شهادات مجاهدين من عاصمة الأوراس  
أفراح الاستقلال انطلقت في الفاتح جويلية و  أرامل شهداء تطوّعن  بحليهن
إذا كان التاريخ الرسمي لاستقلال الجزائر واسترجاع سيادتها هو الخامس جويلية 1962، فإن أفراح الاستقلال انطلقت بعاصمة الأوراس باتنة مهد الثورة التحريرية في الفاتح من جويلية حسبما أكده مجاهدون التقت بهم النصر بمكتب المنظمة الولائية للمجاهدين، حيث أكدوا بأن إطلاق العنان للاحتفالات كان تزامنا وتاريخ الاستفتاء حول اتفاقيات إيفيان،
ما دلَ على أن الشعب كان متعطشا لحريته وما خروج سكان الأرياف والمدن للاحتفال إلا رد على رفض فرنسا الاستعمارية.
رصدها: يـاسين عبــوبــو
ويدلي مجاهدون في هذه الشهادات التي رصدتها النصر مواقف تاريخية غداة الاستقلال خاصة مشهد نساء لا يعلمن أنهن أصبحن أرامل بعد أن بحثن على أزواجهن وقد أطلقن عنان الزغاريد مباشرة بعد أن علمن بخبر استشهاد رجالهن.

المجاهد بوعلام بن باطة نجا في معركة سقط فيها 98 شهيدا
مشهد أرامل يبحثن عن أزواجهن الشهداء جعلنا نذرف الدموع
قال المجاهد بوعلام بن باطة لـ»النصر»، بأن من المشاهد التي لن تمحى من ذاكرته عقب وقف إطلاق النار وكذا بداية احتفالات الاستقلال، نساء أرامل يبحثن عن أزواجهن دون أن يعلمن بخبر سقوطهم شهداء في ساحة الوغى، وأضاف وهو يستحضر ذاكرته بأن الأرامل وبعد إعلامهن بخبر استشهاد أزواجهن خلال الخروج للاحتفال بالاستقلال أطلقن العنان للزغاريد، وهو المشهد الذي أكد بأنه أثَر في المجاهدين الذين ذرفوا الدموع خلال تلك المواقف.
وتحفظ ذاكرة المجاهد بوعلام بن باطة مشاهد الاحتفال بالاستقلال منذ الفاتح جويلية 1962 وقبلها فرحة إعلان وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962، وكان المجاهد بن باطة ابن مروانة قد التحق بالثورة كفدائي انطلاقا من منطقة أقرادو قبل أن يلتحق بصفوف جيش التحرير وهو في الثامنة عشر من عمره سنة 1956 أين كان مساعدا بمكتب الاتصالات اللاسلكية بمركز الناحية التاريخية الأولى بمنطقة كيمل بالأوراس، ومما لايزال راسخا في ذاكرته هو كيف كُتب له أن ينجو وستة من رفاقه في معركة ضارية شنتها قوات الحلف الأطلسي بمنطقة لمصارة بني ملول، وسقط خلالها 98 شهيدا بينهم القائد السياسي للولاية التاريخية الأولى سي علي سوايعي.
ولم يكن يتوقع المجاهد بن باطة أن يخرج حيا من المعركة التي دارت رحاها لأيام من نهاية شهر نوفمبر إلى بداية شهر ديسمبر سنة 1961 بعد أن شن الحلف الأطلسي هجوما عسكريا سخر فيه طائرات وقوات كبيرة، ويتذكر حينها أن قائد الولاية التاريخية الأولى في تلك الفترة الطاهر زبيري قد أعطى أوامر لتقدم المجاهدين الذين يحوزون أسلحة جيدة إلى الصفوف الأولى، وأضاف بأن «خبر سقوط القائد علي سوايعي شهيدا في ساحة الشرف أثناء المعركة لم يصلنا حتى لا تنحط معنوياتنا».
المجاهد بوعلام بن باطة يتذكر يوم إعلان ديغول وقف إطلاق النار وتحقيق النصر في 19 مارس 1926 حيث أوضح بأنه وبحكم تواجده بمركز الاتصالات اللاسلكية، فقد تلقى ورفقاؤه بمركز كيمل الخبر وسط فرحة يقول المجاهد بأنها لا توصف، ويتذكر أنه من شدة الفرح راح هو والمجاهدون المتواجدون بالمركز يطلقون النار دون توقف، حتى أن أحدهم يدعى عمار كبير  أصيب برصاصة ولحسن حظه أنها جانبت جزء من كتفه.
وفي الفاتح من شهر جويلية يتذكر المجاهد أجواء انطلاق احتفالات الاستقلال أين تنقل ورفقاؤه إلى إشمول أو كما تعرف بتسميتها بالمدينة، وهناك خرج يقول محدثنا سكان الأرياف والحضر للاحتفال، حيث يتذكر كيف بادرت النساء إلى التطوع بحليهن وكل ما يملكهن من نفيس لصندوق النهوض بالدولة الجزائرية بعد الاستقلال، ويبقى المشهد الراسخ في ذاكرة المجاهد بن باطة هو كيف راحت نسوة تبحثن وتسألن عن أزواجهن دون علمهن بخبر استشهادهم وفور علمهن ، اطلقن العنان للزغاريد.
ي.ع

المجاهد نصيب محمد
شاركت في اختطاف قائد عسكري فرنسي وحُكم علي  بالإعدام 03 مرات
استطاع المجاهد محمد نصيب رفقة ثلة من رفاقه تلقين قوات المستعمر الفرنسي داخل مدينة باتنة دروسا في معارك الكر والفر، حتى أنهم استطاعوا في إحدى المرات القيام بعملية اختطاف لقائد فرقة اليد الحمراء بعد أن ارتدوا زيا عسكريا فرنسيا للتمويه، ويروي لنا أنه ورفاقه كل من مصطفى بكوش، وصالح بكوش، وعبد المجيد دباش ولعمامرة قاموا بتلك العملية حتى يثبتوا تواجدهم ويبرهنوا عن قدرتهم ضرب المستعمر، وقال المجاهد بأنه ورفاقه لم يتركوا هدفا عسكريا بمدينة باتنة إلا وضربوه ماعدا المركز الفرنسي لتخزين الأسلحة.
وأكد المجاهد نصيب محمد وهو من مواليد 1933 بسفيان، بأنه استجاب لنداء الثورة التحريرية منذ الفاتح نوفمبر 54 حيث كان تحت قيادة معطار لعلى المدعو صالح معطار من الناشطين بمدينة باتنة، واستهل المجاهد نصيب حديثه إلينا بالتأكيد على أن تاريخ الثورة طويل وحافل بالبطولات ولا يمكن اختصاره في وقت قصير نظرا لما عايشه وقد استطاع ورفاقه تنفيذ عمليات عدة ضد المستعمر على غرار اختطاف قائد من فرقة اليد الحمراء بشارع الجمهورية بوسط مدينة باتنة.
واستطاع المجاهد محمد نصيب الإفلات من قوات الاستعمار الفرنسي حتى أن وقع في قبضتها بتاريخ الواحد والعشرين جويلية من سنة 1961 وتم سجنه بباتنة وقسنطينة، وحُول إلى فرنسا وقد صدر ضده ثلاث مرات حكم الإعدام ولم يعش لحظات عيد النصر بعد أن ظل سجينا قبل أن يعود مجددا إلى أرض الوطن.          ي.ع

المجاهد الشريف حشاني
الاستقلال كان خيار الشعب الوحيد
بالنسبة للمجاهد الشريف حشاني وهو من مواليد 1939 بباتنة فإن تحقيق الاستقلال جاء بفضل تضحيات الشهداء والمجاهدين وقال بأنه وغداة الاستقلال كان متواجد بجبل متليلي، وقال المجاهد الذي عمل تحت لواء الشهيد علي الطبيب الذي ينحدر من منطقة القبائل واستشهد بمنطقة بريش بأن فرحة الاستقلال لا تقدر بثمن بعد أن ضحى من أجلها شهداء ومجاهدون، مضيفا بأن الشعب كان يفضل أكل التراب على أن يتلقى لقمة من المستعمر الفرنسي.
ي.ع

المجاهد رشيد خلافنة أفلت من قبضة اليد الحمراء واستشهد ثلاثة من أشقائه
لم أصدق خبر وقف إطلاق النار  
يُعد المجاهد رشيد خلافنة  وهو من مواليد سبتمبر 1939 بباتنة من المجاهدين الذين دوخوا قوات الاستعمار الفرنسي، بعد أن استطاع أن يُفلت من قبضة الفرقة الفرنسية المعروفة باليد الحمراء، كما خرج حيا من معارك طاحنة بالأوراس، وقبل التحاقه بجيش التحرير سنة 1957 بعد الوشاية بعلاقته بالثوار كان فدائيا نشيطا ضمن الخلايا الفدائية بمدينة باتنة، وكان رفقة مجاهدين وراء عديد العمليات ضد الاستعمار الفرنسي بمدينة باتنة، والمجاهد من عائلة ثورية بعد أن التحق كافة أشقائه وعددهم ثلاثة بالعمل المسلح، وشاءت الأقدار أن يستشهدوا جميعا في سبيل الوطن وأن يعيش هو استقلال الجزائر.
ويؤكد المجاهد رشيد خلافنة، بأن لحظة إعلان وقف إطلاق النار في التاسع عشر مارس لم يكن ليصدقها في بداية الأمر، ويتذكر أنه كان حينها متواجدا ضمن فوج ناحية باتنة بمنطقة حيدوسة وقال بأنه وبعد بلوغه الخبر من زملائه راح يبحث عبر مختلف المحطات بالمذياع عن صحة خبر إعلان وقف إطلاق النار، وقد بقي متفاجئا ولم يصدق أن لحظة نجاح الثورة التحريرية ضد المستعمر الفرنسي قد كُتب له أن يعيشها وهو الذي فقد ثلاثة من أشقائه بعد أن سقطوا شهداء.
و لعل ما جعل المجاهد رشيد خلافنة لا يصدق بسهولة وقف إطلاق النار ونجاح الثورة هو ما كابده ورفاقه المجاهدين من معارك ضارية كانت تصر خلالها القوات الاستعمارية على تصفيتهم، فذاكرته لا تزال تحفظ  جيدا ما عايشه من معارك وكيف استطاع أن يفلت من قبضة فرقة اليد الحمراء التي كانت ترعب كل من يسمع بها بعد سجنه لمدة 80 يوما، ومن بين أبرز المعارك التي عاشها المجاهد، هي معركة فوغالة بجبال عين التوتة التي استمرت يومين متتاليين سنة 1958 وسقط خلالها 27 شهيدا بينهم 25 مجاهدا ومدنيين اثنين.
ويرى المجاهد خلافنة أن الثورة لم تكن لتنجح لولا سريتها مستشهدا بما حدث له وأشقاؤه، حيث لم يكن أحد منهم يعلم بأن الآخر ينتمي للثورة ويروي لنا المجاهد حادثة خطيرة كشفت أمره لدى شقيقه الأكبر الذي استشهد فيما بعد بمعركة جبل توقر، ويقول بأنه ذات مرة كان قد أخفى قنبلة يدوية أسفل سرير شقيقه على أن يأخذها في اليوم الموالي، غير أن زوجة أخيه وحينما قامت في الصباح الباكر بعملية تنظيف عثرت على القنبلة لتسأل زوجها (شقيقه) عنها، ليدرك حينها أنها لي بعد أن سألني عنها وعلم بأمر التحاقي بجيش التحرير، ويتذكر جيدا المجاهد رشيد خلافنة الذي كان أصغر أشقائه نصيحة شقيقه حينها، بأن يبقى إلى جانب أمهم كونهم جميعا التحقوا بالثورة.          
وعاشت مدينة باتنة مثلما يروي المجاهد خلافنة احتفالات لا توصف من شدة الفرحة بالاستقلال، وقال بأن الاحتفالات انطلقت في الفاتح جويلية قبل أن يقرره الساسة بتاريخ الثالث من نفس الشهر ومن ثم الخامس جويلية الذي يحمل رمزية تاريخ دخول وخروج الاستعمار الفرنسي من الجزائر، ويقول بأن ذاكرته لا يمكن أن تنسى لحظات الفرحة التي خرج فيها الشعب بوسط مدينة باتنة (ممرات مصطفى بن بولعيد حاليا)، وأضاف بأن الجميع خرج للتعبير عن فرحته فراح البعض يرقص وسط إطلاق للبارود.
ي.ع

المجاهد لحسن دماغ
خبر وقف إطلاق النار لم يكن ليصدقه أحد للوهلة الأولى
لم يختلف رأي المجاهد لحسن دماغ عمَا قاله رفيق دربه في الثورة المسلحة رشيد خلافنة بأن خبر إعلان وقف إطلاق النار في التاسع عشر مارس 1962 كان صعب تصديقه من الوهلة الأولى بالنظر لما عايشوه من حرب لطرد المستعمر الفرنسي، وبالنسبة للمجاهد لحسن دماغ الذي اشتغل فدائيا قبل أن يلتحق بالجيش بعد الوشاية بنشاطه فإن أجواء الاستقلال كانت فريدة من نوعها بعاصمة الأوراس التي انطلقت منها شرارة أول نوفمبر 54 وهي اللحظات التي عاشها بمدينة باتنة.
المجاهد دماغ فقد هو الآخر أفرادا من عائلته سقطوا شهداء في ساحة الوغى ويقول بأنه كُتب له العيش خاصة بعد معركة دارت رحاها سنة 1958 في جبل الرفاعة حيث كان متواجدا ضمن الكتيبة التي يقودها الشهيد محمد الصالح بلعباس، وهي المعركة التي قال بأنها وبعد أن دامت لثلاثة أيام سقط خلالها 43 شهيدا وتكبد المستعمر أيضا خسائر في الأرواح والعتاد.
وشارك المجاهد دماغ رفاقه فرحة الاستقلال منذ الفاتح جويلية بإطلاق النار في السماء تعبيرا عن فرحتهم بممرات وسط مدينة باتنة التي أصبحت فيما بعد تحمل اسم الشهيد مصطفى بن بولعيد.
ي.ع

الشهيد الحي الناجي من مقصلة الإعدام بحري الحاسن المدعو حسين يروي للنصر
المنظمة السرية خرّبت البنى التحتية عند تأكد  نتائج تقرير المصير
يكشف الشهيد الحي الناجي من مقصلة الإعدام بحري الحاسن المدعو حسين، بأن ثورة التحرير هزمت فرنسا من الناحية العسكرية و كبّدتها خسائر كبيرة في صفوف قواتها وعتادها الحربي  ومنشآتها العسكرية، وكذا سياسيا،  بعد أن أجبرتها على الرضوخ لطاولة التفاوض، والذي نجم عنه انتخابات تقرير المصير التي أعلنت فيها الجزائر حرة مستقلة، ويكشف المتحدث الذي انتخب رئيسا ثالثا للمجلس الشعبي الولائي بأم البواقي بأن فرنسا الاستعمارية أفرجت عن سجنائها شهر مارس من سنة 1962 للمشاركة في انتخاب تقرير المصير.
حاوره: أحمد ذيب
من يكون المجاهد بحري الحاسن المدعو حسين، ومتى التحق بالعمل الثوري؟
بحري الحاسن من مواليد 17 جويلية 1936 بسوق نعمان بأم البواقي، التحقت بالثورة سنة 1955 بعين مليلة التي ترعرعت بها بعد أن أقامت عائلتي بها سنة 1950، حيث كانت بدايتي في العمل الثوري لما كان سني 19 سنة، وانطلقت في توزيع المناشير بين الأهالي، وكنا حينها تحت مسؤولية خثير لمرد الذي كان تحت قيادة الطاهر نويشي، وكنا تابعين لمنطقة الأوراس، وفي تلك الفترة لم يكن تقسيم المناطق، وظل الوضع على تلك الحال حتى انعقاد مؤتمر الصومام أين قسمت المناطق، وبعين مليلة كنا تابعين للقسمة الثانية بالناحية الثالثة بمنطقة بوعريف بالولاية التاريخية الأولى، وكان من بين المسؤولين على عدد من المجاهدين كل من عبد الله لمزيطي وشقيقه عثمان المنحدرين من نقرين بين الشمرة بباتنة وبولفرايس بخنشلة، كما تولى مسؤولية منطقة بوعريف كذلك شاوش الطيب غضبان، وكنا نلتقي في منطقة المغنيات بالحرملية بعيدا عن الأنظار، وكلفني الطيب غضبان بالقيام بعمل فدائي، والعمل الفدائي هو سلاح مهم للثورة، كونه يخلف صدى كبير و قادة الثورة يفضلون الاحتفاظ بأفواج الفدائيين في المنطقة التي يكلفون بها بمهمات مختلفة، وقمت بداية برمي قنبلة في ملهى بعين مليلة شهر سبتمبر من سنة 1956 والتي خلفت مقتل 5 معمرين ثم أخرى بقاعة أفراح، وقمت بعملية ثالثة في ميدان لرياضة التنس، كما قتلت رفقة فدائيين آخرين في عملية رابعة عسكري فرنسي بقضيب حديدي.
منظمات حقوقية ساعدتنا في التحوّل إلى سجناء سياسيين
ما هي العمليات التي شاركت فيها ومتى ألقي القبض عليك؟
سنة 1956 التحقت بفوج غديري محمود بجبل بوعريف بباتنة وغديري يقطن اليوم بمنطقة بولهيلات بباتنة، وكان معي ابن عمي المجاهد رابح بحري، وقمنا بعدة عمليات منها قطع التيار الكهربائي وإضرام النار في مزارع العدو، وشاركت في المعركة الكبرى في جبل عنودة المتواجد بين عين مليلة وأولاد قاسم بتاريخ 24  أفريل من سنة 1957، وألقي القبض علي حينها رفقة مسؤولي محمود غديري و3 آخرين بينهم ابن عمي رابح بحري، واستشهد في المعركة شوشان أحمد وألقي القبض كذلك على بن دعاس أحمد الذي استشهد تحت التعذيب، كما قبض كذلك على قرفة بولعراس وبن مدور مصطفى اللذين لا يزالان أحياء، ونقلنا لسجن الكدية بقسنطينة، وتمت محاكمتنا في المحكمة العسكرية، أين أدين غديري محمود بالسجن المؤبد، وابن عمي بحري  رابح بـ15 سنة سجنا وقرفة بولعراس بـ20 سنة وبن مدور بـ20 سنة، وأدنت أنا بعقوبة الإعدام كوني تورطت في العمل الفدائي الذي قتل فيه 5 أشخاص،  حيث حولوا هم لسجن لامبيز بباتنة، فيما حولت أنا شهر أفريل من سنة 1958 لسجن القصبة بقسنطينة المعروف حينها بسجن “الفينقة” الذي تطير فيه رؤوس المجاهدين، وبقيت في سجن القصبة حتى تاريخ 7 فيفري 1959، ولم ينفذ حكم الإعدام في حقي بعد أن نجحت الحكومة المؤقتة في تهديدها للاستعمار الفرنسي بقتل الرهائن من الجنود الفرنسيين في حال مواصلة تنفيذ حكم الإعدام.
من هي الأسماء التي كان محكوم عليها بالإعدام حينها بسجن القصبة؟
في تلك الفترة نقل أبو الثورة مصطفى بن بولعيد لسجن الكدية وحكم عليه بالإعدام بعد أن أدين بتونس بالمؤبد، وكان رفقة بن بولعيد 30 مجاهدا بينهم حجاج بشير وطورش مصطفى الذي يعيش في منطقة فم الطوب بباتنة، وبوزيتونة بومنجل القاطن في صالح دراجي بالخروب، وعند نجاح بن بولعيد في الفرار  و معه 10 مجاهدين آخرين بينهم المجاهد بزيان محمد الذي لا يزال على قيد الحياة والقاطن بتكتوت بباتنة، ومن تبقى من رفاق بن بولعيد حولوا لسجن القصبة الحصين، لينفذ بعدها حكم الإعدام في حق حجاج بشير ابن مدينة الخروب، وارتفع عددنا في السجن إلى نحو 200 محكوم عليه بالإعدام، وكنت شاهدا على إعدام مجموعة من المجاهدين من بينهم المجاهد عباسي من عنابة الذي قبض عليه في جبل إيدوغ، وكذا الطفلين القاصرين قرعيش ساعد وسعيداني صالح، ليستبدل بعدها حكم الإعدام بالأشغال الشاقة وينقل جميع المساجين لسجن لامبيز بتازولت بباتنة.
وأنت  داخل سجن تازولت كيف استقبلت خبر وقف القتال؟
كنا داخل سجن تازولت نتابع الوضع عن كثب عبر الإذاعات والجرائد التي تصلنا، وكان جهاز الراديو يصلنا وكذا الجرائد بعد الإضرابات التي شنها المساجين، أين تم إيفاد عديد المنظمات الحقوقية للسجون، وطالبنا بتحويلنا لسجناء سياسيين،  حيث تم الاعتراف بنا كسجناء سياسيين بعيدا عن تهم القتل التي كانت تلازمنا، والسجين السياسي حينها يحق له أن يطالع الجرائد وأن يمكنه أهله من جهاز راديو بموجات بسيطة محلية وليس الأمواج القصيرة التي تمكننا من الاستماع لإذاعات دولية مختلفة،  كنا نتابع الوضع حينها عبر أمواج إذاعة تونس والمغرب، واستمعنا لخبر وقف إطلاق النار من إذاعة تونس والذي كان بتاريخ 19 مارس 1962، وكان سجن لامبيز في تلك الفترة يضم قرابة 3 آلاف سجين، ليتم الإفراج علينا بعدها رفقة جميع السجناء حتى يشاركوا في انتخابات تقرير المصير، وتم وقتها تشكيل لجنة محايدة لتنظيم الانتخابات وشكلت حينها حكومة مؤقتة حيادية يترأسها عبد الرحمان فارس ويتواجد مقرها في منطقة “روشي نوار” ببومرداس، ليتم التحضير للانتخابات التي أجريت في الثالث من شهر جويلية.      
ما هي دلالات اختيار الخامس من شهر جويلية لإعلان الاستقلال وكيف كان الوضع حينها؟
أجريت انتخابات تقرير المصير بتاريخ الأحد 3 جويلية واختير يوم 5 جويلية لإعلان النتائج لتزامن اليوم مع تاريخ دخول فرنسا للجزائر سنة 1830، وغداة الاستقلال قامت المنظمة السرية بتخريب البنية التحتية للجزائر، بعد أن تأكدت بأن الشعب الجزائري سيقرر مصيره بطرد فرنسا، ومن بين الأعمال التخريبية للمنظمة السرية إضرام النيران في المكتبة الوطنية وفي الميناء وتخريب البنوك والاستيلاء على الأموال المتواجدة بها، وفي تلك الفترة وبعد الاستقلال كان السكان يعيشون على المساعدات الإنسانية والغذائية التي ترسلها مختلف منظمات التضامن وكانت الإعانات تتشكل من سميد وزيت ومادة الزبدة.
حكم علي بالإعدام في سجن « الفينقة»  والحكومة تدخلت
كيف استقبلتم خبر الإعلان عن استقلال الجزائر؟
عند خروجي من السجن كنت قد عدت لمنزلي، غير أني تفاجأت بتعرضه للتخريب والحرق، وعند إعلان الاستقلال عمت مدن الجزائر فرحة عارمة، وكانت عائلتي قد شردت فأشقائي الآخرين أحدهما استشهد والآخر رافقني في الجهاد وعمي الذي كان مرافقا لعائلتنا الكبيرة استشهد كذلك، ولم أكن أملك أي شيء عدا حقيبة صغيرة تحوي أغراضي، وتوجهت للمكلف بتسيير شؤون دائرة عين مليلة آنذاك ، حيث منحني كشكا صغير الحجم، لأعود بعد فترة قصيرة للجبل أين كلفت بتولي منصب كاتب الناحية.
ما هي رسالتك لجيل اليوم بعد 56 سنة من الاستقلال؟
رسالتي لجيل اليوم، هي أن يلتفوا حول بلدهم الجزائر، والأطراف التي تقوم بمحاولة نشر الظلام في البلاد فهم أناس خاطئين وضد بلدهم وضد جيلهم، وهم الذين يسودون الأوضاع ،  الجزائر عانت من ويلات الإرهاب الذي كاد أن يعصف  بنا، غير أن أبطال الجزائر وأبناؤها المخلصين نجحوا في تجاوز الأزمة،  جزائر اليوم ليست كجزائر الأمس، فنحن عشنا أوضاعا قاسية وعشنا داخل الأكواخ في ظروف مزرية، على عكس اليوم  توزع ملايين السكنات ، دعوتي لجيل اليوم الحفاظ على هذه النعم، وعدم الانسياق وراء دعوة الهجرة والحرقة نحو بلدان أجنبية، وأحذر شباب اليوم من المغرضين والمشوشين وكل من يتربص بالجزائر.         
أ.ذ

الرجوع إلى الأعلى