الحطب و الحمير لمواجهة قسوة الشتاء في جبال جيجل
تحتمي  قرية أولاد طاهر بغابات و جبال بودريعة بن ياجيس، جنوب جيجل، أين ترتسم معالم حياة قاسية فرضتها تضاريس المنطقة، و زادتها حدة العشرية السوداء، لكن أهلها تمسكوا بأرض الأجداد،  رغم الصعوبات، فهذه المنطقة التي تبدو وكأن آلة الزمن قد  توقفت بها، لا يزال  سكانها يستعملون الحطب للتدفئة والحمير للتنقل، وينتظرون كل أسبوع وصول شاحنة للتمون  بالمواد الغذائية ومختلف الاحتياجات. 
روبورتاج: كـ . طويل
النصر في طريقها إلى منطقة أولاد طاهر، التابعة إداريا، لبلدية بودريعة بن ياجيس، الكائنة على بعد 60 كلم من عاصمة الكورنيش الجيجلي، توقفت بمنطقة تعرف باسم «الشريعة»،  أين وجدنا العشرات من المواطنين، ينتظرون و هم يحملون   العديد من قارورات غاز البوتان، و قد قاموا بربط حميرهم إلى جانبي الطريق، تقربنا منهم  ، فصادفنا  شخصا من منطقة عين لبنة، ببلدية إيراقن سويسي المجاورة للمنطقة، تعرف علينا من أول وهلة، لأنه  سبق لنا و أن زرنا البلدية  ،   أخبرنا بأنه قدم على ظهر حماره من عين لبنة وسط مسلك غابي،  لصعوبة التوجه إلى بلدية إيراقن سويسي، بسبب الوادي الذي يقطع المنطقة .
شاحنة تتحوّل إلى سوق أسبوعية لعدة مداشر
 وقد علمنا من المواطنين بأنهم ينتظرون، وصول شاحنة معبأة بالمواد الغذائية، و قارورات غاز البوتان، تحط الرحال بالمنطقة النائية كل جمعة، و لولاها لما استطاعوا اقتناء حاجياتهم المختلفة، فلا يوجد أي محل تجاري هناك.
عندما وصلت الشاحنة ، أو المحل المتنقل، اصطف العشرات من المواطنين القادمين من مشاتي و مداشر كثيرة ، على غرار  الصفصاف، بومهدي، و مناطق من الجهة الشرقية لبلدية إيراقن سويسي، خصوصا القاطنين بمنطقة عين لبنة، في طابور طويل، و شرع صاحب الشاحنة في عملية البيع، و أوضح الزبائن بأن منطقة “الشريعة”، تعتبر مكان لقائهم الأسبوعي كل جمعة، من أجل التمون لما يغطي احتياجات أسبوع كامل ، إلى جانب التزود بقارورات غاز البوتان،  و أضافوا بأن وجبتهم الأساسية  في فصل الشتاء هي الكسرة و زيت الزيتون و بعض الخضر،و أهم مقتنياتهم هي السميد و الزيت  إلى جانب قارورة الغاز طبعا.
و ذكر عمار و هو أحد زبائن الشاحنة ، بأنه و  أثناء تنقله  إلى المنطقة بمعية عديد القرويين، يواجه عدة مخاطر ، جراء هجوم الكلاب الضالة عليهم، و بعض الانزلاقات التي تعرفها المسالك غير المهيأة ، موضحا بأن هذه الأيام الشتوية تحديدا، تعتبر من بين أصعب الفترات التي تمر بها المنطقة، جراء التساقط الكثيف للأمطار و الثلوج، التي تزيد من عزلة المنطقة، مشيرا إلى أن المنطقة بها العديد من الأرامل، اللائي يتكفل بهن الجد أو العم  و حتى الجيران، و يقتنون لهن احتياجاتهن من المواد الغذائية و قارورات الغاز.
عن الأسعار التي يقترحها البائع الوحيد، أخبرنا زبائنه بأن سعر  25 كلغ من السميد يصل إلى حدود 1000 دج، مؤكدين بأن الثمن لا يهمهم و لا يمكن أن يوازي الجهود  التي يبذلها البائع ، عندما يتنقل إلى أقصى نقطة بأعالي الجبال، مضيفين بأن الشاحنة تعتبر بمثابة المحل التجاري و السوق الأسبوعي الوحيد لهم، و ينتظرونها لساعات من الزمن من أجل اقتناء مستلزماتهم الضرورية من طماطم، ملح و  قهوة، و غيرها.
و قال عمي أحمد بأن المنطقة قبل العشرية السوداء، كانت تضم 13 محلا تجاريا، ففي تلك الفترة كانت الجهة  تعج بالحياة و تشهد حركة كبيرة للمواطنين، إلا أن ملامح ذلك الزمن الجميل، تلاشت تحت غبار السنين، و غياب مظاهر التنمية، حتى بعد عودة الاستقرار و الأمن إلى المنطقة، مشيرا إلى أنه و بقية السكان تعبوا كثيرا في البحث عن طرق الحصول على السميد أو حفنة من التمر، لأسرهم و أبنائهم .
و صادفنا هناك عجوزا في السبعين ، تحمل كيسا من السميد فوق ظهرها، و تقطع مسالك جبلية وعرة و طويلة على قدميها، قبل أن تصل إلى مسكنها الريفي، الموحش ، بمنطقة الصفصاف ، و قد عادت بنا هذه العجوز إلى  شبابها حينما تزوجت و أنجبت أبناء و  كانت تقدم الدعم و العون للمجاهدين خلال الثورة . كما شاهدنا طفلا يحمل مواد غذائية لمسافة طويلة على قدميه، أما البقية من الشباب و الشيوخ، فقد كانوا يحملون مقتنياتهم فوق الحمير، وهي الوسيلة المتوفرة للنقل وسط الغابات و المرتفعات لمسافات طويلة.
 الثلوج تفرض العزلة والرياح تقطع الكهرباء  
توجهنا إلى منطقة الصفصاف بقرية أولاد طاهر، أين كانت وضعية الطريق  لا بأس بها  ، لاحظنا أن هناك بعض الأسر  تقوم بتقليب الأرض ، تحضيرا لزرعها ، فيما  انتشرت بالجبال قطعان الأبقار ،  لكن  جل المنازل بالمنطقة  بدت  وكأنها مهجورة.
و عندما وصولنا  ظهر انجراف للتربة بجزء من  طريق أخبرنا مواطنون بأنه المنفذ الوحيد المؤدي إلى باقي المناطق بالجهة الجنوبية من أولاد طاهر، و كذا إلى منطقة عين لبنة ، وأنه يعتبر من بين الطرق التي يطالب السكان السلطات   بفتحها و تهيئتها  للقضاء على العزلة المفروضة عليهم.
كما لاحظنا بأن أعمدة الكهرباء، أسقطتها الرياح أرضا، و أكد لنا السكان غياب أدنى ضروريات الحياة بالصفصاف، مشيرين إلى الانقطاعات المتكررة للكهرباء   ، و إلى وجود عائلات معوزة  لم تحظ  بالإعانات و الدعم من الجهات الوصية، عكس باقي المناطق المجاورة.
عدنا أدراجنا و توجهنا إلى الجهة المقابلة، تحديدا إلى  منطقة بومهدي،  أين وجدنا في طريقنا شاحنة لبيع المواد الغذائية ، التف حولها مواطنون   أخبرنا مرافقنا  بأنهم قدموا من منطقتي أزرار و فوتشو ، لاستحالة وصول  الشاحنة  إليها ، لعدم توفر طرقات تؤدي إليها.
 وقد ظهر على ملامح المواطنين التعب الشديد و قسوة العيش ، فلكل منهم حكاية بالمنطقة الجبلية، و  أكد لنا أحدهم  بأن الأحلام و الأماني تلاشت تدريجيا ، خصوصا بعد تأخر شق الطرقات باتجاه المداشر التي تقطنها عائلات، و يقدر عددها ، حسب المتحدث، حوالي 48 عائلة، بعدما كانت تضم ما يقارب 400 عائلة قبل سنوات الجمر، و أخبرنا بأن هذه العائلات التي تعودت على التحديات اليومية  تعتبر فصل الشتاء ، جحيما ، و تخوض ما يشبه  “الحرب ضد الطقس”.
و أشار السكان إلى أن البرد و الصقيع و الأمطار تبدأ في منتصف أكتوبر و تتواصل إلى نهاية مارس، فيقتنون المؤن و الألبسة و الأغطية، و تتوقف جميع نشاطاتهم في الحقول و البساتين، و إذا سقطت الثلوج، تغلق المسالك و تعزل القرية عن بقية العالم، فيدخل الناس في سبات مفروض، إلى أن تذوب الثلوج و يفك الحصار عنهم.
قاعة علاج ومدرسة في انتظار الترميم
قال المتحدثون بأن مطالبهم بسيطة، و تتمثل أساسا في شق الطرقات، باتجاه المشاتي و توفير التكفل الصحي، مؤكدين بأنهم يضطرون لاستعمال  الحمير و السلالم الخشبية لنقل مرضاهم،  و قد تم تسجيل وفاة أحد المرضى بسبب التأخر في نقله ، موضحين بأن تكاليف نقل المريض تفوق 3 آلاف دج، باتجاه مقر البلدية، أما في الفترة الليلة، فتقدر بحوالي 4 آلاف دج، بسبب غياب المناوبة الليلية بالعيادة المتعددة الخدمات، فيتم نقل المريض إلى مقر بلدية جيملة المجاورة.
 و اعترف المتحدثون، بأنهم يستغنون في مرات عديدة عن شراء الحقن، لأن تكلفة حقنها للمريض، تفوق 500دج، بسبب بعد المركز الصحي، مشيرين إلى أن مطالبهم بسيطة و تتمثل في ترميم و فتح قاعة العلاج  المغلقة منذ سنوات، و و جلب ممرض إليها.
في حين طرح  أولياء  معاناة  المتمدرسين و عددهم 24 تلميذا ، خلال تنقلهم اليومي للدراسة، بمدرسة تتواجد بمنطقة «المسيلة»، مشيرين إلى أن الابتدائية  الموجودة بالمنطقة، تم ترميمها مرات عديدة دون إعادة  فتحها رغم الحاجة الملحة لها.
كما يطالبون  بإيصال الكهرباء إلى المنطقة، و توفير منابع المياه الصالحة للشرب، و تنظيم قوافل إضافية لمساعدة العائلات المعوزة ، و أشار السكان إلى أن غياب الطرقات، حرمهم من الاستفادة من الدعم لبناء السكنات الريفية، بسبب صعوبة نقل السلع، و ارتفاع تكاليف نقلها إلى أقصى نقطة بالبلدية.
لم نستطع الوصول إلى المنازل بسبب رداءة الأحوال الجوية، كما أن الوقت داهمنا، كما أن مرافقنا حذرنا من مخاطر متابعة السير، الأمر الذي جعلنا نعود أدراجنا على أمل العودة قريبا.
جدير بالذكر أن السلطات نظمت قوافل إغاثة للمنطقة، لكنها لم تلب الاحتياجات المطلوبة ، و هي تسعى لوضع مشاريع لإعادة التنمية بالمنطقة، و من ثمة إعمار الريف.                                         
كـ . ط

الرجوع إلى الأعلى