رشيد شامي.. طبيب الفقراء الذي كرس الجانب الإنساني للمهنة   
يعرف بـ"طبيب الفقراء» لأنه يمارس مهنة الطبيب باعتبارها رسالة إنسانية نبيلة ، الهدف منها التخفيف من آلام المرضى و علاجهم إلى أن يمتثلوا إلى الشفاء، و لا فرق في ذلك بين الغني و الفقير، لأنه لا يهدف من ممارسة مهنته إلى جني الأموال الطائلة ، و لا يعتبرها تجارة مربحة، و يواصل تقديم خدماته للمرضى ، رغم أنه بلغ العقد السابع من عمره.
يقصد عيادة الدكتور شامي المتواضعة ببلدية ديدوش مراد في ولاية قسنطينة المرضى من كل حدب و صوب، فهو معروف بطيبته و تفانيه في عمله، و بذل جهده و وقته لخدمة مرضاه، فمهنة الطب في رأيه، أسمى من أن تتحول إلى تجارة، كما يراها دخلاء على المهنة، قال للنصر، معربا عن أسفه لأن هؤلاء يلهثون وراء الربح السريع على حساب أجساد أنهكها الضعف و قلة الحيلة.
النصر زارت «طبيب الفقراء» في عيادته، لتسلط الضوء على مسيرته المهنية التي لا تخلو من محطات إنسانية، قل نظيرها، و أول ما شد انتباهنا هو العدد الكبير للمرضى الذين عجت بهم قاعات الانتظار الثلاث في عيادته، فيما ظل البعض واقفين في الرواق، في انتظار دورهم.
 تبادلنا أطراف الحديث مع مريضات ، فأجمعن بأن الدكتور رشيد هو طبيبهن المفضل، و أنه يمارس مهنة الطبيب و الأخصائي النفساني معا بنفس الكفاءة، مؤكدات أنهن يقصدنه منذ سنوات طويلة، نظرا لاحترافيته و قدرته على تشخيص المرض بمجرد المعاينة، قبل طلب قائمة طويلة من الفحوصات و التحاليل، كما أنه يكرس لكل مريض الوقت الكافي لإجراء الفحص بدقة، و يستمع إليه و يسأله عن أعراض مرضه ، و يتجاوز ذلك إلى الاستفسار عن  ظروفه العائلية و الاجتماعية و في حالات كثيرة وكثيرا ما يستغنى عن مستحقاته، إذا اكتشف أن المريض فقير ، كما أنه غالبا ما يكتفي بأخذ المقابل المادي مرة واحدة عند معاينة فردين من نفس الأسرة، و أثنت المريضات على إنسانيته  و سعة صدره و كفاءته.
«أحببت مهنة الطب و اخترتها عن اقتناع»
استقبلنا الدكتور رشيد شامي، في مكتبه المتواضع، فحدثنا عن سبب اختياره لهذا التخصص، و عن أهم محطاته المهنية، فالطب، كما أكد، حلما راوده منذ طفولته، لذلك سعى جاهدا لتحقيقه، فالتحق بكلية الطب بقسنطينة بمجرد نيله شهادة البكالوريا .
و أضاف المتحدث أنه خضع خلال السنة الأولى في الكلية إلى مرحلة تحضيرية هي في الواقع اختبار لشخصية الطالب و طريقة تعامله و كفاءته و مدى إمكانية امتهانه للطب، مع مراعاة الميول و مدى حب المهنة، لأن هناك مقومات يجب أن تتوفر في طلبة هذا التخصص، بدليل أن الكثير من الطلبة الذين تقدموا لاختبار الالتحاق بالكلية تم رفضهم، بينما تم تحويل آخرين إلى تخصصات أخرى، على غرار البيطرة.
الدكتور رشيد المنحدر من منطقة عين البيضاء بأم البواقي، قال بأنه و بعد تخرجه من الكلية، مارس مهنة الطب لمدة 5 سنوات في مستشفى زيغود يوسف بقسنطينة، قبل أن يتولى إدارة قطاع الصحة بولاية سكيكدة سنة 1977، و قرر في سنة 1982 فتح عيادته الخاصة التي  لا يزال يشتغل بها إلى غاية اليوم، و حدد آنذاك تسعيرة 50 دج مقابل كل معاينة، و رفعها في سنة 1993، إلى 200 دج، وظلت كذلك إلى أن اضطر إلى رفعها لحدود 600 دج سنة 2017، بسبب  زملائه الأطباء الخواص ، الذين احتجوا، لأن عيادته  تستقطب عددا كبيرا من  المرضى و ربطوا ذلك بعرضه لتسعيرة منخفضة جدا، بل رمزية.
الاهتمام بالجانب النفسي و الاجتماعي للمريض نصف العلاج
عن سر تفانيه في علاج مرضاه مقابل تسعيرة رمزية، رغم الارتفاع الكبير في أسعار المعاينات التي يفرضها غيره من الأطباء، أكد محدثنا، بأن مهنة الطب مهنة إنسانية و ليست تجارة، كما يعتقد البعض ممن يستنزفون جيوب الفقراء لتحقيق الربح، فالربح في رأيه ،مفهوم يتعارض مع طبيعة المهنة النبيلة، مضيفا " عندما اخترت دراسة الطب كان هدفي هو تحقيق حلمي و ليس الثراء أو اقتناء المنازل الفخمة والسيارات الفارهة، طموحي كان تقديم خدمة إنسانية للمرضى و مساعدة المحتاجين منهم و لم أفكر قط في استغلال جيوبهم ، لأن المال الذي نجنيه دون رحمة  وشفقة ،يقف عائقا أمام راحتنا و سعادتنا" .
و تابع المتحدث» غالبية الذين يمتهنون الطب لهذا الغرض، لا يتمتعون بحياتهم و لا يتذوقون طعم الراحة، الحمد لله بالرغم من أن هذه المهنة هي مصدر رزقي الوحيد، إلا أنها تكفيني لإعالة أسرتي، كما أنها مصدر راحتي و سعادتي التي يستحيل شراءها بالمال «.
أما بخصوص اختياره لمنطقة ريفية نوعا ما لمزاولة نشاطه، رغم شهرته و كثرة الطلب على استشاراته، أوضح الطبيب، بأنه يفضل أن يكون قريبا من الفئات الهشة التي تتمركز بشكل كبير في مثل هذه المناطق، ناهيك عن كونه جد مرتاح في عيادته الحالية، بحكم قربها من مكان إقامته في ببلدية زيغود يوسف.
عن الأمراض الأكثر انتشارا في السنوات الأخيرة، قال بأن مرض السرطان يأتي في مقدمتها متبوعا بالسكري و الأمراض العصبية.
«الوصفة الطبية الصحيحة يجب ألا تتجاوز ثلاثة أدوية»
بالحديث عن واقع المهنة اليوم، اعتبر محدثنا، بأن الطبيب الحقيقي هو من يهتم بالعلاقة بينه و بين المريض، لأن الاهتمام بالجانب الإنساني و الاجتماعي لهذا الأخير، و الألفة التي تتشكل بينهما، تعتبر في اعتقاده، نصف العلاج، كما أن ذلك من شأنه أن يعزز ثقة المريض في معالجه ويضاعف فرص تفوقه و نجاحه.
كما شدد الدكتور شامي على ضرورة معاملة كل مريض ، حسب مستواه العلمي، و محادثته باللغة التي يفهمها، أما بخصوص ظاهرة الإكثار من وصف الأدوية للمرضى و المبالغة في فرض التحاليل و الفحوصات الخارجية، أكد المتحدث، بأن ذلك دليل على نقص الكفاءة و عجز الطبيب عن تشخيص المرض بدقة، موضحا بأن الوصفة الطبيعية و الصحية يجب ألا تضم أكثر من ثلاثة أدوية، مرجعا في ذات السياق، سبب إفراط الجزائريين في استهلاك الأدوية، يعود إلى نمط حياتهم اليومية وكثرة المشاكل الاجتماعية.
 المحاباة و المحسوبية وراء تدني مستوى الطب في بلادنا
عن رأيه في مستوى الجيل الجديد من الأطباء، قال المتحدث، بأن هنالك تدن في المستوى، إلا أن المسؤولية لا تقع على عاتق طلبة الطب أو خريجي الكلية، لأن الخلل، حسبه يتعلق ، بنظام التكوين الصحي الذي أصبح، كما عبر، نظاما قائما على العلاقات و المحاباة ، ناهيك عن كون معايير الالتحاق بالتخصص في حد ذاتها غير مجدية و بحاجة لمراجعة،حسبه، و أضاف  «إن معدل البكالوريا لا يعتبر مقياسا للكفاءة بدليل أن كلياتنا باتت تستقبل جيوشا من الطلبة، في الوقت الذي من المفروض أن نتعامل مع التخصص بمنطق أكثر جدية، و نحدد عدد المقبولين، وفق للاحتياجات  المطروحة اجتماعيا و مهنيا ، و حسب عدد المؤطرين المتوفرين لدينا، بغية ضمان تكوين نوعي للطلبة»، مؤكدا بأن هذا المجال ليس مفتوحا للجميع، و أن المعدل وحده لا يكفي لدراسة الطب، كما أننا لابد أن نركز أكثر على شق التكوين الذي يغفله الكثير من خريجي كلية الطب حاليا.
أطباء لا يعاملون المريض كإنسان
 من جهة ثانية، أرجع الدكتور رشيد شامي، السبب وراء غياب الثقة في أطباء القطاع العام، إلى طريقة تعاملهم مع المرضى، معلقا « بعضهم يتعامل مع المريض على أنه شيء و ليس إنسانا»، فالعلاقة مع المريض، حسبه، أصبحت قائمة على مبدأ ربحي و ليس من أجل شفاء المريض، مؤكدا بأنه من حق المريض على الطبيب التعامل معه بإنسانية واحترام لآدميته .
وعن سبب غياب ثقافة طبيب العائلة كما كان رائجا في سنوات السبعينات رد المتحدث ، أن المريض أصبح يزور أكثر من طبيب بحثا عن العلاج، دون أن يعلم أن هذا التغيير المستمر ينعكس على وضعه الصحي، كما أنه قد يكون سببا في تأخره عن التماثل للشفاء، نظرا لكثرة تعاطيه للأدوية، بدلا من الخضوع لتشخيص دقيق للمرض.
كما أشار الدكتور شامي، إلى أن انتقاد الأطباء لأداء بعضهم البعض، يعد من بين السلوكيات السيئة التي عززت انتقال المرضى من طبيب لآخر بحثا عن استشارة ناجعة، وهو سلوك غير مقبول، حسبه، و يتعارض مع أخلاقيات المهنة، حيث من المفروض أن لا يستصغر الطبيب زميله في المهنة، حتى و إن لاحظ ارتكابه لخطأ ما في التشخيص أو العلاج، بل يتوجب عليه، حسبه،  مراسلة زميله، لتوضيح الخطأ دون تجريح، ناهيك عن إعادة توجيه المريض إليه.
بالحديث عن اهتماماته خارج ميدان الطب، قال الدكتور شامي أنه ولوع بكرة القدم حيث يخصص عطلة نهاية الأسبوع لممارستها و المشاركة في المنافسات الرياضية التي ينظمها فريق جمعية قدماء اللاعبين، مشيرا إلى أنه سبق و أن توج معهم بعديد الألقاب خلال تنقلهم لإجراء منافسات في عدد من ولايات الوطن.
أسماء بوقرن

الرجوع إلى الأعلى