عجائز بسواعد رجال في جبال القل

 في الوقت الذي تنعم الكثيرات من أمثالهن من الأمهات والجدات بالراحة و التكفل و الرعاية من قبل أبنائهن وأحفادهن،  فإن  الكثير من النساء المسنات بالمناطق الجبلية بالمصيف القلي غرب ولاية سكيكدة ، يتحملن أعباء الحياة اليومية، و يمارسن مختلف الأشغال الشاقة، التي لا تتحملها العديد من الشابات، حيث يصل بهن الأمر بعد أن تجاوزن السبعين من العمر، إلى الاحتطاب في الغابة، و نقل الحطب إلى بيوتهن ليتدفأ به أفراد عائلاتهن ، كما وقفت عليه النصر في جولة إلى المنطقة.

إنهن لا يكتفين بأشغال الطبخ والغسيل وخدمة الأرض و تربية المواشي، وجني الزيتون و مختلف المحاصيل الزراعية،  بل يقمن بالاحتطاب من الغابة ، من أجل مجابهة قسوة الطبيعة و البرد الشديد خاصة و أن الثلوج تغطي جبال المنطقة في كل فصل شتاء ، ناهيك عن الأمطار الغزيرة التي تتهاطل إلى غاية الربيع ، و ذلك في ظل عدم ربط المنطقة بشبكة الغاز الطبيعي وقلة التمويل بقارورات غاز البوتان والمضاربة بأسعارها، ما يجعل الاحتطاب يصبح ضروريا من أجل مجابهة البرد.
في زيارة النصر لقرية عين المسيد، المترامية الأطراف على مستوى الطريق الولائي رقم 07 ، و هي تابعة لبلدية وادي الزهور، لاحظنا بأن عددا كبيرا من العجائز في رحلة البحث عن مكان داخل الغابة من أجل الاحتطاب، وهن يحملن على أكتافهن المعاول وأدوات تقطيع الحطب.
بسواعد «رجالية» قامت المسنات بنقل أكوام الحطب لمسافات طويلة على رؤوسهن، من أجل تخزينها و استعمالها للتدفئة عندما يشتد البرد و تتهاطل الأمطار و الثلوج، و من بينهن  خالتي حورية و جارتها اللتين كانتا تعملان بحماس أكبر.
قالت لنا خالتي حورية، بأنها و في كل يوم مشمس  تتوجه  إلى الغابة للاحتطاب ، و عندما سألناها عن عمرها ، ردت بأنها لا تتذكره بالضبط، لكنها لا تزال تتذكر بعض المشاهد من زمن ثورة التحرير الكبرى ، و أضافت بأنه لا شيء بالنسبة إليها تغير منذ أكثر من 50 سنة.  فهي و جارتها و بقية النساء المسنات في القرية،  يقمن بنفس العمل و هو الاحتطاب ، في الوقت الذي ينتقل فيه الرجال إلى المدن من أجل البحث عن عمل،  في حين يعاني الآخرون البطالة و يقضون وقتهم في المقاهي .
نساء كركرة ...فلاحات بامتياز
على بعد 10كلم من مدنية القل، وعلى مستوى الطريق الوطني رقم 85 ، الرابط بين القل وقسنطينة و قرى كركرة ، حجرية أحمد سالم و الدمنية ، يصادفك مع أول خيوط الفجر من كل  صباح جموع النساء المتجهات نحو الحقول والبساتين المتواجدة على ضفتي واد القبلي،  من أجل خدمة الأرض، متسلحات بالصبر و الإرادة من أجل إعالة أسرهن.
حاولنا التقرب من بعض السيدات المزارعات، لكنهن رفضن الحديث إلينا، لأن همهن الوحيد هو الوصول إلى الحقول مبكرا لمباشرة العمل ، خاصة و أن عملهن يتشعب بين جني محصول الزيتون وزراعة الخضر، ومختلف المزروعات الأخرى.
الملاحظ ببلدية كركرة ، أن النساء يشتغلن في الفلاحة والزراعة، بينما يهجرها الرجال نحو وظائف أخرى، مثل التجارة وأشغال البناء،  فيما يفضل الكثير من الرجال قضاء وقتهم في المقاهي للعب الورق والدومينو وعدم الالتحاق بزوجاتهم في الحقول ، وهي ظاهرة ورثوها أبا عن جد .
و هناك فئة من الرجال بهذه القرية مهمتها الوحيدة هي الإشراف على بيع المحاصيل الزراعة في أسواق الجملة،  بعد انتهاء النساء من جنيها و توضيبها في الأكياس، حيث يعتبر سوق قرمجانة للخضر والفواكه ببلدية كركرة ، من بين أهم الأسواق التي يقصدها مئات الزبائن من ولايات الشرق لاقتناء مختلف الخضر والفواكه الطازجة. 

  بوزيد مخبي

الرجوع إلى الأعلى