آباء ينشرون صورا صادمة توثق مشاهد تعنيف لأبنائهم
انتشرت مؤخرا ظاهرة خطيرة عبر صفحات الفضاء الأزرق لآباء يتباهون بنشر صور يداعبون فيها أبناءهم بسكاكين و سواطير،  لنيل أكبر قدر من التعليقات و الإعجاب، فيما تظهر الصور خوف و بكاء الأطفال، إذ يقومون بتصويرهم في وضعيات تشبه نحر الكباش، كما فضل آخرون التفاخر بتدخين أبنائهم  و حمل قارورات المشروبات الكحولية، و هو ما لاقى استياء عديد الرواد الذين أبدوا  تأسفهم من الوضع الذي آلت إليه الأسرة الجزائرية ، و تخوفهم من تأثير ذلك على نفسية الطفل، فيما حذر مختصون في علم النفس  من خطورة الظاهرة التي قد تؤدي، حسبهم، للإصابة بأمراض مزمنة كالسكري و تدفع للانتحار،  و اعتبر قانونيون ذلك جريمة غير أن غياب الآليات حال دون قيام جهة ما بتحريك الدعوى العمومية و معاقبة الفاعلين.  
الظاهرة أخذت منحى تصاعديا، إذ أصبح بعض الآباء يتنافسون لجمع أكبر قدر من الإعجاب و التعليقات على حساب صحة أولادهم، بصور توثق مدى تفشي أشكال العنف الممارس على الأطفال داخل الأسر الجزائرية، إذ يجهلون حجم تأثيرها النفسي على المدى القريب و البعيد، و ما قد تسببه من مشاكل صحية، غير أن نقص الوعي لدى الجيل الصاعد من الآباء، رغم الانفجار المعلوماتي الذي نشهده ، أدى إلى انتشار مثل هذه الظواهر الموثقة بالصور، و هو ما لاحظناه على صفحات موقع فايسبوك، الذي يعد الأكثر استقطابا لمختلف شرائح المجتمع، حيث تداول عدد من الناشطين صورا تظهر الأب يضع سكين على رقبة ابنه و هو ملقى على الأرض، و الثانية تبين تخويف الأب لابنه بواسطة ساطور، فيما يبدو الطفل خائفا ،  كما   نشر البعض صورة لأب يضع ابنه في حجره و يوجه السكين لوجهه ، و يبدو أنه يحذره من شيء ما .
أولياء يتباهون بتعليم أبنائهم التدخين و حمل قنينات الجعة
 هذه الصور التي تبرز التجاوزات التي يقترفها الآباء و التي من المفروض أن يعاقب عليها القانون ، لكون الطفل في خطر،  أثارت  موجة غضب عبر الفضاء الافتراضي الذي أبرز الأخطار التي تهدد الكيان العائلي ، منددين بهذه السلوكات المشينة ، مبدين استياءهم من الوضع الذي وصلنا إليه ، و حثوا صاحب المنشور على حذفه للحد من انتشار هذه الظاهرة التي تضرب صميم مجتمعنا ، حيث علق أحدهم بأننا أصبحنا بحاجة ماسة لدورات تأهيلية للمقبلين على الزواج ، لتعليمهم مبادئ تكوين أسرة و طرق تربية الأطفال، فيما دعا الكثيرون إلى ضرورة إخضاع الزوجين قبل البناء، لفحوصات طبية تؤكد سلامتهم العقلية و النفسية، لكون مثل الظواهر تبرز إصاباتهم بمشاكل نفسية ، ليحقق بذلك صاحب المنشور مبتغاه بتهاطل مئات التعليقات التي عبرت أغلبها عن استهجان هذا التصرف، فالملفت أن الراغبين في جمع التعليقات على حساب سلامة أبنائهم الصحية و النفسية، لا يأبهون للتعليقات التي تحذر من خطورة هذه السلوكات، و يردون عليها بسخرية و تهكم ، معتبرين ما يقومون به يساعد على تنمية الشجاعة و القوة لدى فلذات أكبادهم، و يمكنهم من مواجهة كل المخاطر، في ظل تفشي جرائم الاختطاف و الاعتداء على هذه الشريحة الحساسة .


الظاهرة تقليد لما انتشر مؤخرا في بلدان مجاورة
البعض من الأولياء و الشباب ذهبوا لأبعد من ذلك، بنشر صور لأبنائهم الذين لا يتجاوز سنهم 8 سنوات ، يعلمونهم كيفية الإمساك بالسيجارة و التدخين و حمل قنينة الخمر، و هي سلوكات محرضة على فساد الأخلاق،  و تؤدي بالطفل لسلك طريق الانحراف،  حيث لاقت هذه المنشورات أيضا جملة من الانتقادات.
هذه السلوكات التي ظهرت عند بعض الأسر الجزائرية و المنتشرة عبر الفضاء الأزرق، قد تعتبر، حسب ما لاحظناه، تقليدا لما هو منشور على صفحات نشطاء من بلدان مجاورة كتونس و المغرب  و كذا مصر، أين تأخذ الظاهرة منحى جد خطير ، لدرجة أن الأمهات أيضا يقمن بمثل هذه السلوكات و يحرضن أبناءهن على التدخين و شرب الكحول ، حيث نشرت سيدتان تونسيتان عبر صفحتيهما صورا لهما و هما يعلمان طفلين، أحدهما في عمره حوالي 5 سنوات و الثاني 8 سنوات، كيفية التدخين ، فيما نشر أب مغربي صورة لابنه و هو يحمل الجعة، وهناك صورة صادمة أخرى لطفل من مصر في العاشرة من عمره و هو يمسك سيجارة و يتعاطى الكحول، ما يبرز معاناة المجتمع العربي من هذه الظاهرة.

الأخصائي النفساني  كمال بن عميرة


مداعبة الطفل بأدوات خطيرة تصيبه بصدمة عنيفة
الأخصائي النفساني كمال بن عميرة قال بأن هذه السلوكات التي يقوم بها الآباء غير مقبولة اجتماعيا ، و عواقبها وخيمة، معتبرا تهديد الطفل أو حتى مداعبته بالأدوات المحظورة ،  يشكل لديه صدمة عنيفة تأثيراتها تبرز على المدى القريب و البعيد، إذ تبدو على الطفل علامات الخوف و الاضطراب، كما يصاب بالتبول اللاإرادي و اضطرابات في الأكل و النوم و معاناة دائمة من الكوابيس ، و كذا فرط في الحركة و اضطراب في السلوك، قد يؤدي للهروب من المنزل و يدفعه للانتحار، كما تساهم هذه التجاوزات الخطيرة في تبسيط الفعل الإجرامي لدى الطفل، و يصبح يمارس ما تعرض له على أصدقائه، فيما يعرف في علم النفس بتقمص المعتدي، مضيفا بأن تعويد الطفل على حمل السيجارة و قنينات الخمر تدفعه للانحراف.
و أرجع ذات المختص سبب ارتكاب الآباء لمثل هذه التجاوزات،  لغياب الوعي و المسؤولية لدى الآباء، و كذلك انعدام  دور الأم التي من الواجب أن تمنع هذه التجاوزات الخطيرة، مؤكدا بأن قيام الوالد بهذه التصرفات، يدل على أنه قد يكون تعرض لموقف مماثل في صغره أو أنه غير ناضج أو يعاني من مشاكل نفسية قد يجهلها، كما قد تنم عن ضعف شخصيته، مشددا على ضرورة تحلي الأولياء بالمسؤولية في توفير بيئة خصبة لتنشئة أبنائهم تنشئة سليمة، بعيدا كليا عن العدوانية ، داعيا وسائل الإعلام إلى ضرورة التحسيس للحد من هذه الظاهرة التي قد تولد جيلا جديدا يتسم بالعدوانية، مشددا على ضرورة وضع ترسانة قانونية تعاقب كل من ينشر صورا تشجع على الظاهرة .

أستاذ في العلوم القانونية  بوبكر بن حمودة


الظاهرة جريمة في نظر القانون و غياب آليات حال دون المعاقبة عليها
الأستاذ بوبكر بن حمودة قال للنصر، بأن الظاهرة تعتبر جريمة في نظر القانون،  مؤكدا بأن محاولة إلحاق الضرر بالطفل من طرف أي شخص كان، تعتبر في حد ذاتها جريمة، معتبرا بأن نقل صور سلبية عبر المجال الإلكتروني، يعتبر بمثابة تكريس للعنف داخل الأسرة الجزائرية ، موضحا بأن التعديل الدستوري لسنة 2016 أدرج المادة 50 التي تنص على أن حرية الصحافة والشبكات الإعلامية ـ من بينها مواقع التواصل ـ  مضمونة، و لا تقيد بأي شكل من أشكال الرقابة، غير أنه لا يمكن استعمال هذه الحرية للمساس بالغير ، كما أن نشر الصور مضمون في إطار القانون و احترام ثوابت الأمة و قيمها الدينية و الأخلاقية و الثقافية.
ذات المتحدث أكد بأن النصوص التي تحمي الطفل موجودة، غير أن الآليات التي كفلها المشرع الجزائري غير موجودة ، كغياب سلطة ضبط للإعلام الإلكتروني ، ما جعل استغلال الفضاء الالكتروني دون قيد أو شرط ، مشيرا إلى أنه في هذه الحالة لا يمكن لأي جهة أن تحرك الدعوى العمومية، حتى و إن كانت مديرية النشاط الاجتماعي أو الجمعيات الناشطة في مجال حماية الطفل، مشيرا إلى أنه من المفروض أن يكون للمجتمع المدني دور في حماية الطفل من العنف الأسري أو الاجتماعي ، داعيا لضرورة تفعيل القانون من حيث الآليات .

أسمــاء بوقــرن

الرجوع إلى الأعلى