مكنت تجربة المصالحة الوطنية التي قادتها الجزائر منذ قرابة 13 سنة بقيادة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، من إنهاء مأساة وطنية طاحنة، أزهقت فيها الأرواح ونزفت فيها الجراح وسالت فيها دموع اليتامى والثكالى وعمّ فيها الخراب بما أوشك على تقويض أسس الدولة.
عبد الحكيم أسابع
هذه التجربة الفريدة من نوعها في التاريخ المعاصر التي كانت امتدادا لسياسة الوئام المدني مازالت تعطي ثمارها إلى اليوم في إطار بقاء الأبواب مفتوحة لميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي ينظم هذه التجربة من حيث التدابير القانونية.
إن تجربة المصالحة الوطنية أصبحت محل اهتمام المجموعة الدولية قاطبة كنموذج عملي للعيش معا في سلام ولفض النزاعات الداخلية للشعوب والتي تدكيها وتؤججها في الغالب استقطابات أجندات خارجية للقوى العظمى.
ومثلما تسعى دولة مالي إلى لملمة شتات الفرقاء، مقتدية بتجربة المصالحة الوطنية في الجزائر، بعد توقيع اتفاق السلام الذي رعته الجزائر، تسعى دول أخرى على غرار ليبيا والعراق لوأد مرحلة الصراعات، حيث تبحث جميع الحساسيات المتناحرة على العيش معا في سلام، بالاستلهام من تجربة المصالحة الوطنية الجزائرية التي أثبثت نجاعتها منذ 2005 وظلت هذه النجاعة تتأكد وتتعزز مع مرور السنوات.
لقد امتصت الأزمة الأمنية التي عاشتها الجزائر خلال سنوات المأساة الوطنية، من أجساد الجزائريين كثيرا من الدم، فقد حصدت العشرية السوداء أرواح أكثر من  200 ألف ضحية وخلفت خسائر مادية جمة في عدة قطاعات من بينها قطاع التربية الذي استهدف بما لا يقل عن 900 عملية إرهابية كما مس الاقتصاد الوطني بما لا يقل عن 706 عمليات نفذت ضد الوحدات الإنتاجية.
وأمام تلك الظروف العصيبة التي مرت بها البلاد و مجيء رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم، كانت أولى تحدياته ووعوده تتعلق بعودة الأمن والاستقرار،‮ وإطفاء نار الفتنة، ‬وكانت معها أولى نجاحاته بعد أن حققت المصالحة الوطنية أهدافها،‮ ‬مع إستراتيجية رائدة في‮ ‬مكافحة الإرهاب، وهي إستراتيجية شاملة تهدف إلى الحد «نهائيا» من الإرهاب ومصالحة أمة «مجروحة».
وقبل أسابيع من استفتاء الشعب الجزائري على ميثاق السلم والمصالحة، قال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مخاطبا الشعب الجزائري «ما جئتكم لأفرض حلا، بل من أجل فصمه عن مصير الجزائر، من ثمة سنستمد القوة الضرورية للرجوع إلى الجادة، وبعث روح المواطنة، والمساوقة على الدوام بين حقوقنا وواجباتنا، وللتجند في نهاية المطاف جيلا بعد جيل لبناء وطننا، تلك المأثرة التي تستمر على مر الحقب والعصور».
و بإجراء هذا الاستفتاء الذي تمت تزكيته بنسبة تقارب 89 بالمائة، أراد الرئيس أن يشرك كل الجزائريين في هذا الميثاق، لأنه منهم ولهم وبهم، وبالتالي فلهم أن يدلوا بدلائهم فيه حتى يدركوا أن ما يتم من ترميم لأرواح الجزائريين المدمرة بفعل سنوات العنف والجنون، لا يمكن أن ينجز إلا باستعادة الوعي المفقود والشعور بأن كل الجزائريين محكوم عليهم بالعيش معا مهما اختلفت المشارب والأذواق والآراء.
وبفضل هذا الميثاق الذي كرس المصالحة الوطنية، اجتازت الدولة، الحاجز، الذي نصب لها بفضل التضحيات الجسيمة التي قام بها أفراد الجيش والأمن والمقاومين والمواطنين في كل المواقع،  إذ كلما ازداد منحنى الأزمة تصاعديا عبر السنوات، كان عود الدولة يشتد ويزداد صلابة بمواصلة مقاومة الإرهاب، وبإعلان الحلول السياسية المصاحبة له، بعيدا عن أي تدخل أجنبي رغم الأيدي الخفية التي كانت تمتد في الظلام لتفعل فعـلها وتزيد من عمر الأزمة والفرقة بين الجزائريين.
وفعلا فقد كان من الضروري قطع دابر المؤامرة على الجزائر ومستقبلها، بهذا المشروع الإستراتيجي الضخم ( المصالحة الوطنية )، بتقديم الحلول المفيدة، على الطريقة الجزائرية الخالصة، التي درج عليها آباؤنا وأجدادنا في فض المشكلات التي تحدث بين العائلات والأعراش.
وقد تمكّن النسيج الاجتماعي الجزائري من تجاوزِ المرحلة الأولى الهامّة للمصالحة الوطنية المتمثلة في التسامح إلى المرحلة الثانية المهمّة، وهي التعايش السلميّ والثقافيّ بين مختلف مكوّنات المجتمع الجزائري عموما وبين الأطراف المعـنيّة بالمصالحة الوطنية خصوصا.
فإن كان الوئام المدني قانونا سياسيّا ومدنيا سمح للجميع بالعودة إلى واقع الوطن الأم والدولة المدنية التي أسّس لها الدستور الجزائريّ، فإن المصالحة الوطنية التي أثبت تطبيقها في الميدان بأن صلاحيتها لا تنتهي، ويمكن أن تكونَ مرجعا حقيقيا فعّالا للأجيال الجزائرية القادمة، تعود إليه كلّما اقتضت ضرورة المحبّة والتسامح والتعايش والتصالح.
فالمصالحة هي في النهاية، حماية للمصلحة الوطنية، وتكريس لثقافة التسامح المؤسس على أن المجتمع محكوم عليه بحماية نفسه من الانهيار، وأن الدولة القوية وحدها القادرة على فرض سلطان القانون والتجاوز عن التجاوزات المشينة إن كان في ذلك دفع لبلاء مستمر.
لقدْ كسبتِ الجزائر بفضل المصالحة الوطنية رهان التعايش والمحبّة، وفوّتت الفرصة على دعاة الموت والدمار، وشكّل ميثاق السلم والمصالحة الوطنية جدار الصدّ الذي سقطت عندهُ محاولاتهم اليائسة لعولمة الموت واستسهال النفس البشرية، وعلى القدر نفسه من قوة جيشنا الشعبي الوطنيّ في التصدّي للتطرف والإرهاب على حدودنا الجغرافيّة، شكلت المصالحة الوطنية قوّة لحماية حدودنا الثقافيّة من العدوّ نفسه ومن التطرف والإرهاب، كما حافظت على مؤسسات الدولة وعلى الوحدة الوطنية.
تجربة تصدرها الجزائر بفخر لتسوية الأزمات الأمنية
إن مسار المصالحة الوطنية في الجزائر أصبح يتخذ كمثال يحتذى به ومصدر إلهام للعديد من الدول التي تريد إيجاد حلول داخلية وتجنب التدخل الخارجي في بلدانها، نظرا لما حققته هذه التجربة للشعب الجزائري، إذ أن ثمار المصالحة لم تقتصر على استتباب الأمن والسلم، ولكن تجاوزتها لإرساء دعائم الدولة العصرية بكل المقاييس، وهو الأمر الذي انعكس على سمعة الجزائر ومكانتها،  ما جعلها تصبح نموذجا لتسوية الأزمات الأمنية سلميا دون عنف ودون تدخل أجنبي وقد كانت إسهاماتها الواضحة في حل المشكل المالي والمشكل الليبي من خلال جمع فرقاء هذين البلدين على طاولة الحوار.
ففي الشقيقة ليبيا، دعا عضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، علي الصلابي، قبل سنة الجزائر إلى رعاية مؤتمر وطني للسلام والمصالحة في ليبيا،  وقال الصلابي، في تصريح للصحافة أنه يعتقد  أن الجزائر بتجربتها الفذة، مؤهلة أكثر من غيرها لرعاية مؤتمر ليبي شامل للسلام والمصالحة.
كما سبق وأن طلب رئيس الوزراء الليبي عبد الله الثني، قبل سنوات مع اشتداد الأزمة الليبية، من الجزائر «القيام بدور أكبر في المصالحة الوطنية»، باعتبارها تحتضن الحوار بين الأحزاب والشخصيات السياسية الليبية، وقال الثني آنذاك أن زيارته إلى الجزائر تهدف إلى تشجيع إخوتنا في الجزائر على القيام بدور أكبر في المصالحة الوطنية في البلاد».
من جهته أكد رئيس المجلس الأعلى للمصالحة فى ليبيا محمد الهوش، قبل أشهر أن الجزائر من الدول الداعمة للمصالحة الوطنية في ليبيا، وقال خلال استقباله من قبل وزير الشئون الخارجية عبد القادر مساهل، بالجزائر العاصمة «تلقينا دعوة من وزير الشؤون الخارجية عبد القادر مساهل لزيارة الجزائر وتقديم رؤية واضحة وشاملة لحل مشكلة ليبيا».
وأضاف الهوش على هامش ورشة دولية تحت عنوان «دور المصالحة الوطنية فى الوقاية من التطرف العنيف والإرهاب ومكافحتهما» «أن الجزائر من الدول الداعمة بقوة فى هذا الاتجاه، لما لها من تجربة سابقة فى هذا المجال، ننتهز هذه الفرصة لتواجدنا فى الجزائر لتقديم ورقة عمل فى إطار الورشة الدولية حول المصالحة الوطنية والوقاية من التطرف والإرهاب، وستكون هناك رؤية شاملة لحل مشكلة ليبيا».
وقال «طيلة أربع سنوات ونحن نعاني، و نأمل أن يكون دور الجزائر أكبر من أجل لم شمل الليبيين والقضاء على هذه الفوضى».
وخلال ذات المؤتمر أكد سفير المملكة المتحدة بالجزائر أندرو نوبل على ضرورة التعريف أكثر فأكثر بالمصالحة الوطنية التي تبنتها الجزائر، حيث قال ‹›لا أعرف بلدا آخر، عانى من ويلات الإرهاب بقدر ما عانته الجزائر، لذا يتعين أن يتم التعريف بشكل أكبر بتجربة المصالحة الوطنية التي انتهجتها››.

مالي تستلهم من المصالحة الوطنية الجزائرية مشروعها للوفاق
استلهمت مالي من التجربة الجزائرية في اجتثاث الإرهاب من على ترابها، وتتجه لتطبيق تدابير المصالحة الوطنية التي مكنت من وضع آلاف الإرهابيين للسلاح في الجزائر والاندماج في الحياة العامة، بالإضافة إلى تعويض الضحايا المعترف بهم.
فقد سبق وأن أعلن الرئيس المالي إبراهيم أبو بكر كايتا عن مشروع قانون للمصالحة الوطنية في البلاد شبيه بالتجربة الجزائرية، وقال في رسالته بمناسبة نهاية العام المنصرم،  سوف تقترح الحكومة المالية قانونا للوفاق الوطني يعفي من الملاحقة القضائية جميع من شاركوا في التمرد المسلح، شريطة ألا تكون أيديهم ملطخة بالدماء، وقال ‘’ إن مشروع قانون الوفاق الوطني الذي سيعرض في الأسابيع المقبلة سوف ينص على الإعفاء من المحاكمة لجميع من تورطوا في التمرد المسلح، شريطة عدم تلطخ أيديهم بالدماء.
وفي هذا الصدد أشاد رئيس النقابة المستقلة للقضاة بمالي، الشيخ محمد شريف كوني، بالجهود التي بذلتها الجزائر في سبيل تحقيق اتفاق السلام.
وقال الشيخ محمد شريف كوني، في تصريح اللنصر على هامش لقاء للقضاة الأفارقة مؤخرا بالجزائر العاصمة ‘’ إن اتفاق السلام في مالي والتوجه نحو استنساخ التجربة الجزائرية للمصالحة الوطنية، التي تشكل الأرضية الصلبة لاتفاق السلام في مالي  ستمكن من دون شك من بسط مناخ السلم والأمن والاستقرار في شمال البلاد’’ مضيفا، ‘’ إن لجوء مالي لجعل الجزائر راعيا ومرافقا للعملية السلمية في البلاد، جاء من باب قناعة الماليين بأن الجزائر شريك جاد وموثوق منه’’، مبرزا بأنه بفضل الجهود الجزائرية المبذولة فإن ‘’الثقة بين الأطراف الموقعة على اتفاق السلام في البلاد قد تحسنت على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، أكثر فأكثر’’،.
وفي سياق ذي صلة سبق وأن أكد برلمانيون فرنسيون في تقرير توج بعثة الى مالي والنيجر ما بين 12 و 15 مارس الأخير، على الدور «المحوري» للجزائر في مجال السلم والاستقرار في بلدان منطقة الساحل، حيث جاء في تقرير البعثة
‘’لا يمكن تسوية شيء في منطقة الساحل دون الجزائر إذ لا يمكن تصور سلام و استقرار في هذه المنطقة الشاسعة بمعزل عن الجزائر».
ومعلوم بأنه اعترافا بدور رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في‮ ‬مكافحة الإرهاب والتزامه الشخصي‮ ‬في‮ ‬تسوية النزاعات في‮ ‬إفريقيا،‮ فقد ‬عين من قبل نظرائه الأفارقة نائبا لرئيس الاتحاد الإفريقي‮ ‬سنة‮ 7102 ‬ومنسقا إفريقيا لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف‮.

ثمرة النتائج والأبعاد الدولية لميثاق السلم والمصالحة الوطنية
الجزائر في طليعة البلدان الأكثر أمنا ونموذج في ترسيخ قيم التسامح والعيش معا
لاشك أن المصالحة الوطنية ستظل تشكل العنوان الأبرز في كتب تاريخ الجزائر المعاصرة، سواء تلك التي يدونها المؤرخون، أو تلك التي يكتبها الساسة والمفكرون، أو حتى تلك التي تجود بها قرائح الشعراء والأدباء ممن تغنوا بأفضالها وأمجادها ، كيف لا وهي التي انتقلت بالبلاد من مرحلة الدم والدموع إلى مرحلة الأمن والاستقرار، مكرسة لقيم المحبة والتسامح والإخاء والعيش معا، وهو ما كانت له انعكاساته الإيجابية على واقع التنمية التي قفزت بالبلاد من حالة الحطام والخراب والدمار إلى حالة الرقي والنماء والازدهار التي يشهد عليها البعيد قبل القريب ، ويعترف بها العدو قبل الصديق.
كما أنه من الانعكاسات الإيجابية للمصالحة الوطنية والأبعاد الدولية التي اتخذتها، مصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على مبادرة الجزائر بالإجماع على لائحة تعلن من خلالها يوم 16 ماي يوما عالميا للعيش معا بسلام يندرج في إطار جهود ترقية قيم ثقافة السلم والمصالحة على المستوى الدولي.وهناك اعتراف دولي آخر من نتاج ترسيخ بلادنا لقيم السلم والتسامح والعيش معا، ‹›الثمين››، حيث كشف التصنيف الأخير الذي وضعته دراسة قامت بها مؤخرا المنظمة الأمريكية المختصة في الإحصائيات ‹›غالوب›› بأن الجزائر قد احتلت المرتبة الأولى إفريقيا والمركز السابع عالميا من حيث البلدان الأكثر أمنا.
ويأتي هذا التصنيف بعد النتائج جد الإيجابية التي تم تحقيقها في مجال مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار الاجتماعي، علما أن منظمة «غالوب» التي أعدت الدراسة اعتمدت على جملة من المعطيات الموضوعية وعلى معلومات تم جمعها من الميدان واستقاؤها من مواطنين جزائريين.
ع.أسابع

المحامي مروان عزي
مشروع استراتيجي حافظ على الوحدة الوطنية ولم الشمل
وصف الرئيس السابق لخلية المساعدة القضائية لتطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، المحامي مروان عزي، المصالحة الوطنية التي بادر بها الرئيس بوتفليقة، بأنها ‹› مشروع استراتيجي كبير›› وقال بأن هذا المشروع ‹›النموذجي›› قد جاء بعد سنوات من العنف والدماء، بحلول متدرجة›› حيث بدأنا بمرحلة الوئام المدني الذي كان عبارة عن قانون تقني عالج ملف الأشخاص الذين كانوا يرغبون في تسليم أنفسهم.
وقال ‹› إن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية سمح بالحفاظ على الوحدة الوطنة  وعلى مؤسسات الدولة، واستعادة السلم والاستقرار والشروع في إعادة بناء البلاد.
وأضاف ‹› لاحظنا في الميدان أن آلية الوئام المدني لم تكن لتكفي لمعالجة المأساة الوطنية وغلق الملف، إذ كان لابد من الاتجاه إلى مشروع أكبر يعالج المأساة الوطنية في شقين: وهما، ‹› فسح المجال للأشخاص لتسليم أنفسهم في إطار يد الدولة الممدودة لأبنائها المغرر بهم، من جهة  ومعالجة تداعيات المأساة الوطنية التي يتوجب معالجتها من جهة أخرى، مبرزا بأن  المصالحة الوطنية قد حققت ثلاث نجاحات بحيث أنه  ‹› أدت إلى لم الشمل ووقف نزيف الدم، والعيش معا  فبالوئام والمصالحة استفاد آلاف الأشخاص ( 15 ألف تائب إلى غاية 2015 فقط 6000 في إطار تطبيق تدابير الوئام المدني و 8000 في إطار تطبيق تدابير المصالحة الوطنية )، وكلهم عادوا إلى المجتمع ووضعوا أسلحتهم››.
وقال ‹› بالرغم من العدد الضحم للذين استفادوا من المصالحة وضحايا الإرهاب لم نر وقوع حساسيات او تصفية حساسيات بين أطراف المصالحة الوطنية ما يؤكد أن المصالحة نجحت في أن تكون نموذج وطني ‹›غير مسبوق›› في تحقيق العيش معا في سلام لأبناء الوطن الواحد، وهي تجربة ونموذج، يحتدى به من طرف مختلف بلدان العالم سيما البلدان العربية التي شهدت صراعات داخلية بسبب الأجندات الأجنبية على غرار العراق وسوريا وليبيا وتونس واليمن  إلى جانب مالي››.
وأضاف المتحدث ‹› لقد سمح التكفل بضحايا المأساة الوطنية المتضمن في ميثاق السلم و المصالحة الوطنية، الذي تم تزكيته عن طريق استفتاء شعبي سنة 2005، باحتواء مخاطر التطرف و الحفاظ على تماسك المجتمع و وحدته، وتم إقرار سلسلة من القوانين و المراسيم لتطبيق فعلي لهذا الميثاق في  أرض الواقع والذي ترتب عنه استتباب السلم و الاستقرار في جميع انحاء الوطن و  ساهم في تعزيز انسجام المجتمع الجزائري.
ومعلوم أنه فيما بتعلق بملف المفقودين،فقد سنت الدولة تدابير سمحت بالإحصاء الرسمي لـ  7144 عائلة فقدت أحد أو العديد من أفرادها بحيث استفادت 7100 عائلة من  تعويضات.
وقررت الدولة، طبقا لتدابير هذا الميثاق تقديم تعويضات لفائدة 11224 من  عائلات الارهابيين المحتاجة.

عضو المكتب الدائم للحقوقيين العرب ، بوجمعة صويلح:
الوئام المدني والمصالحة لا يضاهيهما أي قانون في قوتهما منذ ربع قرن
‹› أكثر من ربع قرن من العمل الأكاديمي القانوني والتشريع البرلماني، وحتى السياسي لم ألمس أية قوة قانونية تشريعية نافست أو ضاهت ما حققته ترسانة قوانين الرحمة  والوئام المدني، وميثاق السلم والمصالحة الوطنية في العدل والإنصاف وإحقاق الحق ‹›.
وكانت تجسيدا لتلاحم المجتمع بين أفراده والابتعاد عن الكل قوة في المأساة الوطنية، والدعوة للحوار والابتعاد عن العنف بما يخدم الصفح والعفو عند المقدرة.
المصالحة الوطنية جسدتها السلطات العليا للدولة والتف حولها الشعب بجميع مؤسساته من رئاسية وعسكرية وبرلمانية وإعلامية ومن مختلف مؤسسات  الدولة بما في ذلك الجالية الجزائرية بالخارج.
مصالحة، عالجت بجروعات متتالية وبإجراءات إجرائية قانونية أمنية اجتماعية تضامنية لتجفيف منابع الغضب وتحقيق سيادة القانون.
مصالحة دفعت بالبلاد إلى تحقيق الإنجازات الواعدة وتسعى إلى التفعيل والتطوير وسط تربة نقية من التأسي الدستوري والمؤسساتي لرقي المواطن وحمايته في أمنه وممتلكاته والعيش معا في أمن وسلام وطمأنينة دفاعا عن مجاله السيادي في دولته دون تدخل أو تهوين أو تقويض ليعيش سيدا في بلد المليون ونصف المليون شهيد››.

العلامة الشيخ التواتي بن التواتي الأغواطي الأمازيغي
رئيس الجمهورية إحترم كل مقاصد الشريعة في مبادرته التي حقنت الدماء
‹›لقد أدرك رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، عندما بادر بمشروع المصالحة الوطنية، سر قوله تعالى: (والصلح خير)النساء/128، فحين دعي إلى سدة الرئاسة وبايعه الشعب الجزائري رئيسا اشترط للقيام بهذه المهمة ألا يكون ربع رئيس وإنما يكون رئيسا كامل الصلاحيات، ووعد الشعب الجزائري بأنه سيحقق الأمن والاستقرار حتى أن المسافر من الجزائر إلى تمنراست لا يرعبه أحد ولا يخيف أحد ولا يخاف إلا من الله تعالى، وتحقق ذلك، ووفى بما وعد، ولازال واقف كالطود رغم ما أصابه من مرض إلا أنه نسي نفسه وبقي مقاوما ليحقق أماني وآمال هذا الشعب عن طريق دعوة الأمة الجزائرية إلى التشبث بالمصالحة؛ لأنها الطريق الأسلم لحقن دماء الجزائريين ولبناء مجتمع جزائري حديث متشبع بالروح الوطنية، وحباه الله سبحانه وتعالى ببطانة لا نشك في إخلاصها فهي راعية لبرنامجه المبني على القاعدة القرآنية وهي قوله تعالى: (والصلح خير)النساء/128››.
وأخذا بالقاعدة الفقهية أن المصالحة لا تجوز إلاّ للضرورة وهنا ما قام به الرئيس بوتفليقة الضرورة الظاهرة للعيان، وهي حقن الدماء ورأب التصدع الذي أوشك أن يؤدي ببناء الدولة الحديثة. يقول أهل الفقه: عقد المصالحة لا يجوز إلا لضرورة ولا يعقده إلا الإمام، والرئيس بوتفليقة بوصفه إمام مبايع من طرف الشعب الجزائري مخول له بعقد المصالحة إصلاحا لذات البين، وحفاظا على الدين الذي شوّهه البعض تعطشا للسلطة بغطاء ديني بدعوى أنهم يمثلون الدين وهم في الحقيقة أدعياء الدعوة إلى  الدين.
والمصالحة مشروعة قرآنا وسنة وإجماعا: أما القرآن فقوله تعالى:  (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله) الأنفال/61، وقوله تعالى: (والصلح خير)النساء/128، وقوله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما)الحجرات/9 وقوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم)الحجرات/10  
وأما السنة فقوله: «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا»، والإجماع فقد أجمعت الأمة على جوازه، وهو الأفضل حقنا للدماء ودرءا للمفسدة.  
فإذا كانت المصالحة جائزة ومشروعية مع المشركين فكيف بها بين أفراد الشعب الواحد، لإرجاع من ضل الطريق إلى طريق الهدى ولحقن الدماء.
لقد رغّب الإسلام في المصالحة، ودعا إليها، وإن الجنوح إلى المسالمة وترك القتال من المبادئ التي دعا إليها الدين الإسلامي بقوله تعالى: (إن جنحوا للسلم فاجنح لها) الأنفال/61، أي: إن مالوا إلى المصالحة فمل إليهم وصالحهم، والمعتبر في ذلك مصلحة الإسلام والمسلمين، فيجوز عند وجود المصلحة دون عدمها، ولأن عليهم حفظ أنفسهم بالموادعة، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صالح أهل مكة عام الحديبية على وضع الحرب عشر سنين، ولأن الموادعة إذا كانت مصلحة المسلمين كان جهادا معنى؛ لأن المقصود دفع الشر وقد حصل ، وتجوز الموادعة أكثر من عشر سنين على ما يراه الإمام من المصلحة؛ لأن تحقيق المصلحة والخير لا يتوقت بمدة دون مدة.
والمصالحة هنا قد احتيج إليها لانتفاء حراب من ضل السبيل، وقد جعل الفقهاء للمصالحة شروطا بحسب ما يحصل الاتفاق عليه ما لم يكن في الشروط فساد المسلمين، ومضار بالدين.والوطن.
وضابط المصالحة متفق عليه بين جميع الفقهاء وخاصة الفقهاء الأربعة، ومنهم مالك ومذهبه هو المذهب الغالب في ربوع وطننا المفدى، وقد نص فقهاؤنا المالكية في مصنفاتهم على تعيين المصالحة للإمام إذا رأى في ذلك تحقيق ما يعود على رعيته بالأمن والاستقرار- وذاك ما رآه وانتهجه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة››.

 

الرجوع إلى الأعلى