عائلات بالوادي تسترزق من نفايات المواد البلاستيكية و المعدنية 
أصبحت الكثير من العائلات، خاصة في البلديات النائية بالوادي، تتكفل بفرز النفايات القابلة للرسكلة ببيوتها، فتعزل المواد البلاستيكية و المعدنية، سواء كانت من حديد، نحاس أو ألمنيوم و غيرها، و تنتظر مرور أصحاب مركبات لجمعها و نقلها إلى مصانع التدوير، مقابل مبالغ مالية تسترزق منها.
و يساعد الأبناء آباءهم في جمع المواد البلاستيكية و المعدنية، من المكبات العشوائية للنفايات، و حتى من الحاويات و الأكياس الموضوعة على الطرقات، و يضعونها في أكياس تكدس بمنازلهم، في انتظار رفعها ، كما يساهمون في تنظيف الشوارع من مختلف المخلفات.
مليون سنتيم شهريا لدعم ميزانية الأسرة
و ذكر محمد.ب ، عامل يومي و أب لـ 5 أبناء، أنه يستغل أوقات فراغه، لكسب مليون سنتيم شهريا، مما يبيعه من مواد بلاستيكية و حديدية، بالإضافة إلى عائدات الخبز الذي يجمعه من المفرغات العمومية و الشوارع، مستعينا بعربة يدفعها بيديه ، مشيرا إلى أنه يضع كل ما يجمعه في مستودع صغير ببيته، الكائن ببلدية الوادي، في انتظار من يشتريها.
عمي عبد الله التقته النصر في الصباح الباكر، أثناء عودته من عمله كحارس بإحدى  الحظائر الخاصة، فقال لنا إنه يقطع مسافة 7 كلم مشيا على الأقدام يوميا عدا يوم الجمعة، ليجمع ما يزيد عن 200 قارورة مياه معدنية و مشروبات غازية في اليوم الواحد، ثم يضعها داخل كيس يحمله على كتفيه، ويقوم بعد ذلك بفرزها وبيعها لعدد من الزبائن الذين يقومون بتعبئتها  بالزيوت الصناعية الخاصة بالسيارات، أما النظيفة منها، فيشتريها منه باعة المخللات و الزيوت و المشروبات المصنعة محليا، على غرار زيت الزيتون، “اللاقمي”  و خل النخلة.
كما يسعى عدد من عمال النظافة إلى تحسين دخلهم الشهري بجمع المواد البلاستيكية و مختلف المواد الأخرى القابلة للتدوير و يضعونها في أكياس ينقلونها إلى بيوتهم في نهاية الدوام، حيث تجدهم  يفرزون هذه المواد فوق شاحنة نقل النفايات قبل وصولها إلى المكب النهائي وردمها، أو قبيل إدخالها إلى صندوق الشاحنة المزودة بضاغطة، ناهيك عن جمعهم القناطير من الخبز الذي تلقي به الكثير من العائلات في أكياس النفايات، ثم يبيعونه لعدد من مربي المواشي بالقرى.
تحويل الجينز المستعمل إلى حقائب و محافظ

بالمقابل هناك ربات بيوت يقمن باستغلال بقايا الأقمشة و الملابس المستعملة لخياطة مستلزمات و ملابس جديدة لسد احتياجات أبنائهن و بالتالي مساعدة أزواجهن محدودي الدخل، على غرار السيدة ليلى علالي من بلدية جامعة 120 كلم، شمال ولاية الوادي، فهي نموذج يقتدى به في الكفاح و الإبداع و حسن التدبير، حيث  تقوم بتحويل ملابس «الجينز» المستعملة، إلى حقائب و محافظ جميلة.
قالت السيدة ليلى للنصر أن الحاجة جعلتها تبحث عما يعينها ويعين زوجها على تكاليف الحياة، من داخل رفوف خزانتها وخزانة صغارها، حيث أخرجت ملابس الجينز القديمة الخاصة بأبنائها، و قامت بتفصيلها في شكل حقائب و محافظ للبنات و الأولاد.
و أضافت أن ابنها  عندما كان صغيرا كان يخرج من البيت و هو فرح بما صنعته أنامل أمه، إلا أنه يعود منزعجا من أقرانه الذين يسخرون من شكل محفظته، لكنه بعد أن كبر و أصبح يدرس في الصف النهائي، يفتخر أمام الجميع بما تصنعه أنامل أمه المكافحة و أصبح  سندها في كل شيء هو و والده، الذي لم يقصر في تشجيعها، مؤكدة أهمية الحرفة التي ساعدتها في تلبية احتياجات أبنائها.
وتدعو من خلال النصر أصحاب المحلات و مصانع خياطة و تفصيل الملابس، ألا يتخلصوا  من الألبسة التي لم يتم تسويقها، و يكدسونها في المخازن أو يتخلصون منها في مكبات النفايات، فالكثيرون بأمس الحاجة إليها لارتدائها أو لاستعمالها كمادة أولية لتصاميم جديدة مثلها.
حظائر للفرز بالمناطق الصناعية
يتم نقل المواد البلاستيكية و المعدنية المختلفة على متن مركبات نفعية إلى عدد من الحظائر المتواجدة بالمناطق الصناعية و ضواحي مدينة الوادي، و هي مزودة بميزان خاص بالمركبات بمختلف الأحجام، بالإضافة إلى رافعة شوكية لتسهل عملية إنزال وتحميل المواد من الشاحنات، و هناك يتم إعادة فرز وتصنيف هذه المسترجعات و تحويلها إلى المصانع مباشرة لإعادة تدويرها.   
قبل ذلك يجوب أصحاب المركبات المتعاقدين مع هذه الحظائر، مختلف بلديات الولاية مستعملين مكبرات الصوت، لتنبيه العائلات المعنية أنهم وصلوا و عليها إخراج ما تم جمعه من بلاستيك و حديد وغيرها من المواد، فيحمل العديد من الأطفال الصغار وحتى الكبار أكياسا، و ينتظرون دورهم لوضع ما جلبوه على الميزان المحمول بالصندوق الخلفي للمركبة.

و يسهل أصحاب المركبات مهمة بعض المواطنين الذين تمكنوا من جمع كميات كبيرة بتقريب المركبة إلى عتبة المسكن ويقومون برفعها بعد وزنها حسب نوعها، و قد يعودون لاحقا لنقل كميات أخرى.
قال عمي صالح، 40 سنة، رب أسرة تتكون من 7 أشخاص، أنه يمارس هذه المهنة منذ أزيد من 15 سنة، و كان في البداية يستعمل عربة يجرها حمار، إلى أن تمكن من شراء سيارة نفعية صغيرة، ليتنقل على متنها عبر مختلف المفرغات العشوائية، خاصة في الطرقات والمسالك و بعض حقول النخيل المحاذية للتجمعات السكنية، مشيرا إلى أن الجمع كان يقتصر سابقا على مادتي الحديد والنحاس، لكن معامل الرسكلة فرضت نفسها خلال السنوات الأخيرة، و توسعت دائرة البحث على مواد أخرى، إلى قرابة 10 بلديات، بحثا عن زبائنه.  
تجار يرفضون اقتناء الكوابل و الأواني
و أشار عدد من أصحاب المركبات المتجولة، أنهم يرفضون شراء العديد من المواد التي يشكون في أنها مسروقة، على غرار كوابل الكهرباء الفلاحية بنوعيها النحاسية او المصنوعة من مادة الألمنيوم، بعد أن يتم تقطيعها وحرقها للحصول على المعادن، ناهيك عن بعض المعدات المنزلية التي لا تزال صالحة للاستعمال و يجلبها لهم عادة الأطفال في غفلة من أوليائهم.    و قال لنا أحمد صاحب حظيرة لجمع الحديد المسترجع أنه يمارس هذا النشاط منذ أكثر من 18 سنة بالوادي، حيث كان يجمع بقايا هياكل المركبات والمعدات الصناعية و مختلف الخردوات المصنعة ليحولها إلى مدينة وهران ، في حين كانت وجهته اليومية الوحيدة طيلة السنوات السابقة مركب الحجار ، مستخدما شاحنات ذات مقطورة.
  المواد البلاستيكية و المعدنية مقابل  لعب أو أدوات منزلية

و انتهج عدد من أصحاب المركبات طريقة أخرى لإغراء الأطفال الصغار وربات البيوت، و ذلك من خلال مقايضة ما يجمعونه من مواد بلاستيكية أو معدنية، بلوازم منزلية أو ألعاب للصغار مصنوعة بهذه المواد التي يتم جمعها من طرف متعاقدين مع عديد المؤسسات الصناعية. و يمكن القول أن الاستثمار في فرز المواد القابلة لإعادة التدوير محدود، إذا قارناه بأطنان النفايات التي يتم رميها بشكل عشوائي أو مقنن من قبل أزيد من 23 بلدية بولاية الوادي، بعيدا عن المحيط العمراني وردمها في الرمال من حين لآخر، بالإضافة الى ما يتم دفنه في خنادق مركز الردم التقني الوحيد بالولاية، دون إكمال فرزه ،نظرا لعدم توفر سلسلة فرز آلي أو شبه آلي ، عدا عمليات الفرز اليدوي التي تقوم بها بعض المؤسسات المتعاقدة.
منصر البشير

الرجوع إلى الأعلى