عائلات تنفض الغبار عن رحاها الحجرية و تعرض خدماتها على جيرانها
 استرجعت الرحى التقليدية الحجرية التي تملكها الكثير من العائلات ببلدية عين عبيد، بولاية قسنطينة مكانتها القديمة هذه الأيام و تم نفض غبار النسيان و التهميش عنها ، لأن الطلب عليها في تزايد مستمر مع اقتراب موسم شهر الصيام الذي بدأ يلوح في الأفق، لتصنع بين دفتيها الفريك الذي تحضر به الشربة سيدة أطباق رمضان،  مرددة بجعجعتها «لحنا» يعود إلى غابر الأزمنة ، حينما اخترعها الإنسان، لتصنع غذاءه عندما تخلى عن جمع والتقاط قوت يومه بيده.     
شربة الفريك أعادت للرحى الحجرية أمجادها، بعودة الاهتمام بها وقد تحولت إلى موضوع حديث الكثير من الأسر التي تملكها ، و تتهافت على استعمالها من أجل تحضير دشيشة الفريك، لأن الرحى الكهربائية لا يمكن أن تعوضها ، فقد دأبت العائلات بالمنطقة على إعدادها على طريقتها،  لتتحكم في حجم حباتها و لكي لا تتحول إلى دقيق في أول حركة طحن، كما تقول الحاجة مسعودة التي لا ترضى عنها بديلا ، لإعداد ما يغطي حاجتها و حاجات  أبنائها و أسرهم ، وتقول بأنها فقدت رحاها التي ورثتها عن أجدادها ، بعد أن أعارتها لإحدى جاراتها وتناقلتها الأيادي والعائلات، ف»ضلت» طريقها ولم تستعدها، منذ ذلك الوقت أصبحت تحرص قبيل حلول رمضان أن تكون أول من يعير رحى القرية، لتتمتع بهذا العمل الذي يذكرها بصباها وأجواء التحضير لموسم الصيام، كما أكدت للنصر، مرددة بعض الأهازيج و المدائح الدينية.
عمار يملك رحى ورثها عن أسلافه يحرص كل سنة على إخراجها و تنظيفها ثم يعيرها إلى سكان قريته، بنية الصدقة الجارية عن أصحابها ، ويحرص كل الحرص على يعيدها له معيرها مباشرة ، ليتولى بنفسه تقديمها لمن يطلبها بعده، خوفا من أن يفقدها بعد أن تتقاذفها الأيادي والمنازل، ويكون مصيرها الضياع وعدم العودة إلى البيت، على غرار الكثير من رحى جيرانه ، و يؤكد بأنه مقتنع بهذا النوع من الخدمات و يعتبره صدقة جارية.
و هكذا يقوم عمار وأمثاله ممن يحوزون على رحى حجرية، بالحفاظ عليها لما ترمز إليه من عادات مرتبطة بها وطقوس تصاحبها، خصوصا في فترة التحضيرات لاستقبال شهر رمضان من كل سنة.
اعتبر من جهته الدكتور حسين طاوطاو مدير معهد التاريخ والإنسان و الإنسان القديم، فرع عين مليلة الرحى الحجرية من بين أهم الاختراعات في تاريخ الإنسان،  وتكمن أهميتها في أنه لا يزال يستعملها، على الرغم من أنها تعود إلى فجر التاريخ ، و واكبت كل الحضارات القديمة منذ أن بدأ الإنسان يهتم بالزراعة لصناعة غذائه وتحويله من الحالة الصلبة إلى دقيق، فهي ، كما قال في اتصال بالنصر، آلة تحويل لأن الإنسان لا يستطيع استهلاك المواد الغذائية في حالتها الطبيعية الصلبة.
ص/ رضوان    

الرجوع إلى الأعلى