- الزرياطي - حذاء قسنطيني يفضله الفنانون و الأعيان
يجيبك كل من تسأله عن قسنطينة، بأنه يعرف جسورها و حلوى الجوزية، و بأن قندورة القطيفة أو الفرقاني، تعد أشهر صناعة تقليدية فيها، أما تقطير الورد فهو من أبرز عادات سكانها، لكن قليلون جدا أولائك الذين يعرفون عن المدينة أكثر مما ذكر، أما من يحدثونك عن «صباط الزرياطي» أو «الصباط العروبي» و يخبرونك عن أصل التسمية، فهم نادرون، لأن الأصوات التي تنادي بالحفاظ على هذا الحذاء التقليدي الذي يعد جزء من الثقافة المحلية، خافتة، و ليس لها صدى وسط ضوضاء الأسواق التي تروج للمنتجات الصينية و المحلات التي تبيع الماركات الفرنسية و الإيطالية و الإسبانية العصرية.
السر في بياض البيض
يعود أصل هذا الحذاء التقليدي، إلى 1800 خلال الحقبة العثمانية،  كما قال للنصر أحد حرفيي المدينة، موضحا بأن أصل تسميته بالزرياطي، يرجع بالأساس إلى صوت الصرير الذي يصدره عندما يحتك بالأرض، وهو صوت متعمد، يحرص الحرفيون على أن يصدره الحذاء عند استعماله، ليكون بمثابة إشارة أو تنبيه إلى أن رجلا يمر بمحاذاة المكان، و أن رجلا يهم بدخول منزل ما، تماما كما يتعمد المشرقيون في مسلسلات البيئة الشامية، السعال أو التهليل « يا الله يا الله»، ليستأذنوا لدخول المنازل أو مكان آخر.
 علما أن هذا الحذاء كان دائما فئويا، و حكرا على النبلاء و الأعيان و المشايخ، و قد اشتهر به العلامة عبد الحميد بن باديس الذي كان يصر على تنسيقه مع باقي ملابسه التقليدية، كما تظهره أغلب صوره.
 أما عن سر الصرير الذي يحدثه الحذاء، فقد أوضح محدثنا بأن الأمر يتعلق بتقنية خاصة، تعتمد على بياض البيض، الذي يدهن به الجزء السفلي للنعل و يترك ليجف، وعندما يسير منتعل الحذاء يحتك البياض ناعم الملمس بالأرضية، فينتج ذلك الصوت  «يزريط»، استنادا للعامية القسنطينية.
عبد القادر شعبي آخر «صنايعية» الزرياطي في المدينة
خلافا لباقي الصناعات التقليدية الشهيرة الأخرى التي تعرف بها المدينة، فإن صباط الزرياطي أو الصباط العروبي، لا يعرض في المحلات التجارية، ولا يمكن أن تجده في قسنطينة إلا عند حرفي واحد يتخصص في صناعته و يعد آخر من  يعرفون أسرار تصميمه، وهو السيد  عقبة بن شعبي، صاحب دكان في المدينة القديمة لا يعرفه إلا القليلون، يمارس فيه هوايته التي تعلمها عن طريق الاجتهاد، بعدما رفض قدماء الصناعة في المدينة توريث  أصولها لجيل آخر من الشباب، كما أخبرنا محدثنا، وهو السبب الذي أدى ، حسبه، إلى اندثار حرفة صناعة صباط الزرياطي، ولولا أنه أصر في شبابه على إتقان صنع هذا الحذاء عن طريق تفكيك النماذج التي كان يتعمد شراءها من صناعها، و إعادة تركيبها، لما أتقن فن صناعة الحذاء القسنطيني ، ولكان هذا الموروث قد اختفى نهائيا منذ زمن.
قال عقبة بن شعبي، كنت شابا يافعا لم أتجاوز سن 17، وكان والدي بائع أحذية و كان يرسلني إلى وهران، لتزويد المحل بالأحذية،  ففي سنة 1979، كانت هذه المدينة تعتبر قلب صناعة الأحذية. ترددي الدائم على ورشات التصنيع  جعلني أعشق الأحذية، و أرغب في تعلم صناعتها، وقد قوبلت رغبتي بترحيب من والدي، الذي منحني جزء من محله لأحوله إلى ورشة خاصة بي، حينها بحثت عن حرفيين أو ورشات لصناعة الأحذية في قسنطينة، فلم أجد سوى « صناعية الصباط العروبي»، وهو الحذاء الذي كان يرتديه في ذلك الوقت الكثير من أبناء المدينة، وبالأخص أعيانها و حرفييها بمن فيهم أبي.
 و واصل حديثه» طلبت من بعض الحرفيين تعليمي، لكنهم رفضوا بحجة ضيق الوقت، فصناعة حذاء واحد تتطلب أسبوعا كاملا، لذا قررت أن أكتشف أسرار الحرفة بنفسي، وهكذا رحت اشتري الأحذية و أفككها لأدرس تفاصيلها و قياساتها، ثم أعيد تركيبها، إلى أن أتقنت صناعتها، و ها أنا اليوم أبحث عمن أورثه حرفتي لكنني لا أجد من يهتم بها، فالصناعات الجلدية الإيطالية و الفرنسية و الإسبانية، حولت الزرياطي إلى موضة قديمة، و المنتجات الصينية لم تترك لهذا الحذاء زبائن و محلات، لدرجة أن أبناء المدينة نسوا بأن لهم علامة خاصة في مجال الأحذية، ولولا المعارض و المهرجانات التي أشارك فيها في كل مرة، لأذكر بهذا الموروث التقليدي، لكانت الذاكرة الجماعية قد دفنت قصة وجوده إلى الأبد.
15ألف دج لحذاء جلدي حسب الطلب

أكد السيد بن شعبي، بأن المادة الأولى لصناعة الزرياطي هي الجلد الأصلي، لذلك فإن هذا الحذاء يشتهر بصلابته، كما أنه حذاء مريح جدا، يصمم تحت الطلب و حسب قياسات قدم صاحبه، و لأن المادة الأولية لصنع الزرياطي هي الجلد الطبيعي المعالج، لا تنبعث منه أيه رائحة، بل بالعكس يعتبر حذاء صحيا جدا.
 اليوم ، كما قال محدثنا، لم يعد الصباط العروبي، مطلوبا إلا من قبل فئة قليلة من أبناء المدينة، وبالأخص كهول العائلات الكبيرة و المعروفة، على غرار « رباعة بن جلول»، كما أن زبائن آخرين يقصدونه من بعض المدن القريبة كأم البواقي و عين البيضاء.
أما في قسنطينة، فهو مشهور أكثر في أوساط الفنانين، و بالأخص شباب الجمعيات الموسيقية الذين ينسقون الحذاء مع الألبسة التقليدية، علما أنه كثيرا ما يضطر، كما عبر، للتلاعب بنوعية الجلد، حتى يخفض أسعار أحذيته ليتمكن زبائنه من شرائها، فسعر الحذاء الأصلي يصل حتى 15 ألف دج، أما سعر الحذاء الأقل جودة ، فيتراوح بين ألفين و 3 آلاف دج.
 أما بخصوص التصاميم، فيوضح الحرفي أن هناك، نوعين مختلفين، الأول هو العروبي الأصلي و الثاني هو العربي الفرنسي أو «فرونكوـ أراب»، وهو حذاء أدخل عليه الإسكافيون الفرنسيون تعديلات عصرية بعد احتلال فرنسا للمدينة، أما حذاء النسوة فيعرف ب»البالرينة».
هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى