لا يزال حي «طنجة» بوسط مدينة الخروب يحتفظ بحضوره الاجتماعي و التجاري المميز لدى سكان الخروب، باعتباره أحد أقدم الأحياء الشعبية بالمدينة، و مهما تغير الزمن و توالت الأحداث، يطل  في  شهر رمضان  من  كل  عام مصحوبا بالبهجة و الاستعداد ليصبح ملتقى السكان و التجار، و تفرض الجاذبية المحيطة به نكهة مميزة من عبق الماضي، و نوعا من الحنين المتوارث جيلا عن جيل، لاسيما في الشهر الفضيل، حيث يقصده الصغير و الكبير للشراء و البيع و حتى لمجرد التجول لساعات، قبل موعد الإفطار، رغم الازدحام الشديد الذي يشهده بعد صلاة الظهر.
روبورتاج: زين العابدين فوغالي
مثلما هو الحال بالنسبة لحي السويقة في قسنطينة، يعتبر حي طنجة من  أقدم الأحياء في مدينة الخروب، و لا يزال لحد الآن يحتفظ بسحره وسط البنايات العتيقة الشامخة منذ عشرينيات القرن الماضي التي تحكي قصصا و تراثا لا يزال سكانه يحاولون الحفاظ عليه لحد الآن، رغم ظهور عدد كبير من البنايات و المرافق الحديثة في السنوات الأخيرة.
 بالرغم من التوسع الكبير الذي تشهده الخروب في الوقت الحالي، مع انتشار نقاط جديدة للتجارة ، و أحياء راقية، إلا أن للحي هالته الاجتماعية ووقعه الرمضاني المميز، وهو ما جعله يستعيد مجده القديم، و يحتفظ بمكانته الخاصة عند سكان الخروب.
و يؤكد المداومون على زيارته يوميا بأنه يخفف عنهم تأثير شهر الصيام، و تمثل جولة و لو سريعة في «طنجة» عادة مقدسة بالنسبة للكثيرين، و كأنهم يكتشفونه لأول مرة، وهو ما أكده لنا السعيد حشوف، أحد الوجوه المعروفة في الخروب باعتباره لاعب سابق «للايسكا» سنوات السبعينات و الثمانينات، موضحا بأنه يتجول يوميا بالحي لأكثر من مرة رغم الازدحام ، لكي «يشم رائحة رمضان زمان» ، على حد تعبيره، في خضم التغييرات التي شهدتها الخروب في السنوات الأخيرة.
وتكمن أيضا أهمية الحي في موقعه الإستراتيجي الذي جعله بمثابة شريان يربط بين الخروب القديمة، أو كما تسمى «الفيلاج» ، و بين الأحياء التي شيدت منتصف الثمانينات، عكس ما كان عليه الحال في الماضي، أين كان المخرج الجنوبي للحي يمثل آخر نقطة في الخروب، و بعدها تأتي الحقول الزراعية، كما قال لنا أحد الشيوخ الذين عاشوا في المدينة قبل الثورة التحريرية.
تجارة متوارثة جيلا بعد جيل
يتميز «حي طنجة» بطابعه التجاري من محلات و طاولات الخضر و الفواكه، جعلت منه مقصدا لكل العائلات الخروبية وحتى من خارج المدينة، وتبقى أهم ميزة فيه هي توارث التجارة فيه أبا عن جد، فعند مدخل الحي نجد قصابة عمي حميد بن ساري رحمه الله، و التي تعد من أقدم محلات الجزارة في الخروب و التي ورثها عنه ابنه عمي الطاهر، كما نجد أيضا في المدخل الشمالي بائع الخضر «حقو» والذي ورث المهنة عن والده بلشطر رحمه الله، بالإضافة  إلى مخبزة عمي المكي، وكذلك الأمر بالنسبة لبائع الزلابية برميثة، دون أن ننسى عمي يوسف مراحي و ابنه رمزي، بائع أجود أنواع التمور في الحي، كل ذلك جعل أغلب الزبائن القدامى يواظبون على اقتناء حاجياتهم من «طنجة» ، نظرا للسمعة الطيبة التي اكتسبها التجار الراحلون والتي حافظ عليها أبناؤهم من بعدهم.
ازدحام كبير و كل شيء موجود
 أثناء جولتنا في الحي في وقت الذروة، من بعد صلاة الظهر إلى غاية نصف ساعة قبل موعد الإفطار، لاحظنا الزحام الشديد و تشكل طوابير أمام المنتجات الأكثر استهلاكا ، وعلى رأسها الحلويات كالزلابية و الصامصة و «صباع لعروسة»، كما يأتي زبائن حتى من خارج المدينة، للظفر بقطع من «الفوندا» و «الكاوكاوية» و»النوقا».
«طنجة تختلف بين الماضي واليوم» يقول الطيب .ح ، 70 سنة،  مشيرا إلى أن الحياة كانت بسيطة جدا في الماضي، حيث كان «الخروبية» يزورون الحي لا لقضاء التعاملات التجارية فحسب، بل لاسترجاع الذكريات و الحكايات، أما اليوم فقد أصبح مكانا للتسوق بالدرجة الأولى.
كما يفضل الكثير من السكان اقتناء الخضر و الفواكه و التمور من طنجة، و يرون أنها الأكثر جودة ، رغم تباين الآراء حول الأسعار .
أما بالنسبة ل»البيتزا» و «البوراك» ، فهي حسب الطلب، و على الزبون أن يحجز مسبقا إذا أراد الظفر بها.
تباين الآراء حول الأسعار و التجار يشتكون

تحدثنا مع بعض رواد الحي حول الأسعار المتداولة في الحي خلال الشهر الفضيل، فتباينت آراء الزبائن بين ناقم على ارتفاعها الذي وصفوه بالجنوني، و بين من يراها عادية، نظرا لالتهابها في الأسواق الأخرى.
قال رمزي مراحي، بائع التمور، أن  أسعار الخضر و الفواكه و كل السلع شهدت ارتفاعا غير منطقي في كل أسواق الجملة في البلاد، معبرا عن امتعاضه من تجار الجملة الذين اغتنموا فرصة انشغال  الشعب الجزائري بالحراك، فقاموا برفع الأسعار بطريقة غير مدروسة انعكست على تجار التجزئة و جعلت المواطن في حيرة من أمره، و هو ما أدى إلى ركود غير مسبوق  في حي طنجة، حسبه، مقارنة بالسنوات الماضية.
شيوخ يحنون إلى الماضي
قال الشيخ محمد.ف(متقاعد)، أن صورة الحي تغيرت كثيرا وأصبحت معظم الدكاكين متخصصة في بيع الملابس العصرية و الأواني المنزلية وألعاب الأطفال، إلى جانب بيع بعض المستلزمات الرجالية، والأدوات الكهرومنزلية،  لكن رغم تنقله للإقامة بقسنطينة، إلا أنه لا يمكنه أن يمر عليه يوم دون زيارة الخروب و «الجلوس مع أصدقائه في مقهى «طنجة و تذكر أيام زمان»، كما أكد.
أما عبد القادر.م ، 65 عاما،  الذي كبر وترعرع في «حي كاستور»، فهو حريص على التواجد باستمرار بطنجة، و قال لنا أن الصورة التي كان عليها الحي في الماضي تختلف عنها اليوم، بعد ترميم بعض منازله القديمة وبناء منازل جديدة، بالإضافة لتهيئة الطريق بعد أن  كانت الممرات بين الدكاكين ترابية و المباني من الطراز الشعبي القديم، الذي لا تزال بعض آثاره موجودة .
ولاحظنا أيضا أثناء تجولنا في طنجة، وجود العديد من قصاصات جريدة النصر معلقة في واجهات الدكاكين القديمة، والتي تؤرخ لانتصارات سابقة لفريق جمعية الخروب.
شبان الحي رسموا وجها جديدا «لطنجة»
وما لفت انتباهنا أيضا أثناء جولتنا بطنجة، الرسومات التي تزين الجدران، حيث قام أحد الرسامين الشباب برسم صور لشهداء ثورة التحرير، وعلى رأسهم  شيهاني بشير و عابد حمداني، بالإضافة لصور بعض الزعماء العرب السابقين كياسر عرفات وغيرهم، لكن تبقى الرسومات البارزة هي تلك الممجدة  لفريق جمعية الخروب، و الذي تبقى أخباره و مستجداته أكثر شيء  تسمعه أثناء تجولك في طنجة.
ف.ز

الرجوع إلى الأعلى