أتحدى الشيخوخة و إعاقتي الحركية بالعمل التضامني المكثف
يبلغ الآن 70 عاما من عمره ، قضى 38 عاما منها، كمتطوع في الهلال الأحمر الجزائري، متحديا إعاقة حركية بنسبة مئة بالمئة، و الكثير من الصعوبات التي يواجهها يوميا أثناء أداء عمله الإنساني التضامني الذي يكرس له كل وقته و جهده في النهار و الليل ،  فالسيد عز الدين بن عامر، أو عمي عزوز ، كما يطلق عليه القسنطينيون جيلا بعد جيل ، من أقدم و أشهر شخصيات المدينة التي تحظى بالحب و التقدير ، أينما حلت، لأنها رمز للعطاء و الإيثار و الإنسانية، و لمدرسة الإسعافات الأولية القديمة التي تخرج  منها  6آلاف و 700مسعف و البقية تأتي.
عمي عزوز يتحول إلى كتلة من النشاط و الحيوية و الحماس، إذا تعلق الأمر بالمشاركة في نشاط تطوعي، مهما كان نوعه، و أكد للنصر بأن حب الخير و التكافل الاجتماعي يخفف عنه وطأة تقدمه في السن و التعب و يبعد عنه الأمراض و الآلام، فمهامه متعددة و مسؤولياته لا تقتصر على الإشراف على تكوين الراغبين في تعلم الإسعافات الأولية بالمدرسة التي يديرها بوسط مدينة قسنطينة لعقود من الزمن ، فهو كما قال أحد زملائه «يحضر في كل محضر»، استنادا للمثل الشعبي الذي يشير إلى المشاركة بقوة في كل المناسبات و النشاطات، و ذلك من أجل مساعدة الفئات الهشة و المستضعفة في المجتمع، دون مقابل سوى الدعاء الطيب و الثواب، و أشار عمي عزوز إلى أن العديد من الهيئات و الإدارات و المؤسسات الوطنية تتصل به، ليساعدها هو وطاقمه التطوعي في تنظيم حملات تحسيسية و تظاهرات عديدة،  على غرار حملات التبرع بالدم أو التلقيح و المعارض و الملتقيات، و العمرة و الحج و كذا في حالة الكوارث الطبيعية.
أبي غرس فيّ بذرة التطوع و التضامن مع المستضعفين
عاد المتحدث بذاكرته إلى حوالي أربعة عقود من الزمن، ليحدثنا عن بداياته في العمل التطوعي التضامني، قائلا « انضممت إلى الهلال الأحمر في سنة 1980، لأنني منذ الصغر أحب الأعمال الخيرية و التضامنية، و أتعاطف مع الفقراء و المهمشين في المجتمع، و أشعر بارتياح كبير عندما أقدم لهم يد العون و أغرس الابتسامة في ملامحهم الحزينة، لأنني تشبعت بالقيم التي غرسها  في شخصيتي أبي عندما ناضل ضد الاستعمار الفرنسي و رفض بعد الاستقلال أن يستخرج وثائق أو يتقاضى منحة مقابل حبه لوطنه ، و كذا تعاليم ديننا و عادات و تقاليد مجتمعنا، أعتبر نفسي من أقدم المتطوعين في مكتب الهلال الأحمر بقسنطينة، لقد سبقني إلى هذا المجال البروفيسور جمال الدين عبد النور وحده، و رغم بلوغي السبعين، إلا أنني سأواصل رسالتي الإنسانية بكل حب و حماس و مثابرة و قد نقلت العدوى(يضحك) إلى أبنائي و أحفادي و الكثير من الأشخاص من مختلف الأعمار و الشرائح الاجتماعية الذين يحضرون إلى مدرسة الإسعافات الأولية لمتابعة دورات تكوينية، فأنا في الواقع لا أشرف على تكوينهم فقط، على حركات و إجراءات من شأنها أن تنقذ ضحايا الحوادث و الوعكات الصحية و النوبات المختلفة من الهلاك،  بل أحاول أيضا أن أنقذ المسعفين من حياة روتينية مادية،  بلا روح،  و أوقظ في أعماقهم أسمى مشاعر التضامن و الخير، فيقبلون على مساعدتي أنا و فريقي في بعض المهام التطوعية، و أحمد الله لأنني استطعت أن أنقذ بعض الشباب من براثن الانحراف و الضياع».
و عندما سألناه عن إعاقته و مدى تأثيرها على نشاطاته، تغيرت نبرة عمي عزوز من الحماس إلى الحزن، و رد « ولدت سليما معافى، و عندما بلغت التاسعة من عمري ، في عهد الاستعمار الفرنسي، تعرضت لحادث ، أتذكر أنني كنت في أحد الأيام متوجها إلى حي السويقة مع أبي و كنت ممسكا بيده بقوة، و إذا بمجموعة من عناصر الجيش الفرنسي تغزو المكان مدججة بالأسلحة لتطارد أحد المجاهدين المبحوث عنهم، و شرع المارة في الهروب، ومن شدة الرعب و التدافع، تملصت يدي الصغيرة من يد أبي، وسقطت أرضا، فداستني الأقدام، و نقلني أحدهم إلى بيته، و لم تجد العلاجات الطويلة التي تلقيتها بعد ذلك، لأنني أصبت في عمودي الفقري، و تدهورت تدريجيا حالتي، حتى أصبحت معاقا و حصلت على بطاقة معاق حركيا بنسبة مئة بالمئة «.
و أضاف المتحدث بأن إعاقته، ولدت داخله إرادة قوية و الكثير من التحدي، و لم تمنعه قط من ممارسة حياته الطبيعية، فقد عمل في الفترة بين 1970و 1995 كرئيس مصلحة في شركة لأشغال البناء، و اضطر لمغادرتها دون تعويض بعد أن أفلست و حصل على التقاعد في 1998 ويتلقى حاليا منحة قدرها مليوني سنتيم، و هو متزوج و أب لخمسة أبناء متزوجين و لديه باقة جميلة من الأحفاد.
أشرفت على تكوين 6 آلاف و 700 مسعف
بخصوص مدرسة الإسعافات الأولية، قال عمي عزوز بأنه أشرف على تكوين 6   آلاف و 700مسعف و البقية تأتي، حيث يستقبل في المدرسة مختلف الفئات الاجتماعية من بينهم التلاميذ و الطلبة الجامعيين و ذوي الاحتياجات الخاصة و الموظفين و الإطارات في مختلف المجالات، حيث يخضعون لدورات مكثفة و ينضم أغلبهم إلى النشاطات التطوعية التضامنية التي يضمها مكتب الهلال الأحمر بقسنطينة ، و أشار إلى أنه و أعضاء فريقه النشط يقومون منذ أكثر من 30 عاما في الفترة بين 15 ديسمبر و15 أفريل من كل سنة في الليل بتوزيع وجبات ساخنة و ملابس و أغطية على المتشردين و المعوزين ، حيث يقطعون محور حي الكدية و وسط المدينة، فمحطة القطار ومحطتي المسافرين الشرقية و الغربية ومختلف المحاور الأخرى التي يسمعون بأنها تضم فئة المحرومين من المأوى، و من بينهم عدد محدود من الأفارقة، و أشار عمي عزوز بأنهم كلما شاهدوا سيارتهم ليلا ، يهتف أغلبهم»جاءت معزة الهلال الأحمر!»، لكنهم يصطدمون أحيانا بمشاكل مع فئة السكارى، و يتجاوزونها بحكمة.
«معزة» الهلال الأحمر !
و أعرب المتحدث عن ألمه الشديد لتواجد عدد معتبر من النساء ،خاصة الشابات اللائي تتراوح أعمارهن بين 20 و 43عاما، تفترشن الأرصفة و الزوايا بسبب مشاكل عائلية في أغلب الأحيان، و يتعرضن لشتى أنواع الاعتداءات من وحوش بشرية لا يرحمون ضعفهن، و أحصى على سبيل المثال 10 حالات بوسط المدينة من بينها شابة حامل في ربيعها 23 ، و أشار إلى أن هؤلاء النساء المهمشات يرفضن عادة كل عروض مصالح مديرية النشاط الاجتماعي و التضامن لنقلهن إلى ديار الرحمة .
و تابع عمي عزوز بأن منظمة الهلال الأحمر الإنسانية و الخيرية تعتمد بشكل كامل على تبرعات المحسنين لتجسيد عملياتها التضامنية، لكنها تتلقى تسهيلات من السلطات من أجل تجسيد برامجها، و من بينها الحصول على رخصة من والي قسنطينة لطلب المساعدات عن طريق المساجد و نشر إعلانات عن طريق وسائل الإعلام لنفس الغرض، مشيرا إلى أن التحضيرات على قدم و ساق من أجل فتح مطاعم الرحمة للمعوزين و عابري الطريق.
إلهام طالب

الرجوع إلى الأعلى