تجد المؤسسات الاستشفائية بولاية قسنطينة صعوبات في تسيير النفايات الطبية بشكل فعال وآمن وذلك بسبب اختلالات تطرح في مراحل الجمع والفرز و التخزين،  تكون لها تأثيرات مباشرة على عمليات الدفن والحرق. وهذا رغم ترسانة القوانين التي تنظم هذا الجانب،  والميزانيات الضخمة الموجهة للعملية والتي لا تقل عن 200 مليون سنويا في المستشفيات،  عدا المستشفى الجامعي الذي تخلص منذ ثلاث سنوات من التبعية للقطاع الخاص، إلا أنه يشترك مع باقي المؤسسات في عدم التحكم في هذا الجانب.
* هيبة عزيون    
حوادث يومية تسجل عند جمع هذا النوع من النفايات لجهل الوسط الطبي بخطورتها وعدم الالتزام بألوان الأكياس الخاصة بالفرز ، فيما تظل تأثيرات أخرى مجهولة العواقب بسبب الإخلال بالشروط المطلوبة، وأيضا لبقاء نوع من النفايات خارج دائرة الاهتمام، كمخلفات الولادة والمواد الكيميائية،  والتي ترمى في الخلاء أو مياه الصرف.
النصر اقتربت من المصالح الاستشفائية لنقل صورة عن التعامل اليومي مع النفايات ذات الخطورة، كما التقت بالجهات الرقابية التي اعترفت بأنه ورغم ما يصرف من أموال يبقى نقص الوعي يحول دون  التكفل الفعلي ببقايا العلاج داخل مستشفياتنا.
ريان فندري مفتشة بمديرية الصحة
معظم شبه الطبيين لا يتحكمون في عمليات الرمي
أوضحت الدكتورة ريان فندري، طبيبة و مفتشة بمصلحة الوقاية في مديرية الصحة لولاية قسنطينة، للنصر، بأنه و على الرغم من وجود قوانين لتسيير ملف النفايات الطبية، غير أن  تطبيقها على أرض الواقع يشهد الكثير من العراقيل، أبرزها ما يسجل خلال الفرز، كأول و أهم مرحلة في تسييرها، حيث تسجل الكثير من الأخطاء بسبب جهل القائمين على العملية ، من أطباء و ممرضين بوحدات المعاينة و العلاج، بقواعدها و شروطها، فيقع خلط كبير في تصنيفها، حسب نوعها و الأكياس المخصصة لرميها، و ما يحدث غالبا هو رمي المخلفات العادية داخل الأكياس المخصصة للنفايات الطبية الخطيرة التي يمكن أن تنقل عدوى بعض الأمراض، ما يزيد من كميتها و بالتالي تتضاعف تكاليف التخلص منها.
و أضافت المتحدثة أن أغلب مستشفيات الولاية متعاقدة مع مؤسسات خاصة لتسيير النفايات  تتكفل بوزن تلك النفايات و تقييم تكلفة حرقها، ما يكلف المستشفيات مبالغ باهظة، خاصة بالنسبة للنفايات الطبية الخطيرة و المعدية، حيث تتضاعف تكلفة التخلص منها أربع مرات، مقارنة بالنفايات العادية الإستشفائية.
و أرجعت الدكتورة فندري ذلك إلى عدة عوامل، في مقدمتها ضعف تكوين شبه الطبيين  و عدم إلمامهم بأساسيات رمي و تسيير النفايات الطبية التي تنطلق من قاعة المعاينات، مؤكدة أن  الكثير من الممرضين يجهلون طرق الرمي داخل الأكياس أو العلب المخصصة لكل نوع من النفايات، و هي عموما  مقسمة إلى خمسة أنواع أو فئات، أبرزها النفايات الطبية المعدية التي نجدها في كل المستشفيات و العيادات و تتعلق بشكل خاص بأدوات الاستطباب، من قطن و حقن و كل وسيلة تستخدم في معاينة المرضى، و تحتك بشكل مباشر بمختلف السوائل البيولوجية البشرية القادرة على نقل العدوى، مثل اللعاب و الدم، و هذه الفئة من المخلفات ترمى في أكياس ذات لون أصفر، لكن في الكثير من الأحيان ترمى معها النفايات المنزلية الخاصة بالمستشفى كبقايا الخبز و الطعام. و في هذه الحالة يزيد وزنها و تزيد معه تكاليف تسييرها. وتابعت المتحدثة أن العكس يمكن أن يحدث أي الإلقاء  بالنفايات الناقلة للعدوى داخل الأكياس السوداء المخصصة لرمي النفايات العادية، ما قد يتسبب في إصابة حاملها بوخز حقن أو جروح، مشيرة إلى تسجيل  مئات الحوادث من هذا النوع .
و بينت المفتشة أن الخرجات الدورية للجان الخاصة بالوقاية، التابعة لمديرية الصحة،  كشفت عن وقوع تجاوزات كثيرة خلال مرحلة الفرز، وحتى في بقية المراحل من جمع و تخزين و حرق النفايات حسب الدكتورة فندري،  مؤكدة أن أغلب المستشفيات لا تولي أهمية كبيرة لموضوع النفايات الإستشفائية، و لا تحترم كثيرا القوانين التي تنص على طرق تسييرها، والتوصيات الوزارية المتعلقة بطرق و آليات معالجة المخلفات الطبية، تحديدا على مستوى المستشفيات، ما ينجم عنه الكثير من المشاكل و يكلف الدولة مبالغ باهظة. و أفادت من جهة أخرى أن هناك غيابا كليا للفضاءات المخصصة لجمع و حفظ و تخزين النفايات داخل كل المؤسسات الإستشفائية، و لا يراعى هذا الجانب في مخططات بناء هذه المستشفيات.
رئيس وحدة النظافة بالمستشفى الجامعي بن باديس
الإهمال و نقص الإمكانيات يؤديان إلى الفشل في تسيير النفايات
يرى البروفيسور محمد فضيل مغمول، رئيس وحدة النظافة بالمستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة، أن هناك استهتارا كبيرا بملف معالجة و تسيير النفايات الاستشفائية ، مؤكدا أن العملية معقدة تحيط بها  الكثير من المشاكل و العراقيل بذات المؤسسة التي تضم 56 مصلحة طبية تفرز يوميا كميات هائلة من النفايات،  لكن لحد الساعة لا توجد أرقام حقيقية لحجم النفايات في المستشفى،  نظرا لعدم توفر ميزان يحدد الكميات اليومية أو الأسبوعية و حتى السنوية.  و أشار إلى أن المستشفى وضع حدا لمشكل حرق النفايات الذي كان يشكل هاجسا حقيقيا قبل سنوات، عندما كانت العملية تتم بمحرقة قرب مصلحة الولادة ، و تتسبب في التلوث البيئي بسبب الدخان و الروائح الناجمة عن الحرق، فتم الانتقال بعد ذلك إلى مرحلة التعاقد مع مؤسسة خاصة لأكثر من ثلاث سنوات. أما حاليا، كما قال المتحدث،  يحوز المستشفى على جهاز ضخم و متطور لتعقيم و هرس النفايات الطبية المعدية، و يتم استغلاله بصورة مضاعفة، لمعالجة كميات كبيرة من النفايات المعدية يوميا ، والتي غالبا ما تساهم الأخطاء المسجلة خلال مرحلة الفرز، في زيادة وزنها ، ما يمكن أن يؤدي إلى تلف الجهاز، في ظل غياب الصيانة و المتابعة .
و أضاف البروفيسور مغمول أن هناك نقص فادح في  الإمكانيات المخصصة لتسيير النفايات، خاصة الأكياس و العلب التي يجب أن تستخدم لكل صنف من النفايات على مستوى مصالح المستشفى التي تطرح كل أنواع النفايات المنزلية، الطبية، المعدية النفايات المشعة، النفايات الكيماوية و العقاقير، وصولا إلى الأعضاء البشرية، ما يزيد، حسبه، من تعقيد العملية، ناهيك عن التجاوزات الأخرى المسجلة خلال الجمع و التخزين، قبل الوصول إلى المعالجة ، ما  يجعل المشرفين على العملية معرضين للحوادث  و العدوى.
مدير مستشفى ديدوش مراد
لم نوفق بنسبة مئة بالمئة بسبب التجاوزات
أكد مدير مستشفى ديدوش مراد السيد عبد الكريم بن مهيدي، أن المؤسسة لا تزال تعاني من بعض النقائص في تسيير النفايات، مشيرا إلى أنها تتعامل حاليا مع مؤسسة خاصة، رغم ما تكلفه العملية من مبالغ باهظة، و تقدر  كمية النفايات المطروحة من قبل مصلحة الأوبئة لوحدها 900 كيلوغرام شهريا، بمعدل 20 كيلوغراما يوميا، و يقصدها يوميا بين 100 إلى 120 مريضا، و تليها مصلحة الولادة.  و أضاف المسؤول أن الكثير من المشاكل لا تزال تطرح في تسيير النفايات الطبية،  تحديدا في عملية الفرز على مستوى الوحدات و الأقسام الطبية، رغم عمليات المراقبة الدورية للجان الوقاية و التعليمات الصارمة التي تلزم المشرف أو منتج النفايات الطبية، سواء كان طبيبا أو ممرضا بضرورة احترام شروط  و سلم الفرز، غير أن التجاوزات لا تزال تسجل، لكن هناك مساع و جهود كبيرة تبذل للتقليص من الأخطاء في كل المراحل، خاصة عند الجمع و التخزين، حيث يخصص المستشفى مخزنين تتوفر بهما معايير الأمان  لتفادي الأخطار الناجمة عن عملية حفظ النفايات الطبية . و تبلغ تكلفة تخلص مستشفى ديدوش مراد من النفايات الطبية، حسب المدير، حوالي 250 مليون سنتيم سنويا، مشيرا إلى أن الإدارة تقلص بقدر الإمكان التكاليف من خلال المراقبة الدورية لمكبات النفايات و عمليات الفرز.
تكلفة سنوية بأزيد من 200 مليون سنتيم بمستشفيي الخروب والبير
قال مدير مستشفى محمد بوضياف في الخروب  السيد نذير طايق ، أن تكلفة تخلص المؤسسة من النفايات الطبية تتراوح بين 200 و 250 مليون سنتيم سنويا، و هي باهظة،كما أكد، مشيرا إلى أن المستشفى متعاقد مع شركة خاصة من ولاية عين مليلة، لتسيير التفايات، و تقدر كميات النفايات  المنزلية التي يطرحها المستشفى سنويا  249 طنا و 592 كيلوغراما من النفايات الطبية، و أضاف أن ذات التكلفة تسجل ببقية مستشفيات الولاية التي تتعامل مع ذات الشركة الخاصة، باستثناء المستشفى الجامعي بن باديس و أكد من جهته  ياسين بوالصوف، رئيس مصلحة المالية بمستشفى البير، أن تكلفة تخلص المؤسسة من النفايات الطبية المعدية  تبلغ   257 مليون سنتيم، بمعدل 1413 كيلوغراما شهريا ، لكن هناك اختلاف طفيف من شهر لآخر، حسب عدد المرضى.
مخلفات الولادة..
النقطة السوداء
رغم وجود ترسانة من القوانين الضابطة لعملية تسيير النفايات الإستشفائية، و تصنيفات دقيقة لها ، إلا أن هناك بعض الجوانب التي لا تزال غامضة، في مقدمتها نفايات مصالح الولادة التي تعتبر من المصالح الحساسة و تنتج يوميا عدة كيلوغرامات من المشيمة التي يتم التخلص منها برميها داخل علب خاصة، و يتم حرقها مع النفايات الطبية المعدية. وأوضح رئيس وحدة التطهير بالمستشفى الجامعي بن باديس، للنصر أن هناك تصنيف وزاري جديد ينص على دفن كل الأعضاء البشرية الناتجة عن عمليات البتر أو العمليات الجراحية، إلا أنه لم يتم تصنيف المشيمة بعد، رغم أنها عضو بشري، و يتم التخلص منها  عن طريق الحرق كأنها نفايات طبية معدية، و هو ما يزيد من تكلفة العملية، بالنظر إلى الكميات الكبيرة التي تفرزها مصلحة التوليد و وزنها الذي يزيد عن وزن النفايات الطبية المعدية ، و بالتالي تضاعف تكاليف العملية .
سوائل كيميائية تصب في وادي الرمال
نفس الإشكال يطرح بالنسبة للنفايات السائلة التي تضم النفايات المشعة و الكيماوية و العقاقير، فتنجم عن ذلك تساؤلات بخصوص طرق تسييرها، واستنادا لمدراء المستشفيات الذين التقتهم النصر، فإنه غالبا ما يتم رمي هذه النفايات  في المجاري المائية و قنوات الصرف الصحي ثم تطرح بالأودية، ما قد يشكل خطرا على الصحة العمومية.حسب دراسة أجراها مؤخرا  البروفيسور حبيب بلماحي، رئيس قسم التسممات بالمستشفى الجامعي بن باديس، فإن أكثر من 80 بالمئة من  السوائل الكميائية التي يطرحها المستشفى ترمى بوادي الرمال ، ما يتسبب في ارتفاع عدد المصابين بالربو و بعض الأمراض الصدرية و تزايد الإصابة بسرطان الحنجرة، و كذا تشوهات الجهاز التنفسي و القلب عند المواليد الجدد.
هـ. ع

الرجوع إلى الأعلى