جزائريات يحتفلن مع نازحات من دول الساحل

هيمن أول أمس الجنس اللطيف على القافلة التضامنية التي وجهت للنساء النازحات من دول الساحل بمناسبة عيد المرأة، وكانت السيدة سامية لبيض منتخبة بالمجلس الشعبي الولائي وناشطة جمعوية معروفة بوهران، على رأس الفريق النسوي المكون من رئيسات جمعيات ومتطوعات الهلال الأحمر، اللائي حملن الورود وقدمنها لنظيراتهن الإفريقيات النازحات، عندما زارتهن القافلة في عدة نقاط من مدينة الباهية. كانت الورود بسيطة ، لكن المعاني عميقة تعكس كفاح المرأة الإفريقية بكل الطرق وعلى جميع المستويات، من أجل ضمان الاستمرارية لمجتمعها.
كانت الساعة العاشرة صباحا عندما أقلعت القافلة التضامنية مع النساء الإفريقيات النازحات بوهران، من أمام مقر الهلال الأحمر الجزائري الذي شارك مديره وعشرات المتطوعين منه، إلى جانب مدير النشاط الاجتماعي بالولاية، وعدد من الجمعيات ومنتخبين من المجلس الولائي، في توزيع أغطية ومواد غذائية و ألعاب على هؤلاء النسوة المتواجدات في مختلف أرجاء المدينة للتسول في ظروف قاسية، ودامت العملية التي حضرتها النصر أكثر من 4 ساعات.
مطالب «الزاورة» و «القفة» طغت على معاني «عيد المرأة»
بتنظيم محكم وبمشاركة الجميع، جرت عمليات توزيع المساعدات على النساء النازحات، رغم هذا لم يكن الأمر سهلا، لأنهن بمجرد رؤية القافلة هربن جماعيا ، نحو وجهات متفرقة، خوفا من توقيفهن وتحويلهن  لبلدانهن، ولكن اعتماد المنظمين على المختصين النفسانيين، التابعين لهيئة المساعدة الطبية و الاجتماعية «صامو» للتحضير النفسي لهؤلاء النسوة ، سهل كثيرا من الأمور لأنهم متعودون على التعامل مع الرعايا الأفارقة.
مباشرة بعد جمع هؤلاء النسوة و البنات تبدأ العملية بإهدائهن الورود ثم توزع المساعدات، وهنا لاحظنا تهافت هؤلاء النازحات على «الزاورة» ، أي الغطاء أو البطانية، و يبدو أن بعضهن تحصلن على أكثر من واحدة،  وهذا ما يعكس حاجتهن للأغطية أكثر من حاجتهن للملابس التي تستفدن منها تقريبا يوميا من المواطنين المتبرعين، لأنهن يحتجنها لأطفالهن ، وكانت كل النسوة تتقن نطق كلمة «الزاورة» ،رغم أنها لا تعرف بهذا الاسم في الغرب الجزائري ، و يبدو أنهن جلبنه معهن من ولايات أخرى، ممرن بها قبل الوصول إلى وهران.
كما جاء مطلب القفة في المرتبة الثانية، بالنسبة إليهن، لحاجتهن لتحضير وجبات خاصة بهن في البيوت التي يلجأن إليها ليلا، لأنهن في النهار يتحصلن على الأطعمة من مصادر مختلفة، وما لفت إنتباهنا صنفين من هؤلاء النسوة، صنف فرح  كثيرا بتلك المساعدات، لدرجة إطلاق «زغاريد» بطريقتهن الخاصة، وصنف من النسوة كادت الدموع تنهمر من أعينهن لشوقهن لبلدانهن، هذا ما فهمناه أثناء محاولة حديثنا معهن من خلال الترجمة التي كان أولادهن يقومون بها ، كونهم تعلموا جيدا اللهجة الوهرانية.
و استنتجنا أن «عيد المرأة» مفهوم جديد تعيشه لأول مرة النازحات بالجزائر و  يكاد ينعدم، أمام الحاجات الأساسية وهي الأكل والغطاء والبحث عن الأمن والأمان.
المستودعات المستأجرة أكثر حماية من القصدير
جولة القافلة شملت تقريبا كل النقاط التي تتجمع فيها العائلات النازحة عبر إقليم المدينة، وجرت العملية في ظروف جيدة، و غادرت المستفيدات من المساعدات في المساء تلك الأماكن، باتجاه أكواخ  قصديرية، أصبحت تشكل أحياء كبيرة في ضواحي وهران، يتجمع الأفارقة داخلها في ظروف أكثر من مزرية.
لم تتمكن القافلة التي رافقناها من زيارة النازحين هناك، ولكن يبدو أن مساعدات أخرى حملتها لهم قافلة أخرى، بينما فضل منظمو القافلة الرسمية زيارة عدد من العائلات الإفريقية التي تستأجر غرفة لدى إحدى السيدات بمنطقة العين البيضاء.
استقبلتنا هناك نساء رفقة أولادهن وأزواجهن بفرحة كبيرة، و هن أيضا تعودن على الخروج للشارع صباحا، و التموقع في مكان ما للتسول، ثم العودة لذلك المنزل للمبيت، على الأقل في ظروف يمكن اعتبارها أحسن من القصدير.
الجميع يتقاسمون غرفة واحدة كبيرة  منذ 5 سنوات، حسب صاحبة البيت، التي قالت أنها تعودت عليهم، خاصة الأطفال وأن الأجرة التي يدفعونها تساعدها على علاج ابنها المعاق وتوفير الدواء له.
علما بأنه في منطقة العين البيضاء يوجد العديد من النازحين، خاصة العائلات،  يستأجرون مستودعات المنازل، لاتخاذها بيوتا لهم عوض السكنات القصديرية التي تنتشر فيها الاعتداءات، حتى من طرف أبناء وطنهم.
حياة أعادت «الحياة» لشاب كاميروني
خلال مرافقتنا للقافلة التضامنية، سمعنا قصصا كثيرة من المتطوعين في الهلال الأحمر الجزائري، عن الأعمال الخيرية التي يقدمونها للنازحين، لدرجة أن بعضهم تعود عليهم، و كذا مرافقتهم لهم في قوافل الترحيل نحو بلدانهم، خاصة النيجر. و عندما تنتهي مهمتهم بعد وصول أفواج المرحلين إلى بلدانهم، يجدونهم بعد أيام في وهران، هي قصص أخرجت إحدى المتطوعات الناشطات أيضا في الحركة الجمعوية عن صمتها، لتروي لنا قصتها المؤثرة.
حياة أم طفلين من طليقها، وتنحدر من عائلة وهرانية مرموقة، أحبت رعية إفريقية ينحدر من الكاميرون و هم مسلم ومتحصل على شهادة ليسانس في الحقوق وشهادة كفاءة في الإلكترونيات، حسب المتحدثة، رمت به الظروف الصعبة والنزاعات، للنزوح إلى الجزائر، وبالضبط إلى وهران، أين كان يحترف طلاء البيوت.
 ذات يوم استدعته والدة حياة ليقوم بدهن بيتها، ومن هنا بدأت قصته الغرامية بعد تكفل العائلة به و احتضانها له إلى غاية أن تزوج حياة، وأصبح أبا لابنيها، وتعلق الجميع به لمدة أربع سنوات استعاد خلالها  معنى الحياة العادية، لكن، وفق صاحبة القصة،  فإن «عمر الكاميروني» غادر وهران منذ أشهر، حيث نزح للحدود المغربية ، ومنها إلى إسبانيا.
أكدت حياة أن عمر كان يريد أن يستقر في الجزائر وأن يعمل، وفق مؤهلاته العلمية، لكن الظروف لم تساعده على ذلك، لهذا توجه إلى أوروبا لتحقيق هذا الحلم، و تضيف محدثتنا أنها لم تنفصل عنه، بل هي الآن تنتظر ما سيسطره القدر لعلاقتها به مستقبلا. بن ودان خيرة

أشاد بدور المرأة في مختلف المجالات


والي قسنطينة يكرّم نساء في عيدهن
كرّم أول أمس والي ولاية قسنطينة بدار الثقافة مالك حداد،  مجموعة من النساء الفاعلات في مختلف المجالات الأمنية و العسكرية و المدنية، و كذا مجاهدات، كما منح إعانات مادية لخمسة نواد رياضية، و دشن معرضا للتراث تتواصل فعالياته إلى غاية 12 مارس الجاري.
والي قسنطينة عبد السميع سعيدون، أشاد في الكلمة التي ألقاها بالمناسبة، بدور المرأة  المهم في الحياة السياسية و مختلف القطاعات الاقتصادية و الثقافية و الأمنية، و كذا بالنجاحات التي حققتها، و اقتحامها قطاعات كانت حكرا على الرجل، كما نوه بالمكانة المرموقة التي توليها الدولة الجزائرية للمرأة، و فسح المجال لها للمشاركة الفعالة في بناء الجزائر، و الإسهام في مسارات التنمية.     
كما أشرف الوالي رفقة السلطات المحلية ، على تكريم 36 امرأة من مختلف القطاعات الأمنية و العسكرية و المدنية،  و كذا مجاهدات و إطارات في الرياضة ، أبرزهن المعمرة القسنطينية محبوبة وناسة، البالغة من العمر 102 سنة،  و البطلة العالمية من ذوي الاحتياجات الخاصة إسمهان بوجعدار، و مديرة إذاعة قسنطينة الجهوية آمنة تباني،  كما كرم خمسة  نواد رياضية نسوية هي النادي الرياضي للبنات، الجمعية الرياضية للبنات، الشباب الرياضي ديدوش مراد، أولمبي الشباب و الرياضة قسنطينة و  فتيات صخر قسنطينة»،  و قدم لها إعانات مالية.
الاحتفال تميز بتنظيم عرض للأزياء،  تم خلاله إبراز الألبسة التقليدية التي تزخر بها بلادنا، مثل الأزياء القسنطينية و الصحراوية ، ليتم عقبها تقديم لوحة غنائية قسنطينية قدمها الفنان القسنطيني خالد وليد رفقة فرقته الاستعراضية، فيما قدمت عروض للخيالة و نصبت خيم تبرز عادات و تقاليد ولايات الجنوب، بفناء دار الثقافة مالك حداد.
الجدير بالذكر أنه و قبل انطلاق فعاليات الحفل ،  دشن الوالي ببهو دار الثقافة مالك حداد ، معرضا وطنيا للألبسة و الحلويات و الأطباق التقليدية و الحلي و المفروشات و التحف الفنية و الأواني النحاسية،  تحت شعار « الحرفة مستقبل الشباب»، و تجول الوالي و الوفد المرافق له بين أجنحة المعرض المنظم من قبل جمعية رائدة الصخر العتيق و مؤسسات التكوين المهني، و الذي شارك فيه 33 عارضا من قسنطينة و 17 آخرين من مختلف ولايات الوطن و كذا من تونس، سوريا و فلسطين، و سيتواصل  المعرض إلى غاية 12 مارس الجاري.                أسماء بوقرن

بسبب نقص أماكن الترفيه


إنزال غير مسبوق بالمراكز التجارية بمدينة علي منجلي  احتفالا بعيد المرأة
شهدت المحلات و المراكز التجارية بقسنطينة، خاصة بالمدينة الجديدة علي منجلي، توافدا قياسيا، أول أمس  بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، أين كان الإقبال مكثفا من النساء من كافة الأعمار للاحتفال بعيدهن،
و كان الضغط غير مسبوق على بعض الأماكن، ما يعكس  العجز الكبير في مرافق الترفيه و التسوق على مستوى الولاية.
لم يكن اليوم عاديا ، فالمناسبة كانت احتفالية، و معظم النساء سواء العاملات أو الماكثات بالبيوت، فضلن الخروج للاحتفال في المطاعم و المراكز التجارية، عبر مختلف الأماكن بولاية قسنطينة، حيث أن معظم الطرق و الشوارع ازدحمت بالمارة و السيارات منذ الصباح، كما أن اختناقا مروريا امتد طوال اليوم، فضلا عن أزمة نقل عبر سيارات الأجرة عبر جميع الخطوط.
و امتدت طوابير النساء اللائي  انتظرن لساعات أمام المراكز الثقافية من أجل حضور الحفلات و التظاهرات، التي نظمت خصيصا بهذه المناسبة، على غرار ما حدث بقصري الثقافة محمد العيد آل خليفة و مالك حداد، و قاعة العروض أحمد باي، و نفس المشهد تكرر على أبواب المطاعم و محلات الأكل السريع و صالونات الشاي، لكن ما شد الانتباه أكثر ، هو الإقبال غير المسبوق على المراكز التجارية بالمدينة الجديدة علي منجلي، و بالأخص «الرتاج مول»، الذي امتلأت جميع المساحات داخله، و اصطفت النسوة بأعداد كبيرة خارجه، في انتظار خروج أخريات، حتى يتسع المكان في الداخل لهن، حيث بدا الأمر أشبه باعتصام ضخم، و ذلك رغم شساعة مساحة المول، الذي لم تتسع حظيرته للأعداد الهائلة من سيارات الزائرين، الذين قدموا من مختلف مناطق قسنطينة، و حتى من بعض الولايات و المدن المجاورة.
هذا الإقبال الكبير على مثل هذه الأماكن، يؤكد أن ولاية قسنطينة، تفتقد بشكل واضح، لأماكن الترفيه و المراكز التجارية ، و حتى للمطاعم و قاعات الحفلات، التي يمكنها احتضان مثل هذه المناسبات، ما يفسر الضغط الكبير، على ما توفر منها، و بالتالي فإن قسنطينة، تبقى مكانا خصبا لاستقطاب مشاريع من هذا النوع.
 للإشارة فإن عدة مشاريع لمراكز تجارية تقام حاليا بأماكن مختلفة من قسنطينة، معظمها بالمدينة الجديدة علي منجلي، حيث كان الوالي السابق حسين واضح، قد صرح للنصر سنة 2016، أنه تم الموافقة على إنشاء حوالي 15 مشروعا لمراكز تجارية، غير أنها لم تتجسد على أرض الواقع إلى غاية اليوم.  عبد الرزاق.م

الحاجة ميمي بن شرطيوة


أرملة مكافحة طوّعت الأرض لإعالة تسعة يتامى
 تصنف الحاجة ميمي بن شرطيوة ، 78 عاما ، في خانة النساء المكافحات اللائي طالما رفضن أن تقهرهن الظروف، مهما كانت قاهرة، حتى و إن تعلق الأمر بالفقر و العوز و فقدان رفيق العمر و العيش في قرية نائية ببلدية بن زياد بولاية قسنطينة ، مع تسعة يتامى صغار.. لقد استجمعت قواها و انهمكت في العمل و المثابرة في قطاع صعب و هو تربية المواشي و الفلاحة من أجل إعالة يتامى صغار، فأدت دور الأم و الأب معا على مدار أكثر من ثلاثة عقود من الزمن.
ها هي الحاجة ميمي اليوم، بعد أن كبر أبناؤها و أسس ثمانية منهم أسرا
و أنجبوا 29 ابنا، لا تزال  تواصل العمل في الأرض و استغلال خيراتها و وسعت من مزرعتها و نشاطاتها، متحدية التقدم في العمر و الإرهاق، من أجل جني المزيد من ثمار كفاحها الطويل.
النصر تنقلت إلى مزرعة الحاجة ميمي بن شرطيوة، الكائنة بقرية باب طروش، التابعة لبلدية ابن زياد في ولاية قسنطينة، و التي تحتل موقعا استراتيجيا هاما ، حيث أنها تقع على الحدود مع ولاية ميلة.
تقع مزرعة الحاجة ميمي فوق هضبة مرتفعة، تشد الأنظار بخضرتها و أشجارها المثمرة، في حين لا يختلف النمط العمراني لمنزلها البسيط الذي يقع وسط المزرعة عن بقية المنازل التي تقع أسفل الهضبة، و يبدو الإسطبل المبني بالحجارة و القصب، على الطريقة التقليدية، و كأنه بني قبل المنزل بعشريات طويلة.    
أعشق الأرض و وفاة زوجي دفعتني لخدمتها
سلكنا ممرا ضيقا وسط الأعشاب الخضراء و أزهار الربيع الجميلة، للوصول  إلى المزرعة، و وجدنا الحاجة في انتظارنا، بابتسامتها الواسعة التي تريح النفوس و تنشرح لها الصدور، واقفة ، وقفة امرأة مكافحة قوية ، تخفي وراء ابتسامتها و تجاعيد وجهها الجميل، الكثير من القصص.  استقبلتنا بحفاوة عند مدخل بيتها الذي يعكس صورتها، فهو جميل و نظيف و بسيط تحيط به الأشجار و بعض قطع الآثار الرومانية التي عثرت عليها خلال عملها في مزرعتها.
دعتنا الحاجة إلى  جولة في مزرعتها التي تحيط بمنزلها، و التي غرست بها القمح على مساحة تبلغ نحو 16 هكتارا، و حدثتنا عن خدمتها للأرض و تربيتها للأبقار و النعاج ، قائلة بأنها نشأت في أسرة فلاحية بقرية باب طروش ، و في مرحلة الاستعمار الفرنسي انتقلت مع عائلتها للعيش بميلة، ثم بوسط مدينة قسنطينة، مشيرة إلى أن والدها سقط شهيدا في ميدان الشرف، إلى جانب 7 من أفراد عائلتها و هم شقيقها و أعمامها.
أحلب 12 بقرة بمفردي و أجني 60 لترا من الحليب
 أضافت الحاجة  بأنها و بعد زواجها أصبحت تساعد زوجها في تربية الأبقار و النعاج، لكن الموت خطفه فجأة، و هي في سن الأربعين و ذلك يوم 13 أوت 1985 ، و كانت  الصدمة عنيفة بالنسبة إليها ، حيث  ترك لها  9 أبناء، 7 منهم إناث، أعمارهم آنذاك كانت تتراوح بين عامين و 17 سنة، منهم من التحق بالمدرسة،  لتجد نفسها مجبرة على الخروج للعمل و مواصلة ما كان يقوم به رفيق دربها ، موضحة بأن زوجها كان قد استفاد من الأرض المجاورة لبيتها، غير أن المنية خطفته قبل أن يقوم بإصلاحها و غرسها، لتقرر أن تلبس لباس الرجل و تتحلى بقوته و صلابته لجلب لقمة العيش لفلذات أكبادها، حيث أصبحت تتكفل بمفردها بتربية عشرات الأبقار و النعاج ، و عانت و تعبت كثيرا ، خاصة و أن الإمكانيات لم تكن متوفرة ، مشيرة إلى أنها توقفت منذ سنة عن تربيتها لأن وضعها الصحي لم يعد يسمح بذلك.

لدي 29 حفيدا أكبرهم في الثلاثين من عمره
و واصلت حديثها « لم أكن أعرف ماذا يعني النوم،  كنت أتكفل بأشغال البيت و رعاية أبنائي بمفردي، و أستيقظ يوميا على الساعة الثانية صباحا، لحلب أكثر من 12 بقرة لوحدي، و أضع الحليب في براميل صغيرة و أبيعها لمجمعي الحليب «، مشيرة إلى أنها كانت تحلب يوميا أكثر من 60 لترا بيدها،  بعد ذلك كانت تذهب لتفقد أرضها و سقيها  و تقليم الأشجار ، ثم تعود إلى المنزل لإعداد الفطور لأبنائها و تحضيرهم للذهاب للمدرسة ، التي تقع على بعد أكثر من 6 كيلومترات عن البيت ، مشيرة إلى أن قلبها كان يكاد ينفطر من شدة الخوف من تعرضهم لمكروه ، لأن المنطقة منعزلة ، غير أنها كانت تحاول التحلي بالشجاعة لمواجهة كل الصعاب.
عانيت كثيرا في العشرية السوداء و لم أترك أرضي التي أعشقها
الحاجة ميمي التي تمكنت من تحقيق حلمها بالذهاب إلى الحج منذ حوالي 14 سنة  و كذا أداء مناسك العمرة في العام الماضي، ذكرت للنصر بتأثر شديد بأنها عاشت فترة عصيبة خلال العشرية السوداء، أين كان الأمن و الاستقرار منعدمين بالمنطقة، لكنها تصدت لكل من أراد بها و بأولادها سوءا ، و فقدت بعض من ممتلكاتها ، و فضلت عدم التحدث بالتفصيل عما عاشته آنذاك ، و اكتفت بذكر أنها  رقدت في المستشفى لأكثر من عشرة أيام، بسبب ما تعرضت له ، كما أنها كادت أن تفقد أحد أبنائها.
إنها امرأة قوية صمدت أمام  قسوة الطبيعة و قسوة بعض البشر من أجل توفير  قوت أولادها ، لتجني في الختام ثمار  تضحياتها، فقد زرعت عشرات الهكتارات من القمح ، و ربت أبناءها أحسن تربية لتوصلهم إلى ما كانوا يطمحون إليه ، و تحصل اثنان من أبنائها على شهادة ليسانس ، بالرغم من بعد المسافة بين المزرعة و المؤسسات التعليمية.
أطعمت أبنائي من منتجات مزرعتي    
أضافت بأن يومياتها كانت منقسمة بين عدة مهام ، و كانت تنتقل مشيا على الأقدام لاقتناء احتياجاتها ، و لم يكن الأمر هينا، حسبها، فقد كانت تذهب بنفسها لشراء قارورات الغاز و تحملها على ظهرها، في فصل الشتاء، و كانت تحارب من أجل أن يعيش أولادها عيشا كريما ، مضيفة بأنها كانت و لا تزال تزرع مختلف أنواع الخضر و الفواكه ، في قطعة أرض تطلق عليها  «البحيرة»  ، و تحيطها بأشجار الفواكه، مؤكدة بأنها تطعم أبنائها من محصولها الزراعي ، و تطبخ أطباقها من مزروعاتها ، مشيرة إلى أنها زرعت في العام الماضي الحمص  و نجحت في ذلك ، و تمكنت أخيرا من اقتناء مختلف الوسائل التي تحتاجها لخدمة الأرض.
الابن رشيد
والدتي تعشق الفلاحة
ابن الحاجة ميمي رشيد، مدرس  في الطور الابتدائي يبلغ 52 سنة من عمره،  فضل البقاء بجوار والدته ، أثناء زيارتنا لها، و أكد لنا بأنها عانت كثيرا من أجل تربيتهم و رعايتهم  و العمل من أجل سد احتياجاتهم و تدريسهم ، مؤكدا بأنها امرأة طيبة و حنونة في ثوب رجل،  لتواجه قسوة الظروف ، فوالده توفي و تركه هو و إخوته  صغارا لا يقوى أحدهم على العمل.
و أشار إلى أنه تحصل  على شهادة البكالوريا في العام الذي توفي فيه والده،  و كان طموحه دراسة الطب ليسعد والدته، لكنه كان يصل على الساعة الثامنة ليلا لبعد المسافة الفاصلة بين الجامعة و المنزل ، ليجد أمه جالسة في الخارج تنتظره رغم خطورة الوضع آنذاك في قريتهم النائية، بالإضافة لانعدام الإنارة العمومية في الخارج، فاضطر للتوقف عن دراسة الطب، و بعد عامين درس الاقتصاد، لكنه اضطر أيضا لعدم متابعة دراسته الجامعية لنفس الظروف.
و أضاف رشيد بأنه فضل التدريس بالابتدائية المجاورة لبيته، رافضا كل عروض العمل المغرية التي قدمت له، ليظل إلى جانب والدته الذي ضحت بكل ما لديها لتربيته هو و إخوته،  كما أنه يساعدها  في خدمة الأرض و التكفل بالوثائق الإدارية.
الابنة الصغرى صباح
والدتي خاطرت بنفسها لتربينا و لم تشعرنا باليتم
صباح البنت الصغرى للحاجة ميمي ، تبلغ من العمر 35 سنة و أم لأربعة أولاد،  قالت لنا بأن والدها توفي عندما كانت في الثانية من عمرها، لكن حنان و عطف والدتها و حرصها على توفير كل متطلباتها هي و إخوتها لم يجعلها تشعر باليتم، مؤكدة « ليس من السهل أن تربي أرملة 9 أبناء في منطقة نائية لوحدها».
 في حين قالت أختها رتيبة التي تزال تقيم  مع والدتها بعد زواج أخواتها ، بأنها تخطت كل الصعاب من أجل تحقيق حلم والدتها التي شجعتها على دراسة الإعلام الآلي، و هي تعمل حاليا كمسؤولة بالنيابة عن مصلحة الموارد البشرية بمزرعة نموذجية بابن زياد.
أسمــاء بـوقــرن/تصوير الشريف قليب

الرجوع إلى الأعلى