تحولت جنائز بعض الجزائريين في السنوات الأخيرة، إلى مناسبات للتباهي و البذخ، وأخذت منحا مغايرا لما هو متعارف عليه في مجتمعنا، فبعدما كان الطعام الذي يحضر خلالها يصنف كصدقة جارية على روح الميت، أصبحت عائلات تجنح إلى التمظهر و إقامة ولائم لا تختلف عن تلك التي تشهدها الأعراس و المناسبات السعيدة، و بدل طبق *الكسكسي* البسيط، صاروا يحضرون *الشخشوخة* و أرقى أنواع الحلويات، ناهيك عن التركيز على تفاصيل أخرى أخرجت المناسبة عن أصلها.
مظاهر غريبة لم تكن بالأمس القريب، ضمن طقوس إقامة المأتم أصبحت رائجة جدا مؤخرا، ففي الوقت الذي ما تزال فيه بعض المناطق تحترم حزن أهل الفقيد كما هو معمول به في منطقة الشريعة بولاية تبسة، أين يتجنب أهله إشعال المواقد في منزله لمدة 3 أيام، ليتكفل المعزون بإحضار ما يطعمون به غيرهم من الحاضرين، تعرف هذه المناسبة اليوم، تغيرا كبيرا على مستوى مناطق أخرى كقسنطينة و سطيف و بعض ولايات الوسط كالجزائر العاصمة تحديدا، فمن يتوجه إلى هذه المناطق لتقديم واجب العزاء، سيصدم بترتيبات راقية تجعل المناسبة تشبه العرس إلى حد بعيد، حتى أن بعض الأسر تبالغ في ترتيباتها و تصرف مبالغ خيالية لتحضير وليمة العزاء، بداية من فراش البيت و وصولا إلى الطعام الذي يتم تقديمه، إذ لم يعد *الكسكس* أو *النعمة* الطبق الوحيد الذي يقدم مع *الشربة*، بل أضيفت إليه السلطة المشكلة، و كذا صحن من الفلفل الحار أو «الحميص» و سلة من الفواكه تقدم كلها في صينية يزينها ورق شفاف براق أو ملون.
 و فيما تكتفي بعض العائلات بهذه القائمة، نجد أن هناك آخرين قد  تخطوها إلى درجة كبيرة، بتحضيرهم *للشخشوخة* و *تريدة الطاجين* بدلا من الكسكسي كطبق رئيسي على الغداء، كما باتوا يقدمون على موائد القهوة أرقى أنواع الحلويات التقليدية من *مقرود* و *صابلي*، بينما أزيح *الكاسكروت* عن القائمة كليا و حتى الحلوة الشامية، و التمر أصبحت أقل استعمالا في ظل ما تفرضه عائلات ترى في تقديم أفضل أنواع الطعام للضيوف صدقة تصل للميت.
و إن كان التحضير للعرس يستغرق أشهرا و يتطلب الكثير من الادخار، فإن مصيبة الوفاة فجائية و لا تسبقها أية تحضيرات، مع ذلك فإن البعض يكلفون أنفسهم مبالغ مالية ضخمة لشراء الطعام و تقديمه بأحسن صورة، في وقت يقوم الكثيرون بذبح الذبائح خاصة خلال ما يعرف بـ*السابع* أو *الفرق*، أما *الأربعين*، فقد تحول إلى يوم مميز لالتقاء الأقارب في جو قد ينسيهم حتى سبب اجتماعهم و يجعلهم يعتقدون أنهم في عرس وليس جنازة، نظرا للمبالغة في التحضيرات التي تمتد حتى للباس خاصة بالنسبة للنساء اللائي تخلت أغلبهن عن *قندورة الجنائز* الزرقاء الداكنة أو البنفسجية القديمة، و تم استبدالها بأجمل الفساتين التي تعمد بعض النسوة لخياطتها أو شرائها تحسبا لمثل هذه المناسبات خاصة إذا ما كان الميت قد عانى طويلا من المرض و أصبح وصول خبر وفاته قضية وقت لا أكثر.
 تقول أخصائية علم الاجتماع الأستاذة سميرة بوشعالة أن  سلوكات غريبة ،  تدخل في إطار التفاخر و التباهي   الذي طغى على المجتمع الجزائري، و  امتد من المناسبات السعيدة و الأعراس ليطال حتى مناسبات الحزن، و ترجع الأستاذة ذلك إلى غياب الوازع الديني لدى الكثيرين ممن يهملون اللب و يركزون على المظاهر، سعيا لإرضاء البشر، ما حول الجنائز إلى عبء ثقيل يرهق كاهل الأسر الجزائرية كغيره من المناسبات.
إ.زياري

الرجوع إلى الأعلى