دشن تلاميذ الأطوار التعليمية الثلاثة، و بالأخص المقبلين على اجتياز شهادة البكالوريا، الموسم الدراسي باكرا ، بدروس الدعم، حيث تهافتوا على التسجيل خلال العطلة للظفر بمقعد عند أفضل و أشهر الأساتذة خاصة في المواد الأساسية، و الذين حرصوا هم أيضا على انطلاق الموسم الدراسي باكرا بدءا بنشر إعلانات جذابة لاستمالة المتمدرسين ، مبررين ذلك بضرورة إتمام البرنامج لتخصيص وقت كاف للمراجعة ، فيما استغل بعض الأولياء العطلة لإرغام أبنائهم على دراسة اللغات الأجنبية في دورات صيفية مكثفة على مستوى معاهد خاصة، و هو ما حذر من آثاره و عواقبه الأخصائي النفساني كمال بن عميرة على التحصيل العلمي للتلميذ خلال السنة الدراسية، و فقدانه الرغبة في الدراسة و الشعور بالملل و انعدام القدرة على التركيز.
انتشرت  في السنوات الأخيرة ظاهرة  دروس الدعم، غير أنها أخذت منحى آخر فلم يعد القائمون عليها يكتفون بتقديمها بالموازاة مع الدروس النظامية، وإنما تجاوزوا ذلك، إلى تدشين الموسم الدراسي مبكرا ، حيث فتح عديد الأساتذة باب التسجيل في بداية شهر أوت، بعد أن  قاموا بنشر إعلانات على صفحات فايسبوك وكذا على مستوى الأحياء و شوارع وسط المدينة، لاستقطاب التلاميذ و بالأخص المقبلين على اجتياز امتحانات نهاية الأطوار التعليمية الثلاثة،  و هو ما حفز الأولياء على الإسراع لتسجيل أبنائهم، خوفا من نفاد الأماكن، بعد أن أصبحت الدروس الخصوصية تنافس الدروس النظامية و تحظي بأهمية كبيرة، خاصة من قبل الأولياء، الذين يرونها بديلا عن المدرسة و تساعد في دعم التلميذ ليحقق نتائج أفضل.
أولياء كثيرون يعتقدون بأنها السبيل الوحيد لنجاح أبنائهم و تحقيق نتائج مرضية، غير أنه مجرد اعتقاد روج له «سماسرة المهنة» و كذا دخلاء وجدوا في هذا المجال ما يساعدهم على جمع مبالغ مالية كبيرة، خاصة بعد فرض تسعيرات مرتفعة و خيالية من قبل بعض الأساتذة الذين يتمتعون بشهرة في مجال اختصاصهم،  و هو ما رفع بورصة دروس الدعم، التي تحولت إلى حلم صعب المنال بالنسبة لأبناء العائلات الفقيرة، فيما يحرص الأثرياء على تقديم الدروس في مختلف المواد لضمان النجاح، و المؤسف، أن الكثير لا يكترثون لمدى مساهمة الدروس الخصوصية في دعم التلميذ، و إذا كان يستفيد مما يقدم له، و يعتبرون حضوره الدائم دليلا على ذلك.
إعلانات بعبارات جذابة لاستمالة التلاميذ
الظاهرة لاحظناها قبيل الدخول المدرسي بنحو شهر، حيث شرع أساتذة في التنافس لاستقطاب التلاميذ، و ذلك بنشر إعلانات على مستوى الأحياء و الشوارع و التي لم يعد أصحابها يكتفون بنشر العنوان و رقم الهاتف و المادة المراد تدريسها، و إنما أصبحوا يستخدمون  عبارات جذابة لاستمالة التلاميذ، مثل ذكر  خبرة الأستاذ في المجال، و ضمان تحسن مستوى التلميذ و تكوين قاعدة أساسية له في المادة، و يختم الإعلان بالدعوة إلى الإسراع في التسجيل لكون الأماكن محدودة، مع تذييله بأرقام الهاتف و كذا المكان المراد التدريس به دون تحديد العنوان بدقة من قبل بعض المعلنين.
المثير للانتباه هو عدم ذكر اسم الأستاذ المدرس الذي يعتبر الحلقة الأهم في العملية التعليمية، لكن يسارع عديد التلاميذ خاصة المقبلين على اجتياز شهادة البكالوريا، لحجز مقاعدهم ليباشروا دراستهم قبيل الموعد الرسمي للدخول المدرسي ب10 أيام تقريبا، و تسديد المقابل الشهري مسبقا الذي يتراوح بين ألف و  500 و 7 آلاف دينار للمادة الواحدة.
النصر قامت بجولة بقسنطينة، فصادفت تلاميذ يحملون المحافظ و  يهمون بالخروج من مدرسة خاصة لدروس الدعم على مستوى الشارع الرئيسي لبلدية حامة بوزيان، فأكدوا لنا بأن عمليات التسجيلات انطلقت في بداية الشهر الجاري لتبدأ الدراسة قبل 10 أيام، فشرعوا في اقتناء اللوازم الأساسية من الآلة الحاسبة و الكراريس و غيرها، مع الحرص على التسجيل في الموعد المحدد، خوفا من نفاد الأماكن، خاصة و أن الأستاذ معروف بمدى تحكمه في تدريس الرياضيات ، و تحقيق تلامذته نسبة عالية من النجاح في البكالوريا، حسبما أكدته التلميذة رميساء ، مشيرة إلى أنها مجبرة على بداية الموسم مبكرا، لكي لا تفوتها الدروس و تجد نفسها متأخرة، و هو ما وصفته بالأمر المحتم،  رغم أنها لم تكن ترغب في الانطلاق في دروس الدعم مبكرا، خاصة و أن عمر العطلة الصيفية قصير هذا الموسم، حسبها.
كما أنها متخوفة من حدوث خلط بين دروس الدعم و الدروس النظامية، ما قد يؤثر عليها ، فيما أضافت زميلتها أنها ستركز اهتمامها على دروس الدعم و ستحاول توضيح ما تجده من لبس عند مراجعة الدروس الخصوصية  عند الأساتذة النظاميين، و هو ما قلب الموازين و حول المدرسة من مصدر أساسي للتعليم إلى عامل دعم .


أولياء يحرصون على تسجيل أبنائهم قبل الدخول    
الظاهرة منتشرة في عديد النقاط التي تقدم دروس الدعم و التي تأخذ في الانتشار سنة بعد أخرى خاصة على مستوى البنايات الفردية الجديدة التي حول ملاكها بعض طوابقها إلى أقسام لتقديم الدروس ، و هو ما لاحظناه من خلال إعلانات الموزعة بالشوارع أو تلك المتناقلة عبر الفضاء الإفتراضي، لاستقطاب عدد أكبر من التلاميذ، دون توفير أدنى الشروط عند الكثيرين الذين يلهثون لجني المال على حساب جيوب الأولياء الراغبين في تعليم أبنائهم و ضمان مستقبل أفضل لهم، حيث وقفنا على أقسام مكتظة تضم نحو 100 تلميذ، يضعون كراريس على أرجلهم للكتابة لانعدام مساحة كافية لوضع الطاولات، هذا في ظل تجاهل الأولياء الذين يكتفون بتسديد قيمة كل شهر و التي تتجاوز 1500 دينار في الشهر  في المواد الأساسية و يتجاهلون الظروف التي يدرس فيها أبنائهم، ناهيك عن مشكل انعدام التدفئة شتاء و كذا غياب النظافة و غيرهما،  غير أن الأمر لو حدث في المدارس النظامية لكان مختلفا و لأثيرت حوله ضجة واسعة، ليصطدم في الأخير عدد من الأولياء بعدم تحقيق أبنائهم نتائج مرضية بالرغم من حرصهم على حضور حصص الدعم.  
تدريس اللغات الأجنبية في المعاهد صيفا  
استغلال العطلة الصيفية للدراسة لم يقتصر على التلاميذ المقبلين على اجتياز البكالوريا ، و إنما تعداهم للمتمدرسين بباقي الأطوار التعليمية،  الذين يحرص أولياؤهم على تسجيلهم لتلقي تكوين مكثف في اللغتين الفرنسية أو الإنجليزية، دون أخذ رغبة الأبناء بعين الاعتبار ، اذ أنهم يفضلون قضاء العطلة في التمتع بالبحر و أخذ قسط من الراحة استعدادا لموعد دراسي جديد، و هو ما لم يعد يعره الأولياء اهتماما ، معتبرين العطلة فرصة لدعم أبنائهم في المواد التي يجدون صعوبة فيها، و بالأخص اللغات الأجنبية، لكونها من المواد التي يخفق فيها الكثيرون، لتتحول العطل المدرسية و بالأخص الصيفية، إلى فصل دراسي لا يختلف عن غيره من الفصول، تعج فيه المدارس الخاصة التي تخصص دورات صيفية مكثفة ، ما قد تنجر عنه انعكاسات سلبية على مستوى التلميذ  و تحصيله الدراسي.
قالت لنا موظفة بمؤسسة عمومية، و أم لطفلين، أنها تحرص على استغلال العطل المدرسية لتعليم أبنائها اللغات على مستوى معهد بحي المنظر الجميل، لكن أحد ابنيها و هو تلميذ بالطور المتوسط ، أصبح ينفر من كل ما له علاقة بالدراسة و يردد باستمرار بأنه لن يكمل مشواره الدراسي.
الأخصائي النفساني كمال بن عميرة: هذه عواقب الدراسة خلال العطلة ..


الأخصائي النفساني كمال بن عميرة قال بأن التلميذ لم يعد يجد متنفسا لتفريغ الشحنات السالبة و التخلص من ضغط الدروس النظامية التي تقدم خلال أيام الأسبوع و دروس الدعم التي تهيمن على عطل نهاية الأسبوع و عطلتي الشتاء و الخريف، محذرا من استغلال العطلة لتعليم اللغات في دورات مكثفة، لأنها  تكون في الغالب غير مجدية، لما لها من تأثير كبير على نفسية التلميذ إذ تصيبه بالملل خلال العام الدراسي و تنفره من الدراسة . كما يشعر التلميذ ، حسب النفساني، بالعياء و التعب،  خاصة  بالنسبة للمقبلين على البكالوريا و تؤثر على التحصيل العلمي، حيث يصبح التلميذ يبذل جهدا دون جني ثمار ذلك ، كما يصبح حضوره في القسم دون جدوى، و لا يتفاعل مع ما يقدم له ، داعيا الأولياء إلى التحلي بالوعي و روح المسؤولية  و عدم إرغام الأبناء على الدراسة في العطل.
كما يحث المشرفين على دروس الدعم بالتحلي بروح المسؤولية و أخذ مصلحة التلميذ بعين الاعتبار، مؤكدا بأن عمر العطلة الصيفية تقلص مقارنة بسنوات خلت، و للتلميذ الحق في استغلالها وأخذ قسط من الراحة نفسيا و جسديا ، كما أنها فرصة للاستعداد لموسم جديد.
أ . ب

الرجوع إلى الأعلى