قضت، أمس الاثنين، محكمة الجنايات الابتدائية بمجلس قضاء قسنطينة، بعقوبة السجن المؤبد في حق سائق سيارة «سيات ليون» التي تسبّبت في مقتل 4 أشخاص بشارع عبان رمضان نهاية السنة الفارطة، وإدانته بتهمة القيام بأعمال العنف العمدية المرتكبة مع سبق الإصرار والتي أدت إلى الوفاة، وجنحة التحطيم العمدي لملك الغير.
حادثة سقوط سيارة من نوع «سيات ليون» من حي الكدية وصولا إلى شارع عبان رمضان بتاريخ 2 ديسمبر 2018 ، خلفت أربعة قتلى وهم سقني محمد وداود يعقوب وجاو محمد وليد وبوخلف عبد الرحمان، وهي الحادثة التي هزّت الرأي العام وقتها، وعرفت تفاعلا واسعا من طرف المواطنين.
وعاشت محكمة الجنايات أمس ظروفا خاصة، خلال أطوار المحاكمة، بداية بطلب فريق الدفاع تأجيل الملف إلى دورة لاحقة، و الذي قوبل بالرفض من هيئة المحكمة بعد مداولات قصيرة، قبل العودة مجددا لتشكيل هيئة المحكمة والتحاق أربعة محلفين من القضاة الشعبيين، لتنطلق المحكمة على وقع قيام والدة أحد الضحايا بمواجهة المتهم بصورة ابنها المتوفي قائلة «شاهد من قتلت» ليطلب منها قاضي الجلسة التوقف عن الكلام إلا بإذن منه، وهو الأمر الذي التزمت به السيدة وكل من كان داخل القاعة.
عقب ذلك شرع في استجواب المتهم المدعو «ح.ح» المولود بتاريخ 27 جانفي 1994 وهو يتيم الأب ويعمل في مجال التجارة مع شقيقين آخرين، و الذي  و من خلال تصريحاته أمام هيئة المحكمة أوضح أنه كان بتاريخ الوقائع على مستوى حي الكدية من أجل تسديد المستحقات الخاصة بمخالفة وذلك في آخر أجل لها، مضيفا أنه التقى بـ «غ.ن» وهي من بين الشهود في القضية، والتي تربطه بها علاقة صداقة، مضيفا أن المعنية ساعدته في الإجراءات، وقد تنقل رفقتها من حي الكدية ثم شارع عبان رمضان ثم العودة إلى الكدية مجددا، قبل أن تنزل من مركبته بالقرب من متحف سيرتا.
وتابع المتهم تصريحاته مؤكدا أن إحدى ممرات حي الكدية كانت مغلقة بسبب ورشة أشغال ، ليعود أدراجه وفي تلك اللحظة أصابته نوبة من اللاوعي دامت حوالي 3 ثواني أو أكثر ليتفاجأ بتزايد سرعة السيارة فاقدا السيطرة عليها، لتسير في الاتجاه المعاكس لحركة سير المركبات ثم تسقط عبر السلالم باتجاه شارع عبان رمضان ما تسبب في وفاة 4 ضحايا وبعدها ارتطم بسيارة من نوع «كليو» قبل أن يتوقف بمدخل قاعة الرياضة، نافيا أن يكون قد قام بفعلته تحت تأثير الغضب بعد وقوع خلافات بينه وبين الشاهدة.
من جهتها أوضحت الشاهدة في القضية أنها بتاريخ الوقائع التقت المتهم من أجل مساعدته على تسديد مخالفة، وقد رافقته على متن سيارته من نوع «سيات ليون» من حي الكدية إلى وسط المدينة ثم العودة مجددا، مضيفة أنها نزلت من السيارة، قبل أن تتفاجأ بضجيج، ولم تكن تعلم بأن «ح.ح» هو مرتكب الحادث إلا بعد وصولها إلى مكان توقف المركبة، نافية أيضا وجود علاقة بينه وبينها عدا صداقة عادية، ولدى سؤالها من طرف القاضية عن ووقوع خلاف بينها وبين المتهم أنكرت ذلك وأوضحت أن كل هذه المعلومات عارية عن الصحة، فيما لم ترد عن سؤال القاضي المتمحور بأن تسجيلات الفيديو بينت أنها ظهرت وهي تحاول اللحاق بالمركبة بعد حوالي 10 ثواني فقط من سقوطها عبر السلالم.
بدوره واجه القاضي المتهم بوجود تناقضات في أقواله وتصريحات الشاهدة، كما أبدى مرارا ملاحظات حول تمكن المتهم من الإجابة بدقة على بعض الأسئلة على غرار المسافة الفاصلة من مكان نزول الشاهدة من المركبة وسلالم حي الكدية، في حين أنه لم يتمكن من الإجابة على أسئلة أخرى، على غرار سبب عدم تمكنه من التحكم في السيارة أو سبب السرعة المفرطة التي كان يسير بها لحظات قبل الحادثة.
ولم يكتف القاضي بذلك، بل أثار عددا من النقاط الخاصة في الملف، سيما ما تعلق بتقرير الضبطية القضائية ومحضر معاينة الحادثة، من بينها أن عداد السيارة لحظة الحادثة قد بلغ سرعة 81 كلم في الساعة وهي سرعة كبيرة جدا في مكان يعرف عادة ازدحاما مروريا كبيرا وتجولا للمارة ، سيما وأن الحادث وقع حوالي الساعة السادسة مساء، كما أن السيارة كانت تسير في الهواء لحظة خروجها من السلالم وصولا إلى شارع عبان رمضان ولم تلمس أي من 53 درجة في تلك السلالم، أضف إلى ذلك فإن التحقيق احتكم أيضا إلى تسجيلات الفيديو والتي بينت السرعة التي سارت بها المركبة في الاتجاه المعاكس لحركة السير داخل حي الكدية إلى غاية ارتطامها بمدخل قاعة رياضة الجيدو.
دفاع الضحايا ركزوا خلال مرافعاتهم بأن المتهم كان يقصد النزول بمركبته عبر السلالم وأن رواية الاغماء غير صحيحة ولم يتم إثباتها كما أن السيارة في حالة تقنية جيدة،  وهو ما تثبته الخبرة التقنية، كما أن  مزاعم المتهم بزيادة السيارة السرعة فجأة أمر غريب خصوصا وأن علبة السرعة يدوية وليست أوتوماتيكية، مطالبين بتسليط أقسى العقوبات على المتهم وادانته بالتهم المنسوبة إليه.
أما دفاع المتهم المكوّن من ثلاثة محامين فقد حاولوا تبرئة ساحة موكلهم من جريمة أعمال العنف والمطالبة بإعادة تكييف القضية إلى تهمة القتل الخطأ بناء على نص المادة 288، كما أبرز المحامون أيضا معاناة المتهم من نوبات نفسية وكذا إغماء سيما وأنه يعاني منها منذ أن كان صغيرا بسبب الوفاة المفاجئة لوالده، زيادة على أنه تضرر بفعل حادث مرور وقع له سنة 2016، ولم يتمكن حتى من معالجة أضرار نزيف في الرأس، إلى جانب كسر في الجمجمة، كما قدّم الدفاع ملفا طبيا يثبت ذلك مدعوما بتقريرين لطبيبين مختصين بالمؤسسة العقابية تثبت الأقوال السابقة، فيما رأى ممثل الحق العام عكس ذلك وأكد أن المتهم مذنب،  ملتمسا تسليط عقوبة المؤبد في حقه.
وقد عرف بهو مجلس قضاء قسنطينة خلال فترة المداولة وقوع ملاسنات بين واحدة من أهالي الضحايا ووالدة المتهم، ليعود الهدوء بسرعة بعد تدخل بعض أفراد العائلتين، قبل أن تعم بعض الفوضى عقب نطق القاضي بالحكم، و الذي كان وقعه صادما بالنسبة لوالدة المتهم التي تأثرت بذلك ولم تستطع التوقف عن البكاء والصراخ، مقابل فرحة عائلات بعض الضحايا لدرجة أن إحدى الموجودات بقاعة المحكمة قامت بتحية القضاة وأطلقت الزغاريد.
عبد الله.ب

الرجوع إلى الأعلى