يرى مختصون في العلوم السياسية، بأن الحراك الشعبي، أبرز ضعف الأحزاب والنخب السياسية وحركات المجتمع، حيث أكدوا للنصر، على هامش يوم دراسي، حول «دور الجامعة والمجتمع المدني في نشر التوعية السياسية في الجزائر»، احتضنته كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة البليدة 2، بأن النخب السياسية، أصبحت تابعة للحراك الشعبي، وليست قاطرة له، موضحين بأن هذا ما صعب إيجاد ممثلين للحراك الشعبي، كما يؤكد هؤلاء بأن النخبة الجامعية، قدمت الحلول والمقترحات للأزمة السياسية، إلا أنها تصادمت مع ذهنيات موجودة في المجتمع، كما واجهت حواجز مختلفة، حالت دون مشاركتها في التغيير الحاصل في المجتمع.
إعداد: نورالدين عراب
الدكتورة شهرزاد فكيري أستاذة العلوم السياسية بجامعة البليدة 2
الأحزاب السياسية ضعيفة وتقدم برامج متشابهة   
تقول الأستاذة بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة البليدة 2 الدكتورة شهرزاد فكيري، بأن الجزائر تتوفر على كتلة من الأحزاب السياسية، لكنها ضعيفة من حيث البرامج، التي في غالبتها متشابهة أو تقدم عموميات، وتضيف بأن هذه الأحزاب تقترح إصلاحات سياسية واقتصادية، لكن لا تتوفر على النخبة أو الفرقة التي تقود هذه الإصلاحات في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتؤكد نفس المتحدثة، بأن مساندة أحزاب سياسية لبرنامج مرشح معين، يدل على ضعف هذه الأحزاب، مما يؤدي ذلك إلى ضعف التنشئة السياسية بشكل عام.
وتضيف نفس المتحدثة بأن الأحزاب السياسية، مثيرة العدد إلا أن دورها الأساسي ضعيف جدا، وهذا ما ساهم حسبها، في إضعاف التنشئة السياسية، ولو تمت مقارنة ذلك بدول أجنبية كالنرويج مثلا، تذكر الأستاذة فكيري، بأن الأسرة في هذه الدولة، تنمي الأطفال على إتباع حزب معين، وإذا لم يكن اتفاق حول البرنامج السياسي للحزب، يتم التشاور داخل الأسرة حوله، ولهذا فإن التنشئة السياسية لها أدوار مختلفة.  
وبخصوص دور الجامعة في التنشئة السياسية، تقول نفس المتحدثة بأن النخبة الجامعية، تقدم أفكارا، لكنها تتصادم مع الذهنيات الموجودة في المجتمع والأحزاب السياسية، التي تحيد حسبها عن دورها الأساسي، في بناء المجتمع والدولة الجزائرية، وتشير في نفس السياق إلى أن تخصص العلوم السياسية أصبح يعاني من نوع من التضييق في الآونة الأخيرة، وهذا ما أدى إلى عدم فاعليته بشكل تام في هذه العملية، والمساهمة في بناء المجتمع بشكل عام، وتؤكد بأن دور الأستاذ بقي أكاديميا، لأن الجامعة مغلقة تتعامل مع الطلبة فقط، ولم تجد الآفاق التي تسهل لها نشر أفكارها خارج الجامعة، بالتنسيق مع مصالح الولايات والبلديات.
أما فيما يتعلق بدور الجامعة في تقديم الحلول للأزمة السياسية التي تعيشها الجزائر، تقول نفس المتحدثة بأن المبادرات التي قدمتها الجامعة لم تأخذ بعين الاعتبار وهذه المبادرات كانت قاصرة، و لم تخرج من الجامعة.
 وبخصوص حراك الطلبة كل يوم ثلاثاء، تقول الدكتورة فكيري بأنه من الأجدر أن يخرج الطلبة بمجموعة من الأفكار ومناقشتها وطرحها، أفضل من مجرد رفع لافتات، وذلك حتى نعطي معنى للوعي السياسي، وتضيف بأننا نحن حاليا لم نصل إلى مستوى الوعي السياسي، ونحن فقط في عملية التنشئة التي تتدخل فيها عوامل مختلفة، وقد يكون لها تأثير بالسلب على بناء هذا الوعي.

البروفيسور دريس نبيل أستاذ العلوم السياسية بجامعة البليدة 2
حواجز منعت النخبة الجامعية من المشاركة في التغيير الحاصل
يقول البروفيسور دريس نبيل أستاذ العلوم السياسية بجامعة البليدة 2، بأن النخبة الجامعية كان لها دور في الأزمة السياسية، وظهرت في هذه المرحلة الحساسة من خلال عدة نشاطات وملتقيات واقتراحات لحل الأزمة، لكن كانت هناك قطيعة بين البيئة الداخلية للجامعة والبيئة الخارجية، مضيفا بأن مخرجات الجامعة وكل المقترحات التي تقدمها  النخبة، لا يكون لها الأثر الكبير في هذا التغيير الحاصل في المجتمع، ويبقى هناك دائما حاجز يمنع وصولها، ولا تأخذ هذه المسائل بعين الاعتبار، ويؤكد بأن النخبة لديها مقترحات وأفكار، لكنها تبقى حبيسة الجامعة والتوصيات لا تؤثر في الواقع الذي نعيش فيه.
ويؤكد نفس المتحدث بأن الجامعة لها دور كبير في عملية التنشئة السياسية عن طريق تدريس الطلبة المقاييس المتخصصة أو من خلال التظاهرات والنشاطات العلمية، مضيفا بأن هذا الأمر يتأتى عن طريق الفعل السياسي، الذي يتأثر به الطالب باعتباره متكونا في الجامعة، ويتأثر به أيضا المكون، وهو الأستاذ، وعملية توعية الطلبة ونشر كل ما هو أفكارا سياسية ذات صلة وعلاقة بما يحدث في المجتمع والبيئة الداخلية للوطن.  
ويضيف البروفيسور دريس نبيل بأن الجامعة لها دور كبير في نشر التوعية السياسية، ومسألة التوعية حسبه شاملة، وتهم كل جزائري، وليست حكرا على طلبة الجامعة فقط، بل كل شرائح المجتمع معنية بذلك، من أجل أن يكون هناك اهتمام وبناء اجتماعي على أسس صحيحة، مضيفا بأن الجميع معني بما يحصل في الجزائر، مشيرا إلى أن اللامبالاة سلوك سلبي، لأن الأمر يتعلق بمصير الوطن.
ودعا نفس المتحدث إلى خلق ورشات بين الإدارة العمومية والسلطة السياسية والجامعة ومخابر البحث، لإدخال مخرجات الجامعة في هذا التغيير السياسي الذي تمر به البلاد، وذلك من أجل خلق تغيير نحو الأحسن، مشيرا إلى وجود عراقيل ومعوقات في هذا الاتجاه، ومنها صراع النخب الذي دخلنا فيه، وأصبحت هناك فكرة وفكرة مضادة، بحكم الانتماء الحزبي، والجهوية والعشائرية، وكل هذه المظاهر أثرت حسبه على الممارسة السياسية.

صخري منال أستاذة العلوم السياسية بجامعة البليدة 2
الحراك كشف نقاط الضعف التي نخرت جسد المجتمع المدني
تقول أستاذة العلوم السياسية بجامعة البليدة 2 منال صخري بأن الحراك الشعبي، كشف العديد من نقاط الضعف، التي نخرت جسد تنظيمات المجتمع المدني، وتضيف بأن هذه الجمعيات يفترض أن تكون لها أدوار تكميلية في المجالات التي يتقلص فيها دور الدولة، لكن الحراك كشف العديد من نقاط الضعف لدى المجتمع المدني الذي لم يؤد دوره، حسب تأكيدها، وذلك لأسباب عدة تضيف، منها أن هذه التنظيمات، انحازت عن الدور والمهام التي يفترض أنها أسست لأجلها، ومن بينها أن تكون ذات برنامج تنموي اقتصادي واجتماعي.
ولما وقعت الأزمة السياسية وانطلق الحراك، لم تقدم تنظيمات المجتمع المدني، حسب الأستاذة صخري، حلولا أو آفاقا للأزمة، لأن ما هو موجود على حد تعبيرها في الأنظمة الريعية، هي تنظيمات خيرية أكبر منها تكون تنظيمات فاعلة، أو فاعل غير رسمي مؤثر في السياسات العامة للدولة، مشيرة إلى أن هذه التنظيمات لا تحظى باعتراف قوي، وبأن عشرية الفساد للنظام السابق، نخرت كل التنظيمات القائمة في الدولة.
وشددت نفس المتحدثة، على ضرورة البحث عن الحلول وكيفية النهوض بهذه التنظيمات، ولا يتحقق ذلك حسبها، إلا من خلال تغيير جذري يمس المنظومة القيمية والممارساتية ككل، لأن هذه التنظيمات حسبها تتأثر بالبيئة والمحيط الذي تنشئ فيه، وتشير نفس المتحدثة إلى ضرورة التفريق بين الجامعة كفاعل رسمي وبين المجتمع المدني بتنظيماته المختلفة، كما أن المجتمع المدني يختلف حسبها، عن الأحزاب السياسية، رغم أن الكثير من الأكاديميين يخلطون بين المجتمع السياسي وتنظيمات المجتمع المدني، وترى بأن هناك فرق شاسع بينهما.
وعن دور الجامعة في التنشئة السياسية، تقول الأستاذة صخري بأن الجامعة عجزت عن إشراكها في قضايا المجتمع، لهذا لم تلعب دورا محوريا في القضايا الحالية التي تعيشها الجزائر، وتعتقد بأن سبب ذلك يعود إلى تغييب الجامعة، وغياب الإرادة السياسية في أن تكون لنا فواعل تنتشل المجتمع وتطوره وتخرجه من الأزمات التي يعيشها، وتؤكد بأننا بحاجة إلى تغيير جذري، ولا يكفي أن نعرف أين هو الفساد والمفسدين، ولكن نحتاج لتغيير جذري يمتلك الآليات ويمسك الأسباب، كما نحتاج حسبها لإرادة سياسية قوية و فاعلة لتحقيق حكامة سياسية، لأن وجود حكامة ورشادة سياسية تؤثر على المناخ السياسي وتساعد في رسم السياسات العامة بالدولة الجزائرية.

الدكتور أسامة بوشماخ أستاذ العلوم السياسية بالمركز الجامعي بتسمسيلت
النخب السياسية كانت تابعة للحراك ولم تكن قاطرة له
يقول أستاذ العلوم السياسية بالمركز الجامعي تسمسيلت الدكتور أسامة بوشماخ، بأن النخب السياسية كانت تابعة للحراك، ولم تكن قاطرة له، ويضيف بأن ما يعاب على النخب السياسية أنها كانت متخلفة على مستوى التغيرات التي تشهدها الساحة السياسية، ولهذا الكثير يعيب على الحراك غياب ممثلين عنه، وذلك يرجع حسب نفس المتحدث، إلى غياب النخب التي تستطيع أن تقود المجتمع لاستخراج ممثلين عن الحراك.
ويضيف الدكتور بوشماخ بأن النخبة السياسية، كانت جزء من حراك 22 فيفري، لكن لم تكن قائدة له، على الرغم من أن النخبة في الحقيقة هي قاطرة المجتمعات نحو التغيير السياسي، ويضيف نفس المتحدث بأن هذا لا يعني أن النخبة كانت غائبة، مشيرا إلى أن الاعتصامات والاحتجاجات التي عرفتها البلاد قبل 22 فيفري، كانت تقودها نقابات، وهذه النقابات تمثلها النخبة، كما أن العديد من المبادرات التي قدمت لحل الأزمة قدمتها نخبة سياسية، وهذا ما يؤكد تعايشها مع الأحداث، لكن ما يعاب عليها هي أنها لم تكن قاطرة للحراك الشعبي، ما انجر عنه عجز في تمثيل الحراك.
وبخصوص حراك الطلبة، يقول الدكتور بوشماخ بأن الطلبة هم جزء من النخبة، ودورهم مهم ومؤثر جدا على ما يشهده الحراك، ويضيف في نفس السياق، بأن قياس رقي المجتمعات، يعتمد على الجامعة والبحوث العلمية، وبالتالي فالتنشئة السياسية والوعي والثقافة السياسية، ليست مرتبطة حسبه بالجامعة فقط، بل هناك دور للأسرة والمدرسة، والجامعة تنضج الطالب وتقدم له أفكارا جديدة، تفتحه على العالم ويصبح له رصيد معرفي كبير، يجعله يسير بخطوات نحو عمل سياسي يتماشى والبحث العلمي.
وفيما يتعلق بالمبادرات التي قدمت لحل الأزمة، يقول نفس المتحدث بأن الجزائر شهدت تخمة في المبادرات السياسية، بحيث قدمت من طرف أحزاب سياسية وجمعيات وشخصيات وطنية والنخب السياسية والعلمية، لكن عدم الإجماع على مبادرة واحدة خلق مشكلة.
وعن دور النخبة الجامعية، يقول الدكتور أسامة بوشماخ بأن الجامعة، كان لها تواجد على الساحة السياسية، واستشهد باعتماد مترشحي الرئاسيات على نخبة من الأساتذة الجامعين ضمن طاقمهم أثناء الحملة الانتخابية.                     ن ع

الرجوع إلى الأعلى