ظـــروف العيـــش الكــريـــم مـضمونــــة لـلجميـــع في الجـزائــر

أبو محمد العطار.. سوري استقر بالجزائر منذ 21 عاما
ظــروف العيــش الكــريم مضمــونـة للجـميــع في الجــزائـر
يعتبر أبو محمد العطَّار «55 عاما» ابن حلب، سوريا، الجزائر بلدهُ الثاني بامتياز، بعدما فتحت له أبواب العمل والرزق والاستقرار بمدينة قسنطينة، عاصمة شرق البلاد، قادما إليها العام 1997، للتِّجارة، واستقرَّ به المُقام ليكوِّن عملا قارًّا وعائلة.
عن اختياره الجزائر، قال أبو محمد أنه جرَّب العمل في بلاده، وكذا الأردن ومصر وليبيا، بعدما قضى تجربة أولى في العاصمة، وارتحل نحو الجارة الليبية، لكنَّه لم يجد ذات المعاملة واللِّين في التجارة والطباع، حسبه، ليقفل راجعا إلى الجزائر ويستقر في قسنطينة، العام 2011، معترفا في ذات السياق أنه في بلده الثاني ودون أي إشكال، فقد كوَّن ورشة للخياطة واكترى محلا ليبيع فيه منتوجاته، حيث يعمل معه ما يفوق 100 جزائري يقتاتون وعائلاتهم ممَّا تنتجه أيديهم، رغم ركود التجارة، نوعا ما، مؤخرا.
وفي سؤال «النصر» عن استقراره مقارنة ببلاده سوريا، ردَّ أبو محمد العطَّار أنه لا فرق عنده بين الاثنين، في العادات والتقاليد والأعراف، وحتى الطباع والأكل والمناخ العام، أولا لامتداد العلاقات بين الجزائر وسوريا إلى زمن رحيل الأمير عبدالقادر إليها، متذكِّرا جيرانه في حلب من أقرباء الأمير، والكثير من الجزائريين الذين لازالوا يحملون ألقابهم إلى اليوم، ضاربا المثل بالمدعو ياسين الجزائرلي مالك أحسن مصنع للجوارب في حلب، آنذاك.
وعن ظروف العيش والتمدرس والاستقرار بعيدا عن بلد الأجداد، ردَّ تاجر الأقمشة والألبسة الجاهزة أن أبناءه وأولاد بناته يدرسون بشكل عاديٍّ هنا، ولديه منزل في حيّ بوالصوف، وشدَّد على ذكر الظروف الجيدة التي يعيشها بسبب طيبة الشعب الجزائري «لديَّ شقيقتان تزوجتا جزائريين، تعيشان حاليا بالعاصمة، الشعب طيب ويخاف الله، وأموري على أحسن ما يرام، لم أختر الجزائر هربا من الحرب والمشاكل، بل عن قناعة وحبٍّ، وحتى المناخ يشبه كثيرا الفصول الأربعة بحلب، لا أنسى شيئا أبدا في قسنطينة، عندما نقصد المستشفى للإستطباب لا يسمحون لنا بدفع فلس واحد، هذا كرم طائيٌّ لم أر مثله في حياتي».
وأضاف محدثنا أن حوالي 500 ألف سوري يعيشون في هدوء واستقرار تامٍّ بالجزائر، وبكل ولاياتها، حيث يمتهنون الصناعة والتجارة والزراعة وبيع الأكل الجاهز، حيث وجدوا الظروف مهيئة، مشيرا لصديقه الشاب إبراهيم السوري العامل معه بالمحل، والذي جلب عائلته واستقر هو الآخر في قسنطينة، معتبرا هذا البلد أصيلا بالتاريخ والثقافة والحضارة والعلم، ويشهد تطورا ملحوظا، على حدِّ قوله، خلال الأعوام الأخيرة في كل المجالات.
وعن نظرة الجالية للجزائر قال أبو محمد «الجزائر هي الأم والحاضن منذ القدم، حكومة وشعبا، على سبيل المثال، منذ الصغر وأنا عاشق للزعيم هواري بومدين، والعلامة ابن باديس، أما الأمير عبدالقادر فهو الرَّمز، ولا ننسى العلاقات الطيبة بين البلدين ، الكثير من المدرسين والأساتذة هاجروا إلى الجزائر لتمرير شعلة العلم لأبنائها وبناء نهضة قوية بسواعد الجيل الصاعد».
وفي سؤالنا عن دور هذا البلد في النهوض بالأمة العربية والإسلامية، قال أبو محمد العطار أن الجزائر، حكومة، قادرة على مساعدة سوريا واليمن والعراق وكل الدول على تجاوز محنتها، والتأكيد مع جامعة الدول العربية على حلِّ القضايا العالقة، وإخماد الحروب، بل وبإمكان الجزائر ان تكون حاضنة، رياديًّا، لأفريقيا والعالم العربي.
وتمنى هذا السوري ــ الجزائري ألا يعاتبه أهل البلد في شيء واحد فقط، يرجو تغييره، وهي أن الجزائر أمَّة عربية مسلمة، ولغة الأجداد هي لغة القرآن، ويجب الابتعاد عن استعمال الفرنسية في الحياة اليومية «تركيا مكثت في سوريا أربعة قرون ولا نتكلم التركية، فما بالك بالفرنسية ولم تكمث هذه الدولة المستعمرة فيكم سوى 132 سنة».
وحذَّر أبو محمد العطَّار من خطر اليهود الذين يفتعلون المشاكل والحروب في الدول النَّامية، خاصة العربية والمسلمة، على غرار الجزائر، مسمِّيا ما حصل في تسعينيات القرن الماضي بأمر مدبَّر لنشر العصابات في بلد المليون ونصف مليون شهيد، نظرا لأنَّ البلد يشهد تطورا اقتصاديا وعلميا وسياسيا كبيرا، وما حدث لسوريا كان لوقف تقدمها بعدما كانت، على حدِّ قوله، تصدِّر الصناعة والتكنولوجيا لألمانيا وفرنسا وأمريكا.
فاتح خرفوشي

محمادو.. ماليٌّ  يقطن السويقة بقسنطينة منذ 4 أعوام
أعيـش بســلام في الجـزائـر هـربـــا من الحــروب والفقـر
«لا يقدِّر النعمة إلا من فقدها»... هو المثل الذي ينطبق في موضوع الحال على يوميات الجالية المسلمة المقيمة بالجزائر، وتحديدا بقسنطينة، التي ابتعدت عن الأهل والديار لأسباب مختلفة، وهو حال «محمادو» 25 عاما، من باماكو، مالي، الفارِّ من الفقر والحروب ليجد عملا بسيطا يسدُّ به حاجته وحاجة عائلته، ورغم تكراره عبارة «الحمد لله» لما سألناه عن حاله وكيف يقضي أيامه في الغربة، آملا في سنَّ قوانين أكثر مرونة لمنح الجنسية للراغبين في الاستقرار بهذا البلد، خاصة من الجيران.
محمادو إسكافي يعرفه الكثير من سكان البطحة وسيدي بوعنابة، بالمدينة العتيقة، بقسنطينة، يوزِّعُ التحية بلغة عربية يختلط فيها اللسان المالي السواحلي، على من يحييه من المارَّة، منغمسا في تصليح الأحذية والنعال بسرعة ودقة عالية، وبثمن بخس، حتى يكسب زبائن «أوفياء» ولو على حساب تعبه وصحته.
اقتربنا من محمادو، وظنَّ في باديء الأمر أننا زبائن جئنا نصلح أحذيتنا، لكن بعد التعريف عن أنفسنا، تبدَّلت نظراته بعض الشيء، ولم يفهم سبب الزيارة، ما جعلنا نمضي معه وقتا طويلا بين الثرثرة ومحاولة كسب ثقته فينا، وأننا مجرد جريدة تحاول محاورته بخصوص كيفية العيش في الجزائر بعيدا عن الأهل، وما إذا كان يحسُّ بالطمأنينة والإنتماء رغم اختلاف الجغرافيا والبعد الإثني واللغوي.
حسب محمادو، الذي هاجر منذ حوالي 4 سنوات من مالي بإتجاه الجزائر، عبر الحدود الجنوبية واستقرَّ به المقام في قسنطينة، حيث اتخذ من إحدى زوايا المدينة العتيقة وتحديدا المدخل من طريق جديدة نحو البطحة، خلف معهد القراءات مكانا لممارسة مهنته وهي إسكافي، فإن التواجد بعيدا عن الأهل والعائلة والوطن أو معها، سيَّان، بالنسبة له، خاصة في الجزائر، ويجب قول الحمد لله في كلِّ وقت، فما يقاسيه الناس في باماكو وعديد دول شمال مالي، واستتاب الأمن اقتصاديا وسياسيا في هذه البلاد، والقدرة على العمل دون إزعاج من أية جهة كانت يعدُّ مكسبا كبيرا، بل وحلما بالنسبة لأكثر من نصف سكَّان العالم.
وعن وضعيته وطريقة دخوله الجزائر ، ردَّ محمادو أنه دخل بشكل قانوني، خصوصا وأن الدبلوماسية الجزائرية تمنح تسهيلات للداخلين من دول الجوار، ويكفي استظهار جواز السفر وبطاقة الهوية حتى يتمَّ التأشير على دخولك، وفق معاهدات كثيرة ممضاة بين مالي والجزائر، في هذا الصدد.
ولم يبد على محمادو، الإسكافي ذو الـ25 عاما من مالي الامتعاض من وضعيته، فقد وجد ملاذا آمنا لسكنه وكسب قوته عبر هذا العمل اليدوي البسيط، بسبب استقرار الوضع الأمني، بل على العكس، فهو يرى تواجده في مدينة كقسنطينة واكترائه منزلا رفقة العديد من بني جلدته، إنجازا عظيما يصعب تحقيقه في أحسن الاحوال ببلاده، فالعيش في سلام وكسب لقمة العيش بعيدا عن الحروب والصراعات المفتعلة من الدول العظمى، لأطماع استعمارية جديدة، تحت مسميات مغايرة، هي غايته الكبرى، مختتما حديثه بالقول «يجب دائما قول الحمد لله».
فاتح خرفوشي

طبيب الأسنان اليمني مولود محمود فؤاد خالد
أعيش في الجزائر منذ 10 سنوات و حصلت على أكثر مما تمنيته
يرى طبيب الأسنان اليمني مولود محمد فؤاد خالد أنه لم يجد فرقا بين العيش في الجزائر واليمن، وذلك للتشابه الكبير في العادات، كما أن الشعب هنا مسالم والجو يساعد أي شخص على الاندماج بسهولة كبيرة.
مولود محمد فؤاد خالد من مواليد محافظة الحديدة باليمن سنة 1990، أنهى دراسته بجامعة قسنطينة طب أسنان، وذلك بعد أن تمكن من افتكاك منحة للدراسة من جامعة اليمن، إذ قضى حوالي 9 سنوات كاملة بالجزائر، وهو اليوم يخوض مغامرة جديدة وهي العمل كطبيب بإحدى العيادات الخاصة، وذلك بعد استحالة عودته إلى وطنه بسبب الحرب التي تدور هناك منذ فترة، وقد كان لنا معه هذا الحديث.
حدثنا عن فترة إقامتك في الجزائر منذ قدومك سنة 2009؟
درست طب أسنان بالجامعة اليمنية وقد تحصلت على منحة للدراسة في الجزائر بعد أن تفوقت في دفعتي لثلاث سنوات كاملة، حيث سجلت قدومي إلى الجزائر شهر أكتوبر سنة 2009 وعمري لم يتجاوز آنذاك 18 سنة فقط، أقمت بعدها حوالي 6 أشهر بالجزائر العاصمة أين استفدت من دروس دعم في اللغة الفرنسية من أجل التأقلم أكثر مع نظام الدراسة الذي يعتمد على هذه اللغة بشكل أساسي، وبعدها انتقلت إلى جامعة قسنطينة، كطالب.
كيف كان احتكاكك بالطلبة الجزائريين وهل لك أن تصف لنا معاملتهم لك؟
في حقيقة الأمر لم أكن أتوقع في بداية الأمر أن أجد سهولة في التعامل مع الطلبة خصوصا الجزائريين بحكم جهلي للوضع هنا، أضف إلى ذلك عدم فهمي للهجة الجزائرية، وقد بدا الأمر في الأول في غاية الصعوبة، وهنا أريد أن أحكي لك نكتة فعند قدومي لم أكن أعرف الأطباق الجزائرية إلا طبق البطاطا بالبيض، وقد بقيت أكل هذا الطبق في المطاعم لحوالي 3 أشهر كاملة، قبل أن أشرع في التعود، ومن كثرة ما تناولت من هذا الطبق، توقفت عن أكله نهائيا إلى غاية يومنا هذا.
أعود فأقول أنني لمست حبا من الجميع سواء من زملائي وحتى الأساتذة، فالجميع يعرض علينا المساعدة، سواء ما تعلق بالدراسة أو في الحياة العادية، وهذا يعكس طيبة المجتمع الجزائري عموما.
هل لك أن تقارن لنا وضعك في الجزائر بما يعيشه مواطنوك في دول أخرى؟
أستطيع القول ومن دون مزايدات أنه لا يوجد وجه للمقارنة أبدا، فالجميع يعاملك هنا بلطف، وقد أصبح لي عدد كبير من الأصدقاء والمعارف لا لشيء سوى أنني من اليمن، الجزائريون أشخاص طيبون كثيرا بغض النظر عما يقال عنهم أنهم عصبيون، وشخصيا لم أتعرض لمضايقة ولو مرة واحدة منذ أن وطأت قدماي  الجزائر سنة 2009، عندما أكون في الشارع أو أقصد مكانا معينا ما إن يعلم الناس أنني من اليمن  حتى يعرضوا علي خدماتهم، والبعض الآخر يمنحني رقم هاتفه من أول مرة يلقاني فيها ويطلب مني عدم التردد في طلب المساعدة، فيما يدعونني لمنازلهم من أجل وجبات الغذاء والعشاء، وهذا أمر يسعدني كثيرا، فلطافة الجزائريين زادت من حبي لهذا البلد المضياف، بل أقول لك أنني ما صرت أشعر بأنني أجنبي بل كأي مواطن عادي يتمتع بكامل حقوقه المدنية، وهذا أمر ليس بغريب على هذا البلد.
وماذا عن تعامل الهيئات الرسمية معك؟
لا أخف عليك أمرا أني أحمد الله على أن من علي بالقدوم إلى الجزائر دون باقي البلدان الأخرى، والأمر بسيط جدا، هنا درست مجانا على العكس مع باقي زملائي وأصدقائي الذين توجهوا إلى بلدان أخرى على غرار أندونيسيا والهند وبعض البلدان العربية أين يدفع الطلبة مقابل دراستهم، بعض زملائي يمنعون من دخول الحرم الجامعي لأن المنحة الدراسية تتأخر في الوصول بفعل الحرب في اليمن، أما هنا فالأمر لم يطرح بتاتا، بل بالعكس تحصلنا مثل باقي الطلبة على إقامة بالحي الجامعي.
كما أضيف لك أمرا آخر، في احدى المرات توجهت إلى مديرية الأمن من أجل تسوية وضعية إقامتي وتحويلها من طالب إلى طبيب حتى أتمكن من العمل، وقد حظيت باستقبال طيب من الأعوان ومسؤولة مكتب الأجانب، والكل كان يناديني هناك بـ «الحكيم» والطبيب، كما أذكر أن الضابطة رفعت من معنوياتي ولما تحدثت معها عن أوضاعي المتردية في اليوم، شعرت بقلقي ولمست مني خوفا من ترحيلي فقالت لي بالحرف الواحد: «لا تخف لن ندفعك إلى بلادك في مثل هذه الأوضاع الصعبة، سنساعدك وهذا واجبنا وليس لنا أي فضل في ذلك».
لقد كان لهذا الكلام وقع كبير على قلبي، لدرجة أنني قلت لرفقائي أننا لو كنا في بلدان أخرى بجوار اليمن لتم ترحيلنا في النفس اليوم على الرغم من الأوضاع المتردية، من دون رحمة ولا شفقة.
و ماذا عن العمل هل استطعت أن تقتحم هذا الميدان؟
لا أخف عليك أمرا أنني منذ أن أنهيت دراستي قبل حوالي سنة ونصف وأنا أبحث عن عمل، وكنت أفضل العمل في القطاع العمومي غير أن الحظ لم يسعفن، إلا أنني تمكنت في الأيام القليلة القادمة من الظفر بعمل بإحدى العيادات الخاصة وقد طلب مني بعض الوثائق، قمت بإيداع ملف واستخراج رخصة العمل (يقولها باللغة الفرنسية) وأنا أنتظر تسوية كامل الوثائق حتى أباشر عملي، وتكون الجزائر مرة أخرى نقطة انطلاقي في هذه المهنة.
يبدو أنك اندمجت في المجتمع الجزائري وصرت تتكلم كأي فرد آخر؟
يضحك ثم يواصل حديثه، كما قلت لك في السابق لما قدمت إلى الجزائر لم يكن سني يتجاوز 18 سنة، وهذه الفترة تعتبر مرحلة النضج وقد تمكنت هنا من الاحتكاك بالكثير من الأشخاص والثقافات بحكم إقامتي بالحي الجامعي، وهذا الأمر زاد من انفتاحي على الآخر ومختلف الثقافات، وهو ما زاد من تأثري بالجزائر وشغفي بها، لأنها منحتني الكثير، فحتى لو كنت في اليمن لما استطعت الاستفادة من كل هذا الزخم.
في الأخير هل تود أن تقول شيئا آخر؟
هذه أول مرة تتاح لي الفرصة للحديث عن تجربتي في الجزائر، لدى أودّ أن أشكر هذا الوطني الغالي والشعب الطيب على كل ما قدموه لنا ومازالوا يمنحوننا إياه بقلب كبير، وهذا الأمر شجعني على التفكير في الاستقرار هنا لوقت أطول، وفي حال تحسنت الأحوال في اليمن وكانت لي فرصة العودة للعيش هناك فإنني لن أنسى الجزائر وستكون أول مكان أزوره.
حاوره عبد الله بودبابة

الباحث والمحلل السياسي الدكتور عامر رخيلة للنصر
  الجزائر في صدارة الدول التي تؤسس للتعايش بين الشعوب والأمم  
• المصالحة قضت على الضغينة ولم تترك مجالا للثأر
أكد الباحث والمحلل السياسي الدكتور عامر رخيلة، أن  الجزائر في صدارة الدول التي تؤسس للتعايش بين الشعوب والأمم ، مبرزا في هذا الصدد أن التعايش بين الأفراد والجماعات يجب أن يكون ثقافة قائمة على احترام الآخر ومكوناته
 و السعي دائما أن يكون فيه ترجيح السلم على العنف،  وأكد في السياق ذاته، أن المصالحة في المنظور الجزائري رجحت الحوار والتسامح والتعايش بين الأفراد والجماعات وقضت على الضغينة ولم تترك مجالا للثأر، وقال في حوار مع النصر عشية الاحتفال باليوم العالمي للعيش معا بسلام، أن الكرة الآن هي في مرمى المجتمعات الأوروبية التي يوجد بها نزوع نحو العنف الأمني والعسكري، و التطرف الموجود لدى اليمين في أوروبا وأمريكا.
النصر : أحيى العالم اليوم العالمي للعيش معا بسلام الأربعاء الماضي بعد مصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع على لائحة تعلن من خلالها الـ16 ماي من كل عام يوما عالميا وذلك بمبادرة من الجزائر ، ماذا تقولون بهذه المناسبة؟
عامر رخيلة : تخصيص الجمعية العامة للأمم المتحدة ليوم للتعايش، لدينا فيه بصمتنا التي تتمثل في الاقتراح الذي تقدمت به الجزائر منذ مدة، حيث كان محل مرافعة من طرف الجزائر في الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي تبنت هذا الموقف ، ولما نقرأ تاريخ العلاقات الإنسانية القائمة بين الشعوب ، بيننا كعرب ومسلمين والعالم، فلم تكن دائما محطات صراع وتصادم، ولكن كانت هناك مراحل كثيرة للتعايش، كما كان ذلك في القرنين ال11 و12، وعليه فعند قراءة التاريخ، لا يجب أن ننسى المحطات الإيجابية في التعامل الإنساني ونركز على محطات التصادم، والشيء الذي يؤكد كذلك أننا كنا دائما  دعاة حوار وتعايش ، السلوك الذي سلكه المسلمون في الأندلس ومواقف الأمير عبد القادر في سوريا مع المسيحيين ونصرته لهم ، والآن الكرة هي في مرمى المجتمعات الأوروبية التي فيها نزوع نحو العنف الأمني والعسكري، وهناك التطرف الموجود لدى اليمين  في أوروبا وأمريكا، وأيضا اتجاهات تمس بالتعايش بين الشعوب والأمم ونحن بالنسبة إلينا كعضو في المجموعة الدولية نؤمن بالمبادئ التي ينص عليها القانون الدولي، وهي وجوب التعايش في سلم وأمن بين أبناء الأسرة الدولية، وأن لا ننسى كذلك أنه مثل ما يوجد في أوروبا قوى واتجاهات للعنف، هناك نخب وتيارات فكرية تدعو للتعايش بين الشعوب ولما نقول التعايش، معناه أن العالم  يجب أن يتعلم كيف يمكن أن تكون فيه علاقات ندية بين الشعوب والدول وكيف تكون علاقات احترام للثقافات والحضارات وقيم الشعوب وكيف نجسد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والبشرية من الطبيعي جدا عرفت في مراحل معينة تصادمات وصراعات وربما أنهار من الدماء، ولكن ليس قدر الإنسانية أن تبقى دائما تعيش صراع، فالتعايش بين الأفراد والجماعات يجب أن يكون ثقافة قائمة على احترام الآخر ومكوناته وعلى السعي دائما أن يكون فيه ترجيح السلم على العنف .   
 النصر : اليوم العالمي للعيش بسلام هو بمثابة تثمين لمسار المصالحة وترقية ثقافة السلم  و مسعى للعمل على تعزيز جهود المجتمع الدولي من أجل السلام
و التسامح والاندماج و التفاهم و الأخوة ، ما رأيكم؟
عامر رخيلة : لما نرجع إلى تجارب الإنسانية نجد الجزائر في عصرنا هذا  رائدة بتجربتها في مجال المصالحة الوطنية والتي يعمل بها حاليا، فالكثير من الشعوب تطلبها وتسعى إليها ، وبالنسبة للاقتتال الموجود في سوريا والشرق الأوسط وبعض بقاع العالم، سيأتي اليوم الذي تستفيد منه هذه الدول من التجربة الجزائرية في مجال المصالحة، لأن المصالحة في المنظور الجزائري رجحت الحوار والتسامح والتعايش بين الأفراد والجماعات وقضت على الضغينة ولم تترك مجالا للثأر ، وعالجت الكثير من الأمور، ولم يكن الأمر بالسهل، عندما ننظر إلى تركيبة مجتمعا ومكوناته ولكن لما توفرت الإرادة السياسة والإرادة الحسنة، تمكننا أن نحقق بواسطة السلم  والمصالحة، قواعد جديدة في الحياة والتي تكرست، ولا ننسى أيضا أن المصالحة الآن بالنسبة إلينا هي بعد من الأبعاد الدستورية، و تم دسترتها في دستور 2016 .
النصر : كيف يكون هناك إسقاط  لثقافة العيش معا بسلام على المجتمع الجزائري وماهي السبل الكفيلة بمحاربة التشدد والتطرف؟
عامر رخيلة : لا يوجد اليوم في العالم دولة تعرف بالنقاوة العرقية ولذلك المطلوب هو كيف توظف هذه القيم في معرفة بعضنا البعض وفي التعايش مع بعضنا البعض وفي تقدير مكونات بعضنا البعض، في احترام أبعاد الشخصية الوطنية التي هي الآن  العروبة والإسلام والأمازيغية، لإرساء  أسس مجتمع متعايش يعيش في سلم وأمان ، وإذا كان لنا بالأمس خلال الثورة التحريرية دور في أن نكرس قيم التحرر ومحاربة الاستعمار وحق الشعوب في تقرير المصير واليوم يحصل الشرف للجزائر أن تكون في صدارة الدول التي تؤسس للتعايش بين الشعوب والأمم .
مراد- ح

الرجوع إلى الأعلى