دخلت النتائج المدرسية والمتطلبات المادية والوسائط  التكنولوجية ، قائمة العوامل التي تدفع إلى محاولة الانتحار ، ما جعل الحالات تتزايد في السنوات الأخيرة  ببلادنا، وتشمل فئتي المراهقين والأطفال بشكل خاص ، فأصبحنا يوميا نسمع عن  نقل نساء ورجال وأطفال إلى المستشفيات بعد شرب روح الملح والكلور أو تقطيع الشرايين، في ظاهرة تطرح العديد من التساؤلات.
مختصون نفسانيون وفي ملف أعدته النصر يعتبرون المشاكل الأسرية أهم محرك لمحاولة الانتحار ، كما تحدثوا عن دخول عناصر جديدة كمواقع التواصل الاجتماعي و الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا، مقترحين المتابعة اللصيقة للأبناء وأفراد الأسرة وإعادة النظر في التعاطي مع المشاكل الأسرية . فيما يسرد من أقدموا  على هذه الخطوة الأسباب التي جعلتهم يطرقون باب الموت، والتي لا تخرج عن دائرة النزاعات الأسرية و الاعتداءات الجنسية، إضافة إلى الخوف من العقاب الذي يتجسد عند كل فصل دراسي في حالات أبطالها أطفال لا يعون خطورة العبث بالحياة.
ملف من اعداد : إلهام /ط
 النصر تابعت مختلف مراحل العلاج بالمستشفى الجامعي ابن باديس بقسنطينة والتقت بمشرفين على العلاج النفسي والعقلي، أين نقلت حالات واقعية تساعد في فهم الظاهرة.
ناجون يعترفون بأنهم حاولوا الانتحار في لحظة سوداوية
 هي حالات بعضها التقينا بها في المستشفى الجامعي، حيث تتابع العلاج بعد إنقاذها من قبضة الموت ، و البعض الآخر التقيناها بعد تجاوزها المرحلة الحرجة، و هي تحاول أن تستجمع قواها من أجل العودة إلى حياتها الطبيعية، في حين لا يزال أحدهم متمسكا بمطلبه في العودة إلى منصب عمله أو الموت جوعا،  إذ قرر مواصلة الإضراب عن الطعام، بعد محاولة انتحار فاشلة .
يشكل جميعهم عينة من حالات كثيرة نسمع عنها بمجتمعنا أو تنشرها وسائل الإعلام ، و إن تعددت الأسباب و الدوافع ، فالنتيجة واحدة و هي محاولة وضع حد لحياة منحها الله لعباده ليعيشونها، و ليس لينهوها في لحظات سوداوية يعمى فيها البصر و البصيرة.. الكثير منهم قالوا للنصر، بأنهم لم يحاولوا الانتحار، و ما حدث كان مجرد خطأ لا غير، و هناك فئة لاذت بالصمت المطبق و رفضت التعليق عن موضوع لا يزال في خانة الطابوهات، في حين تمكنا من جمع هذه الاعترافات مع الالتزام لأصحابها، بعدم ذكر هوياتهم .

أم وائل: ابني حاول الانتحار لأن نتائجه الدراسية ضعيفة
التقينا بأم وائل في المستشفى الجامعي بن باديس، أثناء توجهها إلى وحدة المساعدة النفسية لتحديد موعد لابنها، و لأنها جارة قديمة لم تلبث أن فتحت لنا قلبها و قد تغلبت عبراتها على عباراتها..
« ابني وائل عمره 13عاما فقط، يدرس في السنة الأولى متوسط، كنت أنا و والده منذ دخوله هو و إخوته إلى المدرسة نشجعهم على الحصول على نتائج ممتازة، لكي يشرفوننا بين الأهل و الأقارب، و نفتخر بهم، و نضمن لهم مستقبلا زاهرا، خاصة و أننا أستاذان في التعليم العالي.
كنا نوفر لهم كل ما يطلبونه من أدوات و كتب و لوازم أخرى، و لم نبخل عليهم بالهدايا و الرحلات، كلما حصلوا على معدلات عالية، لكنني أعترف بأننا لم يكن لدينا الوقت الكافي لمساعدة أبنائنا في الدراسة و المراجعة بالبيت، و كنا نعتقد بأن المؤسسات التعليمية و دروس الدعم كافية.
و في الثلاثي الفارط، يبدو أن وائل تعرض لأزمة حادة، فقد أخبره أساتذته، كما علمنا لاحقا،  بأن نتائجه كارثية هذه المرة، و لم يخبرنا بأي شيء، بل حاول أن يحافظ على ابتسامته المعتادة، لكنني بقلب الأم، لاحظت بأنه أصبح منطويا و كئيبا لا يلعب مع إخوته ، و يقضي معظم وقته في غرفته، حتى برامج الرسوم المتحركة التي كان يتابعها كل مساء مع إخوته لم تعد تجذبه، وحدها لوحته الرقمية كانت ترافقه أينما حل، و عندما سمعنا عن مخاطر الإنترنت و لعبة الحوت الأزرق، اضطررنا لانتزاعها منه، رغم توسلاته و بكائه بحرقة.
و فعلنا نفس الشيء مع بقية أبنائنا، و لم نكن نسمح لهم باستعمال لوحاتهم الرقمية إلا في الليل، عندما نكون في البيت، لمدة لا تتجاوز ساعة و كنا نراقب كل المواقع التي يتابعونها. قبل ثلاثة أيام من عطلة الشتاء، ذهبت على الساعة السابعة و ربع صباحا ،إلى غرفة وائل ، لكي أوقظه ليحضر نفسه للذهاب إلى المدرسة ، فوجدته ممددا فوق سريره، اعتقدت أنه نائم، و أمسكت بيده، فكانت باردة كالثلج، و وجهه شاحب جدا ، كأنه جثة هامدة، صرخت من شدة الرعب.  حضر والده و جس نبضه و تأكد بأنه لا يزال حيا.
أطباء مصلحة الاستعجالات بالمستشفى، بعد أن أسعفوه و أخضعوه لعلاج مكثف في قاعة العناية المشددة،  أخبرونا بأن وائل تناول كمية كبيرة من الأدوية لكي يضع حدا لحياته، صرخت بأن عمره 13عاما فقط، فعلق طبيب « ابحثي عن السبب، ربما يكمن في إهمالك له».
و اكتشفت السبب أثناء تواجد ابني في المستشفى، نتائجه الدراسية ضعيفة، جعلته يخشى غضبنا و عقابنا أنا ووالده، فقد عودناه منذ دخوله إلى المدرسة على التهديد و الوعيد و الترهيب، إذا تراجع مستواه و علاماته في مختلف المواد.
أشكر الله أنه نجا من الهلاك، و منحنا أنا و والده فرصة لمراجعة طريقة تربيتنا لأبنائنا، و الاهتمام أكثر بهم، و عدم مطالبتهم ببلوغ مستوى يفوق قدراتهم ، حالة وائل الصحية تحسنت، لكن النفسية ليس بعد، فهو لا يزال كئيبا، لهذا أرافقه مرة كل أسبوع، لحصص التكفل النفسي، كما نصحني الأطباء».
إ,ط

سناء: أمي دفعتني إلى البحث عن الموت
أصرت التلميذة سناء على نشر حكايتها، لعلها تكون عبرة لبعض الأمهات، كما قالت في رسالة عبر موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك.
«عمري 17 عاما ، أدرس في القسم النهائي، لكنني لست متأكدة من الحصول على شهادة البكالوريا هذا العام، نظرا لظروف قاهرة،  ليست الفقر أو اليتم، فأنا الابنة البكر لإطار إداري و أمي مديرة في مؤسسة، و كل مشاكلي مصدرها البيت.
أولا علاقة أمي و أبي ليست على ما يرام، منذ كنت صغيرة و أنا أسمعهما يصرخان و يتشاجران، و قد انفصلا عدة مرات و ذهب كل واحد منهما إلى حال سبيله، و كانا يتركاني أنا و أختي الوحيدة في بيت جدي، و عندما يتصالحان نعود معهما إلى بيتنا، و كأننا كرتان يلعبان بنا ، حسب مزاجهما.
بالمقابل علاقة أمي بي و بأختي الوحيدة أيضا ليست على ما يرام. صدقوني أمي هي التي دمرت حياتي، إنها تكرهني و لا تطيقني، و لا تكاد تحدثني أو تهتم بوجودي في الكرة الأرضية، و إذا حدث و أن كلمتني، فلكي تنهرني و تشتمني و توبخني و تهينني. أعتقد أنها تفضل أختي رغم أنها هي أيضا تشتمها و تضربها.
أمي من النوع المتسلط المتجبر، تريد أن تسير كل شيء و كل فرد في محيطها، كما تريد، و الويل لمن يقول» لا» لجلالة الملكة.  إنها تدير البيت كما تدير الثانوية التي تعمل بها! عندما تتحدث صديقاتي عن أمهاتهن الحنونات و المتفهمات أحسدهن، و أحيانا أبكي. إن أمي لا تريد أن تعترف بأنني كبرت الآن و عليها أن تعاملني كامرأة، و تتحدث إلي و تهتم بي و تحبني.
حاولت عدة مرات أن أشرح لها، لكن دون جدوى، حاولت أن أطلب من أبي التدخل فرد علي منزعجا «دبري راسك مع أمك «، لكن جدي تدخل و حاول أن يحسن علاقة أمي بي، فسمعتها تقول له « عليها أن تهتم بدراستها و تنجح هذا هو المهم». و في أحيان كثيرة من شدة اليأس و الإحباط ، كنت أرفض الدراسة، و أقضي معظم وقتي في المطالعة و متابعة أفلام «الأكشن». و عندما اكتشفت ضعف نتائجي صفعتني بشدة حتى كدت أفقد وعيي.  في نفس الليلة، قررت أن أترك لها الدنيا، أخذت سكينا حادا من المطبخ و قطعت شرايين يدي. لم أصدق أنني لم أمت، عندما فتحت عيني و وجدت نفسي في مكان غريب و الأطباء حولي.. كنت بالمستشفى. يا للمهزلة.. حضرت أمي و هي تذرف الدموع و تصرخ حزنا و حسرة، و أبي يحاول تهدئتها، هل هذا يعني أنها تهتم بمصيري؟! قال لها الأطباء أنهم أنقذوا حياتي في الوقت المناسب، لكنني بحاجة إلى علاج طبي، و قال لها أخصائي نفساني بأنني بحاجة إلى حبها و اهتمامها لتجاوز أزمة المراهقة، إلى جانب حصص للتكفل النفسي و العلاج الأسري، هل ستتغير فعلا حياتي ؟!» .            
إ.ط

مايا: عنف زوجي دفعني إلى المحاولة
إنها شابة في زهرة العمر، الحزن كان جليا في ملامحها و عينيها، التقينا بها في مقر جمعية ذات طابع اجتماعي، و أخبرتنا بأنها جاءت من أجل استشارة قانونية، و عندما أطلعتها على موضوع الملف الذي أعده ، قالت
« كنت أعتقد بأنني جد محظوظة عندما تزوجت من الرجل الذي أحببت، لكنني اكتشفت بعد أيام معدودة من دخولنا القفص الذهبي، بأنني تزوجت وحشا ، كل أقواله و أفعاله و مواقفه عنف في عنف، لقد كان قبل الزواج ممثلا موهوبا كأبطال المسلسلات التركية ، أتقن تمثيل دور العاشق الولهان ليوقعني في شباكه.
زوجي رغم أنه إطار سام و على درجة عالية من الثقافة، إلا أنه مريض نفسيا و ربما عقليا، اعترف لي في شهر العسل بأنه تزوجني رغم الفارق الكبير في السن بيننا ، فهو يكبرني ب18 عاما، لكي «يربيني على يده»، على حد تعبيره ، و يكيف شخصيتي، و فق القالب الذي أعده لي مسبقا، و ما علي إلا أن أكون الجارية الجميلة و المطيعة و الراضخة لكل رغباته و أوامره ، و قطعة ديكور يزين بيته لا أتكلم و لا أناقش أي أمر، إلا عندما يسمح لي بذلك.  و ينتهي أي حديث بيننا، مهما كان نوعه، بشتمي و توبيخي و ضربي ضربا مبرحا، نعم مارس علي كل أنواع العنف، دون استثناء، و حرمني من العمل و زيارة أقاربي و الخروج أصلا من البيت، إلا معه، في حالات نادرة .
تصوروا.. كان يحرمني حتى من مشاهدة المسلسلات و الأفلام التي أحب،   أو الجلوس وحدي مع أخواتي و أمي عندما يزرنني في الأعياد و المناسبات، خوفا من أن أبوح لهم بمعاناتي، و عندما أخبرته بعد شهور من زواجنا التعيس، بأنني حامل جن جنونه، قال لي بصحيح العبارة، أنه لا يريد أن ينافسه في حبي أحد، وتدريجيا رضخ للأمر، لكنه ظل يعاملني كالسابق أسوأ معاملة و يضربني و يلكمني، دون سبب في أغلب الأحيان، حتى أنني عندما ذهبت لعيادة التوليد و أمراض النساء، كان جسدي أزرق مليئً بآثار الضرب و الكدمات، و طلبت مني القابلة أن اتخذ الإجراءات اللازمة ضد زوجي، و قدمت لي شهادة طبية و طلبت مني التوجه إلى مصلحة الطب الشرعي للحصول على تقرير مفصل، لكنني رفضت من أجل جنيني. عندما أنجبت طفلنا الأول، كنت في ربيعي 21 ، اعتقدت بأن غريزة الأبوة ستغيره، لكن هيهات، كان يمنعني من إرضاعه من صدري، و في أحيان كثيرة عندما أحمله و أضمه، ينتزعه من أحضاني و يضعه في سريره، و يبرر ذلك بأن الحماية الزائدة ستجعله طفلا مهتز الشخصية. و الويل لي إذا قلت شيئا. و في أحد الأيام عاد في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل إلى البيت، كنت نائمة و صغيري بين أحضاني، فانتزعه بعنف مني و ألقى به في سريره، و دون مقدمات نزع حزامه و انهال على جسدي ضربا مبرحا، حتى أنني طلبت من الله أن يسرع بموتي في تلك اللحظات، لم أعد أتحمل حياتي مع هذا المخلوق المريض، و ليتمادى في إهانتي و قتلي نفسيا و انفعاليا ، كالعادة انتهى المشهد باغتصابي.  بعد أن نام و كانت رائحة الخمر تفوح من أنفاسه و ملابسه، خرجت من الغرفة، و توجهت إلى مكتبه، لم تعد الدموع تفيد و لا الكلام، اسودت الدنيا في عيني و قررت أن أرحل، لم أهرب من البيت إلى منزل أهلي، فأبي لن يسمح لي بمجرد التفكير في الانفصال، و سيلحق بي و يعيدني إلى زنزانته.
في لحظات مجنونة، و كأن الوازع الديني و سلطان العقل تخليا عني  ، فتحت الدرج الذي يخفي فيه زوجي أدويته الخاصة بالسكري و ضغط الدم و غيرها، و أخذت كمية كبيرة من الأقراص و ابتلعتها بالماء دفعة واحدة، لكن .. حتى الموت نبذني . عندما استيقظت وجدت نفسي في المستشفى و زوجي يبكي أمام سريري، نعم .. تم إنقاذي من الموت و ليس من هذا الوحش الماثل أمامي، الذي أمطرني بوعود لم و لن يلتزم بها «.    
إ.ط

نبيل: الإدمان على المخدرات قادني إلى الهاوية
التقيت بنبيل في مركز وسيط لعلاج الإدمان بولاية قسنطينة، حيث يتابع حصصا نفسية علاجية ، و كله عزم على الانتصار على  سموم المخدرات، قال لنا
« درست إلى غاية الطور  المتوسط، و توقفت عن الدراسة، لأنني لم أجد من يشجعني على مواصلة درب العلم، فأسرتي الميسورة وفرت لي احتياجاتي المادية، لكنها لم توفر لي احتياجاتي الأهم، و هي الحب و الحنان و الرعاية و  الحوار و التقدير، فسقطت في قبضة الشارع و رفاق السوء، و أصبحت مدمنا على مختلف المخدرات و الحبوب المهلوسة و الخمر، و عندما شجعني أخي الأكبر على التوجه إلى وحدة المساعدة النفسية بمستشفى بن باديس بقسنطينة، لعلني أجد حلا للخروج من هذا الجحيم، وجهني النفساني مباشرة إلى المركز المتخصص لعلاج المدمنين بالبليدة، و تم التكفل بي هناك لمدة شهر كامل.
عندما عدت إلى منزلي العائلي كنت شخصا جديدا يرغب في تأسيس حياة جديدة، لكنني لم أجد الاهتمام الكافي و التشجيع من والدي و إخوتي، و كأن علاجي لا حدث بالنسبة إليهم. و لأن شخصيتي بقيت ضعيفة و إرادتي لم تكن قوية بالقدر الكافي ، لم أصمد أمام أصدقائي القدامى ، و عدت معهم إلى بؤر الفساد، و هذا ما يطلق عليه النفسانيون انتكاسة،  لكن انتكاستي كادت تودي بحياته، فقد شعرت بالذنب إزاء أبي المسن و المريض، و تأنيب ضمير رهيب و اسودت الدنيا في عيني و في لحظة مجنونة حاولت الانتحار بجرعة زائدة من المخدرات، لكن تم إنقاذي و عدت لحياتي التعيسة.
و في أحد الأيام عرض علي إخوتي و هم أكبر مني و جميعهم تجار، العمل معهم، حتى لا أشعر بالفراغ ، فتحمست للفكرة و وافقت بسرعة، و دخلت الحياة المهنية ، لكن إخوتي أصروا على عدم تقديم راتب محترم لي يوازي جهدي و عرقي، بل كانوا يقدمون لي مبلغا رمزيا فقط ، و هم يعتقدون بأنهم بذلك يمنعوني من شراء المخدرات،  لكنهم جعلوني أشعر بالنقص و «الحقرة» و  الإحباط، و في لحظة جنون أشد من السابقة ،  تناولت قارورة روح الملح من المطبخ و شربت كمية منها، فشعرت بألم شديد في حلقي و بطني و أغمي علي، و عندما فتحت عيني لم أصدق أنني لا أزال على قيد الحياة،  إلا عندما شعرت بآلام شديدة و وجدت نفسي موصولا بأجهزة طبية ، أخبرتني ممرضة بأنني في مصلحة الاستعجالات الطبية بالمستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة، حضر نفس النفساني الذي كتب لي رسالة التوجيه إلى مستشفى بليدة، فقلت له بأنني لم أشرب روح الملح متعمدا بل خطأ، و كررت نفس الكلام لطبيب الأمراض العقلية و لأهلي . صدقوني لم أتحمل دموع أبي و أقاربي عندما زاروني في المستشفى ، إنني أؤمن بالله و برحمته الواسعة، المؤكد أنه سيغفر لي و سيساعدني على الخروج من حياتي البائسة و ينقذني من هذا الضياع، فأنا لا أزال شابا في 32 من عمري، و بإمكاني أن أبدأ من جديد حياتي دون سموم و قذارة».
إ.ط

النفسانية  سعاد ترخوش: التنكيـــل بـالجســد لجــذب الاهـتمـــام
 «إن من يقرر الانتحار ينفذه مباشرة و لا يتحدث عن الانتحار،  لقد تكفلت بوحدة المساعدة النفسية بعدة حالات لفتيات مراهقات حاولن الانتحار و اكتشفت بعد حصص الإصغاء بأنها تخفي مساومات عاطفية، و الدافع الرئيسي وراءها العلاقات الأسرية المضطربة، و لا يمكنني إلا أن أذكر حالة فتاة في ربيعها 17، أقدمت مرتين على الانتحار، الأولى في عيد الأضحى ، حيث أمسكت بسكين أمام أحد أفراد أسرتها و جرحت يدها و همت بتمزيق شرايينها، و بالطبع أنقذها ، و في المرة الثانية كان الاستعراض أكبر، حيث كشفت عن ذراعها لتبرز رسم الحوت الأزرق و تؤكد بأنها في المرحلة الأخيرة من اللعبة و بأنها على وشك إنهاء حياتها، و بعد جهد جهيد أحضرها أقاربها إلى الوحدة.
و أسفرت الجلسات النفسية عن ظهور الحقيقة، فالفتاة تعيش منذ صغرها مع جدتها، لأن أمها المطلقة هاجرت إلى فرنسا، و تزوجت و أنجبت أبناء آخرين، و لم تعد تزرها أو تسأل عنها، و بالتالي أمها موجودة و غير موجودة في حياتها، ما جعلها تعيش في صراعات رهيبة و ضغط نفسي كبير و تلجأ للتنكيل بجسدها و تعذيب نفسها، في محاولة لجذب انتباه أمها و دفعها للعودة إليها، و هذه مساومة عاطفية واضحة. المراهقة مرحلة صعبة و حساسة، و من المفروض أن يتصل الأب أو الأم بأخصائي، إذا لاحظ أي عرض غير طبيعي لدى ابنته أو ابنه المراهق لمساعدته على بناء شخصيته و ترميم الخلل الذي طرأ عليه و استعادة توازنه ، و نلجأ كنفسانيين أيضا للعلاج الأسري و الزوجي و نركز على ضرورة الحوار الصادق و البناء لرأب الصدع «.                 
إ.ط

الدكتورة خميسة نزار: زنـــا الـمحارم من المسببـــات الخفيـــة
« للأسف لا تزال الكثير من الظواهر الاجتماعية في خانة الطابوهات المسكوت عنها، رغم أنها تنخر العائلات ، و يمكن أن تفجر في أي لحظة فضيحة مدوية، أو تؤدي إلى جريمة، أو تقود إلى الانتحار، و من بينها أو فلنقل أخطرها زنا المحارم، لن أنسى أبدا صورة طفلة بريئة في 13 من عمرها، تم نقلها على جناح السرعة إلى مصلحة الاستعجالات الطبية في حالة خطيرة جدا، لأنها حاولت الانتحار بشرب كمية من الجافيل و روح الملح.
الأطباء قالوا بأن إنقاذ الطفلة معجزة، لأنها شربت كميات كبيرة من المادتين ، لكنهما نجحوا في نهاية المطاف في مهمتهم. و بحكم عملي توجهت إلى المصلحة لأزورها و استفسر عن وضعيتها و أحاول التحدث إليها و إلى أهلها ، استغربت كثيرا لأن والدتها لم تحضر لتقوم بدور المرافقة ، وحده والدها الذي كان يرتدي زيا تقليديا ريفيا و يحمل عصا ، كان يقف أمامها عندما استرجعت و عيها و يرمقها بنظرات مرعبة ينبعث منها الشرر. و كلما حاولت أن تنطق بكلمة يضرب الأرض بعصاه فتصمت. حاول الطاقم الطبي أن يخرجه من القاعة ، لكنه رفض، و عندما صمموا وقف خلف الزجاج يرمقها بنفس النظرات الحادة و يشير إليها بيديه و عصاه مهددا بأن تصمت.  
و علمت لاحقا بأن الطفلة التي لم تجف الدموع من عينيها طيلة مكوثها بالمستشفى للعلاج، ضحية اعتداءات والدها الذي أخرجها عنوة ليعيدها إلى جحيمه. و أتمنى أن تتكاثف الجهود على كافة المستويات من أجل محاربة زنا المحارم و كل أصناف الاعتداءات على الأطفال، فبحكم عملنا في وحدة المساعدة النفسية نسجل حالات عديدة يندى لها جبين المجتمع ، لكنها تبقى رهينة الصمت و الكبت و أسوار الطابوهات، بدل مواجهتها و وضع حد لها. و هناك الكثير من حالات الانتحار أو محاولات الانتحار، كما سجلنا بالوحدة، تخفي هذا النوع من الجرائم التي يجب أن نحاربها معا».                         
إ.ط

المختصة وفاء بن الشيخ: 50 بالمئة من الحالات عبارة عن مساومات عاطفية
«كان الأطفال لا يعرفون أصلا معنى محاولة الانتحار أو الانتحار، لكننا لاحظنا في السنوات الأخيرة، بأن في كل عام يزداد عدد المحاولات و يتقلص سن من يحاولون وضع حد لحياتهم مع سبق الإصرار ، و يستخدمون عادة مواد خطيرة سهلة الاستعمال و متوفرة في المنزل، خاصة روح الملح التي تعد الأكثر استعمالا.
من بين الأسباب، كما لاحظت خلال عملي في وحدة المساعدة النفسية، التي تدفع بطفل أو مراهق إلى محاولة الانتحار، نتائج الامتحانات الضعيفة أو الرسوب، التي تجعله يصاب بالرعب و يكره كل شيء حوله، حيث أن الوالدين ينظران إلى الابن كأنه آلة للدراسة، و كأن علاقتهما به تختزل في الدراسة، و يطالبانه دوما بعلامات و معدلات أعلى، تحت التهديد و الترهيب و العنف، بدل الاهتمام به و محاورته و الإصغاء إليه و إلى انشغالاته و غمره بالعواطف، لاحظت أيضا بأن الكثير من أشرطة الرسوم المتحركة و الأفلام التليفزيونية تروج للعنف، بل أن بعضها تبين طرق الانتحار و تظهر المنتحرين كأبطال، ناهيك عن تأثير مواقع و تطبيقات الإنترنت، و عواقب الألعاب الإلكترونية . للأسف لا توجد بمجتمعنا ثقافة الاتصال و الحوار و لا ثقافة استشارة نفساني، في حال رصد مشكل لدى فرد في الأسرة. أؤكد في ذات السياق، بأن 50 بالمئة من محاولات الانتحار لدى الصغار و الكبار أيضا ، هي في الواقع مساومات عاطفية لجلب اهتمام الوالدين و أفراد العائلة ككل و تحقيق مآرب معينة. أقول هذا لأن من يقبلون على الانتحار حقا، لا يتحدثون و لا يحدثون حولهم ضوضاء، و ينفذون قرارهم بصمت حتى الموت و هؤلاء يكونون عادة مرضى عقليا، من المفروض أن يعالجوا لدى ظهور الأعراض الأولى للمرض».                                          
إ.ط        

مسؤول وحدة المساعدة النفسية بمستشفى بن باديس عابد شطة
90 بالمئة من محاولات الانتحار ناجمة عن المشاكل العائلية
« من خلال خبرتي المهنية التي تتجاوز 28عاما ، كأخصائي نفساني، لاحظت بـأن 90 بالمئة من محاولات الانتحار ، ناجمة عن مشاكل عائلية و معظمها تتعلق بمدمنين على المخدرات، سواء لدى تعاطي جرعات زائدة أو بسبب عدم تعاطي الجرعة الاعتيادية. و تبدو شخصية من يحاول وضع حد لحياته ، هشة و غير ناضجة و غير متوازنة، و يمكن لذويه و المحيطين به ملاحظة ذلك بوضوح، و من المفروض أن يوجهونه إلى أخصائيين للتكفل به قبل أن تتفاقم حالته. و الملاحظ خاصة في السنوات الأخيرة  ، أن الظاهرة أصبحت تشمل المراهقين و حتى الأطفال، و الأسباب ترتبط دائما بالخلية الأولى  في المجتمع و هي الأسرة، إذ نلاحظ استقالة الوالدين من مسؤولياتهم إزاء الأبناء، و إهمالهم و عدم مد جسور الحوار معهم  و الانغماس في الصراعات و المشاكل  الزوجية و الانشغالات المهنية و الاجتماعية.
علما بأنني لم أتابع لحد اليوم حالات لنساء، حاولن الانتحار إثر فشل علاقة عاطفية، كما كنا نسمع قبل 15سنة تقريبا.
و لا بد من التطرق هنا إلى التأثير الطاغي للشبكة العنكبوتية، فعدد المدمنين على المواقع الإباحية و الألعاب الإلكترونية في ارتفاع مستمر، كما لاحظنا على مستوى وحدة المساعدة النفسية، و مثل هذه المواقع و التطبيقات تؤثر على من يدمن عليها كالمخدرات و تقود إلى الانتحار و الموت و ليس مجرد محاولة الانتحار في حالات كثيرة. علما بأن حالات محاولات الانتحار التي يتم نقلها إلى مصلحة الاستعجالات الطبية بمستشفى بن باديس بقسنطينة، يتم التكفل بها طبيا، ثم يزورها الأخصائي النفساني لتشخيص الحالة من الناحية النفسانية، كما يتم فحصها من قبل طبيب الأمراض العقلية في استعجالات طب الأمراض العقلية بذات المستشفى، والعديد من الحالات، بعد أن تتلقى الإسعافات الطبية اللازمة يتم الاكتفاء بتوجيهها إلى وحدة المساعدة النفسية لتخصيص حصص للإصغاء و التكفل النفسي بها، في حين تستدعي بعض الحالات المزاوجة بين التكفل النفسي و العقلي للتماثل للشفاء. المشكلة التي نواجهها كمختصين، أن هذه الفئة لا تتابع حصص التكفل النفسي، و المدمنين على المخدرات ضمن هذه الفئة، يستعملون الأدوية المضادة للاكتئاب و المهدئات التي يصفها لهم طبيب الأمراض العقلية لأغراض أخرى. لهذا ومن بين الحلول التي أقترحها لعلاجهم بشكل جذري و تام، فتح مستشفيات تعمل ليلا ونهارا دون توقف بمختلف المناطق، و مكوثهم فيها المدة اللازمة لعلاجهم نفسيا و عقليا، تحت إشراف و متابعة مختصين، لأن مستشفى فرانتز فانون بالبليدة وحده، لا يكفي للتكفل التام بجميع المدمنين ببلادنا.
و أدعو عبر جريدة النصر، كل الآباء و الأمهات إلى عدم طرح مشاكلهم الزوجية و نشر خلافاتهم أمام الأبناء، مهما كانت أعمارهم، و تحمل مسؤولياتهم كاملة في رعاية و تربية فلذات الأكباد، و أشدد على الاعتماد الدائم على الحوار، و الاستماع إلى أبنائهم و تشجيعهم على سرد يومياتهم في البيت و المدرسة و مع الرفاق،  و كذا اهتماماتهم و تطلعاتهم، مع الحرص على مراقبة كل ما يشاهدونه عبر الإنترنت، لحمايتهم من المخاطر التي تتربص بهم، فالتربية السليمة و المتوازنة ، و كذا الوازع الديني هما طوق النجاة من كل الآفات و المخاطر، و من بينها تحطيم الذات و الانتقام من الأهل بمحاولة الانتحار».
إ.ط    

رئيس جمعية الأخصائيين النفسانيين لولاية قسنطينة كمال بن عميرة
أعيدوا الأسرة إلى سابق عهدها لتحتوي أبناءها  
«هناك عدة أعراض، تبرز على مراحل، و بشكل تدريجي، تنذر و تحذر بأن شخصا في محيطنا الأسري أو الاجتماعي و حتى المهني، يمكن أن يقدم على الانتحار، البداية تكون بطغيان الشعور بالإحباط، ثم تبدو عليه أعراض الحزن و الاكتئاب، و تتطور إلى اكتئاب قوي و حاد ، ثم تهيمن عليه الأفكار السوداوية الانتحارية، و بالتالي فإن الإنسان لا يحاول الانتحار مباشرة دون أسباب، و دون أن تظهر عليه أعراض الاضطرابات النفسية أو السلوكية و غيرها، لتدق ناقوس الخطر، و من هنا يبرز دور الأسرة، فمن الضروري أن نرجع الأسرة ،كما كانت في الماضي تلم الشمل و يهتم و يتابع أفراد الأسرة بعضهم، و يتحاورون و يتناقشون و يتكافلون، و في حالة اكتشافهم لعرض غير طبيعي لدى أحدهم، لا بد من الإسراع إلى الأخصائيين. بحكم عملي في وحدة المساعدة النفسية، و في ظل التحولات التي يعيشها مجتمعنا، ألاحظ بأن أغلب الحالات التي تحاول الانتحار، تتعلق بالأطفال و المراهقين، إلى جانب عدد من النساء.
و لنتحدث أولا عن شريحة الأطفال، فالملفت أن عددا كبيرا من الآباء و الأمهات يتملصون من مسؤولياتهم إزاء أبنائهم و يلقون بهم في قبضة الشارع و رفاق السوء الذين يجرونهم نحو الآفات، أو بين مخالب الإنترنت و التليفزيون، التي تجرهم إلى اضطرابات النطق و الكلام و ضعف البصر و التركيز و التعلم و غيرها، و قد يصل بهم الأمر إلى داء التوحد. و بالنسبة للمراهق، نجده في خضم أزمة الهوية و الضغوطات النفسية و رفض الأوامر و النواهي و الصراع مع النفس و الآخرين، و هنا يكمن دور الوالدين، فإذا كانوا مطلعين على خصائص المرحلة و متطلباتها، سيوفرون للابن المراهق ما يحتاجه من تقدير للذات و إصغاء و اهتمام و شعور بالسلم و السلام و الأمان و يشجعونه على تحقيق طموحاته، و إذا لم يهتموا باحتياجاته، سيقدم له رفاقه في الشارع مفاهيم مشوهة و بدائل تزيد من إحساسه بالضياع و الصراع، و أشدد هنا على ضرورة أن يقوم الأب بدوره كقدوة لابنه، و نفس الشيء بالنسبة للأم و الابنة، فمن المفروض أن تربط بينهما علاقة  صداقة و صراحة و حوار، دون أن ينسحب أحد الوالدين و يستقيل  من مسؤولياته. و أود أن أشير إلى أن الزوجين يجب ألا يظهران شقاقا أو خلافا أمام الأبناء، و عليهما التعود على حل مشاكلهما بعيدا عنهم، و إظهار الاتفاق و الانسجام أمام أولادهما، حتى في غياب أحد الوالدين. و من بين المشاكل الأخرى التي تدفع بالطفل أو المراهق إلى التفكير في الفرار من البيت، أو محاولة الانتحار تهديد و عقاب الوالدين في حال الحصول على نتائج دراسية ضعيفة ، لهذا لا بد من تجنب العنف الأسري بأنواعه لأن العنف يولد العنف و من بين أشكاله محاولة الانتحار لتعنيف الذات. و من الضروري  التركيز على الوازع الديني و الأخلاقي في التربية و التعامل و التشجيع على المطالعة و الرياضة.  
و قد لاحظت أيضا خلال عملي كنفساني عيادي بأن الانترنت و ما يروج له من ألعاب و كذا بعض الأفلام، تدفع بأبنائنا دفعا إلى محاولة وضع حد لحياتهم، و بالنسبة للنساء نجد أن بعضهن يحاولن الانتحار لأسباب تتعلق في الغالب بمشاكل زوجية أو عائلية، أو إثر الإصابة بمرض خطير، و هن في الغالب يتناولن جرعات كبيرة من الأدوية أو يقفزن من النوافذ أو الشرفات ، في حين يلجأ الأطفال و المراهقون إلى شرب روح الملح أو الجافيل أو الأدوات الحادة.  
و نحاول كأخصائيين نفسانيين مساعدة الناجين على مساعدة أنفسهم ، و تجاوز مرحلة الخطر ، عن طريق الاستقبال الجيد و الإصغاء لإفضاءاتهم ، و كسب ثقتهم أثناء عملية التكفل النفسي.            
إ.ط

الاستشاري الأسري و أخصائي الأمراض العقلية نصر الدين تيطاح
محاولات الانتحار.. الشجرة التي تخفي غابة من الاضطرابات النفسية و العقلية
«محاولات الانتحار بمثابة الشجرة التي تخفي غابة من الاضطرابات النفسية و العقلية و الأسرية و الآفات الاجتماعية، و قد أصبحنا في السنوات الأخيرة نسمع  عن أطفال صغار حاولوا الانتحار بعد أن كانت هذه المحاولات نادرة و مقتصرة على فئات معينة من الكبار. أثناء معاينتي لبعض هؤلاء الأطفال، اكتشفت بأن في مقدمة الأسباب التي تدفعهم لتناول أدوية أو مواد تنظيف في محاولات لوضع حد لحياتهم، تعرض بعضهم للتحرش ، و حتى الاعتداءات الجنسية في الوسط المدرسي، من قبل الزملاء ، لأن بعض الأقسام بمدارسنا تضم تلاميذ صغار و آخرين أكبر في سن البلوغ ، و أخرى يدرس بها معاقون أو متخلفون ذهنيا ميولاتهم الجنسية تبرز مبكرا، مع أطفال غير معاقين أو أسوياء ، و هذه أخطاء بيداغوجية لا بد من تداركها ، و الطامة الكبرى أن فئة من المعلمين متورطة في هذه الجرائم ، و يظل هذا الموضوع في معظم الأحيان طابوها في مجتمعنا، لكنه  يدفع ببراعم بريئة إلى التسرب المدرسي و محاولة وضع حد لحياتهم ، كما أن الحصول على نتائج دراسية ضعيفة أو الرسوب يدفع ببعض الأطفال و المراهقين إلى الهروب من البيت و محاولة الانتحار، خوفا من عقاب الأب، و قد تكفلت مؤخرا ببعض ضحايا لعبة الحوت الأزرق، و هم أيضا ضحايا استقالة الوالدين من مسؤولياتهم. بالنسبة للراشدين لاحظت بأن عدد الرجال الذين يحاولون الانتحار أكبر من النساء و السبب الرئيسي حسب الحالات التي أتكفل بعلاجها و متابعتها، هو الإدمان على المخدرات ، و كذا العجز الجنسي و المثلية الجنسية، ناهيك عن الخلع الذي لا يتحمل عواقبه بعض الأزواج، دون أن ننسى الظروف الاجتماعية كالبطالة و الإفلاس و أزمة السكن الخانقة و المرض الخطير  . النساء عموما يلجأن إلى محاولة الانتحار كنوع من المساومة العاطفية أو العائلية،  لتحقيق هدف معين، كدفع والديها المتنازعين للعدول عن الطلاق،  أو للانتقام من  الحبيب الخائن أو  لتحطيم ذلتها إثر تعرضها للاغتصاب أو زنا المحارم. و هناك شريحة من المسنين تلجأ أيضا لمحاولة الانتحار في بداية الخرف أو إثر التعرض لأمراض خطيرة و انهيارات عصبية .
شخصية المرأة  التي تحاول الانتحار في الغالب قلقة و هستيرية و الرجل يعاني  من أمراض عقلية أو في بداية الذهان، أو مصاب باكتئاب بعد فشل أو فضيحة أخلاقية، الأعراض التي قد تجعل المرء يتوقع أن فردا في محيطه الأسري أو المهني قد يحاول الانتحار كثيرا ، لهذا من الضروري نشر هذه الأعراض على نطاق واسع عبر الومضات الإشهارية و كل وسائل الإعلام و تسجيلها في بطاقات و توزيعها في كل مكان على الأفراد و العائلات، مع أرقام المختصين الذين بإمكانهم التكفل بالحالات المهددة قبل فوات الأوان، و الاتصال بهم لدى ملاحظة الأعراض و تتمثل أساسا في اضطراب  الشهية للطعام، الأرق، تغير في السلوك، نقص الحركة و الخمول،نقص التركيز، العزلة و الانطواء ، تجنب الناس ، العنف ، السلبية ، فقدان الإحساس بالمحيط و الناس. . إن نشر الثقافة النفسية و العقلية ضروري للقضاء على الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا و لا بد من التصدي لها بالوقاية و تكسير الطابوهات و مواجهة الواقع. و يمكن انخراط أصحاب المحلات في حملة الوقاية و التحسيس، فإذا شاهدوا زبائن في حالة نفسية صعبة و حضروا  مسرعين لشراء حبل أو روح الملح و غيرها،فليتصلوا بالجهات المختصة».
إ.ط 

 

الرجوع إلى الأعلى