قصة مبادرة خيرية أوصى بها أب أبناءه
هي قصة نسج خيوطها أحد أبناء سوف حين سن سنة  حسنة بدأها بقربة من جلد الماعز، يقوم بتعبئتها كل صباح جمعة من فصل الصيف بالماء  ويوزعها مع قليل من التمر على  زوار  سوق الماشية  بالوادي من تجار وزبائن، ليطور سنته بعد انتشار الأوعية المعدنية والبلاستيكية بمختلف أحجامها مع تخصيصه مركبة  ومكبر صوت و محل كان قد أوقفه لهذا الغرض حتى بعد وفاته لا يستعمل إلا لذات الغرض وفي نفس اليوم أين استلم المبادرة أبناؤه .
تعود مبادرة توزيع الماء البارد و التمر إلى مطلع الثمانينات و المعروفة لدى الصغير قبل الكبير ممن كانوا يأتون للسوق كل جمعة من كل حدب وصوب من الوادي وخارجه بغرض البيع والشراء  “الماء للسبيل يا عطشان... ،مسرحها سوق الأعلاف المواشي بالوادي لصاحبها المرحوم “الحاج عبد الله شيباني” من أبناء مدينة الوادي الخيريين.
وكان المرحوم يقوم كل جمعة من فصل الصيف مع بزوغ الفجر بربط القربة في جانبه و شد الرحال إلى السوق، وما إن يصل للسوق حتى يبدأ بالتنقل بين الجموع و ينادي بصوته بكل أنواع النداء على غرار ندائه الشهير الماء للسبيل برد يا عطشان ، تقدم يا عطشان ماء و تمر للسبيل، وكان هدفه الأسمى من هذا العمل الخيري سواء  منها كما يقول من عاصره من زوار السوق وتجاره أنها التكريس للعمل الخيري و نشر ثقافة الصدقة الجارية ،وعمله هذا يقدمه  صدقة على كل أسرته ومن تحت كفالته ،ووالديه الأحياء منهم والأموات وإلحاق الأجر لهم في القبور .
واستمر عمله الخيري الخاص بتوزيع مياه الشرب كمبادرة لم تتوقف بتوقف العمل بالقربة من جلد الماعز حين كانت الوسيلة في تخزين الماء وتبريده في الصحراء، بل طورها “الحاج عبد الله شيباني” رحمه الله  مع  مطلع التسعينات، و مع تيسر الحياة سخر سيارة خاصة بهذا العمل الخيري، تخرج صباح كل جمعة وعلى متنها خزان من الماء البارد و كمية من تمر الغرس ، و يتوسط بها السوق و لا يكاد يتوقف صوته في مناداة بمكبر الصوت الذي ثبته بالسيارة على أهل السوق بالتقدم نحوه وشرب ما تيسر من الماء و أكل التمر .


وكان يلبي نداءه الجميع من أجل تخفيف حر الشمس و عناء التنقل للسوق خاصة من هم من البلديات البعيدة بشربهم الماء و أكل التمر و الدعاء له ولوالديه، خاصة أن  الكثير منهم كانوا يأتون للسوق حتى على ظهور الحيوانات  و على الأقدام لمن يقطنون في البلديات القريبة ومع اشتداد الحرارة وكثرة العرق ، و لا يزيل عطشهم إلا شربة ماء و مضغة تمر من يد الحاج عبد الله شيباني و من يرافقه من أبنائهم  .
ولم يمنع الحاج شيباني التقدم في السن و التطور وانتشار المبردات الصغيرة و الكبيرة المتواجدة في أي مكان من الولاية من زرع هذه السنة في أبنائه وأحفاده و جعلها بمثابة وقف ووصية له في حياته وبعد مماته أن لا يتوقف هذا العمل الخيري من كل جمعة طيلة فصل الصيف و في نفس المكان ، و لتثبيت هذا العمل الخيري ، قام المرحوم بوقف السيارة و مستودع كبير جهزه بمختلف المبردات ، مركبة تخرج لهذا الغرض  صباح الجمعة في فصل الحر إلى أن وافته المنية سنة 2010 .
وصية يحرص أبناء شيباني على زرعها في أولادهم
ليستلم المشعل أبناؤه أين تكفل ابنه الأكبر محمد وأحفاده بعد أن تركها وصية لهم بالقيام بهذا العمل الخيري في نفس الزمان والمكان، حيث كلف أبناؤه أحد أصحاب شاحنات بيع المياه بالوادي مساء كل الخميس بالتزود من المحل الذي تركه كوقف لهذا العمل الخيري و ملء كل المبردات و تشغيلها طيلة الليل  و تحضير ما تيسر من التمر .
ولزرعها في الأحفاد يجتهد أبناء المرحوم على تحفيزهم على الاستيقاظ باكرا يوم الجمعة  لمرافقتهم للسوق مكان توزيع الماء والتمر  بوسط المدينة الوادي حاملين مكبر الصوت و كلهم ينادون  بشتى أنواع المناداة المرغبة في التقدم نحوهم من أجل  الشرب وأكل التمر الذي أراد من خلاله المرحوم شيباني أن لا يدخل الماء البارد جوف شارب وهو خاوي بل يسبقه بقليل من التمر .   
البشير منصر

الرجوع إلى الأعلى