انصهار قسنطيني تركي بورشات مشاريع عدل
أثمرت علاقات العمل بين الجزائريين و الأتراك داخل ورشات البناء المتواجدة في ولاية قسنطينة، على غرار باقي ولايات الوطن، نوعا من العلاقات الاجتماعية، في ظل الاحتكاك الدائم بين الطرفين الذي أدى إلى تبادل الزيارات و الهدايا و التأثر المتبادل ببعض العادات و التقاليد ، ناهيك عن عامل اللغة الذي يعد أبرز المكاسب، سواء للقسنطينيين أو الأتراك، لتنصهر الكثير من الحواجز بين الثقافتين، لحد الزواج و تأسيس عائلات مختلطة.
هيبة عزيون

رئيسة مشروع عدل سعاد بوناب
تعلمت إعداد البرغل و الكبة التركية
النصر توجهت إلى مشاريع عدل بقسنطينة الذي تشرف عليها بعض الشركات التركية ، و التقينا بورشة لأحد هذه المشاريع برئيسة المشروع سعاد بوناب التي وجدناها منهمكة في متابعة سير الأشغال بين العمل ، و خلال حديثها عن العلاقات التي تولدت بين الجزائريين و الأتراك، بعيدا عن العمل ، قالت لنا إنها اكتسبت الكثير من العادات على مدار تسع سنوات من العمل، كما أنها تأثرت كثيرا بالمطبخ التركي، و تعلمت إعداد عدة أطباق، على غرار الكبة، المقلوب ، الأرز و الحساء التركي .
بالمقابل تقوم أحيانا بإعداد أطباق تقليدية قسنطينية و تحضرها لزملائها الأتراك لتعريفهم بالمطبخ القسنطيني ، مضيفة أن علاقات وطيدة تولدت بين الجانبين، خاصة بالنسبة للرجال بحكم طبيعة العمل و قضائهم أوقات طويلة مع بعضهم البعض، ما ساهم في كسر الحواجز الموجودة ، على غرار اللغة ، و كذا بعض العادات التي انصهرت لتتشكل علاقات اجتماعية بعيدا عن العمل، كتبادل الزيارات و حضور أفراح و مناسبات الطرفين ، و  تبادل الهدايا التذكارية، فعلى سبيل المثال يحضر الأتراك بعض الهدايا الرمزية لزملائهم الجزائريين عند كل زيارة لهم إلى تركيا.و ترى محدثتنا أن الشركات متعددة الجنسيات، تؤدي إلى توطيد العلاقات بين الشعوب و البلدان ، فالكثير من الأتراك أصبحوا يفضلون الزواج بجزائريات و العيش بالجزائر،  ناهيك عن تعلم لغة الطرفين، و هذا يعد، حسبها،  مكسبا حقيقيا لهما.

ساردار من المطبخ التركي إلى عشق الشخشوخة القسنطينية
التقينا بعد ذلك بالتركي « ساردار» الذي يشرف على إعداد الوجبات اليومية للعمال، سواء القسنطينيين أو الأتراك ، و على مدار ثلاث سنوات من تواجده في قسنطينة، تفنن في طهي مختلف الأكلات التركية و التعريف بها.
  و خلال حديثه إلى النصر لم يخف حبه لبعض الأطباق التقليدية المحلية  التي تذوقها على يد زملائه الجزائريين، في مقدمتها «الشخشوخة» إلى جانب شربة فريك ، و حاليا يسعى ساردار إلى تعلم طهي بعض الأكلات الجزائرية، ليضيفها إلى رصيده ، كما يعمل على تلقين مساعديه من الطهاة القسنطينين الكثير من الوصفات التركية.

خالتي مليكة تتفنّن في إعداد الشاي و القهوة التركية
خلال زيارتنا لقاعدة الحياة، التابعة لإحدى الشركات التركية المختصة في البناء بقسنطينة، شاهدنا خالتي مليكة و هي سيدة جزائرية في العقد السادس ، مهمتها الأساسية تحضير القهوة و الشاي التركيين للعمال، سواء الجزائريين أو الأتراك ، و لا تمضي دقيقة إلا و يقصد غرفتها أحد العمال ، ليطلب منها كوبا من الشاي أو القهوة.
وضعت خالتي مليكة إبريقا تركي الصنع على النار من أجل إعداد الشاي، و تقابله « جزوة «القهوة و بعض الفناجين و السكر ، فبعد أربع سنوات من العمل مع الأتراك، أصبحت  تتقن الطريقة التركية في تحضيرهما، و تحظى بسمعة طيبة بين الجميع، و تحديدا الأتراك الذين يكنون لها إحتراما كبيرا ، و قالت لنا أنهم يمطرونها بالشكر و الامتنان كلما قدمت لهم كوبا من الشاي أو فنجانا من القهوة يذكرهم ببلدهم الأم.و أكدت لنا  أنها لم تصادف قط صعوبة كبيرة في التعامل معهم، خاصة من ناحية اللغة،  فهي تحفظ بعض الكلمات فقط بالتركية، لكنها تستطيع فهم الأتراك بحكم الخبرة و الاحتكاك بهم.

الساحل الجزائري و هواء قسنطينة يأسران سليمان التركي
سليمان التركي، كما يلقبه الكثيرون ، صاحب ورشة النجارة التابعة للشركة المكلفة بإنجاز سكنات عدل بالمدينة الجديدة علي منجلي، و يتميز بشخصيته المرحة و المحبوبة ، خاصة بين العمال القسنطينيين الذين يفضلون مناداته باسم سليمان العربي لأن أغلب أصدقائه بالعمل جزائريون .
سليمان أعرب لنا عن انبهاره بجمال الشواطئ الجزائرية و غالبا ما يقضي عطله الأسبوعية بإحدى الولايات الساحلية،  كعنابة و سكيكدة  و جيجل ، مؤكدا من جهة أخرى أنه يحب كثيرا مدينة قسنطينة لأن هواءها عليل، كما قال،  مشيرا إلى أنه زار الكثير من مناطقها الأثرية. و أضاف أنه يستعين بأصدقائه الجزائريين في اختيار وجهاته السياحية داخل الجزائر،  و غالبا ما يوجه إليهم دعوات لزيارته بمسقط رأسه أنقرة ، من باب توطيد العلاقات و الترويج للسياحة في تركيا .

حسان يتحدث التركية و يحفظ جميع مفرداتها
ما لفت انتباهنا خلال هذا الاستطلاع هو إتقان الكثير من الجزائريين للغة التركية، سواء العمال البسطاء أو رؤساء الورشات ، بينهم السيد حسان الذي يشغل منصب رئيس فريق منذ 11 سنة ، استطاع خلالها  أن يتقن  اللغة التركية نطقا و كتابة.
و أوضح لنا أنه قضى سنتين في حفظ مفردات اللغة التركية، حيث كان يكتبها بالحروف الأبجدية اللاتينية في كراسه الخاص، ليسهل عليه حفظها في ما بعد ، و هي الطريقة التي ساعدته على حفظها و البحث عن معانيها، مؤكدا أن التركية   مزيج بين عدة لهجات و لغات، فمثلا هناك 124  مفردة تعتبر  دخيلة عليها و هي مستمدة من لغات الحضارات التي تعاقبت على تركيا ، إلى جانب 85 مفردة عربية ، من جهة أخرى اعتبر حسان أن هناك قابلية كبيرة لدى الفرد الجزائري لتعلم اللغات ، فعلى عكس الأتراك الذين لا يتقنون سوى 30 بالمئة من اللهجة الجزائرية ، نجد العمال الجزائريين يتحدثون التركية بطلاقة.بالنسبة للمتحدث فإن اللغة التركية من المكاسب التي حظي بها من خلال وظيفته، إلى جانب العلاقات التي ربطها مع الأتراك، و غالبا ما يتبادلون الزيارات إما في الجزائر أو  في تركيا التي زارها أكثر من مرة بدعوة من زملائه في العمل ، كما أنه حصل على وصفات الكثير من الأطباق التركية و يحرص على إعداداها  .

المهندسة المعمارية مريم
كل زملائي الأتراك حضروا حفل زفافي
سنوات العمل الطويلة التي جمعت بين الأتراك و القسنطينيين ، أثمرت نوعا من التواصل بينهم و تبادل الزيارات و حضور المناسبات و الأفراح ، و هو ما أكدته المهندسة المعمارية مريم التي قالت إن الأتراك العاملين معها بالمشروع ، دعتهم إلى حفل زفافها،  فحضروا جميعا . و هي العادة التي ترسخت لدى الجميع، فلا تكاد تمر مناسبة أو حفل زواج، إلا و توجه الدعوة للأتراك كغيرهم من العمال. و أضافت أن بعض الجزائريين حضروا حفلات زفاف زملائهم بتركيا ، و لا يقتصر الأمر على ذلك ، فحتى حضور الجنائز أصبح تقليدا بين الطرفين ، وفي شهر رمضان غالبا ما يفطر الأتراك في بيوت زملائهم الجزائريين، كما تعود الأتراك على تنظيم كل سنة إفطارا جماعيا على شرف الجزائريين بأحد الفنادق الفخمة بقسنطينة، و تقدم خلاله أكلات تركية.

رفيق و عبد الرحيم و مراد و كريمة
أيادي جزائرية تبدع في تحضير المأكولات التركية
داخل المطبخ المتواجد بورشة سكنات عدل التي تشرف عليها إحدى الشركات التركية بالمدينة الجديدة علي منجلي ، التقينا ببعض الشبان القسنطينيين الذين يقومون يوميا بتحضير أشهى الأطباق التركية، تحت إشراف الشيف ساردار. كانت الساعة تشير إلى منتصف النهار ، موعد تقديم وجبة الغذاء ، فشهد المطبخ حركية كبيرة ، و بادر رفيق و عبد الرحيم و مراد و كريمة بتوزيع الطعام على كل العمال، فقد تعلموا تحضير أفضل الأطباق التركية، بحكم عملهم اليومي بهذا المطبخ الذي يلتزم بتقديم المأكولات التركية فقط .

الرجوع إلى الأعلى