سكان بجيجل يتحدّون التضاريس بإعادة بناء جسر جرفته السيول  
صنع سكان وادي جن جن، بمنطقة بني فرح بجيجل  الحدث مرة ثانية، بعد أن قرّروا إعادة تعمير الأجزاء المتضررة من جسر الأمل، وهو معبر شيدوه سنة 2016، بالاعتماد على إمكانياتهم الخاصة لفك العزلة عن قريتهم المتواجدة بأعالي بلدية بودريعة بني ياجيس الجبلية النائية، غير أنه انهار بشكل شبه كلي بسبب السيول ما فرض العزلة مجددا على المنطقة  التي يطالبون بشق طريق يربطها بباقي  بلديات الولاية.
سكان المنطقة كانوا، قد صنعوا الاستثناء قبل ثلاث سنوات، عندما أخذوا على عاتقهم مهمة بناء الجسر الذي يربط بين ضفتي وادي جن جن، حيث تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي محليا وفي الخارج صورهم بكثرة، خصوصا وأنهم أطلقوا على المشروع حينها، اسم جسر الأمل، إلا  أن هذا الممر المعلق  تضرر بشكل كبير و انهارت أجزاء رئيسية منه جراء ارتفاع منسوب مياه الوادي في شهر نوفمبر الماضي، الأمر الذي انعكس سلبا على واقعهم المعيشي و أشعرهم بالحزن، لأن المشكل تزامن مع بداية موسم جني غلة الزيتون، وهو ما دفعهم للأخذ بزمام المبادرة مجددا لترميم المعبر، بعدما تماطلت السلطات في التدخل، حيث تجندوا ماديا و جسديا لمد جسر الأمل من جديد و بعث الحياة في القرية المعزولة.
تحدّوا قسوة الطبيعة و تمسّكوا بالأرض و بشجرة الزيتون
النصر، تنقلت إلى المنطقة مجددا بعد زيارة سابقة تطرقت عقبها إلى معاناة السكان، و خلال تواجدنا في المكان التقينا ببعض المواطنين الذين لمسنا لديهم الكثير من المحبة للجريدة، حيث قاموا بدعوتنا للعودة في اليوم الموالي لتغطية مجريات عملية إعادة تعمير الجسر كي يبقى وجودنا إلى جانبهم ذكرى تميز هذا اليوم إلى الأبد وهو ما تم بالفعل، فقد كنا في الموعد.
انطلقنا لتغطية الحدث، في حدود الساعة السادسة صباحا، وجهتنا كانت المنطقة الجبلية الواقعة أسفل جبال تاكسنة و التي يشقها وادي جن جن الناشط على مدار السنة، باعتباره مصدر تموين رئيسي لسد تابلوط العملاق بجيملة، و صلنا إلى المنطقة المنشودة في حدود الساعة السابعة و النصف صباحا،وقد كانت النسمات منعشة رغم برودة الطقس، مررنا عبر المسلك الترابي المؤدي للوادي فشاهدنا نساء و أطفالا و رجالا يقطعون الممر الممتد عبر كيلومترات طويلة متجهين نحو أقرب نقطة للنقل، وقد كان الظلام دامسا و التضاريس صعبة لدرجة تصعب معها الرؤية و الحركة حتى بالنسبة لمن يستقلون السيارات، شدنا عند ضفة الوادي مشهد توقف أزيد من 20 مركبة فيما يشبه الحظيرة، وقد بدا جليا بأنها كانت مركونة في الموقع طيلة الليل بالنظر إلى طريقة اصطفافها، ترجلنا لنأخذ صورة أوضح عن المنطقة، فلاحظنا بأن الأشغال في الجسر قد استهلت فعليا، إذ أعيد  تركيب قطع حديدية كبيرة كانت قد أسقطتها السيول، وهو ما سهل المرور عبره مع أن خطورة استخدامها في هذه المرحلة لا تزال عالية بالنظر إلى عدم تسييجه، رغم ذلك فإن سكان المنطقة  باشروا في استخدامه إذ شاهدنا أفرادا يمرون عبره و الخوف باد على وجوههم، بينهم  نساء و أطفال كانوا يخطون خطوات قليلة ثم يهمون مجددا بالعودة للوراء، بسبب رهبة العلو و حركة الرياح التي تسببت في غضب المارد الممتدة سيوله في الأسفل أين تنتشر الصخور الحادة و الكبيرة.
تقربنا من أحد سكان المنطقة، فقال معبرا :» الوضع طبيعي للغاية و الخوف من استخدام المعبر مرة أخرى أضحى يسيطر على القلوب بعد سقوطه سابقا، لكن الخطر مستبعد وقد سبق لي أن استخدمت الجسر لنقل المؤونة و حاجيات أخرى دون مشاكل، لذلك أعتقد أن الخوف منه سيزول مع الوقت»، في تلك الأثناء، خلال حديثنا إليه مر من أمامنا مواطن يحمل على كتفه قارورة غاز البوتان، وكان يقطع المسار بكل أريحية و دون خوف، وهو ما شجع بعض النسوة على إتباعه، وأغلبهن فلاحات من المنطقة يشتغلن في زراعة و جني الزيتون، يعرفن بحبهن للمكان و ارتباطهن الوثيق بأرضه، ولذلك فإن مكانتهن الاجتماعية كبيرة بوصفهن حجر أساس في عملية بناء المنطقة و الحفاظ على مقوماتها و خصوصية الحياة فيها، فغالبيتهن لم يغادرنها لغرض الدراسة وبقين لخدمة غابات الزيتون.
عزلة جغرافية كسرها النشاط الفلاحي

خلال تواجدنا هناك طيلة ساعتين من الزمن، لاحظنا وجود حركية كبيرة في المكان، فعدد من استخدموا المعبر في هذه الفترة يفوق 200 شخص، حتى بدا لنا و كأننا نتواجد في محيط حضري، سألنا بعض المواطنين عن السر في ذلك، فقالوا، بأن أغلب ساكني السفح و هم إجمالا 6 عائلات، لا يزالون مستقرين في القرية و لم يغادروها يوما، وهم عموما أشخاص يتسمون بالنشاط و يعرفون بحبهم للفلاحة و للأرض، ولا شىء يوقف تنقلاتهم الدائمة سوى غزارة الأمطار أو كثافة الثلوج.
محدثونا قالوا، بأن الحركية في المنطقة تأثرت بما حدث يوم 11 نوفمبر الفارط،  وهو التاريخ الذي سقط فيه المعبر المعلق المؤدي لقرية بني فرح، مخلفا ما وصفوه بالكارثة، خصوصا و أن هذه الحادثة تزامنت مع انطلاق موسم جني محصول الزيتون  الذي تعب الكثيرون في الإعداد له، فسقوط الجسر حسبهم، خلط كل الأوراق و كان بمثابة صدمة قوية خصوصا وأن المعبر يعد المنفذ الوحيد باتجاه الأراضي الزراعية، ويستذكر  البعض تفاصيل ذلك اليوم بكل حسرة، مؤكدين أن الكثيرين ذرفوا الدموع بعد سقوطه ومنهم من ذهبوا لحد إقامة ما يشبه المأتم حزنا على فقدان جسر الأمل الذي كان بناؤه قد أسهم في بث الحياة في المنطقة، إذ باشر الكثيرون بفضله، نشاطات فلاحية عديدة على  غرار تربية المواشي و الأبقار و استصلاح الأراضي، بعدما سهل عليهم الممر التنقل نحو البلدية القريبة والحصول على المؤونة اللازمة.
 يقول أحدهم : « فقدنا الأمل، بعد سقوط المعبر،  و وجدنا صعوبة كبيرة في كيفية المرور نحو الضفة الأخرى بسبب ارتفاع منسوب مياه الوادي، و استمرار تساقط الأمطار وقد أرقنا الخوف من ضياع  محصول الزيتون الذي تعبنا في زراعته»، و ذكر جل المتحدثين، بأن عدد الزائرين للمنطقة تناقص، بسبب صعوبة قطع الوادي، خصوصا في ظل ارتفاع منسوبه و برودة مياهه.
سكان يتطوّعون لإعادة تشييد المعبر
وأمام هذا الوضع، قرر أبناء المنطقة إيجاد حل بديل، حيث طرقوا بداية أبواب المسؤولين، و لأنهم لم يحظوا بأي جواب، دفعت كل عائلة مبلغ 1000دج، لجمع ما تحتاجه عملية إعادة بناء الجسر حتى أن هناك من ساهموا بمبالغ فاقت مليون سنتيم، وجهت كلها لشراء المعدات اللازمة من  أسواق مدينة العلمة، و التي كلفت في عمومها حوالي 25 مليون سنتيم، بين مستلزمات البناء و  الترميم  و بعد جهد كبير لاسترجاع الصفائح الحديدية التي أسقطتها السيول برمج السكان مجددا حملة تطوعية لإعادة تعمير معبر الأمل رغم صعوبة المهمة.
 وحسب عمي عمار، وهو واحد من سكان القرية، فقد تم العمل عبر مراحل و بحذر شديد، يقول:»  الجميع ساهموا كل حسب قدرته و حسب ما يجيده، كنا نبرمج العمل على مراحل بمعدل عملية كل 15 يوما بداية باسترجاع الصفائح الحديدية و شراء الكوابل، و رفع علو المعبر بحوالي نصف متر عن العلو السابق، ثم باشرنا بوضع سبع كوابل إضافية لفت بإحكام حول الكابل الرئيسي ليكون أقوى من سابقه، بعد ذلك ثبتنا الصفائح الحديدية، و كان المشاركون في العمل يخاطرون يوميا لإتمامه، فمن الصعب القيام بعملية التهيئة بسبب الوادي و التضاريس الصعبة المحيطة به، خصوصا وأننا عادة ما كنا نستمر في النشاط إلى غاية أذان المغرب، علما أن كل هذا كان يتم بالتوازي مع جني محصول الزيتون».
سكان آخرون من المنطقة شاركونا حديثنا مع عمي عمار و أكدوا، بأن ترميم المعبر تطلب مجهودات جبارة، وهي عملية شارك فيها حتى شباب تطوعوا من ولايات مجاورة، على غرار شاب من سطيف قابلنه هناك، أخبرنا، بأنه حرفي جاء لتقديم يد المساعدة لأبناء عمومته.
مخاطر عديدة في عملية الترميم
خلال جولتنا، لاحظنا عددا من النسوة اللائي كن يحاولن قطع الوادي مشيا، فصدمنا لخطورة المشهد، ولذا سؤالنا لمحدثينا عن سبب هذه المغامرة، أوضحوا، بأن النقطة التي تقف عندها النساء تعد بمثابة المعبر الوحيد الذي يمكن من خلاله الانتقال إلى الضفة الثانية، لأنها النقطة الأكثر اتساعا و الأقل عمقا، فقبل تشييد الجسر استخدمها السكان  كحل وحيد لتنقلاتهم وقد تسبب ذلك على مدار السنوات الماضية في هلاك نحو 14 شخصا.
غيرنا زاوية الرؤية فشدنا، منظر أشخاص يحملون على ظهورهم  أكياس الزيتون الثقيلة و يقطعون بها مسافات طويلة، بعدما جمعوا الغلة المحاذية للمعبر، وقد أخبرنا السيد سعيد، بأن هنالك من يستخدمون البغال لنقل الأكياس في المقابل يعاني آخرون الكثير بسبب قسوة التضاريس  و انعدام مسلك أو طريق معبد.
مطالب بالإسراع في شق الطريق نحو القرية
مواطنو بني فرح، جددوا مطلبهم للسلطات بضرورة التدخل العاجل من أجل إكمال مشروع فتح الطريق نحو المنطقة، انطلاقا من جسر واد جن جن، عبر الطريق الوطني رقم 77، حيث سبق للمسؤولين بالولاية أن خصصوا ما يفوق 15 مليار سنتيم، لذات المشروع الذي أسند لمصالح الغابات، إذ شرع فعليا في شق الطريق، لكن الأشغال توقفت منذ سبعة أشهر، بفعل صعوبة التضاريس، الأمر الذي أقلق السكان، و أجل حلمهم في العودة للمنطقة و تسهيل عملية الوصول إليها، لذلك يطالب  المعنيون الجهات الوصية بالإسراع في عملية شق الطرق و تهيئة المسالك الترابية بالقرية خصوصا وأن الكثير من العائلات عادت للإقامة فيها و ممارسة النشاط الفلاحي الذي يعد مصدر دخل رئيسي للكثيرين.
كـ. طويل

الرجوع إلى الأعلى