امتحانات منهكة بالأقسام التحضيرية للمدارس القرآنية و دور الحضانة
يجري أطفال الأقسام التحضيرية بمختلف المدارس القرآنية و دور الحضانة هذه الأيام، امتحانات الفصل الثاني، وسط أجواء مشحونة، بسبب اختبارات مكثفة و ضغط أولياء يعاملون أطفالا لا يزالون في سن اللعب، كأنهم يقبلون على اجتياز امتحانات مصيرية، يحذر الأخصائيون من خطرها على الصغار مستقبلا.
أغلب، و إن لم نقل كافة المدارس القرآنية، المدارس الخاصة، و حتى دور الحضانة، تجري خلال هذه الأيام الاختبارات الفصلية الثانية لأطفال الأقسام التحضيرية، انطلاقا من قسم الأطفال ذوي 4 سنوات، حيث تقدم لهم أوراق بيضاء كبيرة، تحتوي على أسئلة مكثفة في اللغة، الرياضيات، و التلوين، بينما يجرى امتحان ثان في الحفظ في يوم آخر.
أسبوع  مكثّف لأطفال  في سن اللعب
اشتكى بعض الأولياء من ضغط البرنامج الذي يتلقاه أبناؤهم على مستوى هذه المؤسسات، خاصة بالنسبة للأطفال في عمر الأربع سنوات، و إن كانوا يستفيدون من طرق التلقين و تعلم الألوان و العد إلى 10، إلا أن ذلك لا يبرر تنظيم امتحانات لهم تتزامن مع امتحانات تلاميذ المدارس الابتدائية و غيرها، و تشديد المعلمين على الحفظ و المراجعة، ما عرض الكثير من البراعم إلى النفور من المدرسة ، إلى درجة أن بعضهم قاطعها، حيث قالت السيدة حنان للنصر، أن ابنها أنس رفض مواصلة التعلم تحت الضغط، يتفرغ للعب.
إن عديد المدارس القرآنية لا تفرض إجراء الامتحانات للصغار، و تترك الاختيار للمربيات، فيقبلن على إجرائها في أجواء تشبه أجواء المدارس الابتدائية النظامية، و حتى في دور الحضانة تقدم أسئلة، حسب بعض الأولياء،  تفوق الطاقة الاستيعابية لأطفال لم يتجاوزا 5 سنوات، و قد تأكدنا من ذلك عند اطلاعنا على نماذج منها، و تقوم عادة المربيات بإعلام الطفل مسبقا، عن خضوعه لامتحان، دون أن يعرف حتى معنى الكلمة، في حين ترهب بوقعها قلوب الأولياء الذين سريعا ما ينقلون ذلك الشعور بالخوف لأبنائهم.
اختبارات تجرى بطلب من الأولياء
 تؤكد ناهد ، معلمة بإحدى المدارس القرآنية ، بأن الاختبار اختياري، و كثيرا ما تلجأ إليه المعلمة بهدف تقييم مستوى الأطفال، و كذا تقييم مدى فعالية طريقتها في التعليم لا غير، في حين يفرض بعض الأولياء على المعلمات، حسبها، إجراء اختبارات حقيقية و تقييم أبنائهم و وضع علامات لهم، مثل الكبار، مع تسليم كل طفل دفتر امتحان في نهاية كل فصل ليطلع عليه والداه.
و أشارت المعلمة بأن الكثير من الأمهات، تلجأن حتى لضرب أطفالهن من أجل التعلم، بالرغم من أنهم في مرحلة لا ينبغي الضغط فيها عليهم.
المعلمة أكدت من جهة أخرى، بأنهن كمعلمات يتعرضن للمحاسبة من قبل بعض الأولياء، و أرجعت ذلك إلى خوف الأولياء من برنامج الجيل الثاني في السنة الأولى ابتدائي، حيث باتوا يرون في المرحلة التحضيرية فرصة لتحضير و تجهيز أبنائهم للالتحاق بأقسام تعد الدراسة فيها صعبة للغاية، حسبهم، مضيفة بأنهم باتوا يهملون كثيرا أسس التعليم في المدرسة القرآنية، كحفظ القرآن، الأدعية و الأحاديث، و يركزون فقط على الحروف و الحساب، و هو ما ترى بأنه يفوق مستوى الطفل الذي غالبا ما يقف حائرا أمام المعلم، دون أن يفهم شيئا مما يقدم له ، كما أكدت المتحدثة .
أقسام تحضيرية تبتعد عن مهامها
قالت لنا السيدة راضية ، مربية بإحدى الأقسام التحضيرية، بأن أطفال القسم التحضيري يجب عدم إخضاعهم لأي امتحان في هذه المرحلة، ومن المفروض تعليمهم عن طريق اللعب، و العمل على تفادي تنظيم اختبارات جادة،  و إن كانت لتقييم المستوى فقط، لأنها تؤثر سلبا على الطفل الذي لم يصبح تلميذا بعد، قائلة بأن القسم التحضيري يبقى مكانا تنظر فيه المربية إلى الطفل، بأنه لا يزال طفلا و ليس تلميذا، و هو بذلك استمرارية للتربية الأسرية، و تحضيرا للتمدرس في المرحلة المقبلة، بعد اكتساب مبادئ القراءة و الكتابة و الحساب.
أما بدور الحضانة و المدارس الخاصة، فالطفل يخضع للامتحان و يتم تقييمه و كأنه تلميذ، غير أن ذلك يتم بطريقة خاصة، حيث  تؤكد إحدى الأمهات بأن المعلم هو الذي يجيب عن الأسئلة، ما يجعل الامتحان شكلي، يحاول عبره المعلم و مسير المؤسسة، أن يبرهنا للأولياء بأن الطفل اكتسب مهارات و معلومات كثيرة، بعيدا عن مستواه الحقيقي، كما تقول، غير أن الاختبار يبقى مصطلحا دخيلا بين الألعاب، و ما يفكر فيه الطفل.
أخصائية علم النفس التربوي  نبيلة عزوز
الامتحانات في الطور التحضيري ممنوعة
ترى الأستاذة نبيلة عزوز، المتخصصة في علم النفس التربوي، بأنه لا يجب إخضاع أطفال الأقسام التحضيرية للامتحان أو حتى للتقييم، مشيرة إلى أن تلميذ السنة الأولى ابتدائي معفى من الاختبار خلال الفصلين الأول و الثاني، فما بالك بمن هم أصغر سنا ، و حذرت من خطر استعمال كلمة «امتحان» مع فئة يغتصب حقها في اللعب بطريقة غير مباشرة، وسط ضغط كبير من أولياء ينشرون الخوف في نفوس أبنائهم من هذه الكلمة.
و ترجع الأستاذة حتمية الابتعاد عن هذه الكلمة أصلا، لما لها من وقع في نفوس الأهل و الأطفال على حد سواء، لكون الطفل في سن 4 و 5 سنوات لا يزال في مرحلة اللعب، كما أن فئات من الأطفال لا يستوعبون المعلومة بشكل جيد، و تكون نتائجهم إذا تم اختبارهم غير متكافئة، فعلى المعلم مراعاة ذلك، إضافة لما لكلمة «اختبار» من تأثير على نفوس الأولياء، و سريعا ما ينقلون شعور الخوف لأطفال لا يفهمون حتى معناها، داعية للتروي في التعامل معهم، و محاولة إيصال فكرة أنه حتى التقييم، يجب ألا يخرج عن كونه مجرد تجربة أو نتيجة لتعب البرعم خلال فصل كامل، مع الحرص على تحفيزه بالهدايا و النزهات، و ليس الضرب و التخويف. الأستاذة عزوز أرجعت مخاوف الأولياء إلى برنامج الجيل الثاني في الطور الابتدائي، كاشفة عن تراجع أعداد الأقسام التحضيرية عبر المؤسسات التعليمية، و تقلصها من قسمين بكل مدرسة، إلى قسم واحد، كما أن عدد التلاميذ بكل قسم تحضيري لا يتجاوز 25 تلميذا، في حين يوجه أغلب البراعم قبل سن التمدرس إلى المدارس القرآنية، دور الحضانة و المدارس الخاصة، أين يفرض على المعلمين تدريس أبنائهم ما يحتاجونه في المرحلة الابتدائية، خوفا من الرسوب و عدم استيعاب الطفل لما يقدم له، مؤكدة  بأنه من المستحيل ألا يتعلم و هو في محيط تعليمي، و يكفي ، حسبها، أن يتعلم بعض الحروف و الأرقام، و الباقي يتلقاه في السنة الأولى ابتدائي.
في الوقت الذي يجمع المعلمون الذين تحدثنا معهم على صعوبة برنامج الجيل الثاني فعلا، يدعون الأهل لمساعدة أطفالهم عبر زرع الثقة في نفوسهم و حب التعلم ، بدل دفعهم للعيش في عالم يفوق سنهم، و إدخالهم في دوامة اختبارات لا يفهم أغلبهم معناها و الغاية منها،  سوى كونها تبرمج  قبل حفلة نهاية كل فصل، التي ينتظرونها بشغف و براءة.                     إ.زياري

الرجوع إلى الأعلى