أولياء يهملون تحضير الطفل نفسيا لأول يوم في المدرسة
يبدأ العد التنازلي لافتتاح المدارس في موسم جديد، و ينتظر معها الملايين التحاق أطفالهم في أول أيامهم وسط محيط غريب بعيدا عن أحضان الأم، حدث تستعد له الأسر كل على طريقتها، فيركز بعضها على المظهر الخارجي للأبناء بملابس و محافظ من آخر طراز، و تستعد أخرى بتحضير «الرفيس» و أطباق خاصة كموروث تقليدي راسخ، بينما تهمل أسر كثيرة الجانب الأهم لتصطدم بمشاكل من أول يوم بالمدرسة.
بكاء هنا، صراخ هناك، و هروب عند بوابة المدرسة، سلوكات متعددة، تمثل ردات فعل ناتجة عن أطفال يلتحقون بالمدرسة لأول مرة، هكذا تستقبل كافة المدارس بعض المسجلين الجدد بها، فبينما ترسم ابتسامة كبيرة على وجوه بعض الأطفال الذين يلتحقون بالمدرسة لأول مرة، و كلهم فرحة بما ينتظرهم بين أحضان مؤسستهم الجديدة بعيدا عن البيت و عن أحضان الأم و العائلة، تسجل حالات كثيرة لأطفال لا يقومون سوى بالبكاء، و التمسك بيد أوليائهم، خوفا من الفراق و رفضا للمكوث بمكان لا يعرفون عنه شيئا.
الملابس الجديدة و المحافظ آخر طراز أولوية العائلات
كثيرا ما ينشغل الأولياء بشكل عام و الأمهات بشكل خاص، بتحضير أبنائهم لأول دخول للمدرسة، من خلال شراء ملابس جديدة، و مآزر ذات نوعية جيدة، مع محافظ آخر طراز ، لا تحمل معنى لأطفالهم سوى رسومات لشخصيات كارتونية يعشقونها، دون الاهتمام بالتحضير النفسي و الجسدي لأطفال لا يعرفون جو المدرسة.
و ربما يعاني من هذا الإشكال بنسبة أقل أو يتغلبون عليه كليا، الأطفال الذين تعودوا على الذهاب إلى دور الحضانة ، أو حضوا بتعليم خاص في احدى المدارس الخاصة التي تنتشر بشكل كبير في السنوات الأخيرة ، بحسب ما حدثتنا عنه معلمات حول ذات الموضوع، حيث أجمعن على أن الاهتمام بالنسبة للكثير من الأولياء قائم حول لباسهم و أدواتهم ، دون الاهتمام بتقديم نصائح لأطفالهم و شرح المرحلة الانتقالية التي تعد الأهم بالنسبة إليهم في هذه السن ، و التي تحتاج استعدادا نفسيا و جسديا بتغير مواعيد الأكل ، و الخروج يوميا من أجل الالتحاق بالمؤسسة.
أمهات وجدات داخل الأقسام
أكدت السيدة ليلى بولبريمة، معلمة متقاعدة من الطور الابتدائي، أن كل موسم دراسي جديد، يعرف مشاهد *درامية* لأطفال يبكون و يرفضون البقاء في المدرسة، و الانفصال عن أهلهم خاصة الأم ، و هي السلوكات التي أرجعتها إلى غياب ثقافة التحضير النفسي للأطفال ، و تعريفهم بالمدرسة كمجتمع جديد يلجه  الطفل بداية من سن الخامسة.
وتصف المعلمة دلال بالطور الابتدائي أيضا الوضع بغير المريح ، معتبرة بأنه يؤثر على الجو العام للمدرسة و الأقسام ، حيث قد يبكي أطفال آخرون لأجل بكاء زميل لهم بعد أن تمكن الأهل من اقناعهم بأن الأمر مؤقت و المكان جميل و مفيد بشق الأنفس بحسب تعبيرها ، مضيفة بأن السلوكات السلبية للأطفال الذين يرفضون منذ البداية التأقلم مع المدرسة ، قد تستمر إلى فترة طويلة ، و يحتاج المعلم إلى أسلوب خاص لتعويد الطفل على ذلك، بينما قالت المعلمة بولبريمة بأنها و بحكم خبرتها صادفت حالات كثيرة، اضطر فيها بعض الأولياء مثل الأمهات و الجد أو الجدة للجلوس لفترة داخل القسم أمام ابنهم لمنحه شعورا بالأمان و الإطمئنان و كفه عن البكاء.
«القرصة» و «السفنج»  للفأل الحسن
لم تغفل الأمهات و الجدات قديما التحضير النفسي للأبناء لليوم الأول للمدرسة، و إن كان على طريقتهن الخاصة، حيث تحكي لنا خالتي زينة أم و جدة لـ15 حفيدا، بأنها و منذ القديم تحرص على تحضير «القرصة» أو «الغرايف» كنوع من الفرح بأبنائها الذين أكدت بأنها تحدثهم عن العلم و المدرسة مستقبلا، و تحاول تحفيزهم على الدراسة من أجل اسعادها و بلوغ مراتب عالية في المستقبل.
أما خالتي فاطمة بالجزائر العاصمة، فتقول بأن النساء بمنطقة الوسط يقمن بتحضير «الخفاف» أو ما يعرف بـ «السفنج»، ليكون فهم أبنائهم سريعا و ليتقدموا في الدراسة بشكل سريع و جيد، ما تضيف بأنه يظهر بمدى انتفاخ و نجاح وجبة الخفاف التي تحضر على شرف ذلك الطفل، و هي الأطعمة التي تختلف من منطقة إلى أخرى ، غير أن بعض أمهات الجيل الجديد قد قررن التخلي عنها، بحجة أنها مجرد خرافة لا ينبغي التشبث بها، في حين تتمسكن بها أخريات من جيلهن باعتبارها عادات و تقاليد يتوارثونها منذ أجيال، و فأل حسن لتوقع مستقبل مشرق لأطفالهن.

الأخصائية النفسانية حمادة دلال
التحضير النفسي لأول يوم للمدرسة أهم قاعدة   لمسار دراسي ناجح
قالت الأخصائية النفسانية حمادة دلال، بأن التحضير النفسي للطفل من أجل دخول المدرسة لأول مرة، أهم عمل تقوم به الأسرة و الأم بشكل خاص ، محذرة من إهمال ذلك باعتباره عاملا أساسيا في تكوين شخصية الطفل و تحديد مستواه الدراسي طيلة المرحلة الابتدائية ، خاصة إذا استمرت العلاقة سلبية بين التلميذ و المعلم.
و قالت الأخصائية بأن الالتحاق بالمدرسة يعد أول خروج عن العلاقة أم طفل في علم النفس، و التي تعني الانفصال الأول بين الطرفين، ما يجعل الطفل يرفض تقبل ذلك بشكل مفاجئ، و يخلق مشاعر سلبية  يعكسها البكاء، الغضب و حتى المرض المتمثل في الخوف الشديد من الفراق و المدرسة على حد سواء.
كما أشارات النفسانية حمادة إلى الفروق الفردية من طفل لآخر ، حيث يختلف الأمر بين الطفل الإجتماعي و الطفل الانطوائي، و هي الفروق التي تفسر البكاء الشديد للطفل و الذي قد يستمر في بعض الأحيان طوال السنة الدراسية، محملة المسؤولية في ذلك للأم التي لم تحضر ابنها لمحيطه الجديد.
و كحلول استباقية لتفادي كل تلك السلبية للطفل، تنصح المختصة الأم بالتحلي بالوعي في التعامل مع طفلها خلال الأيام التي تسبق دخوله إلى المدرسة، من خلال التحدث له عنها و شرح العملية، دون أن تغفل حديثها عن أنه انفصال مؤقت يعود بعده إلى البيت، بعد أن يكتسب معارف جديدة، كما شددت على ضرورة تلقينه الحروف لتسهل عليه المهمة، خاصة لمن لم يمر عبر الطور التحضيري أو دور الحضانة.
كما دعت من جانب آخر القائمين على المدارس بمن فيهم المعلمين و الطاقم التربوي و الإداري بالتعامل مع أطفال القسم الأول بشكل خاص، من خلال مراعاة حالتهم و نفسيتهم التي اعتبرتها آخر شيء قد يهتم به أغلب هؤلاء بحسب ما تؤكده الكثير من الحالات التي تعاملت معها، داعية إلى ضرورة انتقاء معلمي القسم الأول على أساس الخبرة و التخصص، دون منحها لمعلمين جدد لا يمكنهم التعامل بشكل جيد مع هذه الحالات، مثلما يتم العمل به عبر الكثير من المؤسسات التعليمية.
إ.زياري

 

الرجوع إلى الأعلى