تقف شامخة بنهج سيدي بوعنابة، قرب شارع العربي بن مهيدي بقسنطينة، و بالضبط فوق زاوية سيدي بوعنابة، لتزين مدخل المدينة القديمة، و رغم أن عمرها قرن و 34 سنة و تدهور بنايتها، لكنها لا تزال محافظة على ديكورها الجميل،  هي مدرسة أراغو سابقا و مولود بلعابد حاليا،  التي درست بها عدة أجيال و احتضنت شهداء الثورة المجيدة أمثال توفيق خزندار، كما درست بها إطارات سامية بالدولة، أمثال أول وزير للعدل للجزائر المستقلة عمار بن تومي.
استطلاع / أسماء بوقرن
هكذا حملت اسم العالم الفيزيائي الفرنسي فرانسوا أراغو
اختار الفرنسيون نهج صلاحي الطاهر بالحي العتيق سيدي بوعنابة ، قرب مدخل السويقة ، لبناء مؤسسة تربوية  سنة 1878 ، و استقبلت أبناء المستعمر الذكور ابتداء من السنة الدراسية 1886 ـ 1887، تحت تسمية «المدرسة الابتدائية للذكور للنهج الوطني
« العربي بن مهيدي حاليا» ،  لتفتح أبواها سنة 1913 لأبناء المدينة، بعد إضافة كلمة «أهالي» لتسميتها، لتصبح «المدرسة الابتدائية للذكور لأهالي البلد»،  فدرس بها جزائريون و فرنسيون، و ظلت تحمل نفس الاسم إلى غاية الفاتح من أكتوبر سنة 1921،  عنذئذ أطلق عليها اسم الباحث في الفيزياء و الفلك و الرجل السياسي فرانسوا أراغو.
و كانت المؤسسة تدرس مستوى تعليميا خاصا بالأوروبيين و آخر بالجزائريين، و اشتهرت بهذا الاسم منذ ذلك التاريخ ، و لا يزال الكثير من المواطنين  يطلقونه عليها، بالرغم من تغييره  سنة 1980 ، حيث استبدل باسم شهيد الوطن المعلم و الصحفي مولود بلعابد الذي سقط في ميدان الشرف بجبال قالمة سنة 1959.
بناية عريقة تفقد الكثير من بريقها
النصر زارت ابتدائية مولود بلعابد التي تعد من بين أعرق الشواهد المعمارية التي تؤرخ لقسنطينة التي يفوق عمرها 3 آلاف سنة و تحكي ماضيها، اجتزنا الحي العتيق سيدي بوعنابة، الواقع عند مدخل المدينة القديمة السويقة، و وقفنا أمام هذا الصرح الشامخ  المتربع على مساحة 920 مترا مربعا، الذي لا يزال محافظا على هندسته الكولونيالية، تزينه النوافذ الخشبية الكبيرة ،  فيما تم تغيير بابه الرئيسي الذي كان مصنوعا من خشب، كما قال لنا أحد سكان المنطقة،  ليستبدل بآخر من حديد، لونه رمادي، غير أن البناية فقدت جزءا كبيرا من بريقها، بعد أن أصبح لون طلائها الأصفر باهتا و قديما، شوه منظرها الخارجي.
لوحات فنية توشح الجدران

  دخلنا المؤسسة العريقة عبر بابها المخصص للإداريين، و الواقع عند نهج صلاحي الطاهر، فلاحظنا أن هندستها الداخلية تشبه إلى حد بعيد مؤسسة « جيل فيري» أي إكمالية محند ولد علي حاليا بسيدي جليس، و مدرسة جول ميشلي سابقا و إكمالية منتوري أحمد الشريف حاليا، و غيرها من المؤسسات التعليمية لتي بنيت في الحقبة الاستعمارية، و تشترك في تصميمها، حيث تتوزع أقسامها على شكل رمز الاتحاد «u « و تطل على فناء مساحته 170 مترا مربعا.
و بإمكان من يقف برواقها أن يشاهد البنايات القديمة المحيطة بها، و كذا الزاوية الطيبية التي تحدها عند بوابتها الكبيرة المخصصة لدخول التلاميذ و الواقعة بالبطحة أي نهج بورحلة، حسب ما أوضحه مدير المؤسسة، كما يحدها في الجهة الجنوبية المسجد الكبير، أحد شواهد المدينة.
اللافت أن المؤسسة ، بالرغم من مرور أكثر من قرن و ثلاثة عقود من الزمن على تشييدها، و تشقق أسقفها و سقوط جزء من طبقتها الإسمنتية، لم تخضع للترميم، ، في حين لا تزال أرضيتها ذات الحجارة الحمراء، محافظة على جماليتها، و لم تتأثر بعوامل الطبيعة،  على غرار نوافذها و أبوابها الخشبية التي لم تفقد لونها و شكلها.
كما لاحظنا أنها تحتفظ  بلوحات فنية غاية في الجمال، تزين جدران أروقتها من إبداع فرنسيين مروا بها مثل فوريار، حسب توقيع بإحدى تلك اللوحات، فيما لا تزال المؤسسة تحتفظ بالأصص المصنوعة من الجبس التي تحضن نباتات و أزهار متنوعة، تطبع ديكور أروقتها و فنائها.

علما أن المدرسة تضم 13 قسما، بالإضافة إلى الحجرات الإدارية و قاعة الأساتذة و مطعم، و مكتبة .
قبو يهدّد المؤسسة
كغيرها من المؤسسات القديمة، تملك المؤسسة طابقا تحت أرضي، يقع مدخله عند نهاية الرواق الرئيسي لمدخل المؤسسة، رافقنا إليه مدير المدرسة عادل طكوك، عبر سلالم قديمة مبنية بحجارة زرقاء، فوجدنا هناك خزانا خاصا بالتدفئة المركزية.
قال لنا المسؤول بأن القبو كان يستغل لجمع الخردة، فأفرغ من محتوياته، إذ يعد  بمثابة تحفة معمارية تشبه لحد بعيد قبو مسرح قسنطينة الجهوي،  مقسما بجدران حجرية ليشكل ثلاث حجرات بإحداها نافذة صغيرة ، و كأنها شقة صغيرة، و  المؤسف أن هذا الطابق يغرق في المياه المتسربة من القنوات الموجودة على مستوى شارع العربي بن مهيدي، و التي تصب في أساسيات المؤسسة، و هو مشكل قال مديرها إنه طرحه  في عدة مراسلات للجهات المعنية، إلا أنه لم يتلق أي رد.
أشرطة قديمة و آلات عرض أفلام بأرشيف المدرسة
كغيرها من المؤسسات العريقة بقسنطينة  التي خصتها النصر ببورتريهات،  لا تمتلك مدرسة مولود بلعابد أرشيفا يوثق تاريخها، و لا حتى قاعة مخصصة لذلك، ما عدا مكتبة تحوز عددا من الكتب القديمة جدا، لعديد الكتاب الفرنسيين مثل إميل أوليفي ، و كذا قواميس و معاجم، بالإضافة إلى مؤلفات حول سير الشيخ عبد الحميد بن باديس و  بن خلدون و عقبة بن نافع و غيرهم،  موزعة عبر رفوف خزانة خشبية قديمة،  غير أنها غير مستغلة.
كما تحتفظ المؤسسة بصور عتيقة فوتوغرافية لتلاميذ فرنسيين و جزائريين درسوا بها، منهم من يرتدون ألبسة تقليدية كسروال «الحوكة»،  كما أنها لا تزال تحتفظ بأشرطة لأفلام كانت تعرضها المؤسسة لتلاميذها، كما تتوفر على عدة آلات قديمة للعرض، بالإضافة إلى وسائل تعليمية تستخدم لإجراء تجارب علمية و فيزيائية، منها ميزان قديم و أداة للقياس و غيرها، بالإضافة إلى إطارات تضم أنابيب للتجارب و قطعا من مواد مختلقة، كتب فوقها «متحف صناعي مدرسي».  
توفيق خزندار و أول وزير عدل للجزائر المستقلة درسا هنا..

تصفحنا سجلات المؤسسة التربوية، فاستوقفتنا عدة شخصيات استطاعت أن تخلد أسماءها في تاريخ الجزائر بأحرف من ذهب، في مقدمتها شهيد الثورة توفيق خزندار الذي تحمل إحدى ثانويات المدينة اسمه، و يعد من أبناء قسنطينة و أحد قادة الثورة المحنكين الذين ضحوا بأرواحهم من أجل استقلال الجزائر ، فقد تلقى الشهيد تعليمه الابتدائي بها و وجدنا اسمه مقيدا تحت رقم 42 بسجلاتها ،  كما وجدنا معلومات تفيد أنه ولد في 11 جوان 1922 بقسنطينة ، و اسم والده إسماعيل خزندار ، و هو ما أكده لنا ابنه في اتصال بالنصر، كما تم تدوين تاريخ إنهائه لهذه المرحلة التعليمية في سنة 1929 .
وجدنا أيضا في نفس السجل اسم الشهيد محمد عميور الذي تحمل مؤسسة تعليمية ببلدية حامة بوزيان اسمه، و هو مولود بتاريخ 13 سبتمبر 1927 بقسنطينة.  و من أبرز الشخصيات الذين مروا من هنا، حسب سجلات المدرسة،  أول وزير عدل في حكومة الجزائر المستقلة و هو عمار بن تومي و هو من مواليد قسنطينة في 26 ديسمبر 1923 .
أ ب

الرجوع إلى الأعلى