرق صغيرة تكفلت كل منها بجزء من الحي، وكنت أنا من بين الذين كلفوا بتوزيع المناشير على المنازل الموجودة بحي سيدي مبروك العلوي الذي كنا نسميه حينها بفيلاج ليهود –تعني قرية اليهود- من خلال إلقاء المناشير داخل حديقة البيت أو بدسها من تحت الباب”. ويضيف محدثنا بأن الأمر كان محفوفا بالمخاطر، حيث تم إلقاء القبض على أحد المشاركين فيه من فرقته، وقد اعترف تحت طائلة التعذيب، لتقوم شرطة الاستعمار بالقبض على عدد من عناصر المجموعة بعد ذلك من خلال مداهمة منازلهم خلال الليل.
وأضاف نفس المصدر بأنه ما زال يتذكر إلى اليوم الرحلات التي كانت تنظمها الكشافة لصالح المنخرطين في صفوفها تحت قيادة علاوة قربوع ومسعود بوجريو، حيث كانوا يتنقلون إلى الجبال والمناطق الواقعة خارج المدينة قبل أن تحولها السلطات الفرنسية إلى مناطق محرمة، كما قال إنه ظل يفكر في نفسه دائما بأن لعبة “الشرطي والسارق” التي كانوا يلعبونها مع بعضهم في الخرجات المذكورة بعد ترديد الأناشيد، كانت نوعا من التدريب والتحضير للثورة، فضلا عن أن لها دلالات يمكن إسقاطها على مطاردة السلطات الاستعمارية لمناضلي الحركة الوطنية وسياسيي ما قبل الثورة الذين تعرضوا للمتابعات والنفي آنذاك، لذلك يقول عمي علاوة إنه يرى بأن للعبة المذكورة أبعادا أخرى من بينها خلق الوعي لدى الشباب الصغار.
لكن المجاهد علاوة بن زبوشي نبه بأن الكشافة قد حُلت مع انطلاق الثورة، حيث نصت التعليمات على أن يكون الانضمام إلى العمل الثوري بشكل فردي فقط، واشترط على المنضمين الجدد من المنضوين سابقا تحت لواء أحزاب الحركة الوطنية واليساريين التخلي عن قبعاتهم السابقة لفائدة جبهة التحرير الوطني وجيشها فقط، في حين كان القتل مصير الآخرين الذين رفضوا الانضمام كأفراد، وهو ما عبر عنه محدثنا بالقول “إما التخلي عن الانتماء السابق أو يمرر السكين على رقبته”، موضحا بأن مجموعة من المذكورين سافرت إلى فرنسا بينما خضع آخرون للأمر، في حين قضت الثورة على مجموعة أخرى منهم.
طريق إلى العمل تحول إلى رحلة  للالتحاق بالجبل
وعن التحاقه بالجبال يقول عمي علاوة بأنه كان ذات يوم متوجها للعمل في ورشة بناء كعادته، ليلتقي بشخص أخبره بأن الجيش الاستعماري ألقى القبض على شقيقه الأكبر منه، لكن الأخير فر من الشاحنة، في حين قام الجنود بحرق منزلهم العائلي، ليفر هو الآخر مباشرة إلى الجبال في نفس اليوم، حيث كانت منطقة جبل الوحش أول محطة توقف بها في مزرعة عائلة بوخلخال، قبل أن يواصل مسيره بعد ذلك. وقد أوضح بأنه ما زال يستذكر إلى اليوم نشاطه ما بين جبل الوحش إلى غاية منطقة قالمة، وعمليات حرق أشجار الفلين التي كان يستثمر فيها المستعمرون كما عمل بمنطقة القل وغيرها من مناطق الولاية الثانية التاريخية.
كما قال محدثنا إن عملية جمع السلاح كانت تتم في بداية الثورة بشكل فردي، إذ يطلب المجاهدون من كل فرد يملك قطعة سلاح بتسليمها لهم، لكن العديد من المعنيين كانوا يفضلون الصعود للجبل ما داموا يملكون أسلحة، في حين أوضح بأن حي شاركو كان محاطا بالثكنات العسكرية الفرنسية، ما جعل الثوار يتواصلون مع مجموعة من المجندين التي كانت تزودهم بالخراطيش وبعض المواد اللوجيستيكية الأخرى كالأغطية وبعض المستلزمات الحربية.
ويشير عمي علاوة إلى أنه ليس الوحيد الذي التحق بالجبال من عائلته، بل صعد شقيقاه أيضا، حيث سجن أحدهما بينما ظل الثاني يعمل مع الثورة في تمرير المؤونة والعتاد والسلاح ما بين الحدود إلى غاية أماكن تمركز المجاهدين عبر الولاية الثانية، ليستقر بعد ذلك في تونس حتى الاستقلال، في حين أوضح لنا بأن مدينة قسنطينة والولاية الثانية على العموم ساهمت بشكل كبير في إنجاح الثورة، كما أن العديد من قادة الثورة كانوا يترددون عليها ومنهم من استقر بها. واختتم محدثنا شهادته بالتأكيد على أنه ما زال إلى اليوم يشعر بالانبهار من عظمة الثورة الجزائرية وخصوصا من جانب التنظيم وتسيير الأفراد المشاركين فيها بالإضافة إلى تنظيم وصول الأسلحة والعتاد وتموينها.
سامي حباطي

الدكتور علاوة عمارة يؤكد في ندوة النصر
المناطـــق الثوريـــة لم تكــن بنفــس مستـــــوى الاستعـــــداد في أول نوفمبر
أكد الدكتور علاوة عمارة أستاذ التاريخ بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة بأن المناطق لم تكن على نفس القدر من الجاهزية والاستعداد للانطلاق في العمل الثوري يوم الأول من نوفمبر ما جعل الأهداف المسطرة لا تتحقق ببعض الجهات، وأشار إلى أن الانطلاقة نجحت بتوزيع المناشير والبيانات يوم الأول من نوفمبر رغم أن الخلافات المسجلة أدت إلى تفكك النظام فيها.
وأفاد الدكتور علاوة عمارة، بأن الكثير من الهجومات التي شنها المجاهدون ليلة الأول من نوفمبر 1954 لم تحقق أهدافها بمنطقة الشمال القسنطيني، لكنها مع ذلك أعلنت عن قيام الثورة، مستدلا بالعملية التي قام بها المجاهدون على مستوى منطقة السمندو بمهاجمة مقر للدرك ومحاولتهم الاستيلاء على السلاح، لكنهم فشلوا في النهاية في الدخول إلى المخزن بعد أن أحدثوا ثقبا قطره ثلاثين سنتيمترا دون أن يتمكنوا من الولوج عبره إلى الداخل. وقال نفس المصدر في رده على سؤالنا حول الاختلاف المسجل بشأن تاريخ اندلاع الثورة، إن المناطق لم تكن على نفس القدر من الاستعداد، مشيرا إلى أن منطقة الأوراس كانت الأكثر جاهزية من ناحية التسلح والهيكلة، لأن تنظيم المنظمة الخاصة لم يتفكك على مستواها.
لكن محدثنا نبه بأن الثورة سجلت حضورها بمدينة قسنطينة في الأول من نوفمبر بالمناشير التي تم توزيعها من طرف المجاهدين، مضيفا بأن تفكك النظام بالمدينة يعود إلى تأثير عبد الرحمن قراس الذي كان على خلاف مع محمد بوضياف ولم يدعى إلى اجتماع مجموعة 22، فيما دعي من كانوا تحت قيادته في المنظمة الخاصة بالمدينة. وقد تحدث الدكتور عن مجموعة من الهجمات التي وقعت بضواحي قسنطينة ليلة الأول من نوفمبر، من بينها قيام مناضلين اثنين من حزب الشعب بالاستيلاء على قطعة سلاح بالحروش بالصدفة في نفس التاريخ، ما منع المجاهدين من الاقتراب بعدما ظنوا بأن السلطات الاستعمارية اكتشفت أمرهم عندما رأوا الشرطة، إلا أن الصحافة الفرنسيـــــــــة سجلتها ضمن عمليات الثورة. وقــــــال نفس المصـــــــــدر إن هجوما وقع  بالخروب أيضا، لكنها كانت قد ضمت حينها إلى منطقة الأوراس، حيــــث تعتبر الحادثة امتدادا للثـــورة التي اندلعت بالمنطقة المذكــــــــورة وليس بمنطقة قسنطينة، فيما أشار المعني إلى أن قيادة الثورة تخوفت من قيام انتفاضات صغيرة تتمكن بعــــــــد ذلك السلـــــــطات الاستعمارية من قمعها بسهولة ليفشل بشكل عام، ما دفع إلى اللجوء إلى الثورة الشاملة. وأضاف  الباحث بأن قيادة الثورة في بدايتها كانت تضم الكثير من الأفواج في صفوفها لكنها لم تكن تُدمج إلا القلة منهم إلى خطوط القتال، بسبب مشكل ضعف التسليح، حيث لم تكن الأسلحة متوفرة، ما جعل القائمين عليها يرون بأنه من الأفضل على الراغبين في المشاركة المناضلة في مواقعهم في البداية، بما فيهم مجموعة قسنطينة التي فضلت العمل الفدائي في البداية، قبل الالتحاق بالجبال.
سامي حباطي

المجاهد بن يمينة عبد الوهاب شاهد على حرب التحرير بالولاية التاريخية يكشف
الثورة لم تخطئ في حق مجاهدين والموساد نفذ عمليات بقلب قسنطينة  
بنظرة ثاقبة وذاكرة قوية تروي أدق التفاصيل ، يتحدث المجاهد بن يمينة عبد الوهاب في شهادته التاريخية في ندوة نظمتها النصر بمناسبة الذكرى  63 لإنطلاق الثورة التحريرية،  عن تفاصيل مثيرة عن ظروف انطلاق ثورة الفاتح من نوفمبر بالولاية التاريخية الثانية والصعوبات التي واجهتها خلال سنواتها الأولى، كما يكشف عن تنفيذ تنظيم الموساد الإسرائيلي لعمليات ضد الجزائريين بأيادي السكان اليهود بقسنطينة، كما أكد بأن الثورة لم تخطئ في حق أي أحد، لكن تم الإلتفاف على أهدافها وبيانها الأول عشية الإستقلال من خلال الإنقلاب على الحكومة المؤقتة.
رابح بيطاط كان دائم التردد على حي سيدي الجليس
يقول عمي عبد الوهاب ذو 78 ربيعا، بأنه ولد بالحي  العريق سيدي الجليس، الذي كان  معقلا للسياسيين ونشاط الحركة الوطنية، كما تلقى تعلميه الإبتدائي بمدرسة جول فيري، حيث أنه وبعد بلوغه عمر 15 سنة سمع كغيره من سكان قسنطينة، عن انطلاق و نداء الثورة من خلال بيان 1 نوفمبر، أين كان  يشاع بأن الفلاقة قد أتوا إلى المدينة، كما ذكر بأن المجاهد الراحل وعضو مجموعة الستة رابح بيطاط، كان يزور الحي خلسة من حين لآخر والجميع يعرف نشاطه ونضاله جيدا في الحركة الوطنية ، وهنا كما قال "بدأت تنمو بذور الوطنية  والدفاع عن الوطن بداخلنا،... وقبل إضراب الطلبة عشنا مراحل مهمة وتاريخية بقسنطينة، التي كانت محاصرة بالثكنات، فقد قتل محافظ الشرطة سامرسيل وهو الذي كان مسؤولا عن منطقة رحبة الصوف،  في ليلة 29 مارس 1956 واقتادت السلطات الفرنسية  حوالي 10 آلاف مواطن إلى ملعب بن عبد المالك وكانت ليلة رهيبة،  تأثرت بها كثيرا".
 ويتحدث المجاهد بن يمينة، عن تفاصيل التحاقه بالثورة،  حيث أنه كان  طيلة العامين الأولين للثورة يسمع عنها ويشاهد كغيره من الجزائريين بأم عينه قمع السلطات الفرنسية، ثم جاء نداء إضراب الطلبة ولباه كغيره من الطلبة ولم يشارك في الامتحانات،.  وسمع أيضا عن مشاركة المجاهد قسوم رمضان ابن سيدي الجليس ، في هجومات الشمال القسنطيني في 20 أوت 1955 ، كما يؤكد أنه  غادر مقاعد الدراسة دون رجعة ليتم بعد ذلك تجديد النداء في نوفمبر 1956 ويقرر هو و المجاهد رشيد عقابو، الذي كان أبوه يشتغل عند مسؤول المدينة موريس بابون، أن يلتحقا بالثورة ويتابع، بأن صديقه أخذ مسدس أبيه،  و امتطيا سيارة من منطقة باب الواد خفية عن والديهما، ثم  اتجها نجو طريق القرارم في الصباح الباكر، ووصلا إلى الجبل وكان المجاهد الأول، الذي التقيا  به عند عائلة بوالمدايس بمنطقة سطارة هو محمد الصالح بلميهوبي المدعو بلميهوب، وهو مجاهد كبير وقائد فذ عمل مع زيغود يوسف منذ انطلاق الثورة، كما التقيا أيضا بمجموعة من المجاهدين على غرار مصطفى بوغابة، صالح بوذراع، بوقندروة، قبل أن يتجها إلى منطقة بني صبيح ثم التقيا مسعود بوجريو، ليتسلما الأسلحة ويجندا رسميا في 08 نوفمبر 1956  ، ثم يتوجها بعد ذلك  مع مجموعة إلى القل  ويعمل " محدثنا"في أول مستشفى في الولاية في منطقة السمندو، الذي كان يشرف على تسييره  كل من رشيد بوزريو وعبد الحميد رزاق.
رافقت بن طوبال طيلة عام كامل واقتسمت غرفة واحدة مع علي كافي
 ويسترسل المجاهد بن يمينة، في الحديث عن  مشواره في الثورة، حيث قال بأنه  تم استدعاؤه  إلى منطقة الجيزية بالقل لأول مرة، أين التقى بقادة الثورة عبد الله بن طوبال ، علي كافي، علاوة بن بعطوش، المسؤول الأول على إضراب الطلبة، حيث قال بأنه اقتسم غرفة واحدة مع علي كافي وبن بعطوش، والدرس الذي تلقاه كان حصولة عن نداء 1 نوفمبر وأرضية مؤتمر الصومام، وهما  الوثيقتان التاريخيتان الأساسيتان في الثورة، ثم تم تعيينه كاتبا   للمنطقة الثالثة، التي تشمل مناطق القل عزابة سكيكدة تحت مسؤولية قوميدة صالح، الذي يعمل تحت قيادة الولاية التاريخية الثانية إلى غاية 1960 ، كما أشار إلى مرافقته لبن طوبال إلى غاية آفريل 57 تاريخ تعيين لجنة التنسيق والتنفيذ،  حيث اصطحبه كريم بلقاسم وبن خدة بعد مرورهم على الولاية الثانية إلى تونس بعد أن شددوا على ضرورة سفره لوجود قضية خطيرة تستدعي حضوره وكانت فرصة لأن رافقهم قائلا " تحدثت إلى هؤلاء القادة الكبار".
وفي عام 1960 يقول المجاهد بن يمينة، بأنه تم إنشاء مدينة قسنطينة  منطقة خامسة للولاية الثانية، تحت قيادة  مسعود بوجريو، وتم تقسيمها  إلى  ثلاث نواحي، الأولى بوسط المدينة وينشط بها كل من عمار رواق أحمد بوشادي عمار قيقية، فضيلة سعدان، والثانية بسيدي مبروك يعمل بها  بشير بورغود، الشهيد حملاوي و  الشهيدة مريم بوعتروة التي كانت طالبة أيضا، أما الناحية الثالثة المنظر الجميل، فعين بها هو و الشهيد كروش عبد الحميد و مليكة حمروش، كما أكد بأن يهود مدينة قسنطينة، كانوا مسلحين ونفذوا عمليات ضد الجزائريين تحت إشراف مباشر من الموساد في  عام 1956 وكانوا يعملون في صفوف الشرطة الإستعمارية و منظمة اليد الحمراء الإرهابية.
اعتقلت بعد مقاومة عنيفة في سان جون
وفي  27 أفريل من ذات العام، تمت الوشاية بهم ومحاصرتهم بداخل شقة بشارع بلوزداد "سان جون" ، حيث أنه وبعد مقاومة عنيفة دامت لأزيد من ساعتين ، استشهد عبد الحميد كروش وتم توقيف بن يمينة وهو في حالة خطيرة بعد تعرضه لإصابة في الرأس والصدر والرقبة واليدين، لينقل بعدها إلى  مستشفى بمزرعة مزيان، أين خضع للعلاج لأربعة أشهر، ولما تعافى حكم عليه بالمؤبد بالمحكمة العسكرية بالقصبة، وظل مسجونا بها  من 9 نوفمبر 1960 إلى 23 ماي 1961 ، قبل أن يصدر قرار بتخفيف العقوبة  ويحول إلى لامباز ثم الحراش ومارسيليا، ليطلق سراحه بعد قرار وقف إطلاق النار في 19 مارس من عام 1962  ويلتحق بالجزائر، حيث كان من المشرفين على  المنظمين ليوم إستفتاء الإستقلال في 1 جويلية.
الولاية الثانية ساندت الحكومة المؤقتة بعد وقف إطلاق النار
وعن ما حصل من أحداث بعد توقيف إطلاق النار، قال المتحدث بأن الجميع عانى من ظروف صعبة لقرابة الشهر ، حيث حدث أول انقلاب عسكري في تاريخ الجزائر المستقلة على الحكومة المؤقتة  من طرف جيش الحدود وحصل اقتتال بين الإخوة المجاهدين ، أما فيما يخص موقف الولاية الثانية من موقف جيش الحدود، فقد ذكر بأن الإخوة في قسنطينة كانوا مؤيدين للحكومة المؤقتة "لكننا  كنا مغلوبين عن أمرنا"، خاصة  بعد انضمام الرائدين العربي بن رجم الميلي ورابح لوصيف إلى  قيادة الأركان بقيادة بومدين، ، ما تسبب في انقسام الصف ، قبل أن يتنقل  هو إلى فرنسا ويعود إلى الجزائر ويمتنع عن النشاط السياسي ويشتغل في مجال الأشغال العمومية، بعد الإستقلال ويشارك في بناء الجزائر المستقلة.
الإنطلاقة كانت صعبة و بن طوبال باع أرض أمه ووهبها للثورة
أبى المجاهد بن يمينة إلا أن يتحدث عن شهادة بن طوبال التي رواها له بعد الإستقلال عن الأيام الأولى للثورة بمنطقة الشمال القسنطيني، حيث تحدث  بن طوبال  عن وجود تردد لدى بعض أعضاء مجموعة 22 خلال الاجتماع الشهير بالعاصمة حول تأجيل انطلاق الثورة، حيث شارك  في الاجتماع 4 مناضلين من مدينة قسنطينة وهم ، مشاطي محمد    ، حباشي عبد السلام، بلاح رشيد ، السعيد بوعلي،  لكنهم لم يستجيبوا لنداء أول نوفمبر،  حيث برروا موقفهم بعدم استدعاء قائدهم عبد الرحمان غراس  وأبدوا تضامنا معه، أما من منطقة الشمال القسنطيني فشارك ثلاثة من بينهم زيغود يوسف بن طوبال عبد الله، وهو من لبوا نداء الثورة ونظموا عمليات في أولى أيامها، كما قال بن طوبال ،بأن بن بولعيد أعلن عن تنصيب بوضياف منسقا وطنيا بالإجماع.
ويضيف، بأنه وبعد انطلاق الثورة تم تحديد كيفية الإتصال بين المناطق وفقا لشهادة بن طوبال،  وتم الشروع في عمليات التحسيس من أجل التجنيد وجلب الأسلحة في سرية تامة، كما لم تكن توجد أي  ميزانية وكان الهدف الرئيسي هو الإستقلال وفقط، حيث كشف له بن طوبال، بأن الميزانية الأولية كانت من أموالهم الخاصة، حيث قام بن طوبال، ببيع أرض أمه وتقديم ثمنها، وشارك زيغود يوسف بـ 47 ألف فرنك، وعمار بن عودة 45 ألف فيما كان عدد المجاهدين لا يتجاوز 150 فردا.
هجومات الشمال القسنطيني مددت  من عمر الثورة ودولت القضية
ويؤكد محدثنا نقلا عن بن طوبال، بأن ظروف الإنطلاقة كانت صعبة جدا كما أن الإتصال بين القادة ، قد انقطع مبكرا بين ديدوش مراد و بوضياف، حيث كان  من المفروض أن يلتقوا في جانفي 1955  لتقييم الأوضاع، لكن ديدوش استشهد  و بيطاط ألقي عليه القبض، و بوضياف سافر إلى مصر، وهو ما تسبب في عزل الولاية الثانية ، لكنها في نفس الوقت قدمت متنفسا جديدا ودفعا قويا للثورة من خلال هجومات الشمال القسنطيني، كما كان لها الأثر الكبير  في مؤتمر باندونغ وتدويل القضية الجزائرية في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الثورة  أبعدت كل من عارض قوانينها
وعن ما يشاع عن الثورة وما ارتكبه قادتها من أخطاء، أكد المجاهد بن يمينة، بأن الثورة لم ترتكب أي خطأ بل كانت تصفي  من كان يتعرض لقانونها،  وفق مبدأ لا أحد يعلو  على الثورة، كما أشار إلى أن بيان أول نوفمبر  قد حدد طبيعة ما سيكون عليه النظام بعد الإستقلال وحدد مستقبل البلاد، لكن تم الالتفاف و الانقلاب عليه، مؤكدا بأن كل من يشكك في تضحيات الشعب وعدد الشهداء، يعتبر كاذبا، ففرنسا ووفقا لسياسية  سوستال القمعية  ، كانت تقوم بمعاقبة جميع سكان المنطقة التي حدثت فيها أي عملية، وكل المناضلين الذين انخدعوا بوعود فرنسا  المتعلقة بمنح الجزائر الإستقلال، تم القضاء عليهم جميعا على غرار بن مهيدي الذي سافر إلى العاصمة في 1957 و قبضت عليه وأعدمته.
لقمان قوادري

المجاهد و السفير السابق محمد رايس للنصر
رأس السيـاســي كــان أثمـن مــن رأس الـعسكــري بـالنسبـــة لفـرنســـا
يتحدث المجاهد و  السفير السابق محمد رايس في هذا الحوار الذي خص به النصر، عن العلاقة بين قادة الجناحين السياسي و العسكري إبان الثورة التحريرية المجيدة، و يفصل في بعض الحقائق التي طبعت المرحلة من 1954 إلى غاية الاستقلال، انطلاقا من أسباب تأخر اندلاع الثورة في بعض المناطق، وصولا لموضوع « الحركى»، و تبعات أحداث 20 أوت 1955، كما يتطرق إلى الاختلافات في وجهات النظر بين قادة الثورة حول بعض القضايا المصيرية، على غرار مسألة  الإيديولوجية و تحديد طبيعة العلاقة مع الإتحاد السوفياتي سابقا، فضلا عن قضية ما يعرف بـ"التصحيح الثوري"، و تفاصيل أخرى تخص كتابة التاريخ و المذكرات.
محمد رايس، مجاهد و أحد قادة الولاية التاريخية الثانية، من مواليد2 جانفي 1930 بالقل، التحق بالثورة التحريرية سنة 1955 ، و كان من بين قادة الجناح السياسي للثورة، تقلد مسؤوليات هامة خلال حرب التحرير و كان أول محافظ لحزب جبهة التحرير الوطني بقسنطينة، ثم اشتغل كمراقب جهوي للحزب عبر عدة ولايات، درس المحاماة، وفي سنة 1986 تم تعيينه كسفير للجزائر لدى دولة الإمارات العربية المتحدة لمدة ثلاث سنوات، قبل أن يستدعى لمهام مركزية على مستوى رئاسة الجمهورية، إبان حكم الرئيس الشاذلي بن جديد، لكنه فضل الانسحاب من العمل السياسي و التقاعد.
تأخر وصول ديغول خدم الثورة
ـ النصر: حدثنا عن ظروف التحاقكم بالثورة و كيف حضرتم كطلبة شباب  للدخول في مواجهة مفتوحة مع المستعمر بجنرالاته و قوته العسكرية؟
ـ محمد رايس: في الحقيقية حادثة إلقاء القبض على بن بولعيد سنة 1955 في منطقة بن قردان بين تونس و ليبيا، كانت وراء التحاقي بالثورة، رفقة عدد من الطلبة الجزائريين الآخرين الذين كانوا يدرسون في صف التحصيل « البكالوريا» بجامعة الزيتونة بتونس، صورته وهم يجرونه مقيدا، جعلتنا ننتفض، ودفعتنا إلى مغادرة مقاعد الدراسة، و قد نسقنا مع مجموعة من المجاهدين من خنشلة كانوا تحت قيادة بن يوسف بن خدة آنذاك.
في سنة 1956 التحقت بالقسم الثاني و كنت كاتبا على الآلة الراقنة، أنشط ضمن لواء يضم بن طوبال و علي كافي و بودربالة و عبد الحق ويسم، قبل أن يتم تحويلي إلى قسم سكيكدة، رفقة المجاهد حمودي حمروش، حيث كلف هو بالعمل العسكري و أسندت إليه مهام سياسية تتعلق بجمع المال و السلاح، في هذه الفترة لم أكن متحزبا، بل كنت ثوريا.
و في 1958 تم تحويلي إلى القل، ثم قُلدت مهمة تسيير مكتب الولاية الثانية رفقة  خلف الله مصطفى و محمد حمادي و   بوبنيدر صوت العرب، و بأمر من عميروش عينت مسؤولا عاما في قسم القل، ثم عضوا في الناحية الثانية،  و بعد ذلك مسؤولا لناحية قالمة، ثم التحقت بقسنطينة سنة 1962، و انضممت رسميا لصفوف حزب جبهة التحرير الوطني.
 أما عن التحضير للمواجهة، فلا أخفيكم أننا لم نفكر في الغد، من التحق بالثورة كان هدفه خدمتها و فقط، البعض كانوا يقولون أن الاستقلال بعيد و طريقه طويل، فكنا نجيبهم، لكنه ثمين وهذا يكفي.
 العمل السياسي كان من نوع السهل الممتنع في تلك الفترة، ولو أن ديغول بعنجهيته جاء أبكر لكانت الأمور أصعب بالنسبة لنا، نظرا لقسوة سياسته، فالحرب، كما يقال، أولها الكلام، و الفرنسيون كانوا قادة كبارا، لكنهم عجزوا عن كسب ثقة الشعب الجزائري، عكسنا نحن، لذلك لم يتقبلوا فكرة أن يواجه طلبة محدودو المستوى، جنرالاتهم بشهاداتهم العسكرية و تكوينهم في علم الاجتماع و علم النفس، و أن يقف شباب في وجه تنظيم المكتب الخامس للأمن و مكتب الشؤون الأهلية، لذلك فقد كانوا يعتبرون رأس السياسي أثمن من رأس العسكري، لأنهم يدركون أن قلة قليلة من الجزائريين فقط، متعلمون و مثقفون، لذلك فإن تعويض السياسيين صعب جدا، مقارنة بحملة السلاح فالشعب كان مستعدا للتجند دائما.
 نحن ركزنا على تقوية عروة الثقة مع الشعب الجزائري، و قد صدقناه دائما، لم نقل يوما أن الاستقلال سهل أو قريب، أذكر أن البعض سألونا في إحدى المرات عن حقيقة امتلاك جيش التحرير لمطار مجهز بجبال باتنة، فكذبنا الإشاعة، رغم أن هدفها كان تقوية الثقة في الجيش و تعزيز الإيمان بقدرتنا على المواجهة.
ـ ماذا عن مصادر التمويل؟ كيف كنتم توفرون المؤونة و السلاح  ؟
ـ الشعب لعب دورا كبيرا في تموين الثورة، اعتمدنا كثيرا على الزكاة و «العشور»، كنا نحصل على نصيب من القمح و الزيتون و حتى الحيوان، كنا ننقل القمح عبر مزغيش و الحروش و كثيرا ما كان يفسد ، فنعاني كثيرا.
 أما السلاح فكان مصدره في البداية تونس، لكن بعد مد خطي موريس و شارل  أصبح التموين شبه مستحيل، فبات الاعتماد منحصرا على سلاح العدو، ربما هذه النقطة هي التي صنعت الخلاف بين مؤيدي الإبكار بإعلان الجهاد المسلح و من كانوا ضد ذلك، لاعتقادهم بأننا لا نتحكم بعد في شق التجهيز، خصوصا التسلح.
الاستعمار استخدم  الإسلام لتضليل الحركى و منهم من خدموا الثورة
لا بد من الإشارة أيضا إلى أن بعض العملاء أو «الحركى»، خدمونا و مونونا بالذخيرة و الأسلحة.
ـ تقصدون أن الحركى كانوا عملاء مزدوجين؟
ـ الثورة كانت عملاقة وخيوطها متشعبة، بعض الحركى كانوا بالفعل عملاء مزدوجين و سربوا الأسلحة و الذخيرة من المستعمرة، بعضهم اغتالوا معمرين و التحقوا لاحقا بالجبال.  أتدرون،  حتى بين الحركى أنفسهم كانت الثقة غائبة، كانوا يخافون من حقيقة ولاء بعضهم لفرنسا.
هذه القضية في حد ذاتها جد معقدة، فبالرغم من أن هناك من خانوا الثورة عن قصد، وجد أيضا البعض ممن أجبرتهم الظروف القاهرة على العمالة، فالفقر كان مدقعا، وهناك من اعتقدوا بأنهم موظفون هدفهم حماية أسرهم و إعالتها، وهناك من ضللتهم فرنسا باسم الدين الإسلامي، فقد كانت تتهم المجاهدين بالكفر كانت تخبرهم بأننا شيوعيون كفار وهم صدّقوا ذلك.
ـ نفهم من كلامكم أيضا أن قرار الانتقال للكفاح المسلح لم يكن يحظى بموافقة كل الأطراف و أن الصراع كان عميقا؟
ـ هو لم يكن صراعا، بل كان اختلافا في وجهات النظر، فئة أرادت أن تطيل الطريق و فئة أرادته اقصر، البعض أرادوا توظيف كل الوسائل الممكنة للحصول على الحكومة، و البعض الأخر كانوا مقتنعين بأن  ما أخذ بقوة السلاح لا يسترد إلا بقوة السلاح، وهنا كانت نقطة الاختلاف فتجهيز الثورة بالسلاح كان صعبا، لأن محيطنا كان محاصرا و ليس كمحيط  فييتنام التي دعمها الاتحاد السوفياتي و الصين.
 لكن عموما كسياسيين وعسكريين كنا مقتنعين بأن المعركة واحدة و شاملة، اذكر أن الشهيد محمد الصالح لمطروش، رآني يوما وأنا اخط وثيقة بدأتها بعبارة جبهة التحرير، فقالي أنت سياسي أو عسكري، قلت له الاثنين معا، أنت تحارب و تقتل لكن من يوفر لك المأكل و الملبس و المرقد.
 عموما في الولاية الثانية الأمور كانت ابسط و الاختلاف طفيف، عكس الولاية الأولى، التي طفا فيها الصراع، خصوصا بعد إلقاء القبض على بن بولعيد، فقد كان أب الثورة في الجزائر وليس في الأوراس فقط، كان مثقفا خدم القضية بماله و نفسه و قد حظي بالإجماع و الهيبة،  لكن بعد سقوطه لم يتمكن شيهاني بشير من الحفاظ على ترابط الصفوف رغم انه كان جيدا، أقول ربما لو أن بن بولعيد لم يسقط لما قتل احد ، ولما انسحب الكثيرون من الولاية الأولى باتجاه الولاية الثانية لتجنب  تبعات الصراع.
 أيضا أعتقد أن جماعة الحكومة المؤقتة آنذاك أعطوا تعليمات بتحويل كل شخص غير مرغوب فيه الى الولاية الثانية، ونحن كنا بحاجة الى الدعم فاحتوينا الكثيرين.
سقوط بن بولعيد أخلط أوراق الثورة و أحداث 20 أوت أنهت الشك
ـ هل  كان لهذا الاختلاف في وجهات النظر كما تصفونه، علاقة بتأخر انطلاق الثورة في بعض المناطق؟
ـ لسببين رئيسيين، أولهما الخيانات، هناك من خانوا الثورة قبل و بعد انطلاقها و معلوماتهم ساهمت في كشف تنظيمات و مصادرة المستعمر للسلاح في الشرق و الغرب، في الفترة بين 1953 حتى 1955،  على غرار ما حدث في تبسة حيث خان المدعو « كوبيس» المجاهدين و كشف عن موقع كمية معتبرة من الأسلحة على الحدود التونسية. أيضا تجدر الإشارة الى أن التنظيم في الولايات لم يكن مثل التنظيم في الدوائر و البلديات، و الاستعدادات النفسية للبشر كانت مختلفة و متباينة، لكن عموما يمكن القول بان الأمور اتضحت أكثر بعد أحداث 20 أوت 1955، التي أزاحت الشك بخصوص قدرتنا على المواصلة، و لما لا الانتصار و غيرت مواقف الكثيرين، بعدما كانت رصاصة نوفمبر قد أزاحت الخوف من المغامرة و مواجهة الظلم.
ـ المنطقتان الأولى و الثالثة عرفتا العديد من الأحداث التي لا تزال محل جدل، خصوصا ما تعلق بحدوث تصفية في صفوف الثوار وقادة الثورة عشية الاستقلال، حدثنا عن القضية؟
ـ الثورة لم يقم بها الملائكة، لقد كانت مغامرة كبرى، غلبت فيها مصلحة الوطن   كل شيء، هناك من استشهد و هناك من عاش وهناك  من طلب الشهادة عشية الاستقلال، قادة الثورة لم تتأت لهم فرصة الاجتماع لأنهم رحلوا تباعا وفي سنوات مختلفة، لكن التنسيق ظل قائما.
 حقيقة المرحلة بين 1956 و 1962 لم تعرف أحداثا تستدعي الخجل، وقد سألني احدهم يوما، هل حقا قمتم بقطع الأنوف في المنطقة الثانية، قلت له لا و إن قطع انف احدهم يوما فلأنه " ماعندوش النيف على البلاد"، شخصيا لم أوافق يوما على آي تصفية أو غير ذلك.
المرحلة بين 56و 62 لم تعرف أحداثا تستدعي الخجل
 ـ كيف كان موقفكم كقادة الجناح السياسي مما عرف « بالتصحيح الثوري»؟
ـ  بالرغم من أننا عايشنا تلك المرحلة  لكن لا نستطيع الحكم عليها، في ذلك الوقت بدا لنا التصحيح خطأ و بن بلة محقا، ولكن بعدما رأينا ما بذله بومدين من جهود تغيرت قناعاتنا نسبيا  فانجازاته شفعت له، فالنهاية كلهم مجاهدون ومخلصون أحبوا الوطن رغم اختلاف وجهات نظرهم،  وهو ما استغله البعض ليصنع منهم أعداء،  مع أنهم كانوا إخوة.
 هذه الخلافات على تباعد أزمنتها لم تجلب لنا سوى الأشواك، و إن بقيت القيادة موحدة منذ الاستقلال لما وصلنا الى وما نحن عليه اليوم.
ـ ماذا عن قضية مجاهدي اللحظات الأخيرة و الانتهازيين الذين تلقفوا الثورة عشية الاستقلال؟
ـ كما يقال مصائب قوم عند قوم فوائد،  الخلافات التي وقعت عشية الاستقلال و مطلعه  بسبب الفتنة التي خلقوها باسم التواجد داخل  الحدود و خارجها، خدمت بالفعل بعضا من الانتهازيين،  لطالما قلت أن الداخل هو من كان مع الثورة  سواء على الحدود آو في فرنسا آو في السجون، أما الخارج فهو من كان ضد الثورة.
التصحيح الثوري كان خطأ تداركه بومدين
هذا الخلاف سمح للبعض بالتسرب و هي كارثة فهنالك من لم يكونوا في المستوى لكنهم أصبحوا ثوارا لاحقا يتحدثون باسم الثورة، في النهاية هنالك أمور يصعب جدا الفصل فيها  فالجهاد اعتقاد و عمل متعدد الاوجه، وحتى في العائلة الواحدة هناك من يعمل و غيره يستفيد، نحن لسنا ملائكة ولا يمكننا التعميم في أي حال من الأحوال.
ـ  حدثنا عن دور الجناح السياسي للثورة، وماذا عن دور الدبلوماسية متى دوّلت القضية الجزائرية و من كان صوتها في الخارج؟
ـ  الجناح السياسي كان عصبا حساسا في الثورة و الاستقلال ما كان ليتأتى بدونه، بوبنيدر بن طوبال  وبن بعطوش و آخرون قدموا للقضية الكثير و خدموها بحنكتهم و ذكائهم، وقضية ملوزة  سنة 1957، خير دليل على ذلك، فالاستعمار حاول تلفيق تهمة ارتكاب المجزرة لجبهة التحرير بحجة تصفية سكان مشاتي غرب المسيلة بسبب موالاتهم لمصالي الحاج وقائد جيشه الجنرال بلونيس، لكن حنكة محمد اليزيد و محمد الأمين دباغين، كشفت المغالطة و المؤامرة، حيث طالبا المستعمر باسم الحكومة المؤقتة بالمشاركة في لجنة تحقيق ترأستها الأمم المتحدة، ما دفع بممثلي فرنسا للانسحاب، ولو كان  المستعمر بريئا لما رفض الطلب.
أما عن تدويل القضية الجزائرية، فقد كان ذلك بعد أحداث 20أوت 1955، لأن فرنسا كانت تقول للعالم قبل ذلك بأن ما يحدث في الجزائر شأن داخلي، لكن المجازر الجماعية التي ارتكبت خلال الأحداث، كسرت هذه الأسطورة، والعمل الذي قام به المجاهدون على جبهة القتال داخليا منح الحجة لممثلي الجزائر في الخارج في فرنسا وتونس و غيرها، للحديث باسم القضية و تعميم مصطلح الثورة التحريرية.
برجنيف عرض على فرحات عباس إعلان الولاء للاتحاد السوفياتي
 الجزائر إبان الحكومة المؤقتة كانت قادرة على الحصول على الدعم الدولي بطرق مختلفة، لكن  كان هناك اتفاق على مبدأ الكفاح من أجل الوطن دون تنازلات،  اخبرني بن طوبال يوما أن بريجنيف اقترح على فرحات عباس رئيس الحكومة المؤقتة سنة 1959،  إعلان الولاء للإتحاد السوفييتي و تبني إيديولوجيته، مقابل دعم سياسي و عسكري، لكن فرحات رفض رغم أن الكثير من الأصوات نادت بضرورة إتباع الخط الاشتراكي قبل الاستقلال، لكن أنا و أسماء أخرى وقفنا ضد المقترح، لأننا كنا متخوفين من الانقسام، كما حدث للفييتنام و لايوس و كوريا.
 حسب ذات المصدر، فان فرحات عباس رد على برجينف يومها، الجزائر لن تكون شيوعية و نحن نمارس الثورة بعيدا عن الايديولوجية، لكننا سنستفتي الشعب بعد الاستقلال و نحدد نهجنا، إما اشتراكي أو رأس مالي، وبالفعل بعد الاستقلال اتفقت الجماعة على أن العدالة في الاشتراكية.

الدبلوماسية الجزائرية عاشت عصرها الذهبي أيام بومدين و بوتفليقة
ـ  هل خدم دوي الاستقلال صورة الجزائر دبلومايسيا بعد 62 و كيف تقيمون واقع الدبلوماسية اليوم من موقعكم كسفير سابق؟
ـ بالفعل عظمة الثورة و انتصارها على قوة عالمية بحجم فرنسا، خدم صورة الجزائر، وقد لعب محمد الصديق بن يحيى  و عبد العزيز بوتفليقة دورا بارزا في تلك المرحلة وكانا من الأرقام الصعبة في الأمم المتحدة، ولا احد ينكر أن الجزائر ذات الاستقلال الفتي دعمت الشعوب وقضايا التحرر، و لبوتفليقة الفضل في المرافعة باسم القضية الفلسطينية و دعم ملف انضمامها الى الأمم المتحدة، وذلك بإيعاز من بومدين، ففي عهدهما عاشت الدبلوماسية الجزائرية عصرها الذهبي.
 و اليوم نحن نسير على نفس النسق و متمسكون بمبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية و مستمرون في دعم قضايا التحرر.
 ـ ما موقفكم من قضية المذكرات التاريخية وهل خدمت صورة الثورة إيجابا أم أثرت عليها سلبا ؟
ـ المذكرات أمر ايجابي، لكن إن التزمت  الدقة و الحياد و المصداقية و البعد عن العاطفة،  أما إن حادت عن ذلك فستصبح كارثة، لأنها ستؤثر على نظرة شباب اليوم للماضي و تحديدا للثورة و تخلق حالة الشك، بعض الجزائريين ربما لم يكتبوها بطريقة محايدة، وكذلك فعل الفرنسيون، ففي النهاية هم أيضا يحبون بلدهم ولن يضروه ولكل خلفياته الخاصة في الكتابة.
جزء هام من الأرشيف السياسي و العسكري للثورة اختفى عشية الاستقلال
اذكر مرة أن علي كافي سألني هل طالعت كتابي، فأجبته نعم لقد بدأته لكنني لم انهيه بعد، فقال  لي وما رأيك فيه، فكان ردي كالتالي « وددت فعلا لو انك أشركت من عايشوا بعض الأحداث التي ذكرتها في العمل، خصوصا و أنهم لا يزالون أحياء، كصوت العرب  و بودربالة و غيرهم»، فنظر إلي ثم تركني و رحل.
بالنسبة لي لا يمكن الفصل فرديا في بعض القضايا، فكافي مثلا فصل في قضية عبان رمضان الذي كان الكثيرون يعتبرونه شهيدا، وهناك من يشاركون كافي راية، لكن بعض الأمور تتطلب الإجماع، و أنا ضد تضييق ما هو واسع، ثم شئنا أم أبينا عبان كان رجل ذي أفق.

ـ هل تعتقدون أن تاريخ الجزائر الثوري كتب بشكل خاطئ؟
ـ ليس بالضرورة، كتابة التاريخ ما كان يجب أن تتوقف أبدا منذ الاستقلال، لان هنالك العديد من المجاهدين و الشهود رحلوا باكرا، وكان بالإمكان الاستفادة منهم في تحقيق الإجماع حول قضايا محل اختلاف و جدل، و التأكد من حقائق و نفي أخرى، مع ذلك هنالك مجاهدون اجتهدوا ووثقوا على غرار عمار ملاح و محمد زروال.
الحكومة المؤقتة أمرت بتحويل غير المرغوب فيهم إلى الولاية الثانية
 المشكلة الآن تكمن في أن جيلا كاملا هو على قيد الزوال، وحتى من بقي منا   هم بصدد الرحيل تباعا، دون أن يستفاد من ذاكرتهم، شخصيا اذكر أنني كلفت عشية الاستقلال بجمع و جرد بعض الوثائق الخاصة بالجناحين السياسي و العسكري للولاية الأولى لتجنب الفتنة، لكننا لم نجد جزءا هاما منها، كثير من الأرشيف ضاع و جزء منه ضُيّع.                
حاورته: نور الهدى طابي

أول من أطلق عبارة مليون ونصف مليون شهيد أياما قبل الاستقلال
أمحمد يزيد الإعلامي والدبلوماسي الذي استطاع بحنكته إسماع صوت الجزائر
يعد المرحوم  المجاهد أمحمد يزيد من قادة الثورة البارزين الذين استطاعوا أن يسمعوا صوت الجزائر في المحافل الدولية ويرغمون دول العالم على الاعتراف باستقلال الجزائر والتنديد بجرائم الاستعمار الفرنسي، بحيث كان المجاهد أمحمد يزيد دبلوماسيا ماهرا وإعلاميا ناجحا، ليترك بصماته في الدبلوماسية الجزائرية وفي قطاع الإعلام سواء خلال ثورة التحرير أو بعد الاستقلال، ورغم كبر سنه في السنوات الأخيرة قبل وفاته سنة 2003 إلا أنه بقي يتردد على دار الصحافة بالجزائر العاصمة ليجالس الصحفيين ويمدهم من خبرته الطويلة في هذا الميدان، كما حول المرحوم منزله إلى دار لحرية الصحافة بهدف مساعدة الصحفيين الجزائريين الشباب على التمكن من أبجديات المهنة والدفاع عن مصالحهم في إطار أخلاقيات المهنة.
ويذكر في هذا السياق الإعلامي والأستاذ الجامعي عبد الكريم تفرقنيت الذي ألقى  محاضرة مؤخرا حول حياة وخصال هذا الرجل الكبير في ملتقى حول الإعلام الثوري بجامعة البليدة02 بأن المرحوم المجاهد أمحمد يزيد هو من أطلق عبارة مليون ونصف مليون شهيد في مؤتمر صحفي أيام قبل الاستقلال، ثم رددها بعده الرئيس الراحل أحمد بن بلة في عدة خطابات، لتتحول هذه العبارة إلى أحد رموز الثورة الجزائرية.
ويذكر الأستاذ تفرقنيت بأن المجاهد أمحمد يزيد كانت له بصمات واضحة في الدبلوماسية الجزائرية وقطاع الإعلام خاصة، سواء خلال ثورة التحرير أو بعد الاستقلال، بحيث كان أول وزير للإعلام بعد الاستقلال، ومن مؤسسي وكالة الأبناء الجزائرية بتونس سنة 1961، واستقبل أول برقية لهذه الوكالة.
وعن الحياة الحافلة للمجاهد أمحمد يزيد خلال الثورة، يشير الأستاذ تفرقنيت إلى أن التحاقه بالحركة الوطنية كان في سنة 1942 وهو طالب، حيث انضم لحزب الشعب ليصبح بعدها أمينا عاما لجمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا سنتي1946و1947، ثم مسؤولا عن الفرع الجامعي لحزب الشعب الجزائري، ليتم توقيفه في شهر مارس 1948بمطار الجزائر من طرف السلطات الفرنسية، وحكم عليه بالسجن سنتين بتهمة حيازة مناشير ووثائق مشبوهة، وبعد خروجه من السجن عاد إلى فرنسا وشغل ممثلا لحركة الانتصار للحريات الديمقراطية.
أما خلال ثورة التحرير كان المرحوم المجاهد أمحمد يزيد عضوا في اللجنة الخارجية لجبهة التحرير الوطني، ومثل الجزائر رفقة المرحوم حسين آيت أحمد في مؤتمر باندونغ عام 1955، وهو المؤتمر الذي حضرته 29دولة افريقية وآسيوية، وانبثقت عنه بعد ذلك حركة عدم الانحياز.
ويشير في هذا الإطار الأستاذ تفرقنيت إلى المؤرخ عمار بلخوجة الذي تحدث عن قيام المجاهد أمحمد يزيد بإغراء المسؤول المكلف بتعريف الوفود في مؤتمر باندونغ عام 1955بأن يردد اسم الجزائر كل نصف ساعة واستدعاء وفدها، حتى يسمع صوت الجزائر في هذا المؤتمر ويرسخ في أذهان الحضور اسم هذا البلد المحتل من طرف الاستعمار الفرنسي.
 وأمام هذه الحنكة الكبيرة التي كان يتمتع بها أمحمد يزيد عين ممثلا لجبهة التحرير الوطني في الولايات المتحدة الأمريكية حتى نيل الاستقلال، وخلال تواجده بأمريكا تعرف على زوجته الأمريكية» أوليف» خلال تردده على مقر الأمم المتحدة بينويورك، وكانت زوجته صحفية أجرت معه عدة حوارات قبل أن تتطور العلاقة ما بين الصحفية والسياسي إلى علاقة حب انتهت بالزواج.
كما  يحمل أمحمد يزيد في رصيده الدبلوماسي خلال ثورة التحرير مشاركته بفعالية في الدورات 10،11و12للأمم المتحدة التي سجلت القضية الجزائرية وأدرجتها في جدول أعمالها، ويذكر الأستاذ تفرقنيت بأن مساهمة زوجة المجاهد أمحمد يزيد كانت واضحة في إدراج القضية الجزائرية من خلال علاقتها مع السياسيين الأمريكيين وخاصة في الكونغرس.
كما كان المرحوم المجاهد أمحمد يزيد عضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية أثناء تأسيسه في سنة 1956، كما عين وزيرا للأخبار في الحكومة المؤقتة وناطقا رسميا لها من سنة 1958إلى 1962، وفي نفس الوقت كان أمحمد يزيد عضوا مشاركا في مفاوضات أيفيان بين الوفدين الجزائري والفرنسي.
أما بعد الاستقلال فقد تقلد المرحوم أمحمد يزيد عدة مناصب دبلوماسية وإعلامية وسياسية منها سفير للجزائر في بيروت في السبعينيات، ومدير مكتب الإعلام لجامعة الدول العربية في باريس سنة 1981، وغيرها من المناصب الأخرى
 من جانب آخر يذكر الإعلامي والأستاذ الجامعي عبد الكريم تفرقنيت بأن المرحوم  المجاهد أمحمد يزيد بقي يتردد على درا الصحافة بالجزائري العاصمة في آخر حياته، ولم يمنعه كبر سنه على ذلك ليتناقش مع الصحفيين حول قضايا تتعلق بتطور الأوضاع  الإعلامية والسياسية في الجزائر، إلى أن وافته المنية  سنة2003 ، عن عمر يناهز 97 سنة، وذلك عشية استعداد الجزائر للاحتفال بالذكرى 49 لاندلاع ثورة التحرير.
نورالدين-ع

رشحته جمعية العلماء لبعثة إلى سوريا رفقة زهور ونيسي و رابح منتصر
 خليفــة قـريشــي شهيــد أعدمتــه فرنســـا و لا يـزال حيـــا في سجـلات الحالــة المدنيـــة
كشف سجل الوفيات لشهر أوت و بقية أشهر سنة 1955 ببلدية عين عبيد ولاية قسنطينة، أن الطالب بجامع الزيتونة في تونس خليفة قريشي، صاحب 17 ربيعا، الذي رشحته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، بعد أن تحصل على شهادة “العالمية” التي تعادل البكالوريا ، للذهاب إلى سوريا، بمعية كل من الكاتبة و الوزيرة السابقة  زهور ونيسي والمحامي رابح منتصر، لم يتم إسقاطه في سجل الوفيات، و لا يزال حيا في وثائق الحالة المدنية ، على الرغم من إعدامه أمام بيت عائلته بعين عبيد، خلال موجة الإعدامات التي نفذتها فرنسا عشوائيا ، كردّ فعل منها على هجومات 20 أوت 1955 في الشمال القسنطيني.
صورة الشهيد خليفة قريشي، معروفة و كان يعرضها التلفزيون الجزائري و مختلف القنوات الخاصة ، في التواريخ المرتبطة بمختلف أحداث الثورة المجيدة، و تجسد مشهد عسكري يطلق رصاصة واحدة على شاب أعزل كان يرتدي الزي التونسي التقليدي، المتكون من الطربوش و القميص والسروال القصيرين وحذاء الجلد الفيلالي، وهو الزي الذي طالما تساءل الكثيرون و هم يشاهدون اللقطة المناسباتية، حول حقيقته لأنه لا يمت بصلة للملابس التي كان يرتديها سكان المنطقة، و قد فك اللغز مؤخرا أخ الشهيد قدور، و هو مدير متقاعد من سلك التربية، في لقائه بالنصر.
 أوضح الأستاذ قدور قريشي بأن الصورة المتداولة تم التقاطها أمام بيت العائلة و الشهيد هو شقيقه خليفة الذي كان يبلغ 17 عاما آنذاك، و كان حائزا على شهادة “العالمية” من جامع الزيتونة، التي تعادل البكالوريا حاليا، و كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قد رشحته للسفر إلى سوريا و الاستفادة من منحة دراسية لتك السنة، بمعية الكاتبة والوزيرة السابقة زهور ونيسي و المحامي رابح منتصر، و كان الشهيد في تلك الفترة قد قدم من تونس لقضاء العطلة المدرسية الصيفية في مسقط رأسه مع أهله.
وعن ظروف استشهاده، قال محدثنا أن جميع أفراد عائلته كانوا آنذاك خارج عين عبيد في دوار المراشدة، حيث تملك العائلة أراض زراعية شاسعة، لأن موسم الحصاد و الدرس في أوجه، و بقي خليل مع جدته في عين عبيد ليقضي أيام عطلته الصيفية، على أمل العودة إلى تونس و منها إلى سوريا، بعد أن رشحته جمعية العلماء المسلمين لإكمال دراسته فيها بعد حيازته على شهادة العالمية.
فوجئ الشاب بجنود الاحتلال يطرقون باب البيت الذي لم يكن فيه رجال غيره، فأخرجوه إلى الشارع وأطلقوا عليه رصاصة واحدة أمــــــام عيني جدته، فأردته قتيلا، و عندما غادر القتلة المكان المتواجد حاليا أمام ثانوية الأستاذ عبد الحميد مهري، سحبته جدته إلى مدخل البيت و لم تر عليه أي أثر للدم، كما أكد أخوه، و بعد مدة من الزمن قدم أشخاص كانت مهمتهم  دفن الموتى فأخذوه وتم دفنه في مقبرة جماعية، فلم يعرف له قبـــــــر.
النصر حاولت رفقة أحد أفراد عائلته و هو نائب في المجلس الشعبي الحالي، البحث عن شهادة وفاة الشهيد خليفة قريشي، فاتضح بأنه لم يتم إسقاطه من سجل الميلاد، حيث تحمل شهادة ميلاده رقم 00200 ، و لا في سجل  الوفيات لسنة 1955 التي أعدم فيها، و قد شهدت عين عبيد سبعة أيام من جرائم القتل على يد الجيش الفرنسي من 20 إلى 27 أوت 1955 ، و قد تزامنت هذه الفترة هجومات الشمال القسنطيني بقيادة العقيد زيغود يوسف و قادها في عين عبيد المجاهد أحمد بورنان، وهذا يعني أن الشهيد لا يزال حيا رسميا في وثائق و دفاتر الحالة المدنية.
و بقيت صورة الشهيد تعرض لسنوات طويلة على شاشات التلفاز في مختلف المناسبات التي تخلد ذكرى كفاح الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، و بهذا الخصوص قال لنا شقيقه قدور، بأن أفراد عائلته تعرفوا  على ابنهم خليفة بمجرد مشاهدة تلك الصورة مع انتشار التلفاز في المنطقة، و احتسبوه عند الله شهيدا فداء للوطن، مشيرا إلى أن العائلة لم تتح لها فرصة للكشف عن حقيقة الصورة التي جابت العالم ضمن خمسة مشاهد صورها المراسل الصحفي جورج شاسان يوم 22 أوت 1955، عندما كان في مهمة رسمية في منطقة الجيش الفرنسي للوقوف على فظاعة جرائم الثوار،  فصوّر بشاعة الاستعمار.
هذه الصور يعتبرها الكثير من المؤرخين سببا في توقيع شهادة ميلاد الثورة في الخارج،  و أيضا سببا في جدولة القضية الجزائرية في هيئة الأمم المتحدة، جراء ما أحدثته من جدل في العالم الجديد، أمريكا، بعد عرضها في قاعات السينما ، قبل الانتشار الواسع للتلفاز، رفقة صورة رجل من البدو الرحل أعدم أمام خيمة، وهو رافع يديه، وكانت النصر قد عرّفت به سابقا.
والجدير بالذكر أن حالة خليفة قريشي، المولود في 18 جانفي 1937، تؤكد وجود أعداد أخرى لم تسجل في مصالح الحالة المدنية ضمن دفاتر الوفيات، و هذا ما يستدعي إعادة النظر في عدد شهداء 20 أوت  1955 المقدر حاليا ب742 شهيدا ، و قد أكد لنا ابن أخ الشهيد بأن عائلته لم تطالب يوما بتسجيله كشهيد، ولم تفكر في استغلال دمه ماديا، واحتسبته عند الله شهيدا.                                  
ص/ رضوان

 

الرجوع إلى الأعلى