يعود الحديث كل صائفة ، عن خطر التسممات الغذائية الجماعية التي ترتبط مباشرة بالأعراس و الولائم ، فهذا المشكل استفحل في السنوات الأخيرة بالرغم من تطور نمط معيشة الجزائريين و كثرة حملات التحسيس، غير أن نقص الوعي و الاستهتار، كثيرا ما يضعان حياة العشرات على المحك، و يكلفان الدولة مبالغ طائلة تضخ سنويا لعلاج ضحايا التسممات، التي تعد  ولائم الأفراح سببا في 60 بالمائة منها، وذلك بحسب ما كشفت عنه وزارة الصحة العام الماضي، في تقرير أكد بأن غياب الثقافة الاستهلاكية و عدم احترام شروط النظافة و الحفظ، تعد خلفية للتسممات التي تصيب الآلاف و تقتل العشرات سنويا.
إعداد : هيبة عزيون
54 مليون دج نفقات سنوية للعلاج
تحصي الجزائر كل عام، أرقاما مخيفة للآلاف من ضحايا التسممات الغذائية، إذ سجلت وزارة الصحة و السكان و إصلاح المستشفيات 10 آلاف حالة تسمم غذائي بين فردي و جماعي  السنة الماضية، خلفت وفاة 7 أشخاص، كما كلفت الخزينة العمومية مبلغ 54 مليون دينار كنفقات للعلاج، بمعدل 3آلاف دج أو أكثر لعلاج الفرد الواحد، بداية من الإنعاش وإلى غاية خروجه من المستشفى.
 و الواضح أن نسبة كبيرة من التسممات تحدث خلال المناسبات و الأفراح، سواء تعلق الأمر بالولائم التقليدية داخل المنازل أو بما يقدم من أطعمة في قاعات الحفلات المكيفة، إذ يرجع السبب الأول وراء هذه الحوادث إلى الإخلال بشروط التخزين و الحفظ و انعدام قواعد النظافة، إضافة إلى عدم الالتزام بشروط التبريد في ظل ارتفاع درجات الحرارة التي تساهم بشكل كبير في انتشار البكتيريا و فساد الأطعمة المطبوخة و حتى الطازجة.
اقتراح غلق 12 قاعة للحفلات بقسنطينة  
بقسنطينة وحدها، بلغ إجمالي التسممات الغذائية سنة 2018 ، 206 حالة، أغلبها يتعلق بالوجبات العائلية و ولائم الأفراح، و هي حصيلة سجلها أعوان الرقابة التابعين لمدرية التجارة، على مستوى عدد من قاعات الحفلات خلال 106 تدخل ميداني، تمخض عنه تحرير 14 محضر متابعة قضائية و اقتراح غلق 10 قاعات، بسبب عدم احترام شروط النظافة، بالمقابل تم خلال السداسي الأول من السنة الجارية، تسجيل 54 تدخلا، حررت على إثرها ثلاث محاضر و 4 إعذارات مع اقتراح غلق  قاعتين للحفلات.
 «احذروا الوجبات الساخنة»
و يؤكد بهذا الخصوص، عبد الغاني بونعاس، رئيس مصلحة مراقبة الجودة و قمع الغش بمديرية التجارة بولاية قسنطينة، بأن السبب الرئيسي وراء التسممات الغذائية التي تسجل في الأفراح و المناسبات العائلية  هي الوجبات الساخنة التي تحضر في العادة قبل ساعات من تقديمها، ما يؤدي إلى انتشار البكتيريا في الأكل و بالتالي فساده و تحول الوجبة إلى سم، مضيفا بأن الكثير من المواطنين يقومون خلال حفلاتهم بإعداد الوجبات ليلا أو بعد بزوغ الفجر    و من ثم يتركونها لساعات قبل تقديمها للضيوف    و هي مدة كافية ليفسد خلالها الطعام و تتكاثر فيه البكتيريا بفعل عدة عوامل أبرزها الحرارة و إعادة تسخين الوجبة مرارا، ما يسبب لمستهلكيها مشاكل عديدة في الجهاز الهضمي، و تسممات غذائية قد تكون قاتلة، حيث دعا المتحدث، إلى ضرورة الالتزام بشروط حفظ الأكل حتى بعد طهيه، كما يستحسن غليه جيدا قبل تقديمه.
و بخصوص حجم المسؤولية التي يتحملها ملاك قاعات الحفلات في  قضايا التسممات الغذائية الجماعية فقد أوضح بونعاس ، بأن تحريات فرق الرقابة، تؤكد بأن نسبة كبيرة من الحوادث تكون ناتجة عن سوء تقدير أصحاب الحفل وليس مسيري القاعات، إذ كثيرا حسبه، ما يكون هؤلاء خارج الصورة، لأن مهامهم تنتهي بمجرد توقيع عقد تأجيرها، أما الأمور التنظيمية  و الإشراف على تحضير و تقديم الوجبات فيقع على عاتق أصحاب العرس، و غالبا ما يكون هنالك جهل كبير من طرفهم بشروط الحفظ و  التبريد، و هو العامل الأول المسبب للحوادث، بالرغم من أن غالبية  القاعات الموجودة في قسنطينة، تتوفر على أجهزة التبريد و بشكل كاف.
تراجع ملحوظ في عدد الحوادث هذا العام
المتحدث أكد من جهة ثانية، بأن الإحصائيات المسجلة  من قبل مصالح التجارة و مديرية الصحة   تظهر تراجعا في عدد حوادث التسمم هذه السنة  وهو تقدم يعود حسبه، إلى زيادة درجة الوعي  لدى المواطنين، مع ذلك فإن  خطر التسممات الغذائية في الولائم لا يزال يطرح كمشكل من مشاكل الصحة العمومية، و لهذا فقد كثفت مديرية التجارة بالتنسيق مع مصالح الصحة، خرجاتها الميدانية منذ شهر مارس الفارط لضمان سلامة المواطن.

الدجاج أول مسبب للتسممات
كثيرا ما توجه أصابع الاتهام في قضايا التسممات الغذائية الجماعية، إلى أصحاب قاعات الحفلات     إذ يربط المواطنون أسباب التسمم بنظافة القاعة  وهو ما استقيناه خلال استطلاع لآراء البعض، حيث أجمع كثير ممن حدثناهم، على اتهام ملاك القاعات بالإخلال بشروط تبريد اللحوم التي عادة ما توجه إلى القاعة ليلية الوليمة لتحضر صباحا، مؤكدين بأن هؤلاء يتسببون في فسادها، بتعمدهم إطفاء أجهزة التبريد لساعة أو ساعتين أحيانا، بهدف تقليل استهلاك الكهرباء.
بالمقابل، أعتبر آخرون بأن ظروف التحضير أيضا تلعب دورا، و أن ارتفاع درجات الحرارة في الصيف يعد من العوامل التي تفسد الأطعمة خصوصا اللحوم و السلطات.
النصر، تقربت من أحد المستثمرين في هذا المجال بقسنطينة، للاستفسار عن الموضوع، فأكد لنا فؤاد حنوف، مالك قاعة « الأندلس» المتواجدة بحامة بوزيان، بأنه ومن خلال خبرته الطويلة في مجال تنظيم الحفلات، وقف على حقيقة أن الدجاج يعد المسبب الرئيسي للحوادث، موضحا بأن عمليات التسخين و التبريد التي يتعرض لها الدجاج منذ ذبحه في المذبح  و إلى غاية طهيه، تسرع  تلفه خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة صيفا.
قاعات حفلات
 تجهز مطابخها بكاميرات مراقبة
و أضاف السيد حنوف، بأن الكثير من المواطنين يفتقرون لثقافة الاستهلاك الصحي، و يتعاملون مع الأكل بطرق وصفها بالبدائية، إذ يعمدون حسبه، إلى إضافة الخل و الملح و الثوم للدجاج بعد إدراكهم لتعفنه بدلا من رميه مباشرة، وذلك لتجنب الخسارة المادية،  مستبعدا في نفس الوقت، أية علاقة لملاك قاعات الحفلات بحوادث التسمم، لأن دورهم ينتهي عند تأجير القاعة كما قال، فضلا عن أن غالبية القاعات مجهزة بمبردات كافية ، وهناك ما تتوفر أيضا على غرف للتبريد، مرجعا السبب الرئيسي في الحوادث إلى غياب الوعي لدى المواطنين، سواء تعلق الأمر بالحفلات المقامة في المنازل أو داخل القاعات. محدثنا أكد، بأنه يحرص شخصيا  على مراقبة جودة و سلامة اللحوم و الأطعمة التي تصل قاعته خلال كل مناسبة تحتضنها، كما يقوم بمراقبة عملية تحضير الوجبات عن طريق كاميرات زود بها مطبخه مؤخرا، ليتجنب حدوث أية مشاكل تتعلق بتسمم الأشخاص.    
هـ /ع

مختصة التغذية فريدة عواطي
التسممات الغذائية قد تؤدي إلى نزيف حاد بالأمعاء
أوضحت مختصة التغذية بمستشفى الحكيم ابن باديس فريدة عواطي، بأن مخاطر التسممات الغذائية كبيرة جدا، علما أن الحوادث التي تسجل سنويا تكون نتاجا لعدم مراعاة شروط الحفظ و النظافة، وهو ما يؤدي إلى انتشار البكتيريا و يعرض حياة الأشخاص لأخطار متفاوتة كالإصابة بتشنجات عضلية في البطن، بالإضافة إلى الانتفاخ و الغثيان و القيء و الإسهال، كما قد تتسبب في تكاثر جرثومة «السلمونيلا»، أو جرثومة الأمعاء التي  تصيب الضحية بإسهال حاد و نزيف في الأمعاء.
و تؤكد المختصة، أن طرق شراء و تحضير و حفظ  اللحوم الموجهة للاحتفالات و الأعراس، غالبا تكون خاطئة و غير صحية، ما ينجر عنه ظهور  أنواع من البكتيريا الخطيرة التي تسبب التسممات، خصوصا ما تعلق باللحوم، التي تعد أسرع الأطعمة تلفا، بدليل أن لونها و ملمسها ورائحتها تبدأ في التغير تدريجيا بمجرد مرور وقت قصير على شرائها، ولذلك تشدد المختصة على ضرورة مراقبة هذه التغيرات للتأكد من صلاحية هذه اللحوم للاستهلاك، فمثلا، يفضل أن يتم اقتناء اللحم المفروم صبيحة الوليمة، لأن عملية الفرم تتلف الأنسجة التي تعد ضرورية للحفاظ على جودة اللحم وهو ما يؤدي بالنتيجة إلى فساده.
 كما تنصح المستهلكين، بعدم وضع اللحم و الدجاج في مقدمة الثلاجة قبل استعماله، لأن فتحها و غلقها لأكثر من مرة يساهم في ظهور البكتيريا التي يحملها الهواء و التي قد يبدو تأثيرها على شكل بقع بيضاء و خضراء، كما أن تغير رائحة و ملمس هذه الأطعمة و زيادة نسبة لزوجتها دليل قاطع على بداية تعفنها.
هـ /ع

الرجوع إلى الأعلى