"الطرطايقة"..لعبة خطيرة تسيطر على عقول الجزائريين
يدمنها الكبار أكثر من الصغار، تقتحم البيوت، المدارس، و تكتسح الشوارع، صانعة مشهدا واحدا، لمختلف الفئات، و كأنها تدخل منافسة علمية لمن يسجل أكبر عدد ممكن من الضربات بين كرات بلاستيكية قاسية مربوطة بخيط، تصنع سمفونية تتسبب في إزعاج المواطنين، مخلفة إصابات بالجملة في أوساط الأطفال، في ظل تعالي أصوات المختصين بمنعها حفاظا على سلامتهم.
“الطرطايقة”، “الطقطيقة”، “الطاكطاوة” و “الخباطة”، أسماء متعددة للعبة واحدة، ليست الحوت الأزرق، لكن تأثيرها كبير و خطير جدا، فصداها بلغ لأبعد مدى، ربما لم يكن حتى صانعوها يتوقعون ذلك، لعبة صغيرة لا يتجاوز سعرها 150 دينارا، تحكم قبضتها منذ نحو شهرين على الشارع الجزائري، فالكل يحملها و يقوم بالمهمة “العملاقة” في نظره و في نظر من تمكنت منهم، من خلال محاولة ضرب الكرتين ببعضهما البعض بطرق متعددة.
لعبة الصغار التي يدمنها الكبار
فاقت شهرة لعبة “الطرطايقة “كل التوقعات، و تحولت من مجرد لعبة موجهة للصغار، إلى لعبة يعشقها حتى الكبار، ما تعكسه المشاهد التي نقف عليها يوميا عبر مختلف الشوارع الجزائرية، فحتى داخل المؤسسات الصناعية وجدت مكانا لها، بسبب أشخاص راشدين يحملونها باستمرار، خاصة في أوقات فراغهم، و يتنافسون عليها و كأنها لعبة ذكاء خارق تمثل إنجازا كبيرا.
و قد لاحظنا حضور اللعبة البسيطة بين الشباب في تجمعاتهم بالأحياء، و اعتبر بعضهم الأمر مسليا، فهي ليست مخصصة للصغار فقط ، كما قال أحدهم، مضيفا بأنها تكسر الملل و تمثل الجديد في عالم الألعاب الجماعية التي تمارس وسط التجمعات السكانية، بينما قال آخر بأنها تحولت إلى ما يشبه رياضة يتنافس فيها الشباب من أجل تسجيل أطول مدة لضرب الكرتين في ما بينهما دون توقف،  على حد قوله.
إصابات بالجملة في أوساط الأطفال و تذمر مواطنين
ربما صنعت لعبة الطرطايقة لصالح شريحة معينة من الأطفال، فوق 6 أو 7 سنوات، لكنها ألحقت أضرارا ، في أوساطهم  ا، حيث تم إحصاء العديد من الإصابات على مستوى الأسنان، اليدين، الوجه و العينين بشكل خاص، و ذلك بسبب ثقل الكرتين اللتين تخلفان ضربة مؤلمة للغاية و جروح إذا ما ضرب بهما أحد ما لقساوتهما، كما تؤكد الدكتورة سراح لعيور التي عاينت العديد من الحالات المماثلة حتى على مستوى المدارس، أين امتد استعمال هذه اللعبة التي وصفتها بالعنيفة.
من جانب آخر، يشتكي الكثير من المواطنين من الصوت المزعج الصادر عن استعمال هذه اللعبة، خاصة و أن من يحملها يستمر في ضرب الكرتين لفترة طويلة، و لا تتم مراعاة الوقت لذلك، فلا اختلاف لديهم بين الليل و النهار، ما تعكسه التعليقات التي تكتسح مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام، تعبيرا عن التذمر الكبير من لعبة، جعلت البعض يطالبون بسحبها من الأسواق الجزائرية.
“الطرطايقة” تدخل سباق الأرقام القياسية
الملاحظ حرص الأطفال و كل من يحمل لعبة الطرطايقة بالشوارع الجزائرية على عد الضربات ، و تعرف مواقع التواصل الاجتماعي انتشارا واسعا لفيديوهات اجتمعت في كونها توثق لصغار و كبار و هم يضربون الكرتين، في محاولة لتسجيل ما اعتبروه رقما قياسيا في هذه اللعبة، و هي الفيديوهات التي انتشرت على نطاق واسع و سجلت مشاهدات بالآلاف، لكن هناك من يصفونها باللعبة الغبية، منتقدين الأفراد الذين يهتمون بها، خاصة من الراشدين.
بينما نشر بعض نشطاء الفايسبوك بشكل خاص، صورا عبروا فيها عن رفضهم لمثل هذه الألعاب التي قالوا بأنها غير مفيدة ، و أجمعوا أنها تتحكم في الجزائريين هذه الأيام، داعين الأولياء إلى ضرورة مراقبة أبنائهم و انتقاء ألعاب لهم لا تشكل خطرا عليهم.
مختصون يحذرون من تسببها في عاهات و تأثيرها على الدراسة
يحذر الأطباء و المعلمون على حد سواء ،من الانتشار الواسع للعبة التي وصفوها بالخطيرة جدا خاصة على الأطفال، حيث أكدت الطبيبة نادية رياح ، بأن كرات اللعبة مصنوعة من مادة قاسية جدا، مما يشكل خطرا وصفته بالكبير على هذه الفئة، في حال الإصابة على مستوى الأسنان، العينين، مضيفة بأنها قد تتسبب في كسور على مستوى الأنف و اليدين، و قد تخلف عاهات مستديمة لكون عظام الأطفال طرية و الكرات قاسية جدا.
و أوضحت الدكتورة بأن تأثيرها يمتد إلى الجانب النفسي، بالنسبة لمن تتسبب لهم في عاهات مستديمة، كما تؤثر على التحصيل العلمي بسبب سيطرتها على الأوقات التي يفترض أنها مخصصة للمراجعة و الحفظ، معتبرة إياها لعبة لا تقدم أي فائدة، و دعت الأولياء إلى ضرورة منع أطفالهم من استعمالها حماية لهم و لمستقبلهم.
من جانبها، أكدت الأستاذة بالطور الإبتدائي أحلام، بأن عددا كبيرا من التلاميذ يتلقون يوميا ضربات في أنحاء مختلف من أجسامهم، نتيجة استعمال هذه اللعبة، و ذكرت بأن أحد تلاميذها تعرض لإصابة خطيرة على مستوى العين و آخر على مستوى الأنف، و أكدت بأنها تحولت إلى قطعة أساسية من الأدوات التي يحملونها في محافظهم، و يبدؤون اللعب بها فور خروجهم من باب المدرسة، داعية الأهل إلى مراقبة أبنائهم بشكل أكبر، و فرض رقابة من الجهات المعنية على مثل هذه الألعاب التي قالت بأنها بلا فائدة، و تؤدي إلى إهدار الوقت و حتى الصحة.
للإشارة فإن هذه اللعبة كانت رائجة في التسعينات وعرفت بإسم “ ليبولات” أي الكريات الصغيرة وقد صنعت آنذاك نفس التأثير لكنها اختفت بعد فترة  قبل أن تعود لكن ادخلت عليها تعديلات من حيث المادة الأولية و الألوان ، وهذه المرة كان الانتشار أكبر بسبب مواقع التواصل الاجتماعي التي روجت لها.
إ.زياري

الرجوع إلى الأعلى