* مسيحيون يؤكدون أن الجزائريين يتقبلون الاختلاف و يمنحون الشعور بالأمان

أكد رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة ، أمس، في رسالة بمناسبة إحياء «اليوم العالمي للعيش معا في سلام» المصادف لـ16 ماي،
أن إعلان الجمعية العامة لـمنظمة الأمم الـمتحدة لهذا اليوم إنما هو إقرار بجهود الجزائر في ترقية ثقافة السلـم ، مبرزا أن الغاية الوحيدة التي تستحق السعي من أجل طلبها من خلال الـمصالحة الوطنية هي «تعزيز الوحدة الوطنية و توثيق تماسك شعبنا
و صون سيادتنا الوطنية و العمل معا، في مسعى تضامني، من أجل بناء جزائر حديثة».
وأوضح الرئيس بوتفليقة، أن «الإعلان هذا إنما هو إقرار من الـمجموعة الدولية بالجهود التي بذلتها بلادنا و ثابرت عليها فنجحت في ترقية ثقافة السلـم و الحــوار والاحترام الـمتبادل و التسامح بين مواطنيها».
وأضاف رئيس الجمهورية قائلا: «أن هذا الـمسعى كان من باعث قيم أخلاقية وثقافية و اجتماعية و إنسانية يؤمن بها شعبنا الـمعتدل تمام الإيمان و كذلك لأنه يعكس، بنفس القدر، حرص شعبنا على إحلال هذه القيم العالـمية الـمكانة اللائقة بها في العـــلاقات بين الأمم وشعوب العالـم قاطبة»، مبرزا في السياق ذاته أن هذا الإعلان يعبر عن «التزام بلادنا و رغبة الـمجموعة الدولية الـمضي في العمل على ترقية ثقافة السلـم والحوار داخل الـمجتمعات و ما بين الأمم، و ذلك في زمن تفاقمت فيه أسباب القطيعة و عوامل الفرقة».
وأكد رئيس الجمهورية في هذا الإطار،  قائلا: «ما فتئت بلادنا تنادي بترقية الحوار و التفاهم والتعاون بين الديانات و الحضارات، مستلهمة مرجعياتها من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف دين السلـم والسلام، دين التعايش مثلـما تؤكد عن ذلك قرون من تاريخ الإنسانية في مختلف القارات».
و شدد رئيس الجمهورية في رسالته على أن الغاية الوحيدة التي تستحق السعي من أجل طلبها من خلال الـمصالحة الوطنية هي «تعزيز الوحدة الوطنية و توثيق تماسك شعبنا و صون سيادتنا الوطنية و العمل معا، في مسعى تضامني، من أجل بناء جزائر حديثة يفخر كل واحد و واحدة منا بالانتماء إليها».
وتابع قائلا: « ذلكم هو بالذات الباب الذي ينبغي أن يدرج فيه التعريف الذي جاء في الدستور لـمكونات الهوية الوطنية من إسلام و عروبة وأمازيغية و وجوب إبعادها عن الاستغلال و التوظيف السياسوي وترقية سياسات اقتصادية و اجتماعية و ثقافية قائمة على مطلب ضم الجميع و العدالة الاجتماعية، إلى جانب استراتيجيات لإعمار البلاد يحدوها مبدأ التوزيع العادل للفرص وللثروة الوطنية و ما يأتي منها من رفاهية».
وأضاف رئيس الجمهورية «أن هذا النهج هو نفسه الخيار الذي جعلنا ندرج فيه دينامية ترقية ديمقراطيتنا الفتية من حيث أنها تسهم في ترسيخ القيم الجوهرية للعيش مع الآخرين في أذهان الناس و سلوكياتهم و في الـمؤسسات، من خلال تعزيز دولة الحق و القانون و احترام حقوق الإنسان و الحريات الأساسية»، مؤكدا أنه «في هذا الباب ينبغي أيضا إدراج الإصلاح العميق للـمنظومة التــربوية الوطنـــــية التي لا تسعنا العبارات لتأكيد دورها في تكوين مواطن كامل التجذر في تاريخ بلاده العريق، الـمتشبع بقيم شعبه الأصيلة، مواطن حريص على العــمــل والتضحية من أجل الحفاظ على استقلال الجزائر وبناء مستقبلها الزاهر»، وأكد أنه «على الـمدرسة الجزائرية أن تثابر اليوم في زرع قيم العيش مع الآخر في سلام في أذهان ملايين التلاميذ».
و على الصعيد الدولي، ذكر رئيس الجمهورية، بأن «تعامل الجزائر مع جيرانها و كافة شركائها قائم على مبادئ السلـم و التعايش و التعاون وحسن الجوار» وأوضح  بأن الجزائر كانت دوما «من رواد الدعوة إلى تعزيز الحوار بين الحضارات و الثقافات والديانات وترقية ثقافة السلـم فأسهمت بذلك إسهاما مشهودا في جعل الـمجتمع الدولي يقف أكثر فأكثر في وجه دعاة الصراع والتفرقة بين شعوب الـمعمورة». وأضاف قائلا : «من ثم دأبت الجزائر على الصعيد الدولي على ترقية مبادئ ومثل ميثاق الأمم الـمتحدة و مقاصده في جميع العلاقات الدولية سواء أتعلق الأمر بحل النزاعات السياسية أم بترقية علاقات اقتصادية أكثر توازنا»، مشيرا إلى أنه «يحق لشعبنا الافتخار بأن بلاده كانت الرائدة قرابة خمسة عقود قبل اليوم في ترقية مطلب حوار عالـمي بغية الوصول إلى تأسيس علاقات اقتصادية أكثر إنصافا وتكاملا بين الدول الـمتقدمة والشعوب الـمستضعفة خلال جمعية عامة استثنائية للأم الـمتحدة».
وأكد رئيس الجمهورية بأن احتفال العالـم لأول مرة باليوم العالمي للعيش معا في سلام هو مبعث افتخار للجزائر «بمبادرتها بهذا الـمسعى الـمكتوب له الديمومة والذي يهدف إلى حمل أجيال الـمستقبل، في القريب العاجل، إلى القيام بنفسها ببناء عالـم أفضل قائم على التسامح و الاحترام الـمتبادل في كنف الاختلاف و التنوع و التضامن».
 م - ح

الدكتور قوي بوحنية يدعو الأحزاب والمجتمع المدني لتجسيد هذا المبدأ
تـجـربـة الجـزائـر في مـكـافـحـة الإرهـاب أضـحـت مـصـدر إلـهـام للتـعـايـش السلمي
أكد الدكتور في العلوم السياسية والعلاقات الدولية قوي بوحنية في حوار «للنصر» أن تجربة الجزائر في محاربة الإرهاب أضحت مصدر إلهام حقيقي للعيش المشترك، ويمكن اعتمادها في تحقيق مبدأ العيش معا في سلم، موضحا بأن الدبلوماسية الجزائرية التي تحظى باحترام كبير على المستوى الدولي، سيما حينما يتعلق الأمر بإقرار السلم والأمن إقليميا و دوليا،
كان لها دور فعالا في تبني المبادرة.  
• اقترحت  الجزائر لدى الأمم المتحدة اعتماد اليوم العالمي للعيش معا في سلم، وهو ما تمت المصادقة عليه شهر ديسمبر الماضي، في تقديركم ما مدى مساهمة هذه المبادرة في إرساء السلم عبر العالم ، وما مغزى أو مفهوم العيش معا في سلم ، وما هي الجهات أو البلدان التي ينبغي أن تتوجه إليها المبادرة؟
هذه المبادرة تنطلق من مبررات دبلوماسية وسياسية واقعية بحكم الدور الريادي للجزائر في بناء منظومة سلام اقليمية وقدرتها على تصدير مبادئ  السلم و الاستقرار ، والجزائر خاضت تجربة صعبة في مكافحة الإرهاب ومن خلال تبني مقاربة السلم والمصالحة أضحت هذه التجربة الثرية مصدر إلهام حقيقي  للعيش المشترك، صحيح كانت الضريبة مؤلمة وكبيرة لكن بناء مشروع مجتمع يقوم على مبادئ العيش المشترك ليس عملية سهلة.
كما تنطلق أيضا فكرة العيش المشترك وفق المقاربة الجزائرية من خلال ما تمتلكه الجزائر من مقومات الثراء اللغوي والثقافي والجغرافي والتعدد الألسني الجميل و المتناغم ، وهو ما حول الجزائر الى حاضنة حقيقية لتعدد الثقافات المنصهرة ضمن بوتقة واحدة قوامها السلم والاستقرار.
وتتوجه المبادرة إلى الأمم المتحدة وفروعها المختلفة، وعلى رأسها اليونسكو حاضنة البناء الثقافي لشعوب العالم المتعدد، وهي تتوجه أيضا الى الشعوب التي تحتضن ثقافات غير قابلة للتعايش، وهي موجهة كذلك إلى الدول التي لا تزال تعيش حالة صدام ثقافي واثني و لغوي ، وهو ما يجبرها ويلزمها  بتبني رؤية سلمية وأمنية قائمة على التعايش المركب والمتعدد للثقافات واللغات.
• هل ساهم مسار الجزائر في تحقيق المصالحة والسلم في اعتماد هذا المقترح على مستوى هيئة الأمم المتحدة، وكيف يمكنها المساهمة في تحقيق ذلك على المستوى الدولي؟
الدبلوماسية الجزائرية ساهمت بشكل كبير ومن خلال تبني  ميثاق السلم والمصالحة وتبني رؤية دبلوماسية مبنية على عدم التدخل في شؤون الآخر واعتماد حلحلة الأزمات بالرؤية السلمية، ومحاولة بناء أسس العيش المشترك وترسيخ بناء سلطة سياسية تمثل الجميع، هي كلها أدوات مهمة اعتمدتها الجزائر في مختلف المنابر لتوضيح رؤيتها لبناء ميثاق السلم و المصالحة،  يضاف إليها تصدير التجربة الجزائرية في مختلف المنابر الدولية و الاقليمية في مجال مكافحة الارهاب ، كل ذلك  حول التجربة الجزائرية الى آلية مهمة في بناء التوافقات والسلم في الاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية والتعاون بين ضفتي المتوسط وغيرها من الفضاءات  الاقليمية والدولية
• كيف ساعدت الدبلوماسية الجزائرية في تبني  المقترح، وهل تمكنها من اعتماد يوم عالمي للعيش معا في سلم، يؤكد خروجها من الدائرة المغلقة التي وضعت فيها إبان العشرية السوداء؟
اعتقد أن هذه فرصة تاريخية لتحريك الماكنة الدبلوماسية الجزائرية في أروقة الأمم المتحدة ومؤسساتها الدولية، والدبلوماسية الجزائرية تحظى باحترام خصوصا عندما يتعلق الأمر بمبادئ  بناء السلم و اقرار الأمن اقليميا ودوليا. 
• وما هي آليات تحقيق التعايش معا في سلم على المستوى الدولي، في ظل الأزمات التي تعيشها مناطق عدة، سيما في العالم العربي، فضلا عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين؟
قيم العيش المشتركة قيم انسانية أقرتها مواثيق الأمم المتحدة ، ورغم وجود أزمات دولية وحالات عدم استقرار ، وعلى رأسها القضية المحورية الأولى قضية فلسطين، فإن الجهود الدولية ملزمة بتعزيز هذا الاتجاه القائم على اقرار السلم وتعزيز قيم العيش المشترك ، وتبني حقوق الانسان وحق  الشعوب في استقرارها وتقرير مصيرها، ورغم تعثر بعض المنظمات عن تحقيق أهدافها، فإن مستقبل الشعوب تصنعه الشعوب ولا تصنعه المؤسسات رغم أهمية هذه الأخيرة.
• كيف نحقق هذا المبدأ على المستوى المحلي، وهل يمكن للأحزاب والمجتمع المدني تجسيد المبادرة وتحقيق التآلف والتوافق بين كافة أفراد المجتمع؟
إن تأسيس مشروع مجتمع يساهم فيه الجميع أصبح أكثر من ضرورة والجزائر   استطاعت أن تخرج منتصرة على الارهاب ودخلت في ورشة اصلاحات كبرى، لذلك  حري  بنا  أن نساهم جميعا في بناء و بلورة هذه الرؤية المتكاملة القائمة على الحكامة  الرشيدة التي يساهم فيها قطاع المجتمع المدني والتشكيلات السياسية والكيانات النقابية وقطاعات المجتمع العام والخاص لتثمين مكونات هذا المجتمع اللغوية والجغرافية و المعرفية، وبناء منظومة مستقبلية معرفية قابلة للاستدامة.                 حاورته لطيفة/ب

الطالب السوري بجامعة قسنطينة  محمد سليم الأسعد
«أن تــــكــــون ســـــــوريــــــا في الجــــــزائـــــر فــهــــذه مــــــيــــــزة»
«أن تكون سوريا في الجزائر، فهذه ميزة» بهذه العبارة لخص لنا الطالب السوري من محافظة إدلب محمد رياض الأسعد حياته منذ أول يوم وطئت قدماه الجزائر في صيف 2014، قادما من العاصمة التركية اسطنبول، وهو ما جعله يرتاح ويتأقلم بسرعة في الجو العام ويصبح كأي مواطن جزائري رغم بعض المشاكل الإدارية.
محمد سليم رياض الأسعد طالب سنة أولى ماستر تخصص إعلام بجامعة صالح بوبنيدر بقسنطينة، من مواليد سنة 1994 بمحافظة إدلب السورية من عائلة كبيرة، التقيناه بأحد أقسام الكلية، وهو شاب وسيم المظهر طويل القامة أبيض البشرة، بدا واضحا أنه متميز جدا مقارنة بباقي زملائه، كما يظهر من الوهلة الأولى أنه محبوب كثيرا من طرف الزملاء، إذ لا يكاد يمر شخص إلا ويسميه باسمه ويبادله التحية.
الحرب دفعت بهم لمغادرة البلاد في 2011
جلسنا رفقة سليم وهو الاسم الذي يناديه به الجميع بالكلية، وأخذ يسرد لنا عن بعض تفاصيل حياته التي كانت حياة هادئة كونه ينتمي إلى عائلة كبيرة ومشهورة بمحافظة إدلب، وميسورة الحال، إذ أن والده كان يملك معمل نسيج، قبل أن تنقلب أحوالهم رأسا على عقب بعد تدهور الأوضاع الأمنية بالبلاد عموما، و يصبح العيش مستحيلا، ليضطر وعائلته إلى مغادرة سورية سنة 2011، ليستقروا جميعا بتركيا.
يتوقف سليم عن الحديث برهة ويقول: «لم يمر على مكوثنا بتركيا سوى شهرين فقط حتى تم الإعلان عن نتائج البكالوريا، وقد كنت من بين الناجحين، لم أفرح بهذه الشهادة، لأنني كنت بعيدا عن الديار، بعد استقرارنا بالعاصمة إسطنبول، حاولت جاهدا دخول الجامعة لكن كل الأبواب كانت موصدة أمامي، وقد كانت الشروط صارمة في هذا المجال، حيث يتحتم على السوريين أمثالي الدراسة في الجامعات الخاصة فقط دون الحكومية، وبفعل تدهور حالتنا المادية بعد مغادرتنا للبلاد لم أتمكن من الالتحاق بالجامعة، وظلت هذه هي حالي مدة إقامتنا بتركيا 3 سنوات».
بعدها أخذت أصداء تصل السوريين المقيمين بتركيا بأن العيش في الجزائر أحسن، كما أن الدخول إلى أراضيها سهل جدا، ولا يستلزم الحصول على تأشيرة في ذلك الوقت، وهو أمر شجع عائلة سليم على القدوم من أجل العيش هنا، وهو ما جعل رب الأسرة يسافر إلى الجزائر شهر أفريل 2014 من أجل الوقوف على الحياة هنا، قبل أن يرسل إلى عائلته من أجل القدوم، وبالفعل حل سليم وكامل أفراد عائلته بالجزائر شهر جوان.
تحصلت على استثناء للالتحاق بجامعة قسنطينة
يقول محدثنا أنه ومع وصوله شرع في الإجراءات الإدارية من أجل مطابقة شهادة البكالوريا التي تحصل عليها في سورية قبل 3 سنوات ومحاولة التسجيل في إحدى الجامعات الجزائرية، وقد كان الأمر في البداية صعبا عليه قبل أن يتحصل على استثناء بالتسجيل بجامعة قسنطينة 3 والتمدرس في الاختصاص الذي أراده منذ الصغر ألا وهو علوم الاعلام والاتصال.
وعن أول يوم له في الجامعة يقول سليم: «هذا اليوم لن أنساه ما حييت، أتذكر أنني كنت أرتدي لباسا غريبا نوعا ما عما يرتديه الشباب هنا، وقد دخلت إلى المدرج متأخرا قليلا، كان الجميع ينظر إلي نظرة حيرة ولسان حالهم يتساءل عمن يكون هذا الغريب، أحسست وقتها أن العالم قد توقف وقد وددت أن أغادر بسرعة وعدم العودة مجددا، غير أنه وبعد حديث إلى الأستاذة رحبت هذه الأخيرة بي كثيرا، وعرضت عليا مساعدتها في حال احتجت إلى ذلك، وما إن انتهت الحصة أذكر أن عددا كبيرا من الزملاء وكل فرد منهم يقدم نفسه ويعرض علي مساعدة بمنحي الدروس الأولى، ومن هنا أستطيع القول أنني اندمجت مع الطلبة وأصبحت كأي شاب جزائري يزاول دراسته بصورة عادية».
زملائي في الجامعة ساعدوني في الاندماج
ويتابع سليم: "في حقيقة الأمر وجدت مساندة كبيرة جدا من طرف زملائي والحمد لله تمكنت بفضل الله وبفضل مساعدتهم بتجاوز السنة الأولى بمعدل جيد، ومع مضي الوقت لم أحس كثيرا بالغربة هنا، والدليل أنني تحصلت على فرصة للتربص كغيري من الطلبة في المحطة الجهوية للتلفزيون الجزائري بولاية قسنطينة، وقد قمت بمشاركة الصحفيين في عدد من الأعمال الميدانية ولمدة 15 يوما، بعدها استطعت الحصول على تربصات أخرى في عدد من القنوات الخاصة وذلك بمساعدة زملائي وأساتذة القسم، وقد تم الأمر وكأنني في سورية".
كما تطرق محدثنا إلى ما يعيشه أقرباؤه و عدد من أصدقائه الذين لجئوا إلى عدد من البلدان العربية والخليجية، حيث أكد أنه لا يزال في اتصال دائم مع الكثيرين، وقد رووا له معاناتهم من الكثير من التصرفات السلبية والعنصرية تجاههم، وأغلبهم يحلم في مغادرة تلك البلدان التي دخلوها بعد اندلاع الحرب بسورية، وهي مظاهر جعلت الكثير من السوريين المقيمين في دول أخرى يرغبون في السفر إلى دول أجنبية أخرى بينها الجزائر.
زيادة على هذا فقد أكد الطالب في قسم الإعلام أنه حاليا مستفيد من غرفة في الإقامة الجامعية بجامعة قسنطينة 3 على غرار باقي الطلبة، وأنه يتنقل كل أسبوع بين ولايتي قسنطينة و العلمة بسطيف أين تقيم عائلته بحرية وبشكل عادي جدا، دون أن يتعرض لأي مشكل.
لقاء الجزائر ألمانيا أول مباراة أشاهدها في حياتي
وفي الشأن الرياضي أوضح سليم، أنه لم يسبق له في حياته حين كان في بلده الأصلي وأن شاهد أو حضر مباراة في كرة القدم، غير أن تواجده في الجزائر في 2014، تزامن  مع مشاركة الجزائر في مونديال البرازيل، فقد شارك الأنصار هنا في احتفالات التأهل إلى الدور الثاني وكانت مباراة الخضر ضد ألمانيا أول مباراة في كرة القدم يتابعها في حياته، كما خرج بعدها للاحتفال بالإنجاز التاريخي لرفقاء القائد بوقرة في شوارع مدينة العلمة.
وتابع بلهجة جزائرية ولكنها شامية: «أنا اليوم أصبحت كأي جزائري، أتأثر بما يتأثر به زملائي وأصدقائي والعكس، كما أنني صرت آكل الأطباق المحلية على غرار الشخشوخة التي أعشقها كثيرا وكذلك البوراك والتليتلي، وهي مأكولات تعودت عليها، أضف إلى ذلك فإنني أحب التجول كثيرا في بعض المدن على غرار ميلة التي أعتبرها قريبة جدا إلى سورية».
وفي الأخير ختم الطالب السوري محمد سليم رياض الأسعد حديثه: «من دون أي مزايدات أو تملق أنا سعيد جدا بتواجدي في الجزائر، لدي أصدقاء كثر وكلهم يحبونني، ولم يسبق أن تعرضت لأي مضايقات، فقط ما ينقصني وعائلتي هو الحصول على إقامة دائمة بدل الإقامة المؤقتة حتى نتمكن من تجسيد مشروع استثماري، كون الجو العام يشجعنا كثيرا على العيش بسلام».         
عبد الله.ب

مسيحيون عشقوا مدينة وهران وفضلوا العيش فيها
الجـزائريون يتقبلــون الاختـلاف ونشــعر معهـم بالأمــان
عرفت وهران  في تاريخها العديد من وضعيات «العيش معا» بين المسلمين وباقي الديانات وحتى مع غير المتدينين، فهي المدينة المتوسطية التي رسمت  لوحات الرقي الفكري والروحي والتسامح وغيرها من الصفات التي ذكرها العديد من المؤلفين في كتبهم، منهم «ألبير كامي» الذي تزوج وعاش فيها ووصفها «بالوداعة»   وذكر بعض المؤرخين أن سكان وهران قاموا بحماية اليهود الذين كانوا يعيشون في وسط المدينة من بطش المستعمر الفرنسي، وكانوا ينقلون إليهم الماء والأكل خفية ويعرضون أنفسهم للخطر لمساعدة اليهود على تجاوز الحصار الذي فرض عليهم في نهاية الخمسينيات. ومن أجل الغوص في أعماق المجتمع الوهراني وتقصي نماذج «العيش معا» بسلام بين المسلمين والمسيحيين بين أزقة المدينة، التقينا بعض سكان الباهية من المسيحيين الذين وجدناهم أكثر عشقا للمدينة لأنهم لم يشعروا أبدا أنهم غرباء أو مختلفين.
جمعتها : خيرة بن ودان

الأب  ثييري بيكير  
نصف قـرن من النضـال من أجـل تقبل الآخـر
تطرق الأب «ثييري بيكير»  في محاضرة ألقاها بمناسبة إحتفال الزاوية العلوية بمستغانم باليوم العالمي «للعيش معا» منذ يومين، لأهمية وضرورة ترسيخ هذه الثقافة وسط المجتمعات التي تعيش الإختلاف الذي يوجد حتى داخل الأسرة الواحدة مما يشعل في الكثير من الأحيان مناوشات وجدل بل وحروب ومعارك لأن لا أحد يتقبل الآخر بسهولة في غياب لغة الحب والحوار، وقد يتحول هذا الإختلاف وعدم تقبل الآخر لعنف بمختلف أشكاله.
 وعرج المحاضر بالحديث على فترة ما بعد الاستقلال حين اختار العديد من المسيحيين البقاء في الجزائر التي أحبوها وعملوا إلى جانب المسلمين مثلما قال لتنمية البلاد سواء عن طريق التعليم في المدارس أو الإدارات والمصانع وغيرها، ومن المبادرات التي سمحت للأجانب الذين كانوا يقصدون الجزائر في إطار إتفاقيات الشراكة للعمل في المشاريع المختلفة، قام أسقف وهران آنذاك بفتح أماكن لتدريس اللغة العربية في الابرشية للسماح لهؤلاء الأجانب من التواصل ومشاركة الجزائريين يومياتهم بأريحية، مبرزا أن هذه التقاليد الرامية للتقارب والحوار وزرع المحبة بين المختلفين دينيا وعرقيا وتثقافيا، لازالت متواصلة لغاية اليوم بمقر الكنيسة من خلال اللقاءات الأدبية والفكرية والإحتفالية التي تقام في قاعة «الأمير عبد القادر» وتجمع المسيحيين والمسلمين في شراكة راقية تسمو بقيم الإنسانية، للعلم فإن قاعة الأمير عبد القادر هي جزء من مركز «بيار كلافييري» بوهران وترمز لمعاني العيش معا التي سبق للأمير زرعها وسط الناس خلال معاركه وحتى يومياته وأصبح رمزا عالميا للتسامح والسلام، ويستقبل المركز أيضا العديد من الأفارقة النازحين إلى وهران الذين يلتقون مع نظرائهم المختلفين عنهم في لون البشرة وفي الديانة في بعض الأحيان لنبذ أسباب الرفض والكراهية للإختلاف مهما كان، وأشار أن طلبة أفارقة مسيحيين من الذين يقيمون في الأبرشية استقدموا ذات مرة فتاة جزائرية مسلمة تدرس رفقتهم في الجامعة ولم تجد مكانا في الإقامة الجامعية، ورغم تحاشيها في البداية لأنها مسلمة متدينة وتلبس الحجاب وتؤدي فرائضها، إلا أن الجميع تأقلم معها بل وأصبح الكل يحترمها ويحترم تدينها حتى في رمضان الجميع يؤخر طعامه لغاية آذان المغرب كي يشاركونها فطورها إضافة إلى أن الحديث بينها وبين زملائها الطلبة المسيحيين كان مفتوحا ويتناول كل المسائل دون طابوهات أو ممنوعات وكانت تجربة جميلة ودرسا في تقبل الآخر والعيش معه في سلام رغم إختلافه. كما استعرض الأب ثييري جوانب من مسيرته التي تجاوزت نصف قرن كقس في أبرشية وهران، عايش خلالها عدة حقب زمنية ومواقف إنسانية على مدار 56 سنة وهي ذات الفترة الزمنية التي عاشها في الجزائر عموما وبوهران خاصة، حيث ركز في تدخله لنماذج العيش معا منذ فتح مقر أسقفية وهران سنة 1973 من طرف الأسقف « هنري تيسيي»، وذكر في محاضرة عدة نماذج للتسامح والحوار والعيش معا التي نسجها جزائريون مسلمون مع مسيحيين، مركزا على أنه عندما يعتقد الشخص أنه يملك الحقيقة ويسمح لنفسه بالحديث بإسم الناس والعالم يسقط في فخ الشمولية والإقصاء، واستشهد المحاضر في هذا الإطار بمقتطفات من أقوال الأمير عبد القادر التي اختتم بها نداءه للسلم والسلام والعيش المشترك في كنف الحب وتقبل الإختلاف.

سياح مسيحيون يؤكدون  
 لمسنـا معـان للتعايش لم نجـدهـا في فرنسـا
لم يفوت فوج من السياح الفرنسيين المسيحيين فرصة تواجدهم بوهران التي تعودوا على زيارتها عند كل مناسبة، لمشاركة سكان المدينة إنطلاق إحتفالية «العيش معا» التي تحتضنها وهران لأول مرة وكانت البداية بمعرض للفن التشكيلي، بداية الأسبوع بمتحف الفن المعاصر أين إلتقتهم النصر.
حيث اعتبرت السيدة ماري فوايون القادمة من مدينة أفينيون الفرنسية إلى وهران الباهية، أنها تجد راحتها فيها لحفاوة الاستقبال والترحيب الذي تحظى به من طرف سكانها رغم أنهم لا يعرفونها، وتشدد المتحدثة أنها على مدار الزيارات التي قامت بها لوهران لم تشعر سوى بالأمن وبرضى سكانها وتجاوبهم معها، خاصة وأنها ناشطة في المجتمع المدني بفرنسا وتبحث خلال خرجاتها عن التقارب والتعارف والتآلف بين جميع الناس مهما اختلفت دياناتهم أو توجهاتهم، كما استحسنت السيدة ماري عمليات الترميم والتزيين التي تخضع لها عمارات وسط المدينة التي تشهد على حقبة زمنية من تاريخ وهران لأن العمران هو أيضا رمزية لتقبل الآخر مثلما أشارت، وفي شق آخر، تضيف المتحدثة أن شعور العيش معا تلمسه فقط في الجزائر، ففي أفينيون أين تعيش لا يوجد إندماج بين المسلمين الذين يوجدون بكثرة مع المسيحيين، بل كل طرف يعيش منفصلا عن الآخر حتى في الحي الواحد، ولولا بعض نشاطات الجمعيات التي تقام من حين لآخر وبعض اللقاءات في الكنيسة أو المساجد التي تشرف عليها جمعية الحوار ما بين الديانات، لا يوجد أي اتصال بين الطرفين، مشيرة أنه في المدارس اليوم يسعى جميع المؤطرين لغرس ثقافة العيش معا وسط التلاميذ المسلمين والمسيحيين لتكوين جيل مشبع بهذه القيم، وتعتقد السيدة فوايون أن الأحداث الجارية في العالم من إرهاب واضطرابات وحروب أثرت بشكل أو بآخر في الإبقاء على الهوة في العلاقات بين المسلمين والمسيحيين بفرنسا.
بينما أضاف زوجها السيد فوايون، أن الفن هو طريقة راقية للتعبير عن اختلافات الذات وإرسال رسائل قوية عن مكنونات الشخص سواء معاناة مؤلمة أو أفراح، وهو وسيلة مهمة للتعبير عن معاني العيش معا، ففي فرنسا مثلما أفاد لا نلمس هذه المعاني بشكل جيد لأن المسلمين والمسيحيين يعيشون في أحياء مختلفة ولا يوجد أماكن للإلتقاء والتواصل سوى خلال بعض المناسبات القليلة جدا التي تشرف عليها جمعيات، مبرزا أنه وزوجته يزوران الجزائر كلما تسمح لهما الظروف من أجل ملامسة مفاهيم العيش معا حيث أنهما لا يشعران بالاختلاف أثناء التجوال بالشوارع أو خلال جولاتهما السياحية في بعض أرجاء البلاد.
بينما يرى السيد ريغال، أن الجزائر متميزة وازدادت تميزا بمبادرة حملها لشعار «العيش معا» العالمي، وهي القيم التي يتمسك بها شعبها وتتجسد في سلوكاتهم التي يلمسونها خلال تجوالهم في الشوارع، وهذه الإحتفالية حسبه ستكون محفزا لإستقطاب السياح خاصة المسيحيين الحاملين لمثل هذه القيم الروحية والإنسانية لتقاسمها مع الجزائريين المسلمين، كما اعتبر محدثنا أن فرصة الإحتفال باليوم العالمي للعيش معا، سانحة لا تعوض للقاء مع الآخر والتبادل ولتقاسم قيم السلم والمحبة التي يجب أن تشمل المتدينين وغير المتدينين أيضا لتسمو بالإنسانية، داعيا لعدم تهويل ما يسمى بالإسلاموفوبيا في فرنسا لأنها غير فعالة، وأن كل الشعوب تضم أناسا خيرين وآخرين غير ذلك.
وتشدد السيدة كارولين وهي أستاذة بالثانوي، على أن «العيش معا» ضروري جدا للتعارف، و أنها تسعى لتجسيد هذه القيم وزرعها وسط تلاميذ المؤسسة التربوية التي تعمل فيها، وذكرت السيدة كارولين أنها تفاجأت ذات يوم خلال تدريسها لصف الثانوي، أن تلميذا مسلما شارك في حصة نشاط حول المحادثة بالصور، حيث اختار صورة رسم فيها ثلاثة رموز دينية « رجل دين مسيحي، إمام مسلم ورجل دين يهودي» معتبرا أن قيم العيش معا ساعدته على فهم دينه الإسلامي جيدا. أما بخصوص تواجدها بوهران، تشير بأنها تشعر بإرتياح كبير كلما زارت المدينة خاصة عندما يبادلها السكان التحية والإبتسامة رغم أنهم لا يعرفونها.

الفنانة الروسية ماجدولينا  
     زاوجت بين المسيحية والإسلام في حي شعبي بوهران
بدايتنا كانت مع «ماجدولينا» الفنانة الروسية المسيحية التي عشقت الجزائر ووهران وأعتنقت الإسلام لما وجدت فيه من قيم التسامح والعيش المشترك مثلما قالت للنصر، حيث أن ماجدولينا فنانة تشكيلية تطور أفكار السلام والتسامح من خلال لوحاتها التي تجوب بها العالم، لتعود إلى وهران لتغترف القيم النبيلة، وقالت ماجدولينا أنها عاشت حياتها في ظل المسيحية التي وجدت عليها عائلتها في موسكو، ولكنها اكتشفت الإسلام عندما تزوجت بمسلم، وهي أول خطوة لها في معانقة ديانتين مختلفتين وثقافتين مختلفتين وكانت تجربتها مفعمة بالطمأنينة والشعور بالراحة خاصة مع احتضان عائلة زوجها لها، وأضافت أنها تقطن بوهران منذ سنتين وفي بدايتها كان البعض يتردد في التعامل معها لأنها أجنبية ومسيحية ولكن سرعان ما تمكنت من الإندماج ولم تجد مشكلة في التواصل مع المواطنين الذين إحتضنوها وهي اليوم تسكن في حي شعبي ساخن بالمشاجرات اليومية والاعتداءات ، ولكن هي تشعر بالأمان لأن الجميع يحترمها لدرجة أن البعض نسي أنًها أجنبية خاصة بعد  إسلامها وإتقانها الحديث باللغة الدارجة الوهرانية. وروت لنا ماجدولينا بعض قصصها مع الأسر الوهرانية حيث قالت أنهم يحترمون الأجنبي ويرحبون به بطريقة جيدة ويتضاعف هذا التعامل الحسن عندما يعرفون أن هذا الأجنبي إعتنق الإسلام، وركزت محدثتنا على أن الأهم هو أن كل الناس أبناء آدم وهو العامل المشترك بين جميع البشر، مشيرة أن الخير والشر موجودان في كل بقاع الدنيا وأنها في الجزائر وجدت الراحة والأمان والنخوة والشهامة وكررت لنا أمنيتها بأن تدفن في الجزائر التي عشقتها، مثلما أكدت مبرزة أنها اليوم مسلمة وتزور أهلها المسيحيين لترسخ بهذا ثقافة العيش معا.

أُسقف وهران جون بول فيسكو
  نسجت هنا علاقات صداقة ومحبة
عاد بنا أسقف وهران الحالي جون بول فيسكو إلى سنوات نهاية التسعينات حين تم اغتيال الأسقف بيار كلافيري من طرف الإرهاب، حيث قال أنه حينها لم يسبق له وأن زار الجزائر ولم تكن له علاقات شخصية مع الجزائريين، ولكنه استجاب من عمق قلبه لنداء تعويض الأب كلافيري على رأس أسقفية وهران، وهذا دون خلفيات أو أحكام مسبقة خاصة تلك المرتبطة بالذاكرة والتاريخ، بل بالعكس فمن الصدف أن ميلاده تزامن مع إعلان وقف إطلاق النار بعد مفاوضات إيفيان في مارس 1962، وأوضح محدثنا أن تسلمه مهام الأسقفية بوهران ساعده على التعرف بعمق على الجزائر وشعبها الذي قال أنه أحبه مباشرة، فرغم بعض الصعوبات إلا أنه شعب يحمل الكثير من السعادة والعلاقات الأخوية. ونوه الأسقف فيسكو بالشباب الجزائري الذي قال أنه يحمل إرادة قوية في فرض الوجود وإثبات الذات والرغبة في الوصول للهدف وبفضل هذه الطاقة ويؤكد «أرى الجزائر بلدا يعد بالكثير في المستقبل»، معتبرا في حديثه للنصر أن تاريخ الجزائر المستقلة لازال في بدايات كتابته وسيكون مشعلا للأجيال القادمة، كما أشاد بالأمن والسلام اللذين يشعر بهما في وهران خاصة والجزائر عموما، وبعلاقاته الجيدة مع المواطنين، ويضيف أن ما شدّ انتباهه وأثر فيه كثيرا هو حب وتمسك الجزائريين بالراية الوطنية ودفاعهم عن وطنهم حتى في أحلك الأوضاع لا يتخلون عن بلدهم، مبرزا أنه خصص جزء  كبيرا من مؤلفه «الصداقة» للجزائر والجزائريين خاصة الذين نسج معهم علاقات صداقة وأخوة ومحبة، و قيم «العيش معا» التي تحمل معاني عميقة عن الجزائر رغم وجود بعض المقاومين للفكرة، مما يعكس المفهوم الحقيقي لتقبل الآخر. وحتى البلدان التي صادقت على تبني مفهوم «العيش معا» في العالم تحمل إرادة أيضا لتجاوز الأوضاع وترسيخ قيم السلام في ظل تواصل الحروب والنزاعات.

 

 

 

الرجوع إلى الأعلى