جسر الشارع الوطني بقسنطينة..  معلم خلدته بطاقة بريدية
تهمل الكتب و المجلات و المنشورات التي تتحدث عن جسور قسنطينة و كنوزها السياحية، جسر الشارع الوطني، جورج كليمنصو سابقا، المعروف محليا بشارع العربي بن مهيدي، رغم أهميته في تحديث المدينة، و الربط  بين  مختلف شوارعها المستحدثة، و الأزقة العتيقة، خاصة بين بوابتيها الرئيسيتين، باب القنطرة و باب الوادي، انطلاقا من ساحة موليير، مقهى النجمة حاليا، وهذا ما جعل دورهذا الجسر مفصليا في إضفاء النمط العمراني الأوروبي على المدينة، و ترسيخ الفصل بين المجتمعين، السكان الأصليين في أسفل المدينة ومحاصرتهم بهوة و جرف وادي الرمال، والمعمرين في أعاليها، على خلفية أمنية بحتة.
أشغال الجسر انطلقت مباشرة بعد أن بسطت فرنسا يدها على قسنطينة، و أحكمت سيطرتها على السكان، تمهيدا لإنشاء أحياء خاصة بالأوروبيين، و إطلاق أشغال توسيع المدينة و تحديثها، و أعطى نابليون الثالث إشارة انطلاقها سنة 1865 خلال زيارته لها.
الجسر المنسي..  
خلال تصفح الصور التي تؤرخ لمعالم المدينة و يتم نشرها و تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عثرت  النصر على بطاقة بريدية ، كانت نقطة بداية البحث للتأكد من وجود هذا الجسر، الذي أهملته كليا الكتب التي تتحدث عن المدينة، و تاريخها و جسورها، و لم يكن من الصعب رصده، بنظرة عادية،  انطلاقا من مدخل جسر سليمان ملاح، المعروف بجسر المصعد، من جهة محطة القطار، بحي باب القنطرة.
حاولنا العثور على معلومات حوله دون جدوى، فاتصلنا بالدكتور حسين طاوطاو، مدير مركز البحث في التاريخ القديم وعلم الإنسان والتاريخ، فرع عين مليلة، فأكد لنا أن الجسر موجود فعلا ، موضحا لنا أن فرنسا عندما شرعت في تحديث المدينة، إثر زيارة نابليون الثالث لها سنة 1865، أعطى إشارة انطلاق مشاريع لإضفاء الطابع العمراني الأوروبي عليها.
التحديث واجهته صعوبات كبيرة تتعلق بتضاريس المدينة و أرضيتها غير المستوية، و طبيعة صخرها الصلبة، مما اضطرها إلى استعمال كميات كبيرة جدا من الديناميت لنحت الصخر، وفتح الطريق الجديدة لربط بابيها الرئيسيين باب الوادي وباب القنطرة.
أنجز بقوس واحد قبل جسر ملاح سليمان
صادف ذلك وجود صدع و شق كبير في الصخر، بمحاذاة مبنى المدرسة التي بناها صالح باي، امتد إلى مدخل شارع ابن باديس، المعروف بالأربعين شريف، الذي أطلقت عليه فرنسا في ما بعد نهج ألكسيسلمبير ، وساحة مقهى القفلة، النجمة حاليا، التي تعد مفترق طرق استراتيجي، و أطلق عليها في ما بعد الفرنسيون ساحة موليير، فاضطرت السلطات الفرنسية إلى بناء منشأة فنية هي بمثابة جسر صغير يعلو الفجوة، و يتألف من قوس واحد، وأطلقت عليه تسمية  جسر الطريق، أو الشارع الوطني، وبذلك سهلت الوصول من الطريق الجديدة إلى منفذ باب القنطرة ، أقدم جسور المدينة.. كان ذلك قبل إنشاء المصعد الهوائي و جسره المعلق المعروف بجسر ملاح سليمان.
الجدير بالذكر أن نابليون الثالث عندما دخل المدينة، قادما من العاصمة عبر ميناء سطورة بسكيكدة، و استقبله سكانها من الأهالي و اليهود والمعمرين في ساحة النسور، قال « سيرتا النوميدية سوف تأخذ الطابع العمراني الفرنسي «.
الفرنسيون ذكروه في كتاباتهم  
الدكتور حسين طاوطاو أكد للنصر، أن الجسر الذي يعلو الفجوة له أهمية كبيرة، في الربط بين عدة شوارع، كما أنه منفذ إلى طرفي المدينة القديمة السويقة، عبر شارع ملاح سليمان، انطلاقا من الشط، إلى باب الجابية و بقية الأزقة، وكذا باتجاه الشطر العلوي من المدينة القديمة، أي الرصيف والجزارين ورحبة الصوف، و قد شق كل ذلك، الطريق الجديدة بطابعها العمراني الفرنسي المميز.
جسر الطريق الوطني تم انجازه في الفترة بين 1868 و 1869 ، حسب الدكتور طاوطاو، مشيرا إلى أن الفرنسيين ذكروه في كتاباتهم، لكن دون تفاصيل ، و قد تسببت طبيعته و موقعه في عدم الانتباه إلى وجوده من قبل السكان وأهملته الكتابات و المطويات التي تروج للسياحة في قسنطينة.
علما أنه تم استغلال فراغ قوسه الوحيد الضخم، لإنشاء مطعم، و كان قبل ذلك مرشا، يحاذيه مرحاض عمومي، منذ الفترة التي تلت إدخال المصعد كوسيلة تنقل للتغلب على تضاريس المدينة من ذلك المنفذ إلى وسطها، و مد جسره الذي يرتبط اسمه به ( قنطرة السانسور ) كما يفضل القسنطنيون تسميته.
و يذكر أن ألكسيسلمبير (1829 – 1877 )، رجل دولة فرنسي و هو ابن أحد القياصرة القدامى، جاء إلى الجزائر وهو ابن 20 عاما، وتقلد مناصب كثيرة منها والي عنابة و وهران، وهو مؤسس جريدة «المستقل»، أول يومية في قسنطينة، انبثقت عنها جريدة النصر الحالية في ما بعد، و أرشيفها لا يزال يشهد على ذلك.
ص. رضوان

الرجوع إلى الأعلى