الجزائريون "يتصالحون" مع الفضاء العمومي كل جمعة
عبر العديد من المواطنين عن رغبتهم في جعل الخروج والاستمتاع بالفضاءات العمومية في المدن خلال نهاية كل أسبوع، بمثابة تقليد و سلوك دائم  لتجاوز  متاعب العمل والضغوطات طيلة أيام الأسبوع.
سمحت المسيرات السلمية التي يعيشها الجزائري منذ أسابيع، من ترسيخ ثقافة و سلوكات قديمة متجددة، وأبرزها الاستمتاع بالفضاء العمومي خلال أيام العطل خاصة يوم الجمعة الذي تكاد تختفي فيه كل مظاهر الحياة في المدن والقرى الجزائرية منذ عقود، لكن أصبح العديد من المواطنين يخصصون لأنفسهم مكانا في هذا الفضاء ويقضون فيه ساعات مع عائلاتهم وجيرانهم و أقاربهم.
في كل مسيرة جمعة، يتخذ الكثير من المواطنين أماكن للراحة من تعب السير، ليجدوا أنفسهم قد شكلوا مجموعات وأصبحوا يتبادلون الأفكار والآراء ويناقشون عدة قضايا ويستمتعون أيضا بالأجواء الربيعية في مدنهم، و التقت النصر بعائلات خاصة بوهران، أكدت أنها لم تكن تعطي للأمكنة حقها من قبل.
لم يكن صعبا علينا التفطن أن النساء الأربع اللائي كن يجلسن مع بعضهن في الحديقة الجديدة بوسط المدينة، أخوات بالنظر للشبه الكبير بينهن وأصغرهن سنا تجاوزت الخمسينات، حيث قالت إحداهن إنها كل يوم تمر من هنا ، لكنها اليوم تجلس وسط المساحة الخضراء وتستمتع بالجو الربيعي الجميل رفقة أخواتها، وأوضحت أخرى أنها تنوي اتخاذ هذا المكان فضاء للراحة ،  خاصة وأنه قريب من وسائل النقل الترامواي، الحافلات وسيارات الأجرة، فلن تتعب في الذهاب والإياب.
أما فاطمة فقالت لنا بأن زيارتها لهذه الفضاءات كل جمعة، جعلها تفكر في جلب أصدقائها وممارسة هوايات العزف على الآلات الموسيقية أو نشاطات ثقافية أخرى، لإعادة إحياء هذه الأمكنة الجامدة رغم جمالها.
كما فضل السيد محمد و هو متعود على الجلوس في هذا الفضاء، أن يرافق زملاءه هناك، مثلما كانوا أثناء المسيرة، ليستمتعوا بالفضاءات المتواجدة بالمدينة ويقضون وقتا مع بعضهم، بعيدا عن الفضاء الافتراضي.
وغير بعيد عن ساحة بلاص دارم و الحديقة الجديدة التي ينتظر أن تفتح طريقها نحو البحر قريبا، وجدنا شبابا مستلقين في محور الدوران المقابل للبحر عند جسر زبانا، حيث يتوسط المحور تمثال شهيد المقصلة زبانا، وقد اكتشف هؤلاء الشباب جمالية هذا الفضاء عند مرورهم كل جمعة في إطار مشاركتهم في المسيرات، فقرروا ألا يفرطوا في الجمال الطبيعي الذي يجمع بين الاخضرار والأزهار ونسمات البحر، ووعدوا بغرس ثقافة الاستمتاع بهذه الفضاءات.
و تشهد الشوارع أيضا نفسا جديدا كل جمعة، حيث يستعيد  بعض المواطنين عادات وتقاليد قديمة، اختفت نهائيا مع التطور التكنولوجي والعالم الافتراضي، منها ارتداء الألبسة التقليدية يوم الجمعة، والتجوال والتسوق بها بكل أريحية و فخر.
خلال المسيرات لاحظنا عودة الأزياء التراثية ،  سواء الرجالية أو النسائية، ليس فقط «الحايك»، بل شهدت وهران أول أمس الجمعة ، عرض زي تقليدي يجمع بين أناقة الكراكو و القفطان بلمسة «موريسكية إسبانية»، ارتدته إحدى عارضات الأزياء التي شاركت في المسيرة وأعطتها صبغة احتفالية.
ومن صور «التصالح» مع الفضاء العمومي كذلك، صادفنا قبل بداية المسيرة، مجموعة مواطنين ملتفين حول «جفنة» (قصعة) كسكسي ، جلبها أحد سكان وسط المدينة، ليتقاسم مع غيره الوجبة الشعبية الأكثر مرافقة للجزائريين يوم الجمعة. إنها مظاهر مجتمعية راسخة في الجزائريين، لكن أخفتها سنوات الجمر، وها هي المسيرات تعيد إحياءها لتربط الجزائري بكل مكونات هويته و «تصالحه» معها.
بن ودان خيرة

الرجوع إلى الأعلى